خلال الندوة الصحفية التي عقدها المكتب المركزي للأبحاث القضائية (البسيج) يوم 24 فبراير 2025، في إطار السياسة التواصلية التي ينهجها المكتب، وعلى خلفية إحباط المخطط الإرهابي عبر توقيف 12 عنصرًا إرهابيًا بايعوا تنظيم داعش الإرهابي في 09 مدن مغربية، في عملية أمنية نوعية صبيحة 19 من فبراير الجاري، والتي تم خلالها حجز كمية مهمة من المواد المتفجرة في طور التركيب، وأسلحة بيضاء، وأموال. كما أسفرت عمليات تعميق البحث عن الوصول لقاعدة خلفية للدعم اللوجيستي في منطقة بوذنيب بإقليم الراشيدية، تم فيها تخزين أسلحة نارية وخراطيش بكميات مهمة. صرح المكتب أن خطة التشكيك في تفكيك الخلايا الإرهابية، ومصداقية التدخلات والعمليات الأمنية التي تقوم بها المصالح المختصة، تُعتبر من العقائد الأساسية لدى العناصر المتطرفة، وتدخل في إطار "جهاد اللسان والكلمة"، كما جاء على لسان بوبكر سبيك، المتحدث الرسمي باسم المديرية العامة للأمن الوطني، نقلًا عن الأمير المزعوم لخلية ما يسمى "أسود الخلافة في المغرب الأقصى". من هنا، تأتي الخطورة البالغة في تحول الفكر المتشدد من الفعل الواقعي إلى الفعل الافتراضي، في شكل جديد من التطرف الرقمي. هذا الأسلوب يعتمد طريقة تدريجية، إما من خلال تعليقات على المنشورات الرسمية للجهات المسؤولة التي تُبلغ الرأي العام بالمستجدات الأمنية، أو تعقيبات في صفحات الأساتذة والباحثين الأكاديميين الذين يتفاعلون مع مثل هذه الأحداث. وقد تكون أحيانًا في شكل تدوينات لأصحابها، وغالبًا ما يكون الفاعل الأصلي بحساب وهمي، يستغل حق حرية التعبير ليشكك في هذه المعلومات، ويضرب في مصداقية تدخلات رجال الأمن، أو يحاول تحوير النقاش وتغطية هذه المجهودات بتسليط الضوء على قضايا مجتمعية أخرى. كما يتم التعريج على أن هناك جهات تعمد إلى تهويل الأمور وإخافة المواطنين دائمًا بشبح الإرهاب، لضمان تشبثهم بالمؤسسات الأمنية وصرفهم عن الحديث في القضايا الجوهرية، مثل الغلاء والبطالة والفساد، حسب ما تتبناه مثل هذه التدوينات. إلا أنه، وللأسف، ينساق وراء هذا الأسلوب عن غير قصد مجموعة أخرى من الفاعلين الافتراضيين في مواقع التواصل الاجتماعي، إما على سبيل الهزل، حيث يدخلون في جو من النقد اللاذع بصورة الضحك والاستهزاء (الساركازم)، أو تستغله بعض الجهات التي لها حسابات مع الدولة وأجهزتها، إما سياسيًا أو أيديولوجيًا، من أجل تصفية هذه الحسابات، ولو كان ذلك على حساب مصداقية الأجهزة الأمنية. حيث يصورون أن هذه الأجهزة في حاجة إلى تلميع صورتها من حين لآخر لتسليط الأضواء عليها، ناسين أو متناسين أن مثل هذه العمليات قد تضر الدولة كثيرًا، خصوصًا على المستوى الاقتصادي والسياحي. وبالتالي، فلا يمكن للدولة أن تخاطر بصورة الأمن والاستقرار من أجل القيام ب"تمثيلية افتراضية" خسائرها أكثر من مكاسبها. إن هذا التغيير في الفكر الإرهابي، الذي يجند "مجاهدين" عملهم الوحيد هو نشر وتوزيع تعاليق أو تعقيبات أو تدوينات في مواقع التواصل الاجتماعي، تعادل في خطورتها المجند الذي يقوم بالعمليات التفجيرية أو التخريبية، تقلل من جدية تدخل قوات الأمن ومصداقيتها، يتطلب من المجتمع المغربي، بصفة عامة، إعادة صياغة وعيه الجماعي بخطورة هذه التنظيمات، التي أصبحت تطور من أساليب تأثيرها وطرق تسللها داخل الهياكل المجتمعية. كما يفرض، بصفة خاصة، على المؤسسات الأمنية استراتيجيات متنوعة للتمكن من رصد وتتبع هذه الخلايا الورمية. وبصفة أكثر خصوصية، يناشد المشرع المغربي للتفكير في طريقة يمكن بها ضبط مثل هذه التصرفات، التي تزعزع ثقة المواطن في عمل مؤسساته الأمنية، وتبخس مجهوداتها، وتزيف الوقائع، من خلال التفكير في سن قوانين وتشريعات تمكن من منع وحظر هذه الأفعال، التي تتجاوز حدود الحق في حرية التعبير، والتي تتطلب استحضار المسؤولية في ممارسة هذا الحق باعتباره مبدأ كونيًا. كما تدعو إلى ضرورة تحقيق التوازن بين حماية الحق في التعبير ومنع استعمال هذا الحق فيما من شأنه تسميم الفضاء العمومي، كمجال للنقاش وتبادل الأفكار، التي قد تؤثر سلبًا على قناعات ومعتقدات المتلقي. إن العملية الأمنية الأخيرة كشفت النقاب عن أن التنظيمات الإرهابية تطور من نفسها بشكل دوري ومستمر، وأصبحت تقترب بشكل كبير من مراحل التنفيذ، حيث يتم التدخل الأمني في المراحل المتقدمة من الإعداد والتخطيط للتنفيذ، من خلال المواد والمخططات التي تم حجزها لدى عناصر هذه الخلايا، رغم عملية الترقب والرصد التي دامت قرابة سنة، وهو ما يظهر قرب الخطر التخريبي من الحياة اليومية للمواطن، الشيء الذي يستدعي يقظة مجتمعية شاملة.