دروس وعِبر للمستقبل.. الكراوي يقارب 250 سنة من السلام بين المغرب والبرتغال‬    أخنوش: فقدنا 161 ألف منصب شغل في الفلاحة وإذا جاءت الأمطار سيعود الناس لشغلهم    طنجة.. توقيف شخص بحي بنكيران وبحوزته كمية من الأقراص المهلوسة والكوكايين والشيرا    عمره 15 ألف سنة :اكتشاف أقدم استعمال "طبي" للأعشاب في العالم بمغارة الحمام بتافوغالت(المغرب الشرقي)    "المعلم" تتخطى مليار مشاهدة.. وسعد لمجرد يحتفل        الإسبان يتألقون في سباق "أوروبا – إفريقيا ترايل" بكابونيغرو والمغاربة ينافسون بقوة    انعقاد مجلس الحكومة يوم الخميس المقبل    أخنوش: حجم الواردات مستقر نسبيا بقيمة 554 مليار درهم    الجديدة.. ضبط شاحنة محملة بالحشيش وزورق مطاطي وإيقاف 10 مشتبه بهم    استطلاع رأي: ترامب يقلص الفارق مع هاريس    هلال يدعو دي ميستورا لالتزام الحزم ويذكره بصلاحياته التي ليس من بينها تقييم دور الأمم المتحدة    النجم المغربي الشاب آدم أزنو يسطع في سماء البوندسليغا مع بايرن ميونيخ    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا الخميس والجمعة المقبلين    حصيلة القتلى في لبنان تتجاوز ثلاثة آلاف    سعر صرف الدرهم ينخفض مقابل الأورو    البحرية الملكية تحرر طاقم سفينة شحن من "حراكة"    استنفار أمني بعد اكتشاف أوراق مالية مزورة داخل بنك المغرب    الجفاف يواصل رفع معدلات البطالة ويجهز على 124 ألف منصب شغل بالمغرب    المعارضة تطالب ب "برنامج حكومي تعديلي" وتنتقد اتفاقيات التبادل الحر    «بابو» المبروك للكاتب فيصل عبد الحسن    تعليق حركة السكك الحديدية في برشلونة بسبب الأمطار    في ظل بوادر انفراج الأزمة.. آباء طلبة الطب يدعون أبناءهم لقبول عرض الوزارة الجديد    إعصار "دانا" يضرب برشلونة.. والسلطات الإسبانية تُفعِّل الرمز الأحمر    الجولة التاسعة من الدوري الاحترافي الأول : الجيش الملكي ينفرد بالوصافة والوداد يصحح أوضاعه    رحيل أسطورة الموسيقى كوينسي جونز عن 91 عاماً    مريم كرودي تنشر تجربتها في تأطير الأطفال شعراً    في مديح الرحيل وذمه أسمهان عمور تكتب «نكاية في الألم»    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مصرع سيدة وإصابة آخرين في انفجار قنينة غاز بتطوان    عادل باقيلي يستقيل من منصبه كمسؤول عن الفريق الأول للرجاء    الذكرى 49 للمسيرة الخضراء.. تجسيد لأروع صور التلاحم بين العرش العلوي والشعب المغربي لاستكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية    أمرابط يمنح هدف الفوز لفنربخشة        متوسط آجال الأداء لدى المؤسسات والمقاولات العمومية بلغ 36,9 يوما    "العشرية السوداء" تتوج داود في فرنسا    إبراهيم دياز.. الحفاوة التي استقبلت بها في وجدة تركت في نفسي أثرا عميقا    بالصور.. مغاربة يتضامنون مع ضحايا فيضانات فالينسيا الإسبانية    أطباء العيون مغاربة يبتكرون تقنية جراحية جديدة    مدرب غلطة سراي يسقط زياش من قائمة الفريق ويبعده عن جميع المباريات    عبد الله البقالي يكتب حديث اليوم    تقرير: سوق الشغل بالمغرب يسجل تراجعاً في معدل البطالة    "فينوم: الرقصة الأخيرة" يواصل تصدر شباك التذاكر        فوضى ‬عارمة ‬بسوق ‬المحروقات ‬في ‬المغرب..    ارتفاع أسعار النفط بعد تأجيل "أوبك بلس" زيادة الإنتاج    استعدادات أمنية غير مسبوقة للانتخابات الأمريكية.. بين الحماية والمخاوف    الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي: للفلسطينيين الحق في النضال على حقوقهم وحريتهم.. وأي نضال أعدل من نضالهم ضد الاحتلال؟    عبد الرحيم التوراني يكتب من بيروت: لا تعترف بالحريق الذي في داخلك.. ابتسم وقل إنها حفلة شواء    الجينات سبب رئيسي لمرض النقرس (دراسة)        خلال أسبوع واحد.. تسجيل أزيد من 2700 حالة إصابة و34 وفاة بجدري القردة في إفريقيا    إطلاق الحملة الوطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بإقليم الجديدة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الملك محمد السادس: نحث الحكومة على التجاوب مع المتطلبات الاجتماعية للمواطنين
نشر في التجديد يوم 01 - 08 - 2012

أعاد الخطاب الملكي،الذي وجهه الملك محمد السادس إلى الأمة يوم الإثنين 30 يوليوز 2012 بمناسبة عيد العرش،رسم الخطوط العريضة لاستراتيجية بناء الدولة المغربية الحديثة، وذلك بفضل الخيارات الأساسية التي كرسها الدستور الجديد الذي وصفه الملك ب " بالميثاق المتميز "، بما يفتحه من آفاق المشاركة الفعالة أمام الشعب المغربي.
