دق رئيس المفوضية الإفريقية، موسى فقي، اليوم الأربعاء، خلال اجتماع المجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي بالعاصمة الإيثيوبية أديس أبابا، ناقوس الخطر بخصوص وضع السلم والأمن في بلدان المنظمة، اللذان أصبحا "مهددين على نحو خطير"، وهي العبارات التي ترتبط بشكل مباشر بمحاولات الانقلاب والحروب الأهلية والمسلسل الطويل من التمردات المسلحة التي تقف وراءها، في عدة حالات، الحركات الانفصالية، كما هو الشأن بالنسبة لإثيوبيا نفسها التي احتضنت الاجتماع. فقي، الذي تحدث عقب سلسلة من الانقلابات في 2021 وبداية 2022 في تشاد ومالي وغينيا وبوركينا فاسو وغينيا الاستوائية، وفي ظل مجموعة من التحركات المسلحة التي تقف وراءها منظمات انفصالية، على غرار "البوليساريو" في المغرب و"الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" في إثيوبيا، قال إن هذه التهديدات "تتجلى في عدة أوجه، ومن ضمنها، النزاعات داخل الدول، وتمدد الإرهاب الدامي في منطقة الساحل، وفي القرن الافريقي، وفي مناطق البحيرات الكبرى وجنوب القارة، مع وجود رغبة قوية لزعزعة الاستقرار على نطاق واسع في دول تشكو ضعفا في مجال الحكامة السياسية والاقتصادية والاجتماعية". البوليساريو.. "عضو" بأموال القذافي ورغم إقراره بخطورة الوضع الذي باتت تعيشه إفريقيا، إلا أن كلام فقي لم يخلُ من دبلوماسية، إذ تحاشى تسمية دول بعينها، ولم يتطرق إلى الوضع الغريب الذي تعيشه المنظمة التي تحتضن بين ظهرانيها منظمة انفصالية أعطتها صفة "دولة" في الثمانينات في سياق سياسي مشحون كان يتواجه خلاله معسكران متضادان، كما أنه امتنع عن الحديث عن مسؤوليات بعد البلدان في دعم التمردات وتوفير الغطاء السياسي لها وتمويل المتمردين وتسليحهم، على الرغم من أن بعضها تكتوي بنار الانفصال أيضا. وتُمثل "البوليساريو" استثناء غريبا داخل الاتحاد الإفريقي، فهي الوحيدة التي مُنحت لها العضوية رغم أنها "دولة" بلا أرض و"مواطنوها" يقطنون في بلد آخر ولا تحظى باعتراف الأممالمتحدة ولا أي من المنظمات الدولية أو الإقليمية الأخرى، وهو الأمر الذي تم سنة 1984 بضغط من ليبيا التي كان يحكمها نظام معمر القذافي حينها، وبدعم من الجزائر ذات النفوذ القوي في المنظمة حينها، الأمر الذي جرى بعد أن اشترى البَلَدان أصوات الدول الإفريقية بالأموال والمساعدات الطاقية والدوائية، كما كشف عن ذلك وزير الخارجية التونسي الأسبق، أحمد ونيس، في فبراير من العام الماضي. وأصبحت "البوليساريو"، التي يُصنفها المغرب كمنظمة إرهابية، إحدى أسباب تهديد السلم في منطقة شمال إفريقيا، فالأمر لا يتعلق بمُنظمة مسلحة وفقط، بل إنها أيضا أعلنت، في نونبر من سنة 2020، انتهاء التزامها بوقف إطلاق النار الذي وقعته رفقة المملكة مع الأممالمتحدة سنة 1991، الأمر الذي يعني أنها تهدد بإشعال صراع مسلح في غرب منطقة شمال إفريقيا في ظل وجوده في شرق المنطقة وتحديدا في ليبيا، وفي وقت تغرق فيه منطقة غرب إفريقيا المجاورة في بحر من الصراعات المسلحة والتهديدات الأمنية التي تقف وراءها جماعات متطرفة. إثيوبيا والصراع حول تِغراي والمثير في الأمر أن جبهة "البوليساريو"، التي تعاني من "نزيف اعتراف"، ليس فقط جراء