أثارت الأحداث المفجعة بالدار البيضاء ليوم الجمعة الدموي في 16 مايو 2003 عدة تساؤلات، بعد أن كانت العتمة تلفها من طرف الطبقة الحاكمة والنخب السياسية، خصوصا بعد الانفلات التي عرفتها التنظيمات المتأسلمة في بداية القرن الحالي، وخرجت عن جادة الصواب الذي رسمته لها المؤسسة المخزنية منذ أن خلقتها وحركتها لمواجهة المد الديمقراطي والتقدمي التحرري. ولعل وفاة الملك السابق وتنحية وزيره في الداخلية والتغييرات المحدثة على مستوى الأجهزة الإستخباراتية خلق وضعا انتقاليا ساهم في هذه الانفلات الذي عرفه المغرب في ظل المخزن الجديد، أو بالأحرى عجلت بهذه الانفلات الذي كانت منتظرا في ظل عولمة الإرهاب. إلا أن فهم هذه الانفلاتات التي تحولت إلى ظاهرة، يستوجب القيام بعمل تاريخي لها ومقارنتها بالظاهرة التي عرفها الغرب الاؤروبي. وقبل الإحاطة بما سبق ذكره يجدر بنا التساؤل هل فعلا التنظيمات المتأسلمة في المغرب سواء الذين يجنحون إلى" السلم " أو الذين يجنحون للإرهاب من صنع المغرب؟ وهل صحيح أن الإرهابيين أجنحة انشقت عن التنظيمات والتيارات الإسلاموية بالمغرب؟ أم أنها من تنظيماتها الموازية؟ وهل الإرهاب الديني نتيجة الأزمة والركود الاقتصاديين والتهميش الذي طال الشباب ومجموع جماهير الشعب المغربي جراء ذلك؟ إن ظاهرة الإرهاب في التاريخ الأوروبي الحديث اقترنت بالمذاهب وبالمنظومة الأيديولوجية السياسية والفكرية بينما اقترنت عندنا في المغرب وعموم العالم الإسلامي بالدين الأرتدوكسي فالظاهرة في أوروبا ارتبطت بالعقيدة السياسية والفكرية، جاءت نتيجة الرؤية النقدية التي انطلقت مع عصر النهضة والأنوار. فالكشوفات العلمية والانقلاب على مستوى علاقات الإنتاج، جعل البورجوازية الغربية ترتبط برؤى فكرية وسياسية جديدة مستقلة عن الكنيسة استقلالا كليا، على عكس ما كان سائدا في القرون الوسطى إذ السيطرة كانت للكنيسة المتحالفة مع الإقطاعيين حيث كانت محاكم التفتيش باسم المسيحية، تواجه المسيحيين الذين يكتشفون ويجتهدون خارج إطار الكنيسة رغم التزامهم بالكتاب المقدس . وقد عرفت هذه المرحلة صراعا وإرهابا ضد المصلحين المجددين فكانت الانطلاقة لثورة" لوثر " الألماني الذي ثار على تزمت الكنيسة مما فسح المجال لعصر نهضوي تنويري بالتصدي مباشرة للكنيسة , وللدين كذلك. من هنا أصبحت الفلسفة والمذاهب السياسية هي أساس الصراعات وأضحت المسيحية واحدة من هذه المذاهب والفلسفات. إذا كان الصراع في الغرب الأوروبي تجاوز الدين والكنيسة فإننا تاريخيا وعبر المسار التاريخي الذي عرفه الصراع الفلسفي والفكري قديما فان مفكرينا اجتهدوا في إطار النص دون مواجهته على عكس الغرب فقد بقي الجميع – مع بعض الاستثناءات- تحت مظلة الدين، ولنا في التاريخ أمثلة عديدة كالمعتزلة والقرامطة وابن رشد وابن خلدون والفارابي، والكثيرين الذين ابقوا اجتهاداتهم في إطار النص، لان الاجتهاد رغم انه ظل سجينا للنص إلا انه صراع ذو بعد اجتماعي ارتبط بمصالح الفئات المتضررة داخل المجتمع آنذاك عكس عصر النهضة العربي الإسلامي الذي يعتبر عصرا تراجعيا بالقياس لما عرفه العصر الوسيط حيث انتفاء البعد الاجتماعي في الصراع وفي طروحات قادة فكر النهضة. فرواد النهضة وعصر الأنوار كانت اجتهاداتهم في دائرة النص . واستلهام الإصلاح الديني في الغرب.