لم يعد المستهلك المغربي في مأمن من الآفات والمصائب، التي بدأت تظهر بوادرها هنا وهناك، كجنون البقر، وأنفلونزا الطيور، وشبح الكولسترول، وعواقب السيدا، وغيرها من الجيح والأوبئة، هل يضرب المغاربة عن أكل اللحوم بكل أصنافها وألوانها، ابتغاء الحفاظ على لياقته البدنية والعقلية، ويكتفي بالعودة إلى استهلاك كل ما هو نباتي...؟عبر العديد من المواطنين بمدينة الجديدة عن تخوفهم وارتيابهم من شبح أنفلونزا الطيور، الذي انشر مؤخرا ببعض الدول الأوروبية، وخاصة بتركيا ورومانيا وبعض الدول الإفريقية، والتي لا تبعد عنا إلا بمسافة ساعة أو ساعتين، بعد أن ظهر في بدايته بآسيا، حيث كان لعامل البعد، تأثيره الاطمئناني في نفسية المغاربة، ولم يخف المستجوبون الذين استمعت لهم جريدة آسيف، حقيقة شعورهم وإحساسهم إزاء هذه الآفة والتي جاءت لتنضاف إلى جنون البقر وشبح الكولسترول، وهجرة الأسماك، وانقراضها بعد الهجوم الكاسح الذي تعرضت له ولا زالت تتعرض له، وسوف تتعرض له بعد تجديد العقد المبرم مع الاتحاد الأوروبي... يقول محمد العوني تاجر صغير، وهو يحس بمرارة: » ماذا بقي لنا الآن، بعد هذه الكارثة، التي لاحت في الأفق، الدجاج في خطر، الدجاج والبيبي والوز، وغدا يقولو لينا القنية فيها السيدا، أش غادين ناكلوا... « واستطرد قائلا بعد أن ناول زبونة قطعة من الصابون: » بالحق نرجعوا ناكلوا الفول واللوبيا والخضرة، الخوف كل الخوف الى ظهر شي مرض يصيب الخضر هي الأخرى، الله يلطف والسلام... «الله يلطف والسلام، متمنيات لا تعلو على الواقع الذي يعيشه العالم بأسره من تخوف مشروع ومن احتياطات وقائية تتخذها الدول بغية حماية مكوناتها ومصادرها من اللحوم البيضاء والحمراء والتي تعد الثروة الخاصة والاحتياطية لكل دولة، ولعل التخوف الذي أبداه العوني ليس بعيدا عن التحقق، رغم انه وانطلاقا من تفكيره البسيط، لوح بإمكانية تلويث الخضر، والفواكه، إذن، يبقى تخوفه مشروعا وتساؤله قائما، ماذا سنأكل بعد ذلك؟...الخضر هي الأخرى ليست في مأمن عن الخطر القادم من بعيد، فأمام استعمال المبيدات والأدوية المستوردة والممزوجة بمواد عضوية خطيرة يؤدي حتما إلى بقائها بالأرض، ولعل ما وقع بين فرنسا والولايات المتحدة، بخصوص الذرة، التي استوردتها فرنسا وهي مخصبة بمواد عضوية ملوثة، دون الكشف عنها، جعل فرنسا ترفع الأمر أمام القضاء، لعل في ذلك أكبر عبرة...ماذا بعد أنفلونزا الطيور؟ وقبل ذلك ظهر جنون البقر ببريطانيا، وتم على إثر ذلك فرض مجموعة من الشروط والترتيبات تمنع استيراد اللحوم الحمراء والأبقار وبعض مشتقاتها، ولكن، ومباشرة بعد ذلك، وبعد أن هدأت العاصفة، شرع المهربون والذين لديهم امتياز الاستيراد والتصدير، في مباشرة نشاطهم، حيث لم تتوقف عملية استيراد الأبقار، فكما يقول المثل المغربي الدارج الفصيح( اللي عندو باب الله يسدو اعليه) أصحابنا تفتقت عبقريتهم عن تخريجة خطيرة، بعد أن سدت في وجوههم أبواب الشمال توجهوا إلى أبواب الشرق، وشرعوا في استيراد الأبقار، بل تهريبها، ولعل ما وقع مؤخرا في كل من أولاد افرج وسيدي بنور، عندما تم حجز أربع عجلات بالسوق الأسبوعي لأولاد افرج، ثم، ثلاثة عشر رأسا أخرى بنواحي سيدي بنور، تبين فيما بعد أن البعض منها مريض ومصاب بالتهابات، لا احد من المختصين استطاع التعرف على نوعيته ولا ماهيته، ولعل في ذلك، البلاغ المبين، لمن لا زال لم يقتنع...هذا دون الحديث عن استيراد اللحوم الطازجة والمصبرة، والنقانق وغيرها، وإن كان لا أحد يعرف معرفة دقيقة مصدرها، وإن كان البعض يروج انها من الأرجنتين دفعا لكل لبس، أو شك في مصدرها..