وأكد الملك في خطابه أن خيار " توطيد صرح الدولة المغربية العصرية، المتشبعة بقيم الوحدة والتقدم والإنصاف والتضامن الاجتماعي،في وفاء لهويتنا العريقة يعد ثمرة سياسة متبصرة واستراتيجية متدرجة نابعة من إرادة ملكية،وفي تجاوب تام مع التطلعات المشروعة للمواطنين " مذكرا أن ذلك هو ما يحملنا جميعا مسؤولية العمل المشترك لاستكمال نموذجنا المتميز ".
واستعرض الخطاب الملكي أهم المنجزات التي ميزت فترة توليه العرش، مركزا على مصالحة المغاربة مع أنفسهم ومع تاريخهم وذلك من خلال عمل هيأة الإنصاف والمصالحة،وكذا رد الاعتبار للأمازيغية كمكون من مكونات الهوية ورصيد مشترك لجميع المغاربة،وتوسيع فضاء الحريات وحقوق الإنسان،مع تعزيز وضع المرأة،دون إغفال أوراش الإصلاحات الاقتصادية العميقة والتحفيز على الاستثمار والأوراش التي أطلقت في المجال الاجتماعي،وعلى رأسها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وورش إصلاح الشأن الديني لتكريس نموذج الالتزام بالإسلام السني الوسطي السمح. وقال الملك في خطاب العرش إنه "بصفتنا أميرا للمؤمنين،ما فتئنا نعمل،بمقتضى البيعة المقدسة التي نتولى أمانتها العظمى،على أن تظل المملكة المغربية نموذجا في الالتزام بالإسلام السني الوسطي السمح،الذي لا مكان فيه للتطرف والتعصب والغلو والانغلاق". و أكد الملك أنه في خضم هذه الإصلاحات التي " لم تكن محض مصادفة ولا من صنع ظروف طارئة "،يندرج ورش مراجعة الدستور ك" سبيل لاستكمال دولة الحق والمؤسسات وتحقيق التنمية الشاملة ". ومن هذا المنظور،أكد الخطاب الملكي الجزء من المسؤولية التي يجب أن يتحملها كل طرف في هذا الالتزام المسؤول،حكومة وممثلين للأمة،ومنتخبين محليين وأحزابا سياسية ونقابات وفاعلين اقتصاديين ومجتمعا مدنيا،وذلك " وفاء للميثاق الذي أجمعت عليه الأمة باعتمادها للدستور الجديد ".
وتؤكد الأوراش التي هي في طور الإنجاز هذه الحركة الإصلاحية الشمولية. ويتعلق الأمر بالورش الكبير لإصلاح القضاء " انطلاقا من كون دولة الحق والقانون هي مصدر كل تقدم "،وترسيخ الجهوية ك " ورش كبير يتعين تدبيره بكامل التأني والتبصر " ،على اعتبار رهاناته الكبرى المتمثلة في تجديد النخب وضمان مشاركة مكثفة للنساء والشباب،مع كل ما يتطلب ذلك من " إحداث تغيير جوهري وتدريجي في تنظيم هياكل الدولة وفي علاقات المركز بالجماعات الترابية ". وذكر الملك بضرورة إيلاء عناية خاصة لتفعيل المؤسسات المنصوص عليها في الدستور الجديد ،ذات الصلة بالحكامة الجيدة،ومحاربة الرشوة،وبالتنمية الاقتصادية والاجتماعية ،بصفة عامة.
