شدد الملك محمد السادس في خطاب للعرش، على التزامه بتفعيل اختيارات المملكة الإصلاحية في آمادها وفق مقاربة مضبوطة المراحل، وقال بهذا الصدد " شعبي العزيز٬ لما كان تفعيل اختياراتنا على أرض الواقع يقتضي تحديد الأسبقيات وترتيبها٬ وفق مقاربة مضبوطة المراحل والآماد٬ فقد جعلنا من هذا النهج خارطة طريق لتفعيل ما نقدم عليه من إصلاحات. '' في إشارة واضحة إلى ضرورة الانخراط في تنزيل الأجندة الزمنية المحددة مسبقا في إعادة تجديد المؤسسات الدستورية، بما يتوافق مع بنود الدستور الجديد. وقطع الملك محمد السادس مع ممارسة بعد الأفراد التي تقدم المغرب كمجتمع منغلق ومتطرف، عبر فتاواهم ومقالاتهم ووجهات نظرهم التي تنزع عن المغرب ثوب التعددية، إذ أكد في خطابه على أن الدين المغربي سني وسطي سمح وقال الملك بهذا الخصوص،" وبصفتنا أميرا للمؤمنين ٬ ما فتئنا نعمل ٬ بمقتضى البيعة المقدسة التي نتولى أمانتها العظمى٬ على أن تظل المملكة المغربية نموذجا في الالتزام بالإسلام السني الوسطي السمح٬ الذي لا مكان فيه للتطرف والتعصب والغلو والانغلاق." الملك قطع في خطابه للعرش مع كلام الظروف الاستثنائية في الإصلاح، ودخول المغرب إلى مرحلة جدية بسبب ظروف طارئة، وقال الملك بهذا الصدد " لقد دخلت بلادنا مرحلة جديدة ٬ لم تكن محض مصادفة ٬ ولا من صنع ظروف طارئة ٬ بقدر ما تعد ثمرة سياسة متبصرة واستراتيجية متدرجة ٬ انتهجناها منذ اعتلائنا العرش٬ بإرادة سيادية كاملة٬ في تجاوب تام مع تطلعاتك المشروعة.'' ويعد كلام الملك محمد السادس عن الإصلاحات الأخيرة وارتباطها بسياسة ملكية متدرجة منذ اعتلائه العرش، رسالة واضحة لكف بعض الجهات منها رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران بالحديث عن الظروف الصعبة والطارئة، ودورها لنجاة بالمغرب نحو هذه المرحلة الجدية. وجه الملك محمد السادس ٬ نصره الله ٬ اليوم الإثنين خطابا إلى الأمة بمناسبة الذكرى ال 13 لعيد العرش وفي ما يلي النص الكامل للخطاب الملكي : " الحمد لله وحده٬ والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه. شعبي العزيز٬ نخلد اليوم الذكرى الثالثة عشرة لاعتلائنا العرش ٬ باعتبارها مناسبة متجددة تجسد عمق ما يربطك بالعرش من أواصر الولاء الدائم والبيعة الوثقى والتلاحم العميق. كما أنها مناسبة مواتية لتأكيد الخيارات الأساسية لبلادنا التي كرسها الدستور الجديد للمملكة ٬ الذي أجمعت الأمة على اعتباره ميثاقا متميزا ٬ بما يفتحه أمامك - شعبي العزيز- من آفاق المشاركة الفعالة. وهو ما يحملنا جميعا مسؤولية العمل المشترك لاستكمال نموذجنا المتميز في توطيد صرح الدولة المغربية العصرية ٬ المتشبعة بقيم الوحدة والتقدم والإنصاف والتضامن الاجتماعي ٬ في وفاء لهويتنا العريقة. لقد دخلت بلادنا مرحلة جديدة ٬ لم تكن محض مصادفة ٬ ولا من صنع ظروف طارئة ٬ بقدر ما تعد ثمرة سياسة متبصرة واستراتيجية متدرجة ٬ انتهجناها منذ اعتلائنا العرش ٬ بإرادة سيادية كاملة ٬ في تجاوب تام مع تطلعاتك المشروعة. فكان في مقدمة انشغالاتنا ترسيخ تلاحم المجتمع المغربي بتحقيق مصالحة المغاربة مع ذاتهم وتاريخهم ٬ وذلك من خلال عمل هيأة الإنصاف والمصالحة ٬ وكذا رد