بشرى ايجورك حينما نكون صغارا نضيف أرقاما إلى عمرنا لنكبر بسرعة، وحينما نكبر تصبح للأرقام معان أخرى وتصبح للزمن قيمة تقاس بما يعيشه المرء وبما يحققه في حياته من نجاحات ومن خسارات أيضا.. كلما تقدم العمر سنة، كلما كبرت الأسئلة وكبرت الهواجس والأحلام، كلما كسبنا القليل وفقدنا الكثير، كلما أصبحنا أكثر وحدة وعزلة وصمتا. لكل منا تاريخ ميلاده، هناك من لا يحفظه لأنه لا يعنيه في شيء، ولا يؤثر في حياته، ولد يوما ما، شهرا ما، سنة ما، بمدينة ما.. وكفى. وهناك من لا يتذكره إلا نادرا، أثناء ملء وثائق تافهة بأروقة إحدى الإدارات الباردة، وهناك من يردده دوما حبا في قراءة الأبراج في انتظار أن يتحقق ما ترويه كل صباح من أكاذيب. وهناك من يتناساه ويهرب منه كي لا يذكره بحياة يتركها خلفه كلما فرت من أمامه، هؤلاء يسعون إلى إخفاء كل آثار الزمن في وجوههم وقلوبهم وأحلامهم المنهكة.. دون جدوى. فلا الزمن يتوقف، ولا العمر يخفف من ركضه، ولا الساعة تتعب يوما فتوقف عقاربها لترتاح الشهور والأيام. لذلك فعيد ميلادي ليس رقما ولا موعدا عاديا، إنه لحظة أسأل فيها روحي هل لازالت تحب الحياة، وأسأل شفاهي إن كنت لازلت أبتسم بصدق، وأنظر خلفي لأعد كم من أصدقائي مازالوا على العهد، وكم من أقربائي مازالوا أوفياء.. عيد ميلادي يذكرني دوما بأنني أمضي إلى الأمام، فلا ألتفت إلى الخلف إلا للذكرى، ولا أندم ولا أوقظ أوجاعا منسية.. فهناك الغد دائما لنحيا أفضل ولنكون أسعد ولندعو الله كثيرا حتى تسكن أرواحنا وتهدأ أفئدتنا وينضج فكرنا فنستحق العمر الذي بلغناه ونقدره ونحمد الله على نعمة الصحة والعقل والحياة. حينما يمر شبابي بمحاذاة شيوخ أنهكهم الزمن، أرتجف.. ليس خوفا ولا تذمرا بل احتراما لعمرهم الذي يتحرش بشبابي ويخبره في صمت بأننا ماضون نحو نفس المصير والذي يبدو بعيدا ومستحيلا حينما نكون صغارا نركض ونقفز ونشاغب، حينما نكون مراهقين تنبض قلوبنا حبا ويدور العالم كله حول أحلامنا ومستقبل يلوح في الأفق. هناك من يكبر عقله بكبر عمره وجسده، وهناك من لا يتغير شيء في حياته سوى أرقام تتجدد دون أن يحصل تغيير في وضعه، وهناك من يسقط ضحية لرتابة الحياة فلا ينتبه إلى مضيها إلا وخيوط بيضاء تزين رأسه.. لكل منا عمره، وكم تحمل كلمة العمر من تجارب وأحلام وأسفار ولقاءات وفقدان، كم تحمل من أفراح وجراح.. كم تحمل من دمع وأسى.. كم تحمل من الحب.. عيد ميلادي ليس موعدا تتوقف عنده عقارب الزمن كل سنة دون أن تخطئ، بل منبه سنوي لسؤال الذات ومراجعة النفس وللفرحة ما لم يجاورها دمع.. ولحظة لأغمض عيني لأرى الحياة من حولي علني أكتشف ألوان جديدة لم يسبق لي أن رأيتها.