وحدد خطاب العرش أيضا توجهات سياسة الدولة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية الحيوية ،خاصة فيما يتعلق بتعزيز البنيات التحتية والتجهيزات الأساسية،في إطار استراتيجيات قطاعية ملائمة،مع الأخذ بعين الاعتبار التحولات الاجتماعية والسياسية التي تحدث في محيط المغرب وآثار الأزمة الاقتصادية العالمية.
وفي إطار هذه التوجهات،شدد الملك على ضرورة تركيز الجهود على النهوض بمختلف المجالات الصناعية الواعدة،وخاصة التكنولوجيات الجديدة من خلال تهيئة أقطاب وفضاءات اقتصادية مندمجة ودعم البرامج والمشاريع المندرجة في إطار مخطط المغرب الأخضر،بالإضافة إلى تطوير الشراكة بين القطاعين العام والخاص وفق مقاربة مجددة،مع إحداث الهيأة المغربية للاستثمار،"التي تتوخى تعزيز الاستثمار في مختلف المجالات المنتجة "،وكذلك دعم القطاع السياحي،الذي يشكل رافعة قوية لخلق الثروة وإحداث مناصب للشغل.
ويظل البعد الاجتماعي ضمن الأولويات الكبرى في الرؤية التي رسمها الخطاب الملكي السامي،وذلك بالنظر إلى النتائج الإيجابية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية،والتي قرر الملك تعزيز مبادراتها وتوسيع مجالات تدخلها،دون أن إغفال الآفاق التي يمنحها إحداث نظام المساعدة الطبية لفائدة الفئات المعوزة (راميد)،وفي هذا الصدد أعطى الملك توجيهاته للحكومة من أجل توفير جميع أسباب النجاح لهذا الورش.
وجدد خطاب العرش التأكيد على محددات الدبلوماسية المغربية،القائمة على تفاعلها المثمر مع العالم الخارجي وتشبثها بتعزيز السلام والأمن الدوليين وتشجيع التعاون الدولي في جميع المجالات والدفاع عن القضايا العادلة.
وقال الملك في خطابه للأمة إن المملكة المغربية تؤكد عزمها على الإستمرار في الإنخراط بحسن نية في مسلسل المفاوضات،الهادف الى إيجاد حل نهائي للخلاف الإقليمي المفتعل ،حول الصحراء المغربية ،على أساس المقترح المغربي للحكم الذاتي ،المشهود له بالجدية والمصداقية من طرف المجتمع الدولي ،وذلك في إطار سيادة المغرب ووحدته الترابية.
ولم يفت الملك في خطابه الوقوف عند القضية الفلسطينية مؤكدا أنه لا يجوز بأي حال أن تحجب التطورات الحالية،ضرورة التعاطي دوليا مع القضية الفلسطينية الجوهرية،بشكل فعال وملموس. فقد بات من الضروري، يضيف الملك، إعادة النظر في طريقة تعامل المجتمع الدولي مع هذه القضية .
وفي ما يلي النص الكامل للخطاب الملكي :
" الحمد لله وحده٬ والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
شعبي العزيز٬
نخلد اليوم الذكرى الثالثة عشرة لاعتلائنا العرش ٬ باعتبارها مناسبة متجددة تجسد عمق ما يربطك بالعرش من أواصر الولاء الدائم والبيعة الوثقى والتلاحم العميق.
كما أنها مناسبة مواتية لتأكيد الخيارات الأساسية لبلادنا التي كرسها الدستور الجديد للمملكة ٬ الذي أجمعت الأمة على اعتباره ميثاقا متميزا ٬ بما يفتحه أمامك - شعبي العزيز- من آفاق المشاركة الفعالة. وهو ما يحملنا جميعا مسؤولية العمل المشترك لاستكمال نموذجنا المتميز في توطيد صرح الدولة المغربية العصرية ٬ المتشبعة بقيم الوحدة والتقدم والإنصاف والتضامن الاجتماعي ٬ في وفاء لهويتنا العريقة.
