[email protected]استناد الدولة إلى الشرائع الدينية في التشريع، و إمكانية تحقيق مجتمع مدني / علماني / ديمقراطي:...1و بوقوفنا على العلاقة بين العلمانية، والدين، والدولة، نجد أنفسنا أمام سؤال الحوار المتمدن الجوهري، والمحرج، الذي ضرب في الصميم، فأصاب المقتل، خاصة، وأننا نعيش في ظل دولة عربية، أو في ظل دولة من دول المسلمين، التي تدعي أنها تأخذ بالعلمانية، ولكن في نفس الوقت تستند في تشريعاتها إلى الشرائع الدينية، و تتملق بذلك إلى مؤدلجي الدين الإسلامي، وتشرف على تخريج أفواج من مؤدلجي الدين، على مقاسها، وفي نفس الوقت، تتملق للغرب، عندما تظهر له من خلال خطابها الرسمي، الذي تصرفه عبر وسائل إعلامها، بأنها دول علمانية. والسؤال الجوهري، والمحرج، والضارب في المقتل، في نفس الوقت، والذي طرحته الحوار المتمدن، من أجل المناقشة الهادفة، والفاعلة، هو:هل يمكن تحقيق مجتمع مدني، وعلماني، وديمقراطي، في ظل دولة تستند إلى الشرائع الدينية، كمصدر أساسي للتشريع؟وفي نفس السياق، نورد، نحن، أسئلة أخرى قائمة على أساس سؤال الحوار المتمدن، من اجل اتضاح الرؤيا. وهذه الأسئلة هي:1) ماذا نعني بالمجتمع المدني؟2) وماذا نعني بالمجتمع العلماني؟3) وماذا نعني بالمجتمع الديمقراطي؟4) وهل يمكن قيام مجتمع مدني، علماني، ديمقراطي متكامل؟5) ومن هي الجهة التي تسعى إلى قيام ذلك المجتمع؟6) هل هي الدولة العلمانية؟7) وهل هي الدولة المدنية؟8) أليست الدولة المستندة في تشريعاتها على الشرائع الدينية، دولة دينية؟9) أليست الدول القائمة في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، التي تستند في تشريعاتها على الشرائع الدينية، دولا دينية؟10) أليس حرصها على تطبيق الشريعة الإسلامية، ولو في حدود ضيقة، دليلا على أنها دول دينية؟11) هل يمكن أن نعتبر دولا، كهذه، دولا علمانية؟12) هل تسعى هذه الدول إلى الإشراف على قيام مجتمع مدني/ علماني/ ديمقراطي؟إننا في بداية مناقشة سؤال الحوار المتمدن، الجوهري، لابد أن نعمل على:1) أن المجتمع المدني: هو المجتمع الساعي إلى التحرر من كل المعتقدات الخرافية، والغيبية، وغيرها، مما يعرقل سير تطوره، وفي أفق تحوله إلى مجتمع للحق، والقانون، الذي تكون فيه الكلمة للشعب، الذي يقرر مصيره بنفسه، على جميع المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، انطلاقا مما يختاره أفراد الشعب أنفسهم، ورغبة في إبراز أهمية المنظمات الجماهيرية، التي تقود نضالات مطلبية، تستهدف تحقيق ذلك التحرر، في كل المجالات التي تعني أفراد المجتمع.والمجتمع المدني في توجهه العام، وفي توجهه الخاص، هو مجتمع علماني، ينحو بالمجتمع إلى الابتعاد عن كل ما له علاقة بتحكم الغيب، أو حتى بالاستبداد القائم، من خلال العمل الإجرائي الذي يتخذ طابعا تربويا جماعيا، يهدف إلى تغيير قيم المجتمع، وتغيير المسلكيات الفردية، والجماعية.والمجتمع المدني: هو مجتمع إصلاحي بالدرجة الأولى، يعمل في إطار النظام السياسي القائم، الذي لا يسعى إلى تغييره، بقدر ما يعمل على إصلاحه، حتى يصير مناسبا للشروط المتغيرة، ومتناسبا معها. وهذا التوجه هو الذي يجعل المجتمع المدني، في تنافس تام، وتطابق كامل، مع التوجهات السياسية الإصلاحية، وفي تناقض مطلق، مع التوجهات السياسية، التي تسعى إلى تغيير الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية تغييرا شاملا.والبورجوازية الصغرى، المريضة بالتطلعات الطبقية، هي التي تسعى إلى قيام تنظيمات المجتمع المدني، لمحاصرة، ومحاربة التوجهات السياسية، الساعية إلى التغيير الشامل.