هناك جهات في العالم العربي تشهد اليوم نزاعات تزداد حدتها أوتنقص، ولكنها كلها تواجه خطر تفجّر موجة عنف قوية فيها. وتبدو الولايات المتحدّة وحلفاؤها عاجزين أو في الحقيقة هم غير راغبين في المساهمة في التوصل إلى حلّ سلمي في هذه المناطق. بل إنهم عوض ذلك يساهمون في صب الزيت على النار. بوادر النزاعات، أو بالأحرى بذورها برزت منذ مدة؛ وبالضبط منذ دعوة «كوندوليسا رايس»وزيرة خارجية «جورج بوش» إلى ما اسمته بالفوضى الخلاقة. إيران وحين تولّى الرئيس باراك أوباما السلطة في 20 يناير 2009 كان يحظى بفرصة وضع حدّ للتوتر القائم بين أميركا وإيران منذ 30 عاماً. كما كان هناك حديث عما سمي حينها ب «صفقة كبيرة» من شأنها إزالة المخاوف حيال البرنامج النووي لإيران وفرض الاستقرار في منطقة الخليج من خلال الإقرار بمكان إيران الشرعي وبدورها. كما لاحت كذلك فرصة بأن يؤدي حوار الولايات المتحدّة مع طهران إلى تهدئة التوترات السنية - الشيعية في المنطقة التي وصلت إلى نقطة الغليان بسبب حرب العراق. غير أنّ هذه الآمال سرعان ما تلاشت وذهبت أدراج الرياح. وعوضا عن ذلك، اختارت الولايات المتحدّة شنّ حرب غير معلنة على إيران. كما أخذت تشل اقتصادها من خلال فرض عقوبات عليها وانضمت إلى (إسرائيل) في تقويض تجهيزاتها النووية والنفطية من خلال الهجمات على شبكة الإنترنت. كما أن الولايات المتحدّة رفضت فضلاً عن ذلك، أي تنازل خلال جولات المحادثات الثلاث التي أُجريت هذه السنة بين إيران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن في الأمم المتحدّة زائدا ألمانيا. وتمّ اقتراح إبرام صفقة تقضي بأن تتخلى إيران عن تخصيب اليورانيوم عند مستوى 20 في المائة مقابل تخفيف حدّة العقوبات والإقرار بحقها في المضي في دورة الوقود النووي لأغراض سلمية بموجب معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية. هذه الاقتراحات رغم أنها ليست في صالح إيران لم تعرها الولاياتالمتحدةالأمريكية أي اهتمام، بل إنها شدّدت من موقفها عبر تبني مطلب (إسرائيل) القائل بوجوب إرغام إيران على وقف أنشطة التخصيب بالكامل من طريق فرض المزيد من العقوبات والتهديدات العسكرية عليها. ويبدو أن الولاياتالمتحدة و(إسرائيل) إنما تسعيان من خلال زيادة الضغوط إلى تغيير النظام في طهران وليس إلى وضع حدّ لبرنامج إيران النووي غير الموجود لغاية اليوم من خلال المفاوضات. ويمارس أصدقاء (إسرائيل) في الكونغرس الأميركي الضغوط على إدارة أوباما لتعليق المحادثات مع إيران واللجوء إلى الإجراءات العسكرية. فتماما كما قام أصدقاء (إسرائيل) في إدارة جورج بوش الإبن بدفع الولايات المتحدّة إلى تدمير العراق، يكمن هدفهم اليوم في دفعها إلى تدمير إيران. غير أن إيران في هذه الظروف ليست هي العراق في تلك الظروف؛ ففي حال تمّت ممارسة ضغوط قوية على إيران، لا شكّ في أنّ خطر اندلاع حرب واسعة ومدمرة بالنسبة لكل المنطقة يبقى قائماً. سوريا دخلت الولاياتالمتحدة حلبة النزاع في سوريا حيث أصبح نظام الأسد المحاصر يواجه حربا واسعة النطاق داخل المدن إلى جانب هجمات فدائية عن طريق تفجيرات واغتيالات وحرب شوارع في مدن كبيرة بما فيها دمشق. وقد نقلت وسائل الإعلام الأميركية الرئيسة مثل «فوكس نيوز» و «واشنطن بوست» و «نيويورك تايمز» و «كريستشان ساينس مونيتور» و «وول ستريت جورنال» أنّ ضباطاً في وكالة الاستخبارات الأميركية جنوب تركيا «ينسقون» عمليات نقل الأسلحة من دول الجوار إلى الثوّار السوريين، لا سيّما إلى المجموعات الإسلامية المسلحة فيما يبدو. ولا شك في أنّ تسليح المعارضة من بين أسباب إضعاف خطة كوفي أنان للسلام في سورية. وعوض الولايات المتحدّة فإن روسيا هي التي تدعو إلى بلوغ حلّ يتمّ متفاوض عليه للأزمة. وكان وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف قد كتب على موقع «هافينغتون بوست» في 21 يونيو: «نحن بحاجة إلى استخدام نفوذنا لدفع النظام والمعارضة إلى وقف القتال والجلوس على طاولة المفاوضات». ودعا إلى انعقاد «مؤتمر دولي تشارك فيه الدول المعنية مباشرة بالأزمة السورية»، وقال: « بهذه الطريقة فقط سيكون بوسعنا أن نمنع الشرق الأوسط من الانزلاق إلى هاوية الحرب والفوضى». ورأى لافروف، وهو محق بذلك، أنّ الهجوم على سورية يشكل «جزءاً من لعبة