بعد قليل سنراهم، حكام العالم العربي، يصعدون الواحد إثر الاخر الى طائرات خاصة ويقفزون الى القصور الفاخرة للافطار – تلك الوليمة التي توقف الصيام اليومي لشهر رمضان. مبارك سيقفز الى السعودية، الملك عبدالله الاردني سينزل في امارات النفط والرئيس العراقي سيذهب هو ايضا الى الخليج الفارسي. اما القيادة اللبنانية فستسافر الى دبي. هنا مصدر المال، هنا يصرفون السياسة العالية الى دولارات، المصالح حيال الصدقات. المواطن الصغير سيشطف عينيه بالعناقات على البساط الاحمر ولكن مظاهر الابهة محظور تصويرها. هذا العام، اكثر من أي وقت مضى مظهر الطاولات المليئة بكل ما هو طيب والخدم بالقفازات البيضاء من شأنه ان يضرم النار في اوساط مئات ملايين الجوعى. عدد الجوعى في العالم العربي بلغ هذا العام حجوما مفزعة. شهر رمضان، الذي بدأ مع السنة الدراسية عندنا وينتهي بالضبط في رأس السنة العبرية الجديدة، يقف في ظل حفرة عميقة وخطيرة انفتحت بين رجل الشارع وبين زعمائه. الاحصاءات تحذر من ارتفاع مثير للدوار ليس فقط في عدد العاطلين عن العمل بل وايضا في ثمن سلة الغذاء، الخبز، الارز، القطاني والحبوب التي بدونها لا يبدأون وليمة الافطار. في تركيا مثلا سيوزع مليون "حقيبة مساعدة"، توازي رزم الهدايا للعائلات قليلة القدرات عندنا. في مصر ستمد "موائد الرحمن" – اصحاب الملايين والشخصيات العامة الذين اختنوا من الارتباط الفاسد بين المال والسلطة ينظفون ضميرهم باطعام عشرات الاف المظلومين وعديمي الحظ. صوم رمضان يأتي لتنظيف النفس من خطايا السنة الماضية، فتح مسار التفافي للحكام بين المواطن الصغير وبين الله. وبالضبط مثلما هو عندنا: يأكلون ويبكون على الكالوريات، يأكلون وينفسون على السياسيين الفاسدين. جدال صاخب ينشب الان بين مفتي السعودية والاطباء في ارجاء العالم العربي، حول كيفية التغلب على حظر الشرب في ساعات الصيام عندما تصل درجة الحرارة 48 درجة (في الخليج). مسموح ترطيب الشفتين؟ جيد الموت جفافا من أجل الاسلام؟ ما العمل بجنون اللاصقات لكبح الشهية؟ الصور الاولى لرمضان الجديد بعيدة عن التشجيع. قوات الشرطة المعززة، عيون الشرطة الراجفة من الحرارة الفظيعة، ينتشرون على اهبة الاستعداد حول المساجد. لحظة واحدة من انعدام التأهب، كلمة زائدة من الواعظ، فاذا بالجماهير ستنفجر الى الشوارع لاغلاق الحساب مع الحاكم. الارض تتلظى في الباكستان. موجات الاستياء تبدو مهددة في مصر، وكذا في سوريا. لا هدوء في لبنان، في الاردن، في تونس، في السعودية وحتى في امارات النفط. وليس صدفة صدفوا في رفح معبر الحدود ليومين. لو لم يفتحوه (وحرصوا على اغلاقه من جديد) لكانت الجماهير انقضت مرة اخرى على الجدار. شهر الزهد يقتضي ايضا صوم الجسد عن المباهج في باقي ايام السنة: عدم الثرثرة، القيل والقال، التشهير والامتناع عن الاتصالات المبهجة. المواطن الصغير مدعو لان يجلس في الصالون امام التلفزيون وان يدمن على مئات المسلسلات التي اعدت خصيصا في الفضائيات. ولكن المواطن الصغير لم يعد قادرا على ضبط نفسه. رمضان الحالي يبدو مثل مهلة قبل مواجهة عنيفة. قنبلة متكتكة ستنفجر. الشيطان وحده يعرف اين. يمكن لهذا أن يأتي من غزة، من حزب الله في لبنان، من الشارع المصري، من الخلايا الغافية لحماس في الاردن، من وكلاء القاعدة الذين يتحينون الفرصة. اسمحوا لهذا الصيام أن يمر، وثقوا الاحزمة، الانفجار في الطريق. يديعوت - مقال – 2/9/2008مراسلة الصحيفة للشؤون العربية