الاعتبار للأمازيغية كمكون من مكونات الهوية ٬ورصيد مشترك لجميع المغاربة ٬ وتوسيع فضاء الحريات وحقوق الإنسان ٬ مع تخويل المرأة وضعا ٬ في إطار مدونة الأسرة ٬ يحفظ لها كرامتها وينصفها ويمكنها من سبل المشاركة في الحياة العامة. كما أقدمنا على إصلاحات اقتصادية عميقة لتعزيز البنيات التحتية للمدن المغربية وتحسين تهيئتها وفك العزلة عن العالم القروي ٬ من خلال تزويده بالتجهيزات اللازمة ٬عاملين على توفير المناخ الملائم لتحفيز الاستثمار ٬ علاوة على نهج سياسة للتأهيل الاجتماعي. وفي هذا السياق ٬ عززنا أوراش العمل الاجتماعي والتنموي بإطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية منذ سنة 2005 ٬ وفق رؤية شمولية لمحاربة الإقصاء والتهميش والفقر. وبصفتنا أميرا للمؤمنين ٬ ما فتئنا نعمل ٬ بمقتضى البيعة المقدسة التي نتولى أمانتها العظمى٬ على أن تظل المملكة المغربية نموذجا في الالتزام بالإسلام السني الوسطي السمح٬ الذي لا مكان فيه للتطرف والتعصب والغلو والانغلاق. كما ارتقينا بالمجلس العلمي الأعلى إلى مؤسسة دستورية٬ قائمة بالمهام الموكولة إليها في الفتوى وتقديم المشورة لجلالتنا في كل ما يهم الشأن الديني. وبانخراطنا الجاد في هذه الإصلاحات تمكنا من فتح ورش المراجعة الدستورية ٬ وفق مقاربة تشاركية. بيد أن إطلاق هذا المسار الطموح لم يكن هدفا في حد ذاته ٬ وإنما هو سبيل لاستكمال دولة الحق والمؤسسات وتحقيق التنمية الشاملة. وذلك شريطة أن يتحمل الجميع نصيبه من الالتزام المسؤول ٬ حكومة وممثلين للأمة ومنتخبين محليين وأحزابا سياسية ونقابات وفاعلين اقتصاديين ومجتمعا مدنيا ٬ وفاء للميثاق الذي أجمعت عليه الأمة باعتمادها للدستور الجديد. وفي هذا الصدد ٬ سأظل - شعبي العزيز- على ما تعهده في خديمك الأول من اهتمام بانشغالات المواطنين ٬ حريصا على الوقوف الميداني على ظروف عيشهم والتجاوب مع انتظاراتهم بجميع فئاتهم. وفي نفس السياق٬ ما فتئنا نصغي لمشاعر جاليتنا المقيمة بالخارج ٬ مولين اهتماما خاصا لكافة أفرادها ٬ مشيدين بتعلقهم القوي ببلدهم ووفائهم لهويتهم ٬ وبدورهم البناء في تنمية وطنهم الأم. وفي ظل الظروف الصعبة التي تجتازها بعض بلدان إقامتهم ٬ لا يسعنا إلا أن نعبر عن مساندتنا وتضامننا مع المتضررين منهم. شعبي العزيز٬ لما كان تفعيل اختياراتنا على أرض الواقع يقتضي تحديد الأسبقيات وترتيبها٬ وفق مقاربة مضبوطة المراحل والآماد٬ فقد جعلنا من هذا النهج خارطة طريق لتفعيل ما نقدم عليه من إصلاحات. وانطلاقا من كون دولة الحق والقانون هي مصدر كل تقدم٬ فقد جعلنا العدالة في مقدمة أوراشنا الإصلاحية. وحيث إن الدستور الجديد يضع استقلال القضاء في صلب منظومته٬ فإن الشروط باتت متوافرة لإنجاح هذا الورش الكبير٬ متطلعين إلى أن تعمل الهيأة العليا لإصلاح العدالة٬ وفق مقاربة تشاركية منفتحة٬ لإعداد توصيات عملية ملموسة٬ في أقرب الآجال. وتشكل الجهوية المتقدمة التي أطلقناها٬ وكرسها الدستور الجديد ٬ورشا كبيرا يتعين تدبيره بكامل التأني والتبصر٬ليكون تفعيلها كفيلا بإحداث تغيير جوهري وتدريجي ٬ في تنظيم هياكل الدولة ٬وفي علاقات المركز بالجماعات الترابية. ولكسب رهانات هذا المسار٬ يتعين