جيوسياسية إقليمية كبيرة». غير أن الولايات المتحدّة عوض أن تنضم من إلى روسيا في الضغط باتجاه بلوغ انتقال للسلطة في سورية، تبنت طموح (إسرائيل) الرامي إلى استغلال الوضع في سوريا للعمل على إسقاط ما سمّي «محور المقاومة» الذي يضمّ إيران وسورية و «حزب الله»؛ الذي تجرأ على تقويض هيمنة (إسرائيل) الإقليمية؛ وهو ما أشار إليه زعيم حزب الله حسن نصر الله في خطابه الأخير. الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي ظلّ أجواء الحملة الانتخابية، وفي ضوء الضغوط الهائلة التي يمارسها اللوبي الصهيوني وأعضاء الكونغرس الموالون ل(إسرائيل)، فإن أوباما يلتزم الصمت إزاء استمرار (إسرائيل) في الاستيلاء على الأراضي في الضفة الغربية وإزاء العنف الذي يمارسه المستوطنون المتشددون ضد الفلسطينيين العزل من دون أي عقاب. وكما فقد السيطرة على السياسة الخارجية الأميركية إزاء إيران لمصلحة (إسرائيل)، فقد انهار أوباما في وجه طموحات بنيامين نتانياهو التي عبّر عنها فيما أسماه ب (إسرائيل الكبرى). ويتوقع بعض المراقبين اندلاع انتفاضة ثالثة قريبا. فخيبات أمل الفلسطينيين كبيرة جداً، لا سيّما أنهم يعلمون أن الكيان الصهيوني لن يوافق على قيام دولتهم إلا إذا أُكره على ذلك. وكان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قد قام بمبادرات لحماية المناضلين الفلسطينيين إلا أنه لم يحصل على أي شيء. وفي المقابل؛ أعطى انتخاب محمد مرسي، مرشح جماعة «الإخوان المسلمين» رئيساً لمصر دفعاة قوية لخصومه من حركة «حماس» في قطاع غزة. ولا بدّ من أنّ المرحلة المقبلة ستكون دامية جداً. أفغانستانوباكستان واليمن وتقع المناطق الرابعة والخامسة والسادسة التي تشهد نزاعات في منطقة الشرق الأوسط الكبير في أفغانستانوباكستان واليمن وفي منطقة الساحل حيث أدت إطاحة حلف شمال الأطلسي العنيفة بمعمّر القذافي إلى انتشار الفوضى في مالي والنيجر وفي عدد من البلدان الأخرى الواقعة على حدود الصحراء، علماً أنّ هذه التداعيات لم يكن متوقعاً حصولها. وعاد الرجال العنيفون الذين طوّعهم القذافي كمرتزقة إلى ديارهم مع أسلحتهم. في مالي، وتحديداً في النصف الشمالي من البلد اندلعت ثورة الطوارق التي ازدادت حدتها جراء وجود المجموعات الإسلامية المسلحة القريبة من تنظيم «القاعدة». وتشعر الجزائر والدول الأفريقية الغربية بقلق من هذه التطوّرات إلا أنها لا تعرف ما الذي يجب فعله حيال هذا الوضع. ولا شك في أن الطائرات الأميركية من دون طيار لن تتأخر في القيام باغتيالات موجّهة في المنطقة. وفي أفغانستانوباكستان واليمن، باتت عمليات القتل عن بعد من الطائرات الأميركية من دون طيار الوسائل التي تختارها أميركا لتنفيذ العمليات المضادة لما تسميه بالإرهاب، الأمر الذي يثير غضب السكان المحليين ويفقد قادتهم الشرعية. وتعتبر أميركا أنّ الطائرات من دون طيار والحرب على شبكة الإنترنت تشكّل بديلاً للعمليات العسكرية الواسعة النطاق وبديلاً للمفاوضات وللحلّ للسلمي للنزاعات. في باكستان، حظّر قائد في حركة «طالبان» لقاح شلل الأطفال في منطقة القبائل، شمال وزيرستان إلى أن توقف وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الهجمات بالطائرات من دون طيار. ويعزى سبب ذلك إلى قيام عميل في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الدكتور «شاكيل أفريدي» بتنظيم حملة تلقيح في قرية أبوت آباد، الأمر الذي تم استغلاله في مساعدة الولاياتالمتحدة على الوصول إلى مخبأ أسامة بن لادن في هذه المدينة وإلى قتله على يد القوات الأميركية الخاصة في شهر ماي من العام الماضي. ودانت محكمة قبلية الدكتور أفريدي في باكستان وحكمت عليه بالسجن لمدة 33 سنة. صرخة «كارتر» وانشغال «أوباما» بالانتخابات دفعت الممارسات الأميركية ذات الشرعية المشكوك فيها الرئيس الأسبق جيمي كارتر إلى إطلاق صرخة يأس، فأعلن في مقال نشرته صحيفة «إنترناشونال هيرالد تريبيون» في 25 يونيو أنه: «من موقعنا كمواطنين قلقين، يجب إقناع واشنطن أن تغيّر مجرى الأمور وأن تستعيد القيادة المعنوية وفق معايير حقوق الإنسان الدولية التي اعتمدناها رسمياً على مدى سنوات». فهل سمع أوباما النداء، أم أنه يفكّر فقط في إعادة انتخابه؟ باتريك سيل، كاتب وصحفي بريطاني متخصص في العالمين العربي والإسلامي.