نتذكر جميعا عندما أقدمت حركة طالبان سنة 2001 على تدمير تمثال بوذا بأفغانستان كيف قامت قيامة العالم بأسره، وتداعت المنظمات الدولية والإعلام الغربي بكل ترسانته تندد وتستنكر ذلك العمل المشين، وتسارع علماء المسلمين تحت الضغط الدولي متدافعين باتجاه أفغانستان، وفي مقدمتهم الشيخ يوسف القرضاوي، لثني حركة طالبان بالأدلة الشرعية المعللة، عن إتمام تنفيذ قرارها الشرعي بتدمير التمثال «المصون»، حفاظا على الصورة المثالية لتسامح المسلمين مع باقي الديانات حتى ولو كانت وثنية! و للحفاظ على تراث الإنسانية الذي يمثله التمثال الحجري المنقوش في قلب جبل باميان!! واليوم، هاهم مسلمو بورما تُقطّع لحومهم وتُسفك دماؤهم وتنتهك أعراضهم وتدمر منازلهم ويهجرون جماعات وفرادى من بلادهم، وها هو العالم الغربي خصوصا بدوله العظمى، والولايات المتحدة الأميركية راعية «السلام» ومؤسساته الدولية الرنانة «الأممالمتحدة ومجلس أمنها العتيد أصحاب القرارات التاريخية وأعضاؤه العظام فرنسا وانجلترا وروسيا والصين المجاورة لبورما، ومنظمة اليونسكو أدعياء الإنسانية والرحمة والدفاع عن حقوق الأقليات وتطبيق القانون الدولي» قد أصابهم الخرس والصمم والعمى، وقبعوا في صمت مريع، ولا من يتحرك ولا من يطالب بإنقاذ أولئك المساكين، وإيقاف حكومة ميانمار الدكتاتورية الطاغية عند حدها وإنزال العقوبات الدولية عليها، لما تقترفه من فظاعات بحق المسلمين!! أم لأنهم مسلمون فلا دية لهم، أم لأنهم مسلمون فدمهم مستباح ومصيرهم أن يبادوا حتى تقر عين الغرب ومن والاه، وحتى تقر عين البوذيين وأصنامهم الحجرية؟!! وها نحن، أيها المسلمون، مرة أخرى نقف مكتوفي الأيدي مشدوهين لهول ما يجري، لا حيلة لنا ولا حول ولا قوة، لماذا؟ لأن دولنا الإسلامية والعربية لا تملك من أمرها شيئا على الصعيد الدولي، فلا صوت ولا صيت ولا هيبة لها، بل حتى تلك التي تملك الأموال والإمكانات والوسائل للتحرك لحماية إخوة لنا في محنة وضيق وشدة من نير الإبادة والتقتيل الجماعي، لم تستطع أن تتدخل لإيقاف مسلسل الدم والقتل الذي يذهب ضحيته مسلمو الروهينغا. حكومة ميانمار العسكرية الطاغية لم تفوت الفرصة لكي تجتث المسلمين من أراضيهم، وتمارس في حقهم صنوف التقتيل والتنكيل، بمشاركة العصابات البوذية المتطرفة، التي انتهزت الفرصة كذلك للانتقام من الدين الإسلامي في شخص المسلمين، وتفجر أحقادها الدينية والإثنية في شكل مذابح همجية وبربرية راح ضحيتها الأطفال والنساء والمدنيون العزل من المسلمين.. وكان أول ضحاياها عشرة من علماء المسلمين الروهينغا، كانوا عائدين من أداء مناسك العمرة، فهاجمهم أكثر من 450 من البوذيين المتطرفين حيث قاموا بربطهم من أيديهم وأرجلهم وانهالوا عليهم ضربا بالعصي حتى استشهدوا. وبعد ذلك تتالت الهجمات والمذابح على قرى المسلمين وأحيائهم من قبل المتطرفين وبدعم من حكومة ميانمار، ومرد كل هذا العنف الأعمى، إلى السياسة العنصرية البغيضة التي سلكتها حكومة ميانمار منذ سنة 1962 تجاه مسلمي الروهينغا، حيث حرمتهم من حقوق الموطنة، بما فيها الجنسية والتعليم الحكومي وممارسة شعائرهم الدينية، واعتبرتهم غرباء عن بورما وقامت بطردهم تباعا إلى بنغلاديش المجاورة بحجة أنهم ليسوا من سكان البلد الأصليين، وهذا ما قوى الأحقاد الإثنية للبوذيين وشجعهم على ارتكاب مذابحهم دونما خوف أو رادع. لقد وجب على المسلمين اليوم التحرك العاجل لإنقاذ وإغاثة مسلمي بورما وعدم تركهم عرضة للاعتداءات الهجمية للبوذيين المتطرفين ولسياسة التصفية العرقية التي تنتهجها حكومة ميانمار، وذلك ببذل كل الجهود، أفرادا ودولا، وطرق كل السبل واتخاذ كل الوسائل الممكنة لإيقاف نزيف الدم وحرب الإبادة التي يتعرض لها مسلمو الروهينغا الذين تقدر نسبتهم ب15 بالمئة من عدد سكان ميانمار، البالغ عددهم 55 مليون نسمة، وعدم تكرار أخطاء الماضي التي جعلت من بعض الأقليات المسلمة، خاصة في آسيا، أثرا بعد عين، نتيجة لصمت المسلمين وتقاعسهم عن الإغاثة وتقديم يد المساعدة يوم كانوا بحاجة ماسة لها.