ولذلك يجب السعي من أجل إعطاء مضمون ديمقراطي، تقدمي، جماهيري، واستقلالي، ووحدوي، أي مضمون مبدئي، لتنظيمات المجتمع المدني، حتى تبتعد منظمات المجتمع المدني عن أن تكون بيروقراطية، أو تابعة لحزب معين، أو حزبية، أو مجرد إطار للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين، وحتى تعمل في انسجام، وتكامل، مع ما تسعى إلى تحقيقه الأحزاب السياسية الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية.والمجتمع المدني قد يصير وسيلة لإشاعة أدلجة الدين، إذا تمكن من السيطرة على تنظيماته مؤدلجو الدين. وتنظيمات، من هذا النوع، تكون مخالفة للقوانين المتلائمة مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.ولذلك يجب الحرص على أن تكون تنظيمات المجتمع المدني متلائمة مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، حتى يتم ضمان علمانيتها، وحتى تكون، فعلا، في خدمة سيادة علمانية المجتمع، التي تقربنا من تحقيق الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها.2) أما المجتمع العلماني، فهو المجتمع المتحرر من التحكم الغيبي، وهو الذي تصير فيه أمور الناس بأيديهم، عن طريق ممارسة ديمقراطية حقيقية، تمكنهم من تقرير مصيره الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، وفي إطار سيادة الاختيارات الديمقراطية، والشعبية، وجعل ما يهدف إلى تحقيقه المجتمع العلماني متناسبة مع تلك الاختيارات، حتى لا يشكل عرقلة في طريق تجسيد تلك الاختيارات على أرض الواقع.والمجتمع العلماني هو مجتمع ديمقراطي بالضرورة، حتى لا تعطى فرصة للمستبدين، الذين يدعون العلمانية، وهم في الواقع إنما يعوضون تحكم الغيب بمختلف تلويناته في الواقع، بفرض استبدادهم به، حتى لا يقدم المجتمع على تقرير مصيره بنفسه. والحرص على ديمقراطية المجتمع العلماني، تعتبر مسألة ضرورية، وتاريخية، من أجل أن تتخذ العلمانية، والمجتمع العلماني، طابع التلاؤم مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.والمجتمع العلماني مجتمع تقدمي، باعتباره ساعيا إلى استيعاب كافة أشكال التطور الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، ولأنه يفسح المجال أمام تطور التشكيلة الاقتصادية / الاجتماعية، عن طريق إبعاد كل أشكال التدخل الغيبي، وكل أشكال الاستبداد المؤدية إلى عرقلة أشكال ذلك التطور.والمجتمع العلماني مجتمع جماهيري، يعتمد توعية الجماهير بأهميتها، وأهمية مساهمتها في تحقيق تغيير أوضاعها المادية، والمعنوية، وفي تقرير مصيرها، على جميع المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، كما يعتمد على الجماهير في جعل العلمانية سائدة في المجتمع، وفاعلة فيه، من أجل تطويره، حتى يتم قطع الطريق أمام أي فكر مؤدلج للدين، وأمام أي فكر مستبد.والمجتمع المدني / العلماني، مجتمع مستقل، لا ينحاز لهذه الطبقة، أو تلك، ولا يعبر عن توجه هذا الحزب، أو ذاك، بل إن المجتمع العلماني، يترك المجال مفتوحا، أمام الجميع، من اجل تحقيق الغلبة السياسية على أساس ديمقراطي. والمجتمع العلماني، مجتمع وحدوي، لوقوفه ضد كل أشكال الطائفية، المؤدية إلى قيام صراع طائفي، على أساس ديني، أو عرقي، أو ثقافي، أو سياسي. لأن العلمانية، في عمقها، توفير المجال، من أجل قيام حقيقة المجتمع الوحدوي، الذي يتساوى فيه جميع الناس، مهما كان جنسهم، أو لونهم، أو عرقهم، أو لغتهم، أو ثقافتهم، حتى يتجنب المجتمع كافة أشكال الصراع، غير المشروع، والذي لا علاقة له بالصراع الطبقي، الذي تتحقق في إطاره وحدة المجتمع، وخاصة، إذا اتخذ طابعا ديمقراطيا.وبناء على ذلك، فالمجتمع العلماني، هو مجتمع مبدئي، يضمن سيادة الحريات العامة، السياسية، والنقابية، الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، في إطار ممارسة ديمقراطية حقيقية، تضمن سيادة الشعب على نفسه، حتى يتأتى لكل فرد، أو جماعة، أو حزب، أو نقابة، أو جمعية، أن تعمل على إقناع الناس بما تراه مناسبا لمستقبلهم، انطلاقا من برنامج معين، ومن إيديولوجية معينة، ومن مواقف سياسية معينة.