لقد دخلت بلادنا مرحلة جديدة ٬ لم تكن محض مصادفة ٬ ولا من صنع ظروف طارئة ٬ بقدر ما تعد ثمرة سياسة متبصرة واستراتيجية متدرجة ٬ انتهجناها منذ اعتلائنا العرش ٬ بإرادة سيادية كاملة ٬ في تجاوب تام مع تطلعاتك المشروعة. فكان في مقدمة انشغالاتنا ترسيخ تلاحم المجتمع المغربي بتحقيق مصالحة المغاربة مع ذاتهم وتاريخهم ٬ وذلك من خلال عمل هيأة الإنصاف والمصالحة ٬ وكذا رد الاعتبار للأمازيغية كمكون من مكونات الهوية ٬ورصيد مشترك لجميع المغاربة ٬ وتوسيع فضاء الحريات وحقوق الإنسان ٬ مع تخويل المرأة وضعا ٬ في إطار مدونة الأسرة ٬ يحفظ لها كرامتها وينصفها ويمكنها من سبل المشاركة في الحياة العامة.
كما أقدمنا على إصلاحات اقتصادية عميقة لتعزيز البنيات التحتية للمدن المغربية وتحسين تهيئتها وفك العزلة عن العالم القروي ٬ من خلال تزويده بالتجهيزات اللازمة ٬عاملين على توفير المناخ الملائم لتحفيز الاستثمار ٬ علاوة على نهج سياسة للتأهيل الاجتماعي.
وفي هذا السياق ٬ عززنا أوراش العمل الاجتماعي والتنموي بإطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية منذ سنة 2005 ٬ وفق رؤية شمولية لمحاربة الإقصاء والتهميش والفقر.
وبصفتنا أميرا للمؤمنين ٬ ما فتئنا نعمل ٬ بمقتضى البيعة المقدسة التي نتولى أمانتها العظمى٬ على أن تظل المملكة المغربية نموذجا في الالتزام بالإسلام السني الوسطي السمح٬ الذي لا مكان فيه للتطرف والتعصب والغلو والانغلاق.
كما ارتقينا بالمجلس العلمي الأعلى إلى مؤسسة دستورية٬ قائمة بالمهام الموكولة إليها في الفتوى وتقديم المشورة لجلالتنا في كل ما يهم الشأن الديني.
وبانخراطنا الجاد في هذه الإصلاحات تمكنا من فتح ورش المراجعة الدستورية ٬ وفق مقاربة تشاركية. بيد أن إطلاق هذا المسار الطموح لم يكن هدفا في حد ذاته ٬ وإنما هو سبيل لاستكمال دولة الحق والمؤسسات وتحقيق التنمية الشاملة. وذلك شريطة أن يتحمل الجميع نصيبه من الالتزام المسؤول ٬ حكومة وممثلين للأمة ومنتخبين محليين وأحزابا سياسية ونقابات وفاعلين اقتصاديين ومجتمعا مدنيا ٬ وفاء للميثاق الذي أجمعت عليه الأمة باعتمادها للدستور الجديد.
وفي هذا الصدد ٬ سأظل - شعبي العزيز- على ما تعهده في خديمك الأول من اهتمام بانشغالات المواطنين ٬ حريصا على الوقوف الميداني على ظروف عيشهم والتجاوب مع انتظاراتهم بجميع فئاتهم. وفي نفس السياق٬ ما فتئنا نصغي لمشاعر جاليتنا المقيمة بالخارج ٬ مولين اهتماما خاصا لكافة أفرادها ٬ مشيدين بتعلقهم القوي ببلدهم ووفائهم لهويتهم ٬ وبدورهم البناء في تنمية وطنهم الأم. وفي ظل الظروف الصعبة التي تجتازها بعض بلدان إقامتهم ٬ لا يسعنا إلا أن نعبر عن مساندتنا وتضامننا مع المتضررين منهم. شعبي العزيز٬ لما كان تفعيل اختياراتنا على أرض الواقع يقتضي تحديد الأسبقيات وترتيبها٬ وفق مقاربة مضبوطة المراحل والآماد٬ فقد جعلنا من هذا النهج خارطة طريق لتفعيل ما نقدم عليه من إصلاحات. وانطلاقا من كون دولة الحق والقانون هي مصدر كل تقدم٬ فقد جعلنا العدالة في مقدمة أوراشنا الإصلاحية. وحيث إن الدستور الجديد يضع استقلال القضاء في صلب منظومته٬ فإن الشروط باتت متوافرة لإنجاح هذا الورش الكبير٬ متطلعين إلى أن تعمل الهيأة العليا لإصلاح العدالة٬ وفق مقاربة تشاركية منفتحة٬ لإعداد توصيات عملية ملموسة٬ في أقرب الآجال. وتشكل الجهوية المتقدمة التي أطلقناها٬ وكرسها الدستور الجديد ٬ورشا كبيرا يتعين تدبيره بكامل التأني والتبصر٬ليكون تفعيلها كفيلا بإحداث تغيير جوهري وتدريجي ٬ في تنظيم هياكل الدولة ٬وفي علاقات المركز بالجماعات الترابية. ولكسب رهانات هذا المسار٬ يتعين فسح المجال لتجديد النخب٬ والمشاركة الواسعة والمكثفة للنساء والشباب٬ وفتح الآفاق أمام المواطنات والمواطنين المؤهلين٬ المتحلين بروح المسؤولية والنزاهة. كما نهيب بالحكومة الشروع في إصلاح الإدارة العمومية٬ لتمكينها من مواكبة متطلبات هذه الرؤية الترابية الجديدة. وهو ما يطرح مسألة اللاتمركز ٬ الذي ما فتئنا ندعو إليه منذ أزيد من عشر سنوات. ومن هذا المنطلق٬ فالحكومة مطالبة باعتماد ميثاق للاتمركز٬ بما يمكن الإدارة من إعادة انتشار مرافقها٬ ومساعدتها على التجاوب الأمثل مع حاجيات المصالح اللامتمركزة٬ وجعلها تستشعر المسؤولية الحقيقية٬ في وضع المشاريع وحسن تسييرها.