دون المواجهة مع مسلمات النص مما جعل إمكانية فصل الدين عن الدولة مستعصية في كثير من الجوانب . ففي عصر النهضة وعصر الأنوار كانا بداية فصل الدين والدولة . ولم يكن يعني دلك الحادا. وإنما كان بمثابة القطع النهائي مع الحكم الثيوقراطي . الذي ارتبط بالدين من خلال تحالفه مع الكنيسة . ففكر النهضة والأنوار يرى في الدين أمرا إنسانيا خاصا مما جعل المسيحية تخسر الكنيسة مقابل ربح الإنسان في حين أن الإنسان في الغرب لم يخسر غير محاكم التفتيش وصكوك الغفران ولكنه ربح نفسه والمسيحية معا . وليست المسيحية كنصوص وإنما كقيم إنسانية . ولدلك فالإرهاب في الغرب لا يلجأ إلى الدين . وإنما إلى فضاء سياسي من المذاهب الفلسفية والفكرية. فالدين في الغرب استقل عن الدولة وبات الإرهاب ينطلق من منطلقات – نحن لا نناقش هل دلك الإرهاب ذا بعد ثوري أم دموي إرهابي ؟ - إيديولوجية كما هو الحال بالنسبة لتنظيم الألوية الحمراء. أو مجموعة " بادر مينهاوف " وكارلوس " أو انه " فاشي " أو نازي " لكنه لا يقال عنه انه تحت غطاء مسيحي .فالضمير الغربي الذي تشكل المسيحية جزءا أساسيا منه . قد أفسح المجال لقيم إنسانية وفكر أخر مستقلا عن هده المسيحية التي أصبحت ذات بعد إنساني يمجد الإنسان ويضع المسيحية في خدمة قضايا السلم والعدالة والحرية. بل هناك من حمل بندقيته انطلاقا من لاهوت إنساني دفاعا عن الكرامة الإنسانية كما هو حال أساقفة أمريكا اللاتينية. وعلى الرغم من الإعلان أن لا رهبانية في الإسلام وخلو النص من أي دعوة إلى الكهنوت . إلا أن تاريخنا الإسلامي عرف هدا النوع من الرهبانية والكهنوتية. ويمكن إيجاد تشابه بين الإمبراطورية العثمانية . والإمبراطورية الرومانية والبيزنطية. فالإيديولوجية الدينية في العالم الإسلامي ذات طبيعة ازدواجية . تارة تناهض الاستعمار والرجعية وتسند الثورات . وثارة تتحالف مع الاستعمار والرجعية وتضع نفسها في خدمة أعداء التقدم . والمغرب نموذج لدلك. فالثورة التي قادها محمد بن عبد الكريم الخطابي . ثورة منطلقاتها دينية في الجوهر و العصيان ضد الظهير البربري في 1930 ووجه بإيديولوجية دينية باعتبارها أداة توحيد وتجميع لمكونات المجتمع المغربي في مواجهة النصارى كما أن الكفاح الوطني ضد الاستعمار في بلدان المغرب العربي كان سنده الإيديولوجي والتحريضي هو الدين .في مقابل دلك كانت الزوايا كحركات دينية ذات بعد سياسي تساند الاستعمار وتبرر تواجده . فهده الزوايا بعد أن لعبت دور المعارض لسياسة المخزن في إطار الصراع مع مواقع السلطة قبل الاستعمار وحاولت من خلال رموزها العلمية والدينية , تقييد سلطات المخزن كما هو الحال مع محمد الباقر الكتاني الذي رفض الادغان للسلطان عبد الحفيظ . و الذي انتهى نهاية مأساوية على يد السلطان المذكور. وقد كان دلك من بين أسباب العداء بين الزاوية الكتانية وسلاطين العلويين . أن موقف الزوايا التي جسدت عبر مسارها التاريخي قلعة الدفاع عن الدين ومحاربة الغزو الاستعماري. تحولت إلى أداة من أدوات الدفاع عن الاستعمار . ومناهضة حركة التقدم والتحرير وحولت الإسلام إلى مؤسسية كهنوتية.رغم أن النصوص قي الإسلام خالية من الإشارة إلى هده المؤسسات. بل رافضا لها . لكن هناك تباين بين النص والواقع .