فسح المجال لتجديد النخب٬ والمشاركة الواسعة والمكثفة للنساء والشباب٬ وفتح الآفاق أمام المواطنات والمواطنين المؤهلين٬ المتحلين بروح المسؤولية والنزاهة. كما نهيب بالحكومة الشروع في إصلاح الإدارة العمومية٬ لتمكينها من مواكبة متطلبات هذه الرؤية الترابية الجديدة. وهو ما يطرح مسألة اللاتمركز ٬ الذي ما فتئنا ندعو إليه منذ أزيد من عشر سنوات. ومن هذا المنطلق٬ فالحكومة مطالبة باعتماد ميثاق للاتمركز٬ بما يمكن الإدارة من إعادة انتشار مرافقها٬ ومساعدتها على التجاوب الأمثل مع حاجيات المصالح اللامتمركزة٬ وجعلها تستشعر المسؤولية الحقيقية٬ في وضع المشاريع وحسن تسييرها. وذلك بموازاة مع الانكباب على الورش الكبير للإصلاحات اللازمة٬ لتفعيل التنظيم الترابي الجديد٬ في إطار حكامة جيدة٬ تضع التنمية البشرية في صلب اهتمامها. إذ لا سبيل الى رفع التحديات التي تواجه هذه الحكامة إلا بتحقيق تنمية بشرية عادلة ومنصفة٬ كفيلة بالتصدي للعجز الحاصل في المجال القروي٬ والخصاص الذي يعيق النمو في الوسط الحضري. وإذا كان القضاء والجهوية والحكامة الترابية٬ في صدارة أسبقياتنا٬ فإنه ينبغي ٬ إضافة إلى ذلك٬ إيلاء عناية خاصة لتفعيل المؤسسات المنصوص عليها في الدستور الجديد ٬ ذات الصلة بالحكامة الجيدة٬ ومحاربة الرشوة٬ وبالتنمية الاقتصادية والاجتماعية ٬ بصفة عامة. شعبي العزيز٬ إن الركود الاقتصادي الذي يعيشه العالم منذ 2008 ٬ وما نتج عنه من تغيرات على صعيد العلاقات الدولية٬ في إطار العولمة ٬وكذا التحولات الاجتماعية والسياسية التي يعيشها المحيط الاقليمي٬ يحثنا على مواصلة الإصلاحات٬ ويعزز اقتناعنا بصواب الخيارات السوسيو - اقتصادية٬ التي أخذنا بها منذ أمد بعيد. حيث مكنتنا من إطلاق أوراش كبرى٬ كفيلة بدعم البنيات التحتية٬ والتجهيزات الأساسية التي تتطلبها بلادنا٬ وذلك في إطار الاستراتيجيات القطاعية٬ التي تمت بلورتها وفق معايير ناجعة٬ لبلوغ الأهداف المتوخاة. وفي هذا الصدد٬ انصبت جهودنا على النهوض بمختلف المجالات الصناعية٬ والتكنولوجيات الحديثة٬ من خلال تهيئة أقطاب وفضاءات اقتصادية مندمجة٬ كفيلة بتوسيع آفاق الاستثمار٬ وتحسين القدرات التنافسية لمقاولاتنا. واعتبارا لما نوليه من أهمية بالغة للقطاع الفلاحي٬ فإنه يتعين مضاعفة العناية بمخطط المغرب الأخضر٬ الذي يعد عاملا أساسيا للتنمية الفلاحية. وهو ما يتطلب تكثيف أنشطته٬ بقصد توسيع وتنويع المنتوج المغربي٬ والرفع من مردوديته٬ وتقوية قدرات الفلاحين الصغار٬ في إطار برامج تضامنية٬ تساهم في تحسين الظروف المعيشية لساكنة العالم القروي٬ لاسيما في الظرفية المناخية الصعبة التي عرفها المغرب خلال السنة الأخيرة. لذا٬ نجدد دعوتنا للحكومة من أجل توفير شروط التكامل بين مختلف الاستراتيجيات القطاعية٬ واعتماد آليات لليقظة والمتابعة والتقويم٬ تساعد على تحقيق التناسق فيما بينها٬ وقياس نجاعتها٬ وحسن توظيف الاعتمادات المرصودة لها٬ مع الاجتهاد في إيجاد بدائل للتمويل٬ من شأنها إعطاء دفعة قوية لمختلف هذه الاستراتيجيات. وفي هذا الإطار٬ نؤكد على ضرورة تطوير الآليات التعاقدية المتعلقة بالشراكة بين القطاعين العام والخاص. هدفنا تحقيق الاستفادة المثلى من