وذلك بموازاة مع الانكباب على الورش الكبير للإصلاحات اللازمة٬ لتفعيل التنظيم الترابي الجديد٬ في إطار حكامة جيدة٬ تضع التنمية البشرية في صلب اهتمامها. إذ لا سبيل الى رفع التحديات التي تواجه هذه الحكامة إلا بتحقيق تنمية بشرية عادلة ومنصفة٬ كفيلة بالتصدي للعجز الحاصل في المجال القروي٬ والخصاص الذي يعيق النمو في الوسط الحضري.
وإذا كان القضاء والجهوية والحكامة الترابية٬ في صدارة أسبقياتنا٬ فإنه ينبغي ٬ إضافة إلى ذلك٬ إيلاء عناية خاصة لتفعيل المؤسسات المنصوص عليها في الدستور الجديد ٬ ذات الصلة بالحكامة الجيدة٬ ومحاربة الرشوة٬ وبالتنمية الاقتصادية والاجتماعية ٬ بصفة عامة. شعبي العزيز٬ إن الركود الاقتصادي الذي يعيشه العالم منذ 2008 ٬ وما نتج عنه من تغيرات على صعيد العلاقات الدولية٬ في إطار العولمة ٬وكذا التحولات الاجتماعية والسياسية التي يعيشها المحيط الاقليمي٬ يحثنا على مواصلة الإصلاحات٬ ويعزز اقتناعنا بصواب الخيارات السوسيو - اقتصادية٬ التي أخذنا بها منذ أمد بعيد. حيث مكنتنا من إطلاق أوراش كبرى٬ كفيلة بدعم البنيات التحتية٬ والتجهيزات الأساسية التي تتطلبها بلادنا٬ وذلك في إطار الاستراتيجيات القطاعية٬ التي تمت بلورتها وفق معايير ناجعة٬ لبلوغ الأهداف المتوخاة.
وفي هذا الصدد٬ انصبت جهودنا على النهوض بمختلف المجالات الصناعية٬ والتكنولوجيات الحديثة٬ من خلال تهيئة أقطاب وفضاءات اقتصادية مندمجة٬ كفيلة بتوسيع آفاق الاستثمار٬ وتحسين القدرات التنافسية لمقاولاتنا.
واعتبارا لما نوليه من أهمية بالغة للقطاع الفلاحي٬ فإنه يتعين مضاعفة العناية بمخطط المغرب الأخضر٬ الذي يعد عاملا أساسيا للتنمية الفلاحية. وهو ما يتطلب تكثيف أنشطته٬ بقصد توسيع وتنويع المنتوج المغربي٬ والرفع من مردوديته٬ وتقوية قدرات الفلاحين الصغار٬ في إطار برامج تضامنية٬ تساهم في تحسين الظروف المعيشية لساكنة العالم القروي٬ لاسيما في الظرفية المناخية الصعبة التي عرفها المغرب خلال السنة الأخيرة.
لذا٬ نجدد دعوتنا للحكومة من أجل توفير شروط التكامل بين مختلف الاستراتيجيات القطاعية٬ واعتماد آليات لليقظة والمتابعة والتقويم٬ تساعد على تحقيق التناسق فيما بينها٬ وقياس نجاعتها٬ وحسن توظيف الاعتمادات المرصودة لها٬ مع الاجتهاد في إيجاد بدائل للتمويل٬ من شأنها إعطاء دفعة قوية لمختلف هذه الاستراتيجيات.
