تتواصل جرائم الإبادة بحق الأقلية المسلمة في إقليم راخين (أراكان) المحاذي لبنغلاديش، في وقت يثير الصمت الدولي حالة من الغضب، حيث دعت جبهة علماء الأزهر إلى محاصرة سفارات ميانمار في أنحاء العالم. ورفع الرئيس الميانماري ثين سين، المعروف بحقده وكراهيته الشديدة للمسلمين، جرائم التطهير العرقي التي ترتكب في بلاده ضد الأقلية المسلمة في الإقليم إلى مرتبة سياسة دولة ممنهجة مرّة ثانية ومعلنة، بإبلاغه مفوض الأممالمتحدة السامي لشؤون اللاجئين أنتونيو غوتيريس أن «الحل الوحيد لأفراد عرقية الروهينغا المسلمة يقضي بتجميعهم في مخيمات للاجئين أو طردهم من البلد». وأدانت منظمة التعاون الإسلامي بشدة أعمال القتل وانتهاك حقوق الإنسان لرعايا الروهينغا المسلمين في ميانمار، التي بدأت منذ يونيو الماضي وأدت إلى سقوط المئات من الشهداء الذين قضوا قتلا بالرصاص وذبحا بالسكاكين وحرقا بالنار، إضافة إلى حرق المنازل والمساجد وإجبارهم على مغادرة وطنهم. وأشار الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو في بيان، أول أمس، إلى أنه على مدى العقود الثلاثة الماضية، تعرّض المسلمون من مواطني الروهينغا إلى جملة من انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك التطهير العرقي والقتل والاغتصاب والتشريد القسري من قبل قوات الأمن في ميانمار. وقال البيان إن استعادة الديمقراطية في ميانمار أنعشت آمال المجتمع الدولي في أن القمع ضد مواطني الروهينغا المسلمين سينتهي وأنهم سيصبحون قادرين على التمتع بالمساواة في الحقوق والفرص، وتابع «ومع ذلك، تسبب تجدد أعمال العنف ضد المسلمين الروهينغا يوم 3 يونيو الماضي في إثارة القلق البالغ لدى منظمة التعاون الإسلامي». وأوضح أن المنظمة شعرت بالصدمة إزاء التصريحات المؤسفة الأخيرة لرئيس ميانمار «ثين سين» التي تتنكر لاعتبار مسلمي الروهينغا مواطنين في ميانمار، مشددا على أن حكومة ميانمار بوصفها عضوا في الأممالمتحدة والآسيان ملزمة بالانضمام إلى المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك الاتفاقيات والإعلانات الخاصة بطريقة معاملة مواطنيها. الحقائق التاريخية وألمح أوغلو إلى إعلان الأممالمتحدة الذي ينص على أن الروهينغا إحدى الأقليات العرقية والدينية واللغوية في غرب ميانمار، وما تظهره الحقائق التاريخية من أن الروهينغا كانوا موجودين خلال القرون الماضية. وأشار إلى أنه بالرغم من ذلك، تواصل حكومة ميانمار ممارسة الاضطهاد والتمييز ضد أقلية الروهينغا، ولا سيّما في ما يتعلّق بقانون الجنسية الصادر عام 1982، الذي ينتهك المبادئ المتعارف عليها دوليا بنصه على تجريد الروهينغا ظلما من حقوقهم في المواطنة. وأعرب أوغلو عن أمله في أن تستجيب حكومة ميانمار لدعوات المجتمع الدولي بطريقة إيجابية وبناءة، بحيث يصبح بإمكان جميع مواطنيها من مسلمي الروهينغا أن يكونوا قادرين على العودة إلى وطنهم وعلى نحو يحفظ لهم الشرف والسلامة والكرامة. وقتل أكثر من ألفي مسلم، قتلا وذبحا وحرقا، وشرد أكثر من 90 ألفا آخرين في هجمات دموية عنيفة استهدفتهم، بحسب ما كشفت عنه رئاسة الشؤون الدينية التركية في بيان رسمي. وطالب البيان، الذي نقله موقع «العربية نت»، الأممالمتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي والمنظمات والهيئات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان بوضع حد لهذا الظلم الذي يتعرض له شعب الأراكان المسلم، مشيرة إلى أن المسلمين في ميانمار يتعرضون للظلم والتعذيب والقتل والتهجير القسري فيما تتعرض بيوتهم ومساجدهم للتخريب ونساؤهم للاغتصاب. محاصرة سفارات بورما من جهتها، طالبت جبهة علماء الأزهر بمحاصرة سفارات ميانمار حول العالم احتجاجًا على المذابح التي يتعرض لها المسلمون هناك.