فالإسلام شيء والواقع الاجتماعي للإسلام شيء أخر . فالعديد من المظاهر الدينية هي ذات طابع اجتماعي ولا علاقة لها بالإسلام. وهدا تأكيد من طرف الدولة على إبقاء الإسلام أسيرا لها من خلال دلك إبقاء الإنسان المسلم أسيرا وحبيسا للدولة الثيوقراطية. أن هده العلاقة غير الشرعية بين النص والواقع الاجتماعي أنتجت الإرهاب باسم الإسلام ومن هنا كما قال احد المثقفين العرب " إزاء هدا الوضع الذي يعرفه العالم العربي والإسلامي. ألا يحق للضمير العربي المعاصر أن يسال نفسه سؤالا بسيطا: لمادا كانت الصهيونية أعلى مراحل الإرهاب؟ و إن يجيب بشجاعة: لأنها أعلى مراحل الزواج بين الدولة والدين ؟ هناك أسباب أخرى ساهمت في تصاعد الإرهاب داخل المجتمعات العربية والإسلامية ومن ضمنها المغرب. انه غياب الديمقراطية الحقة . فالمغرب مند استقلاله وهو يعاني من غياب الديمقراطية الحقة وكل ما عرفه هو ديمقراطية الواجهة . الهدف منها هو الاستهلاك الخارجي. فبعد فشل المحاولات الأولية في اتجاه بناء الدولة الديمقراطية بعد الاستقلال من خلال تشكيل المجلس الاستشاري الذي تكلف بإيجاد مشروع دستور ديمقراطي يحدد صلاحيات أجهزة الدولة إلا إن الانقلاب الذي قاده ولى العهد أنداك في نهاية الخمسينات من القرن الماضي اجهص المحاولة . وبدد الآمال في بناء الدولة الوطنية الديمقراطية . غياب الديمقراطية هو الذي أدي إلى ارتباط الإرهاب بالدين . وهو السبب نفسه الذي ربط بين الكنيسة والإرهاب في العصور الوسطى . فقد كانت تلك المرحلة ذروة التعاون الوثيق بين البابوية والسلطة الدنيوية. مما تمخض عنه قمع وبطش باسم " الحق الإلهي " مما دفع إلى مجموعة من الثورات ابتدأت بالراهب الألماني " لوثر " وتوجت بالثورة الفرنسية سنة 1789 والتي جاءت نتيجة تصاعد دور البورجوازية الوسطي التي عظم دورها نتيجة الاختراعات على المستوى الصناعي والاكتشافات التي أمدت الصناعات الناشئة بالمواد الأولية . والبحث عن أسواق جديدة . مما أهل هده الطبقات إلى شن حملات استعمارية على مستوى العالم برمته. أن نهوض الطبقات المتوسطة في أوروبا أهلها لقيادة حملة استعمارية من منطلقات اقتصادية لتطوير رأسمالها عن طريق جلب المادة الخام لصناعتها وفتح أسواق جديدة لمنتوجاتها. لقد حاولت الكنيسة استرداد مواقعها في مرحلة لاحقة عن طريق التحالف مع الأنظمة الفاشية في اسبانيا والبرتغال مما جعل هدين الشعبين يظلان حبيسي إطار التخلف الذي لن ينعتقا منه إلا بالديمقراطية الحقة بعد موت فرانكو واندحار النظام الفاشي في البرتغال بعد ثورة القرنفل في ابريل 1974. أما في أمريكا اللاتينية فقد ثار العديد من الرهبان في وجه الأنظمة الديكتاتورية المتحالفة مع الكنيسة وحملوا السلاح إلى جانب المناضلين الشيوعيين وعموم الراديكاليين. أما في تاريخنا الإسلامي .فان بدايته كانت تاريخا دمويا مند وفاة الرسول . فكل الخلفاء الراشدين قتلوا باستثناء ابوبكر والدي ترجح بعض المصادر التاريخية انه مات مسموما. وقد استمر الصراع الدموي حتى داخل الدولة التي عمرت ما يقرب من خمسة قرون , إلى أن ظهرت الدولة العثمانية التي فرضت الإرهاب والقهر والطغيان باسم الإسلام . إن المرحلة المشار إليها أعلاه . مرحلة غياب الديمقراطية. فقد غيبت المبادئ الأساسية للإسلام نظام الحكم الذي تحول من نظام الشورى إلى نظام الوراثة على شاكلة الإمبراطوريات التي عاصرت الثورة الإسلامية كالإمبراطورية الرومانية والبيزنطية وحتى في طل الخلفاء الراشدين. لم يكن مبدأ الشورى هو السائد بل كانت " البيعة " كنوع من الحكم الوراثي واحتكار الفتاوى ومنع الاجتهاد على مستوى النص الذي ظل حكرا على النخبة الحاكمة