وفي هذا الإطار٬ نؤكد على ضرورة تطوير الآليات التعاقدية المتعلقة بالشراكة بين القطاعين العام والخاص. هدفنا تحقيق الاستفادة المثلى من الاستثمارات المتاحة.
وإدراكا منا لأهمية هذه الشراكة٬ اعتمدنا مقاربة مبتكرة٬ من خلال إحداث الهيأة المغربية للاستثمار٬ التي تضم صناديق الاستثمارات القطاعية الوطنية. هذه الهيأة التي تتوخى تعزيز الاستثمار في مختلف المجالات المنتجة٬ وتحفيز الشراكات مع المؤسسات الدولية. غايتنا تمكين بلادنا من فرص التمويل٬ التي تتيحها الصناديق السيادية الخارجية٬ وبصفة خاصة صناديق دول الخليج الشقيقة٬ التي نشيد بإسهامها الفعال في دعم المشاريع التنموية ببلادنا.
وفي هذا الصدد٬ ينبغي التذكير بأن القطاع السياحي يشكل عاملا قويا في النهوض بالتشغيل٬ وتنمية الثروة الوطنية٬ انطلاقا مما يتوفر عليه المغرب من مؤهلات طبيعية متنوعة٬ وخصوصيات حضارية وتراثية غنية.
وقد اعتمدنا منذ سنة 2001 ٬ استراتيجية شاملة٬ قوامها برامج محددة٬ ساهمت في تطوير هذا القطاع وتنميته. وذلك ما جعلنا نعمل على تدعيمه في نطاق رؤية 2020 ٬ المعززة بصندوق "وصال" للاستثمار السياحي٬ والقائمة أساسا على التنمية المستدامة. وهو ما يجعل المغرب وجهة سياحية متميزة في الفضاء المتوسطي. شعبي العزيز٬
لقد حرصنا على جعل العنصر البشري٬ وخاصة شبابنا الواعد٬ في صلب كل المبادرات التنموية ٬ وغايتها الاساسية. وهو ما نعمل على تجسيده في مختلف مشاريع وبرامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية .
واعتبارا لما حققته هذه المبادرة من نتائج إيجابية في النهوض بالفئات المعوزة ٬ قررنا تقوية أنشطتها ٬ ولاسيما منها المدرة للدخل ٬ وتوسيع مجالاتها بإطلاق البرنامج التأهيلي الخامس ٬ الكفيل بسد الخصاص بالمناطق الاكثر هشاشة ٬ التي تفتقر الى التجهيزات الأساسية الضرورية ٬ داعين الحكومة إلى توفير شروط تفعيل هذا البرنامج .
ومن منطلق حرصنا القوي على تحقيق الإنصاف ٬ ومساعدة الأشخاص الأكثر حرمانا ٬ حرصنا على تفعيل نظام المساعدة الطبية لفائدتهم (راميد) .هذا النظام الذي كان ثمرة إعداد طويل المدى ٬ انخرط فيه المغرب منذ عشر سنوات ٬ بقصد النهوض بالفئات المعوزة.
وهو ما يستوجب من الحكومة بذل كل الجهود لإنجاح هذا النظام ٬ من خلال استهداف دقيق للفئات المعنية ٬ والتكفل بالخدمات المحددة بطرق مناسبة.
ولجعل هذا النظام يحافظ على هدفه الإنساني ٬ يتعين الحرص على ألا يقع استغلاله من طرف أي توجهات سياسوية ٬ من شأنها تحريفه عن مساره النبيل ٬ مع ما يترتب على ذلك من إخلال في هذا المجال أو فيما سواه من المجالات الاجتماعية.
كما نحثها على التجاوب مع المتطلبات الاجتماعية للمواطنين ٬ مع الحرص على تحقيق حكامة جيدة للسياسة المالية لبلادنا ٬ بهدف تحصين قدراتها التنموية ٬ والحفاظ على مصداقيتها على الصعيد الدولي .
واقتناعا منا بضرورة الحفاظ على مستقبل أجيالنا القادمة٬ لم نفتأ نؤكد على تلازم التنمية مع ضمان حماية بيئتنا ٬ بما يكفل التنمية المستدامة لبلادنا . لذا ٬ نعمل بكل حزم ٬ على الحفاظ على ثرواتنا الطبيعية ٬ وحسن تدبيرها واستثمارها للنهوض بالاقتصاد الوطني. وفي إطار هذا التوجه ٬ يندرج البرنامج الطموح الذي أطلقناه ٬ لإنتاج الطاقات المتجددة من مصادر ريحية وشمسية ٬ لتخفيض وارداتنا من الطاقات التقليدية ٬ وتخفيف عبئها على الاقتصاد الوطني.
