يرى خبراء أنه على الرغم من التوتر بين باكستانوالولاياتالمتحدة بعد مقتل أسامة بن لادن في عملية نفذتها وحدة أميركية خاصة, لا يمكن لواشنطن أو إسلام أباد الحليفتين في مكافحة الإرهاب, السماح بانقطاع العلاقات بينهما. وجاءت العملية الأميركية التي أنهت مطاردة استمرت عشر سنوات واعتبرت اكبر انتصار لأميركا في الحرب ضد القاعدة, في وقت بلغ التعاون الاستخباراتي بين واشنطنوباكستان, على الأقل ظاهريا, أدنى مستوياته. وقال ليون بانيتا مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي اي ايه) انه لم يتم إبلاغ إسلام أباد بالعملية التي أدت إلى مقتل بن لادن خشية أن يتم إبلاغ زعيم القاعدة, وذلك في إدانة علنية لولاء حليف رسمي. ورأى أ.اتش. نايار الخبير في شؤون الدفاع والأمن «إذا تبين وجود تواطوء, فسيعود ذلك على باكستان بالعقاب والعقوبات». وأضاف «وعلينا بعد ذلك أن نقرر إما الاصطفاف مع الجهاديين أو البقاء على قيد الحياة (كدولة قادرة على العمل)». ومنذ توليه الرئاسة وضع الرئيس الأميركي باراك اوباما باكستان في قلب الحرب على القاعدة واضعف الهجمات التي تشنها طائرات بدون طيار زادت من المشاعر المعادية للولايات المتحدة بين سكان باكستان البالغ تعدادهم 170 مليون. ورغم أن باكستان قالت إن وجود قوات الأميركية على أراضيها هو خط احمر, فقد تكشف وجود وحدة من القوات الخاصة الأميركية في باكستان عندما هاجمها انتحاري في عام 2010 وقتل ثلاثة من عناصرها. وعندئذ أكد مسؤولون وجود 200 جندي أميركي في باكستان. وتحدثت أنباء كذلك عن وجود وحدة أميركية من القوات الخاصة يمكنها الوصول جوا إلى باكستان لتامين الأسلحة النووية الباكستانية في حال انهيار الحكومة. وبدا أن العملية الأميركية التي قتل فيها بن لادن انتهكت مرة أخرى السيادة الباكستانية. ولم يكن زواج المصلحة بين باكستانوواشنطن سعيدا, حيث كان ما يربط بينهما هو النزاع العالمي ضد التمرد الإسلامي في احد أصعب ميادين المعركة في العالم. ولم يكن ما يربط بين البلدين التقاء أفكار. فبعد عشر سنوات من اصطفاف باكستان مع الولاياتالمتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 وتخليها, ولو ظاهريا, عن طالبان التي ساعدت على خلقها, يظل البلدان مختلفان. بالنسبة لاوباما فقد كان الهدف هزيمة القاعدة والحد من اندفاع طالبان وسحب القوات الاميركية من أفغانستان المجاورة وضمان أن لا يتحول ذلك البلد مرة اخرى الى مأوى للارهاب. ويتردد ان باكستان, التي تخشى من ان تتخلى عنها الولاياتالمتحدة وفي الوقت ذاته لا تريد قتال المسلحين الذين لا يشكلون خطرا عليها في الداخل, لا تزال مقربة من حركة طالبان الافغانية وحليفتها جماعة حقاني المرتبطة بالقاعدة. ويرى محللون أن باكستان تفكر في انه عندما تنسحب القوات الاميركية من افغانستان, فان تلك الجماعات ستبقى, ويمكن أن يساعد تحالفها مع باكستان الاسلامية في مواجهة التهديد الذي يعتقد ان خصمها النووي الهند تمثله. وتقول ليزا كيرتس الباحثة في مؤسسة هيرتيج المحافظة «هذا ليس أساسا جيدا لعلاقة طويلة .. ولا شك في أن مصير هذه الشراكة هو الفشل إلا إذا أظهرت باكستان التزاما تجاه القضاء على التطرف الإسلامي بكافة أشكاله». ووصلت العلاقات بين البلدين الى نقطة الكارثة هذا العام بعد ان اعتقلت باكستان احد المتعاقدين مع وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي اي ايه) لقتله رجلين في وضح النهار. وتردد ان باكستان طالبت بخفض كبير في عدد رجال الاستخبارات الأميركيين العاملين على أراضيها. ولكن وبعد ثلاثة ايام من مقتل بن لادن, لا تزال هناك الكثير من الأسئلة حول دور باكستان في العملية وفي جمع المعلومات الاستخباراتية التي أدت إلى اكتشاف مخبأه والتي قالت باكستان انها ساعدت فيه منذ عام 2009. ويجد بعض المحللين صعوبة في الاقتناع بإصرار كل من واشنطن واسلام اباد انه لم يتم ابلاغ الدولة الإسلامية بالعملية التي أدت الى قتل بن لادن, ولا يصدقون ان مروحيات اميركية يمكن ان تحلق في الأجواء الباكستانية دون ان يتم رصدها او إطلاق النار عليها. ويجعل هذا الغموض من الصعب التكهن بتأثيرات ذلك على العلاقات الباكستانية الاميركية اضافة الى ان المؤسسة الباكستانية ستعاني بشكل اكبر من موقعها بين سندان الضغوط الاميركية لبذل مزيد من الجهود ضد المسلحين, ومطرقة تصاعد الغضب داخل البلاد. وقال الخبير رحيم الله يوسفزاي ان «الولاياتالمتحدة تود بكل تأكيد أن تلاحق من تبقى من قادة القاعدة ومن بينهم (الرجل الثاني في التنظيم ايمن) الظواهري, واعتقد أن الأميركيين مقتنعون بان هؤلاء مختبئون كذلك في باكستان». وأضاف يوسفزاي أن «الضغوط ستتزايد بشكل كبير على باكستان من الولاياتالمتحدة والغرب لملاحقة شبكة حقاني, وسيكون من الصعب على الحكومة رفض التعاون مع الولاياتالمتحدة». وخرج المحتجون إلى شوارع باكستان ويتوقع أن يتظاهر المزيد منهم عقب صلاة الجمعة للإعراب عن غضبهم من الحكومة التي يرونها ضعيفة ودمية في يد الأميركيين. وتعتمد الحكومة الباكستانية التي تعاني من عجز بالغ في الميزانية العامة, على المساعدات الأميركية التي وصلت الى 20 مليار دولار من المساعدات العسكرية والاقتصادية منذ عام 2002. وربط الكونغرس الأميركي تلك المساعدات ب»التزام باكستان المستمر» بمكافحة الإرهاب, ولكن فشلها في ملاحقة بن لادن يثير الأسئلة حول السبب الذي يبرر دفع كل هذه المبالغ لباكستان دون مردود كبير. وطالما بقيت القوات الأميركية في أفغانستان التي ليس لها منفذ على البحر وتعتمد على ميناء باكستان وشبكتها من الطرق للحصول على إمداداتها, فان باكستان ستظل واثقة من أن الولاياتالمتحدة لن تجرؤ على قطع المساعدات التي تقدمها لها. وأضاف يوسفزاي «لا يوجد خيار إلا التعاون. ولكن ستظهر مشاكل جسيمة لباكستان عند انسحاب الأميركيين بشكل تام من أفغانستان».