وحلفاؤها من النخب الأخرى . فالإسلام في بدايته كان ثورة على نظام عبودي ينشد الوحدة . وقد قاد هدا النظام مناضلين اغلبهم ينتمون إلى طبقة الفقراء والعبيد. إلا أن هده الثورة تم الغدر بها من طرف طبقة ناشئة جديدة هيمنت على مقدرات الدولة التي نمت وتطورت بفضل " الفتوحات " وفلول الطبقة التي كانت مهيمنة على التجارة قبل الإسلام . فإذا كان الإسلام كاديولوجية قد هزم بالسيف الطبقة أو الطبقات التي كانت سائدة اقتصاديا وسياسيا قبل الإسلام . فإنها استطاعت تفجيره من الداخل عن طريق التبني أولا ثم التحريف والهيمنة على خطته ثانيا. إن الفوضى التي هيمنت على دولة الإسلام بعد وفاة الرسول مهدت لانحرافات على مستوى القضايا الكبرى وخاصة نظام الحكم الوراثي وإقامة نظام البيعة بواسطة الشورى. فالحكم بالوراثة . كان بمثابة الارتداد إلى النظام القبلي والعشائري الشئ الذي ساهم في تردي العدل الاجتماعي الذي كان طموح فقراء الثورة الإسلامية ولعل الصراع بين الصحابي الجليل " جندب ابن حنادة " ( ابوذر الغفاري ) ومعاوية بن أبي سفيان أيام ولايته على الشام حول موضوع المال . هل المال للمسلمين أم المال لله ؟ فكان جواب معاوية انه مال الله في حين إن ابوذر الغفاري يؤكد انه مال المسلمين . واستمر الحال كذلك عبر تاريخ المسلمين. فالدولة العثمانية التي قادت المسلمين إلى الكبوة الممثلة في عصور الانحطاط التي رسخت مبدأ الحق الإلهي. الفكرة التي أوجدها النظام العربي الإسلامي بعد اغتيال الإمام على بن أبي طالب . فبدل أن يشكل الإسلام عنصر وحدة يستطل به العرب وغيرهم من المسلمين. أصبح للإسلام مذاهب تناحرت مند أن ظهر الخوارج بعد رفضهم للتحكيم في الخلاف بين علي ابن أبي طالب ومعاوية ابن أبي سفيان. أن العنف كان هو أسلوب الحوار بين الفرقاء المسلمين . كل الفرقاء بما فيهم المعتزلة الدين كانوا ينادون بحرية العقل مارسوا العنف في حق خصومهم . فتغييب الديمقراطية كان ردة نحو جاهلية جديدة . بعد أن كان الإسلام يشكل إطارا حضاريا شاملا في بدايته فتردي العدل الاجتماعي إلى أقصى درجة. ويروي التاريخ فضائع كما هو الحال مع مأساة الحلاج وثورة الزنج . إن في تاريخنا مفارقة عجيبة، حيث تكون البداية متقدمة و تنتهي بالانحدار في مستنقع التخلف. فيكفي أن نلقي نظرة على تاريخنا في المغرب، حيث بدأنا في بداية القرن العشرين مع إسلام متقدم، جسده علماء مستنيرون كما هو الحال مع الشهيد محمد الباقر الكتاني، و قادة سياسيون مجددون في المجالين السياسي و الديني من أمثال القائد الوطني محمد بن عبد الكريم الخطابي، ثم عرف المغرب قادة مصلحون و مفكرون، كما هو الحال مع الزعيم علال الفاسي و شيخ الإسلام سيدي محمد بن العربي العلوي و المختار السوسي و شعيب الدكالي و غيرهم من العلماء و القادة الأجلاء، و انتهينا إلى مستنقع التخلف بكل المقاييس، كما هو الحال عند فكر أئمة التكفير و الدم، و في المشرق نفس الخط الذي سار عليه تاريخنا في المغرب، بدأت النهضة بقادة و مفكرين من أمثال رفاعة الطهطاوي و جمال الدين الأفغاني و محمد عبده و قاسم أمين و غيرهم على المستوى الفكري، و أحمد عرابي و سعد زغلول على مستوى القيادة السياسية، فانحدر الفكر النهضوي والتنويري على يد الشيخ حسن البنا وسيد قطب وغيرهم من اقظاب الفكر التراجعي الدموي . إننا أمام مد تراجعي بسبب إخفاق الفكر السلفي المستنير الذي ظل بدوره حبيس الن