حينما أخذوك من أمامي لم تتوقف دموعي، ولم تُجْد توسلاتي كأن آذانهم من حديد، وكأن قلوبهم شقت من حجر. كان عددهم عشرون، وكنت فردا أمام «إكراههم البدني» و«قرارهم الفوري». ألقوا قبضتهم على ذراعيك بشراسة واقتادوك كأنك مجرم، وفرضوا علي الاستقالة الاضطراية من عطفك وحنانك. كم أشتاق إليك يا أبي وأنت تقضي أسبوعك الأول بعيدا عن بيتك وفراشك وأهلك ومهنتك.. أشتاق إلى إطلالتك ولمستك واهتمامك.. وأعرف أنك تشتاق إلينا كما تشتاق إلى أقلامك وأوراقك وزملائك و«مشعلك»..ماذا يريدون منك يا أبي؟ كل مسانديك يقولون إن رجالا كبارا و«مهمين»- لا أعرفهم- يريدون الانتقام منك، ومن إصرارك على الانتماء لطليعة المدافعين عن حرية الصحافة في بلادنا.. أعرف يا والدي أن حكمهم كان قاس، وأعرف أن الحرية لا يمكن أن يحجبها جلاد، ولا أن ينال منها كل متربص، سواء أكان يلعب في الظل أو تحت الشمس.لا عليك يا أبي، هم لا يدركون أن أحكامهم لا تزيد الصحافيين إلا إصرارا، وأن سجونهم تُفتح لتحول أصحاب القلم إلى مناضلين. كل الشرفاء يقولون: «القمع لا يرهبنا والموت لا يفنينا». دعهم يفتحون سجونهم، فالذي يلاحق الحقيقة ينكمش دونها ويتعذب دون أن يدركها. لا عليك يا أبي الصامد، فأنا أستطيع أن أمسح دموعي، وأن أنتظر اليوم الذي أحمل فيه «المشعل».. سأحميه بكل ما أوتيت من جلد، لأنك كنت لي الشمعة وكنت لي الطريق..