الاستثمارات المتاحة. وإدراكا منا لأهمية هذه الشراكة٬ اعتمدنا مقاربة مبتكرة٬ من خلال إحداث الهيأة المغربية للاستثمار٬ التي تضم صناديق الاستثمارات القطاعية الوطنية. هذه الهيأة التي تتوخى تعزيز الاستثمار في مختلف المجالات المنتجة٬ وتحفيز الشراكات مع المؤسسات الدولية. غايتنا تمكين بلادنا من فرص التمويل٬ التي تتيحها الصناديق السيادية الخارجية٬ وبصفة خاصة صناديق دول الخليج الشقيقة٬ التي نشيد بإسهامها الفعال في دعم المشاريع التنموية ببلادنا. وفي هذا الصدد٬ ينبغي التذكير بأن القطاع السياحي يشكل عاملا قويا في النهوض بالتشغيل٬ وتنمية الثروة الوطنية٬ انطلاقا مما يتوفر عليه المغرب من مؤهلات طبيعية متنوعة٬ وخصوصيات حضارية وتراثية غنية. وقد اعتمدنا منذ سنة 2001 ٬ استراتيجية شاملة٬ قوامها برامج محددة٬ ساهمت في تطوير هذا القطاع وتنميته. وذلك ما جعلنا نعمل على تدعيمه في نطاق رؤية 2020 ٬ المعززة بصندوق "وصال" للاستثمار السياحي٬ والقائمة أساسا على التنمية المستدامة. وهو ما يجعل المغرب وجهة سياحية متميزة في الفضاء المتوسطي. شعبي العزيز٬ لقد حرصنا على جعل العنصر البشري٬ وخاصة شبابنا الواعد٬ في صلب كل المبادرات التنموية ٬ وغايتها الاساسية. وهو ما نعمل على تجسيده في مختلف مشاريع وبرامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية . واعتبارا لما حققته هذه المبادرة من نتائج إيجابية في النهوض بالفئات المعوزة ٬ قررنا تقوية أنشطتها ٬ ولاسيما منها المدرة للدخل ٬ وتوسيع مجالاتها بإطلاق البرنامج التأهيلي الخامس ٬ الكفيل بسد الخصاص بالمناطق الاكثر هشاشة ٬ التي تفتقر الى التجهيزات الأساسية الضرورية ٬ داعين الحكومة إلى توفير شروط تفعيل هذا البرنامج . ومن منطلق حرصنا القوي على تحقيق الإنصاف ٬ ومساعدة الأشخاص الأكثر حرمانا ٬ حرصنا على تفعيل نظام المساعدة الطبية لفائدتهم (راميد) .هذا النظام الذي كان ثمرة إعداد طويل المدى ٬ انخرط فيه المغرب منذ عشر سنوات ٬ بقصد النهوض بالفئات المعوزة. وهو ما يستوجب من الحكومة بذل كل الجهود لإنجاح هذا النظام ٬ من خلال استهداف دقيق للفئات المعنية ٬ والتكفل بالخدمات المحددة بطرق مناسبة. ولجعل هذا النظام يحافظ على هدفه الإنساني ٬ يتعين الحرص على ألا يقع استغلاله من طرف أي توجهات سياسوية ٬ من شأنها تحريفه عن مساره النبيل ٬ مع ما يترتب على ذلك من إخلال في هذا المجال أو فيما سواه من المجالات الاجتماعية. كما نحثها على التجاوب مع المتطلبات الاجتماعية للمواطنين ٬ مع الحرص على تحقيق حكامة جيدة للسياسة المالية لبلادنا ٬ بهدف تحصين قدراتها التنموية ٬ والحفاظ على مصداقيتها على الصعيد الدولي .واقتناعا منا بضرورة الحفاظ على مستقبل أجيالنا القادمة٬ لم نفتأ نؤكد على تلازم التنمية مع ضمان حماية بيئتنا ٬ بما يكفل التنمية المستدامة لبلادنا . لذا ٬ نعمل بكل حزم ٬ على الحفاظ على ثرواتنا الطبيعية ٬ وحسن تدبيرها واستثمارها للنهوض بالاقتصاد الوطني. وفي إطار هذا التوجه ٬ يندرج البرنامج الطموح الذي أطلقناه ٬ لإنتاج الطاقات المتجددة من مصادر ريحية وشمسية ٬ لتخفيض وارداتنا من الطاقات التقليدية ٬ وتخفيف عبئها على الاقتصاد الوطني.