وأكدت جبهة علماء الأزهر أن «بورما لا بواكي لها»، مشيرة إلى ما يحدث للمسلمين في بورما (الاسم الرسمي للدولة جمهورية اتحاد ميانمار) من قتل وتعذيب وحرق، وعدم وجود أية محاولة لمنع ذلك على المستوى الدولي أو الإسلامي, وفقًا لبوابة الوفد. وقالت جبهة علماء الأزهر: «بورما تلك الدولة المسلمة الضعيفة المستضعفة بسبب دينها التي تعاني منذ عقود من غطرسة وإجرام وتجبُّر وقهر الحكم الشيوعي الأثيم الذي استحلَّ فيها كل جريمة، وعمل فيها بوحشية كل منكر على أفظع وأنكى مما فعل اليهود في فلسطين والمجرم الأسد في سوريا، والاستعمار الأوروبي في كل بقعة نزل بها وابتليت به». مطالب بتدخل دولي وكان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين قد استنكر ما وصفه بالمجازر بحق المسلمين في ميانمار التي ارتكبتها جماعة بوذية متطرفة غرب البلاد، مطالبا بتدخل دولي لمنع التطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكب ضد المسلمين هناك. وقال الاتحاد العالمي في بيان نشر على موقعه الالكتروني إن مسلمي ميانمار الذين ينتمون إلى الأقلية العرقية الروهنجية بولاية آراكان غرب البلاد يتعرضون إلى التطهير العرقي منذ فترة طويلة. وأعرب الاتحاد عن قلق العالم الإسلامي الشديد من الأحداث في ميانمار التي قتل فيها عدد كبير من المسلمين، داعيا الأممالمتحدة والمنظمات الخيرية والإغاثية حول العالم إلى القيام بواجباتها في منع هذه الجرائم ووقف التمييز والاضطهاد ضد المسلمين بسبب انتمائهم الديني. شهادة دولية يُشار إلى أن وجود المسلمين، الذين يُعرفون باسم الروهينغا، يتركز في شمال إقليم راخين (أراكان سابقا) بميانمار، وهم من الأقليات العرقية التي لا تعترف بها السلطة, وتعتبرهم مواطنين مهاجرين غير شرعيين, بينما تصفهم الأممالمتحدة بأنهم إحدى أكثر الأقليات تعرضا للاضطهاد في العالم. وجاء في تقرير أخير للمفوضية العليا للاجئين أن الروهينغا يتعرضون في ميانمار لكل أنواع «الاضطهاد». وتتراوح أعداد المسلمين في ميانمار ما بين خمسة وثمانية ملايين نسمة يعيش 70 % منهم في إقليم راخين، وذلك من ستين مليون نسمة هم إجمالي تعداد السكان بالبلاد. وفرضت الحكومات المتعاقبة ضرائب باهظة على المسلمين الذين تعتبرهم الأممالمتحدة إحدى أكثر الأقليات تعرضا للاضطهاد في العالم ، ومنعتهم من مواصلة التعليم العالي، ومارست ضدهم أشكالا مختلفة من التهجير الجماعي والتطهير العرقي. وكانت ميانمار قد طلبت من الأممالمتحدة إيواء زهاء 800 ألف من أقلية الروهنغا المسلمة غير المعترف بها في مخيمات لاجئين، وقال رئيس ميانمار ثين سين خلال لقائه مفوض الأممالمتحدة السامي لشؤون اللاجئين أنتونيو غوتيريس إن الحل الوحيد لأفراد هذه العرقية تجميعهم في مخيمات للاجئين أو طردهم من البلاد. وأبلغ الرئيس سين المفوض غوتيريس أنه «ليس ممكنا قبول الروهنغا الذين دخلوا بطريقة غير قانونية وهم ليسوا من إثنيتنا». وأكد أن «الحل الوحيد في هذا المجال هو إرسال الروهنغا إلى المفوضية العليا للاجئين لوضعهم في معسكرات تحت مسؤوليتها»، وأضاف «سنبعث بهم إلى أي بلد آخر يقبلهم، وهذا ما نعتقد أنه حل المشكلة». والجدير بالذكر أن حكومة ميانمار لا تسمح لأفراد عرقية الروهنغا بالحصول على الجنسية، وتعتبر المسلمين من ذوي الأصول البنغالية مهاجرين غير قانونيين من بنغلاديش المجاورة، وإن عاشوا في ميانمار على مدار أجيال. ويعيش نحو ثلاثين ألف روهنغي في مخيمين تابعين لمفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين ببنغلاديش، كما يعيش زهاء مائتي ألف خارج المخيمين. وقالت مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين إن إعادة توطين مئات الآلاف من الروهنغا في دولة ثالثة ليس خيارا. ويتحول اضطهاد عرقية الروهنغا بشكل دوري إلى اشتباكات مع السكان البوذيين. وأقامت الروهينغا مملكة دام حكمها 350 عاما من 1430 إلى 1748، وشكلوا أول دولة إسلامية عام 1430 بقيادة الملك سليمان شاه، وحكم بعده 48 ملكا مسلما على التوالي، وكان لهم عملات نقدية تتضمن شعارات إسلامية مثل كلمة التوحيد. وفي عام 1824 احتلت بريطانيا ميانمار، وضمّتها إلى حكومة الهند البريطانية الاستعمارية، وفي عام 1937 جعلت بريطانيا ميانمار مع أراكان مستعمرة مستقلة عن حكومة الهند البريطانية الاستعمارية كباقي مستعمراتها بالإمبراطورية آنذاك، وعُرفت بحكومة ميانمار البريطانية.