شعبي العزيز٬
ستظل الدبلوماسية المغربية وفية لثوابتها العريقة في التعامل مع العالم الخارجي ٬ على أساس الثقة في الذات ٬ واحترام الشرعية الدولية ٬ والإلتزام بكل ما يعزز السلم والامن الدوليين ٬ ومناصرة القضايا العادلة ٬ وتقوية علاقات التعاون الدولي في كل مجالاته.
ففيما يتعلق بمحيطنا المغاربي المباشر٬ فإن التحولات الكبرى التي تشهدها المنطقة ٬ تمنحنا فرصة تاريخية للإنتقال بالإتحاد المغاربي من الجمود الى حركية تضمن تنمية مستدامة ومتكاملة .
لقد سبق لنا أن دعونا الى انبثاق نظام مغاربي جديد ٬ لتجاوز حالة التفرقة القائمة بالمنطقة ٬ والتصدي لضعف المبادلات ٬ بقصد بناء فضاء مغاربي قوي ومنفتح .
وإلى أن يتم تحقيق هذا المبتغى الإستراتيجي ٬ سيواصل المغرب مساعيه في أفق تقوية علاقاته الثنائية ٬ مع كافة الشركاء المغاربيين ٬ بمن فيهم جارتنا الشقيقة الجزائر. وذلك استجابة للتطلعات الملحة والمشروعة لشعوب المنطقة ٬ لاسيما ما يتعلق بحرية تنقل الأشخاص والسلع ورؤوس الأموال والخدمات.
ولهذه الغاية ٬ تؤكد المملكة المغربية عزمها على الإستمرار في الإنخراط بحسن نية في مسلسل المفاوضات ٬ الهادف الى إيجاد حل نهائي للخلاف الإقليمي المفتعل ٬ حول الصحراء المغربية ٬ على أساس المقترح المغربي للحكم الذاتي ٬ المشهود له بالجدية والمصداقية من طرف المجتمع الدولي ٬ وذلك في إطار سيادة المغرب ووحدته الترابية .
وإن انخراط المغرب في هذا المسلسل لا يعادله إلا عزمه على التصدي ٬ بكل حزم لأي محاولة للنيل من مصالحه العليا٬ أو للإخلال بالمعايير الجوهرية للمفاوضات.
وفي أفق التوصل إلى حل سياسي دائم في إطار الأمم المتحدة٬ وانطلاقا من الشرعية التاريخية للمغرب٬ ورجاحة موقفه القانوني٬ فإن المغرب منكب على تحقيق الجهوية المتقدمة في الصحراء المغربية٬ ومواصلة إنجاز أوراش التنمية الاجتماعية والاقتصادية في هذه المنطقة الأثيرة لدينا٬ ولدى قلوب المغاربة أجمعين.
وبالنسبة للعالم العربي٬ فإن الواقع السياسي الراهن٬ يحتم أكثر من أي وقت مضى٬ القيام بتطوير العمل العربي المشترك٬ في أفق الاستجابة لتطلعات شعوبه في إطار من التضامن الفعال٬ والالتزام المتبادل٬ تجاه ما يقتضيه بناء المستقبل العربي٬ من ترسيخ أسباب التعاون المثمر٬ وتقاسم المصالح العليا لأبنائه.
وفي هذا الصدد٬ نثمن القرارات التي تم اتخاذها لتجسيد الشراكة الاستراتيجية التي تجمع بين المغرب ودول مجلس التعاون الخليجي٬ مؤكدين التزامنا الراسخ بتعميق علاقاته مع هذه الدول الشقيقة٬ وتعزيزها في جميع المجالات.
بيد أنه لا يجوز بأي حال أن تحجب التطورات الحالية٬ ضرورة التعاطي دوليا مع القضية الفلسطينية الجوهرية٬ بشكل فعال وملموس. فقد بات من الضروري إعادة النظر في طريقة تعامل المجتمع الدولي مع هذه القضية٬ علما أن الغاية التي لا محيد عنها تتمثل في ضرورة قيام دولة فلسطينية مستقلة٬ ذات سيادة٬ وقابلة للحياة٬ داخل حدود 1967 ، وعاصمتها القدس الشرقية.