وماذا بعد جنون البقر؟ وأنفلونزا الطيور بل الدجاج؟ ماذا تبقى للمواطن البسيط والمستهلك بصفة عامة؟ هناك ظاهرة خطيرة جدا، بدأت ملامحها تتشكل وتظهر ولا احد يعلم مترتباتها ونتائجها المباشرة وغير المباشرة، لقد بدأ مربو الأغنام يستعملون نوعا جديدا من العلف، والذي لم يكن معروفا من قبل، ولكن التطور الحاصل وارتفاع تكلفة المواد المستعملة في العلف، جعل هؤلاء يلجئون إلى استعمال بقايا المواد المستعملة في تربية الدواجن، بما فيها نفايات الدجاج( البزق) وغيرها واعتمادها كعلف للأغنام الموجهة إلى الذبح، وخاصة ذبائح العيد الكبير، حيث تبين مدى فاعليتها في عملية التسمين، وقد عبر احد المهتمين والقريبين من مصلحة تربية المواشي بالمكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي، عن تخوفه من ظاهرة استعمال هذه النفايات، والتي تحتوي على مواد عضوية خطيرة، قد تؤدي إلى ظهور أمراض لا علم لأحد بها وقد تكون اخطر من أنفلونزا الطيور وجنون البقر...ونعود إلى السؤال الذي طرحه العوني، وطرحه غسان كنفاني قبله، ماذا تبقى لنا؟ نحن البسطاء، الدجاج مهدد بالإصابة بالأنفلونزا، حيث عرف سعره انخفاضا لم يعهده من قبل، خاصة في شهر رمضان، مما جعل المستهلك يعزف عن استهلاكه، ومرد ذلك حسب جل المستجوبين، يعود إلى التخوف المشروع من احتمال إصابته بالأنفلونزا، في الوقت الذي يؤكد فيه، تجار الجملة، أن الأمر يتعلق فقط بمنطق السوق، فكلما توفر العرض، أو كلما فاق العرض الطلب انخفض السعر، حيث ظل يتراوح ما بين 10 و11 درهم للكيلوغرام الواحد في الوقت، الذي كان يتجاوز ثمنه، العشرين درهما خلال رمضان والعواشر..وحسب تطمينات وزارة الفلاحة، فلا خوف على هذه الثروة الحيوانية، خاصة وأنها اتخذت تدابير وقائية صارمة، اتقاء انتقال العدوى، وخاصة الفيروسH5 N1 ، الذي ينتقل إلى البشر، حيث أدى إلى وفاة أكثر من 60 شخصا بآسيا وخاصة بهوكونغ خلال السنة الماضية، وإن كان العديد من المتتبعين يتخوفون من تأثير هجرة الطيور الطائرة، والتي اعتادت على هجرة أوروبا، تزامنا مع البوادر الأولى للفصول الباردة، حيث يتوقع هؤلاء أن يصل عددها إلى 500 ألف طائر مهاجر...إذن، وأمام هول ما وقع ببريطانيا بخصوص جنون البقر، وبآسيا بخصوص أنفلونزا الطيور، وما يتنظره المواطنون من عواقب الكولسترول، لم يبق لنا سوى السمك، وإن كانت هذه الثروة الوطنية، ليست في متناول الجميع، رغم أن المغرب يتوفر على واجهتين بحريتين ومجموعة من المصانع في الشمال والوسط والجنوب، دون أن يستفيد المواطن، حتى من الأطنان الهائلة من مصبرات السردين، التي توجه إلى الخارج، كما توجه باقي الأنواع الأخرى والتي يكاد المواطن الساحلي، الذي يسكن على الساحل، يكاد يجهل أسماءها، الأسماك ليست في متناول المواطن البسيط، وذي الدخل المحدود، ليست في متناوله، من حيث ثمنها الذي، يصل إلى الخمسين والستين درهما..ويختم العوني ملاحظته، قائلا بسخرية: » السمك هو الأخر، قد يتعرض للضرر، وقد نفاجأ بالمسؤولين يقولون في يوم من الأيام، بأنه أصيب بالسيدا، أو بالعوايا، أو بأي مرض، يبحثون له على اسم والسلام، والغريب في الأمر أننا نصدقهم، هذا حكم القوي على الضعيف، لا نملك غير الدعاء لنا ولكم بالستر والسلامة... «لم يبق لنا سوى العودة إلى جدورنا ومبتدانا، ونترك كل أصناف اللحوم، ونكتفي بما تنتجه الأرض من بقلها وثومها وقثاءها، وخضرها وفواكهها، ونعمل ما عمله أبو العلاء المعري، عندما اضرب عن تناول اللحوم، فقد نضرب عصفورين بحجر واحد، نحافظ على صحتنا من احتمال إصابتها بأي مرض، ونساهم في ترويج منتوجاتنا من الخضر والفواكه...