الكل في انتظاره والاستعدادات قد تسبقه بشهر كامل.. تداوم جل الأسر المغربية على اقتناء اللوازم والحاجات لاستقبال الضيف القادم بما يليق بمقامه. الكل يسابق الزمن، وسويعات اليوم غير كافية، والأسواق تعج بالمشترين، والحركة لا تكاد تهدأ بين قادم وذاهب. النساء في البيوت شمرن عن سواعدهن لتنقية «الزنجلان» و»النافع»، وغيرها من الحبوب الضرورية لإعداد «سلو» و»الشباكية» وما لذ وطاب، كما تخزن حاجاتهن من التمور والتين المجفف وغيرها.. الأفران خاصة في الأحياء الشعبية يزداد الطلب عليها ل»تحمير» الدقيق، والجزارون يستقبلون الراغبين في طحن اللوز، والمحلات تتسابق في تقديم عروض مغرية وإعلان تخفيضات في الأثمنة. ولا يختصر الاستعداد على ما يملأ البطون، وإنما يتعداه إلى كل ما هو جمالي مرتبط بتنظيف البيت أو إعادة طلائه أحيانا، وترتيب أثاثه ولما لا تبديل «الديكور» لتسهيل التنقل في أرجائه واستقبال الضيوف، كما يتم إعداد المطبخ بطريقة تجعل أطباق المائدة التي تستعمل بكثرة قريبة في متناول اليد، فضلا عن تنظيف الثلاجة وتوسيع مساحتها الداخلية، استعدادا لتخزين العصائر وغيرها من المشروبات التي يزداد الإقبال عليها.. باختصار كل بيوت المملكة تعيش حالة من الترقب والتأهب، فالضيف القادم لا يأتي إلا مرة كل سنة، ورغم حلوله في عز العطلة الصيفية فإن الجميع مقتنع أنه لن يحمل معه إلا الخير والبركة، والكل باختلاف أعماره وأجناسه يستبشر بقدومه، والتهاني تنطلق قبل أسبوعين على الأقل، حيث تلتقط الآذان حيثما اتجهت «عواشر مبروكة» و»إن شاء الله بالصحة والعافية والله يجعله مغفرة للذنوب».. فأهلا وسهلا بك يا شهر الرحمة والغفران، وشهر العتق من النيران، أهلا بك يا رمضان. بالأمس، هل هلال رمضان على المغرب، محضرا أهله لأيام صيام طويلة مختلفة عن كل الأيام الأخرى، ومعها ستتغير مواعيد النوم والقيام والعمل والأكل.. الجميع عليه أن يرضخ للقواعد الجديدة، ويحترم الطقوس والعادات المغربية الأصيلة، ويحضر برنامجا خاصا للاستفادة من شهر البركة والإحسان. ومنذ الصباح الباكر، خرج العمال حاملين عزيمة صائم متحمس ليومه الأول، وهم يعلمون أن بانتظارهم إثنا عشر ساعة من الانقطاع عن الشرب والأكل تحت حرارة الشمس الحارقة، ولعل ما يصبرهم هو الإغراء الذي يزداد حينما تبدأ روائح المأكولات الشهية تفوح، خاصة «الحريرة» الشربة الرئيسية في مائدة الإفطار المغربية، ورغم أن الناس جميعا في صيام فالجو الصباحي لا يبدو مختلفا تماما عن غيره من الأيام، باستثناء بعض العيون «الناعسة»، ربما لافتقادها قهوتها الصباحية أو لأنها سهرت طويلا بالأمس فرحا وسرورا، أو لعلها لم تغمض بعد السحور وصلاة الفجر. ولكن الجميل أن هذا الصباح خال من رائحة دخان السجائر التي لطالما تفوح في الأجواء ومليء بالعزم والإيمان، والناس بكل بشر يعايدون بعضهم «رمضان مبارك سعيد وكل عام وأنتم بألف ألف خير».