خلال السنوات الأخيرة انتشرت الأخبار في أوروبا و الولاياتالمتحدةالأمريكية و بريطانيا و كندا و غيرها من دول المعمور معلنة عن ظهور فيروسات خطيرة، و هكذا شاع انتشار مرض جنون البقر، و كثرت التحاليل و التعاليق حول هذا الموضوع، و تحركت وسائل الدعاية المختلفة معطية تحاليل الأطباء و المختصين عن أسباب هذا المرض و النتائج الخطيرة التي تصيب الإنسان إذا تناول اللحوم الحمراء، وشاهد الناس على شاشات التلفاز عمليات إعدام عدد كبير من رؤوس الأبقار لدرجة كادت تلك الإعدامات أن تقضي على القطيع الإنجليزي، و أصبح محرما تصدير اللحوم الحمراء إلى الدول الأوروبية و حتى عدد من الدول العربية و الإفريقية، و قد اتخذ المغرب في تلك الفترة قرارا يقضي بمنع استيراد اللحوم الحمراء، تفاديا للمضاعفات و أحجم المغاربة عن تناول اللحوم الحمراء ما عدا الطبقات الشعبية التي استغلت فرصة تدهور أثمنته، لتشبع نهمها و نهم أطفالها من تلك المادة التي يحرمون منها لشهور عديدة خلال السنة، ثم أعلن عن اكتشاف الأمصال المضادة للمرض، وسرعان ما خبت الدعاية لمرض جنون البقر الذي أسال مداد الأقلام ليخلص العلماء أن المرض نتج عن تعاطي الأبقار للأعلاف الحيوانية، ثم عادت اللحوم الحمراء ترتفع مرة أخرى بالمغرب، و لم يعد باستطاعة المغاربة أن يتناولوه لعدة مرات في الشهر، و لعل المثير للإنتباه أن المواطنين المغاربة لم يصابوا بأذى في تلك الفترة. وبعد جنون البقر عاودت وسائل الإعلام حملة أخرى للوقاية من إنفلونزا الطيور، و كما أحرقت الآلاف من قطعان البقر، تم إعدام الملايين من الدجاج و البط و كل أنواع الطيور، و اتخذت إجراءات وقائية في المغرب لمحاصرة الطيور المهاجرة القادمة من آسيا و أوروبا. ولم يتوان المغاربة أيضا عن تناول اللحوم البيضاء التي وصلت أثمنتها إلى أسعار متدنية، و حسب ما أذكر لم يصب أي مواطن مغربي بأذى و خاصة الفئات الفقيرة التي انتهزت أثمنة تدهور سعر الكيلوغرام من الدجاج الذي وصل إلى 3 دراهم لتشبع بطونها من هذه المادة الحيوية، التي كان هبوطها نكسة بالنسبة لمربي الدجاج . ومنذ سنتين تقريبا أخذت وسائل الإعلام تتحدث عن ظهور فيروس انفلونزا الخنازير القادم هذه المرة من كندا، و مما زاد في هول هذا الفيروس هو عدم وجود الأمصال المضادة لهذا الوباء الخطير. و اتخذ المغرب مؤخرا إجراءات وقائية في مطاراته وموانئه وشدد المراقبة في أبواب حدوده البرية، حيث لوحظ نقل عدد من المسافرين القادمين من الخارج إلى المستشفيات العمومية لتلقي العلاج بمجرد ملاحظة ظهور آثار الحمى عليهم، وكنا نتتبع حالاتهم الصحية، حيث يغادرون المستشفيات بعد تلقي العلاجات. وعمت الفرحة الإنسانية جمعاء وأعلن عن اكتشاف الدواء المضاد. غير أن ما أثار الإنتباه خلال هذا الأسبوع، هو ظهور هذا المرض في عدة مؤسسات تعليمية بفاس، والبيضاء و الرباط. فبادرت مندوبية الصحة بفاس وكذا وزارة الصحة إلى طمأنة المواطنين، واتخاذ الإجراءات الوقائية، وأعلن عن إنشاء خلايا لليقظة بالمراكز الصحية الوطنية، إلا أن المثير للإنتباه أن مراسلي بعض الصحف الوطنية، بدأوا يحاولون تهويل الموقف، بل أخذوا يشهرون حتى بالمؤسسات التعليمية التي ظهر فيها الوباء و كأنها المسؤولة عن ذلك!! الشيء الذي خلق رعبا كبيرا بين المواطنين عامة وأسر التلاميذ المصابين خاصة بفاس، وكان من نتائج ذلك أن كثر الحديث في الأوساط الفاسية عن حقيقة هذا الفيروس، وهل وراء الدعاية له الشركات المصنعة للأمصال المضادة ؟ وتساءل المواطنون أيضا عما ستبديه الأيام مستقبلا؟ فقد يعلن عن انتشار انفلونزا السمك بعد أن تهدأ هذه الموجة أو الإعلان عن فيروسات قاتلة في الخضر والفواكه، ثم ابتكار الوسائل المضادة، وبذلك تتضاعف أرباح الشركات المنتجة وتصبح أرقام معاملاتها خيالية. وعلاقة بأنفونزا الخنازير حلت بمدينة فاس مؤخرا مجموعة من الأطباء الفرنسيين وقاموا بزيارة مجاملة للإحيائي الدكتور عبد الرحيم فيلالي بابا رئيس مجلس فاس السابق ودار الحديث عن الوباء، فأكد الأطباء الفرنسيون وجود الفيروس، مضيفين أن هناك مبالغة من طرف وسائل الإعلام التي تقوم بعمليات إشهارية لفائدة الشركات المنتجة وتزيد من هول وخوف المواطنين، زيادة على ذلك، أكدوا أن المصل المكتشف حديثا لا تعرف نتائج مضاعفاته، لذا فإنهم يمتنعون عن حقن المرضى به في فرنسا إلا إذا إلتزم المريض شخصيا بمخاطر مضاعفاته ! ونظرا للتهويل المصاحب لداء إنفلوانزا الخنازير فقد وقفت شخصيا على عدد من مواطني فاس وهم يطرقون الصيدليات في مختلف الأحياء بحثا عن المصل المضاد للزكام والذي يستعمل عادة خلال هذه الفترة، غير أن محاولاتهم باءت بالفشل لأن هذه الأمصال المضادة لمرض الزكام نفدت من الصيدليات، حيث كان الإقبال عليها منقطع النظير. وفي هذا السياق طرحنا السؤال على الصيدلاني حسن عاطش حول وباء إنفلونزا الخنازير و كذا أسباب نفاد المصل المضاد للزكام؟ فأكد أن فيروس إنفلونزا الخنازير واقع لا يمكن نكرانه، غير أنه ينبغي توعية المواطنين عبر وسائل الإعلام والإخبار بأعراضه وخطورته ثم وسائل الوقاية منه، لأن الوقاية خير من العلاج، أما فيما يخص الأمصال المضادة للزكام والتي نفدت من الصيدليات، فإن الأمر يرجع إلى الشركات المصنعة له والتي تقوم بإحصاء متطلبات كل صيدلاني من هذه المادة على المستوى المحلي والجهوي والوطني، و نتيجة هذه الإحصائيات تقوم بصنع الأمصال، مضيفا أن كل صيدلاني يأخذ الإحتياطات اللازمة عند اقتناء الأمصال التي هو في حاجة إليها فقط، لأن الشركة المصنعة ترفض تبديل المصل الذي انتهت مدت صلاحيته، ولذلك لا يتحمل الصيدلاني مسؤولية خسارته المادية.