أما منطقة الساحل والصحراء٬ فإنها تشهد مخاطر عديدة٬ تشكل تهديدا للوحدة الترابية والوطنية للدول٬ مما يقتضي من المجتمع الدولي أن يوليها اهتماما عاجلا من خلال القيام بمبادرات حازمة.
وبخصوص الدول الإفريقية جنوب الصحراء٬ فإن المملكة المغربية تظل منخرطة في المشاريع الفعالة للتعاون معها. هدفها دعم برامج التنمية البشرية المحلية في القطاعات ذات الأولوية.
وأما بالنسبة للقارة الأوروبية٬ فإن علاقة المغرب مع الاتحاد الأوروبي٬ قد دخلت مرحلة جديدة٬ نعتبرها إطارا مرجعيا لمقاربة جيو - سياسية واعدة٬ تتوخى إعادة النظر في أسس الفضاء الأورو– متوسطي٬ بناء على وحدة المصالح والمبادرات المشتركة.
لقد حان الوقت لإعطاء دفعة وتوجه جديد للاتحاد من أجل المتوسط٬ كي يصبح محفزا حقيقيا٬ وقاطرة لتحقيق الرخاء المشترك٬ بضفتي البحر الأبيض المتوسط.
وفي سياق العلاقات المتطورة مع جميع دول الاتحاد الأوروبي٬ نود الإشادة بعمق الروابط التاريخية٬ وبالآفاق الواسعة التي تجمع المغرب بالجارة إسبانيا٬ المدعومة بالأواصر الوطيدة التي تجمعنا بجلالة الملك خوان كارلوس الأول٬ وبالوشائج التاريخية بين الأسرتين الملكيتين في البلدين الجارين.
وفي هذه الظرفية الصعبة التي نجتازها٬ نعرب مجددا عن التزامنا بتسهيل سبل إتاحة الفرص٬ لتوفير ظروف اقتصادية جديدة وملائمة٬ من أجل خلق ثروات مشتركة٬ تجسيدا لعمق التضامن الفعلي بين بلدينا.
وقد أصدرنا توجيهاتنا السامية للحكومة٬ لتفعيل هذا الشأن٬ بما يقتضيه الأمر من اهتمام وسرعة في التنفيذ.
وفضلا عن العلاقات بدول الجوار٬ فإن المملكة تواصل مجهوداتها لتعزيز وتنويع شراكاتها الواعدة مع باقي مناطق المعمور. وذلك بالتركيز على التنمية البشرية٬ في إطار تعاون ملموس جنوبجنوب٬ مع شركائنا في مختلف البلدان النامية.
وسيواصل المغرب بذل مساعيه الحثيثة٬ في إطار المنظمات الدولية٬ مؤكدا التزامه بالدفاع عن التعاون متعدد الأطراف٬ وفقا للأهداف النبيلة لميثاق منظمة الأمم المتحدة. شعبي العزيز٬
إننا٬ ونحن نستحضر في هذه المناسبة الوطنية الخالدة٬ تقييم المنجزات الإصلاحية٬ والمبادرات التنموية٬ واستشراف الآفاق المستقبلية الواعدة٬ والشروع في تفعيل الدستور٬ لا يسعنا إلا أن نستشعر بكل وفاء مدى الإجلال للأرواح الطاهرة لقائدي تحرير المغرب وبناء دولته العصرية٬ جدنا المقدس٬ جلالة الملك محمد الخامس٬ ووالدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني٬ طيب الله ثراهما٬ وكافة شهداء الحرية والاستقلال والوحدة الترابية الأبرار٬ الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه٬ جزاهم الله عن وطنهم وأمتهم خير الجزاء.
كما نتوجه بعبارات الإشادة والتقدير إلى قواتنا المسلحة الملكية٬ والدرك الملكي٬ والأمن الوطني والإدارة الترابية والقوات المساعدة والوقاية المدنية على تجندهم الدائم وعملهم الدؤوب وراء قيادتنا للدفاع عن حوزة المغرب وسيادته والسهر على أمنه واستقراره.
والله تعالى نسأل في هذه الأيام الرمضانية المباركة الجديرة باستجابة المولى جلت قدرته أن يلهمنا وكافة من يتحملون أمانة النهوض بمصالح الأمة وخدمة الصالح العام كامل السداد والتوفيق في ظل ترسيخ دولة الحق والمؤسسات والمواطنة الكريمة والتعايش والوئام والوحدة الوطنية والترابية. " إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يوتكم خيرا ". صدق الله العظيم٬ والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.