سحب العشرات من الدول الإفريقية لاعترافها بها، ولكن أيضا لإعلانها دعم السيادة المغربية على الصحراء، لا زالت تحظى بدعم دول غارقة في الصراعات المسلحة، من بينها إثيوبيا، التي تحتضن مقر الاتحاد الإفريقي، فهذا البلد يخوض حاليا صراعا مسلحا مع الجبهة الشعبية لتحرير تِغراي، الذي صنفته حكومة رئيس الوزراء الحالي، آبي أحمد، كمنظمة إرهابية. والمثير في الأمر، هو أن هذه المنظمة الانفصالية تأسس بالتزامن مع تأسيس البوليساريو، وتحديدا سنة 1975، وللصدفة أيضا فإنه في سنة 1991، التي انتهت فيها رسميا حرب الصحراء، وأصبحت الطرف الأقوى والأكثر نفوذا في الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية الشعبية، التحالف المكون من أحزاب تمثل عرقيات البلد، لتتولى حكم إثيوبيا عن طريق الرئيس الوزراء الراحل ملس زينوي، إلى حين وفاته في 2012، وفي 2018 ستُصبح رسميا خارج الحكومة. وتُمثل هذه المنظمة إحدى أخطر أوجه التمردات المسلحة في القارة السمراء، فحرب تيغراي التي اندلعت في نونبر من 2020، جاءت بعد قرار رئيس الوزراء الحالي إنهاء الأحزاب العرقية عبر دمجها في حزب وطني أطلق عليه اسم "الازدهار"، وكادت أن تكون نتائجها كارثية على البلد بأكمله بعدما تمكنت الجبهة المسلحة خلال العام الماضي من السيطرة على الإقليم وتقدمت نحو عدة مدن وبلدات استراتيجية، قبل أن يستعيد الجيش السيطرة على الأوضاع في دجنبر الماضي ويجبرها على الانسحاب. جنوب إفريقيا وإقليم "كيب الغربي" بلد آخر معني بتغذية التمردات الانفصالية في إفريقيا دون أن يكون بمعزل عنها، هو جنوب إفريقيا، ذو التأثير القوي داخل القارة خاصة في دول الجنوب، والذي يمثل، إلى جانب الجزائر، أقوى داعمي جبهة "البوليساريو"، فهذا الأخير لا يعطي غطاء سياسيا للجبهة منذ إعلانها "الحرب" قبل عام ونيف، عن طريق زيارة وزيرة خارجيتها ناليدي باندور التي زارت مخيمات "تندوف" في نونبر الماضي والتي وصفتها بأنها زيارة "للجمهورية الصحراوية"، ولكن أيضا بدعم التحرك المسلح في الصحراء. وكانت الحكومة الجنوب إفريقية قد تورطت في دعوة "البوليساريو" إلى حمل السلاح ضد المغرب، في منتصف أكتوبر من سنة 2020، عند قطع عناصرها للطريق البرية الوحيدة التي تربط المملكة بموريتانيا والمخصصة لحرة النقل المدنية والتجارية، ورغم أن الأممالمتحدة أدانت الخطوة، وحينها دعا وزير المالية تيتو مبوويني الجبهة للجوء إلى "صراع الدم"، مثلما قامت به منظمات مسلحة في الموزمبيق وأنغولا وزيمبابوي وتيمور الرشقية. غير أن بريتوريا ليست بعيدة عن السيناريو الذي تدعمه، ففي هذا البلد يتبنى "حزب كيب" خطاب الانفصال لإقليم "كيب الغربي"، الذي تبلغ مساحته 130 ألف كيلومتر مربع وتسكنه 6,5 ملايين نسمة، وقد تصاعدت الدعوات للانفصال منذ تأسيس الحزب سنة 2007 الذي يعتبر الإقليم "بلدا مُحتلا"، لكونه يستند إلى المادة 235 من دستور الجمهورية الذي يسمح للشعوب ذات التميز الثقافي واللغوي بإنشاء دولة مستقلة، وهو ما ينسحب على المنطقة المذكورة، وإن حدث ذلك سيمثل ضربة اقتصادية لهذا البلد كونه سيقتطع منه "كيب تاون" إحدى أهم مدنه وأكثرها إنتاجا للثروة. أنغولا وكابيندا.. مخلفات الاستعمار البرتغالي ويتكرر الأمر نفسه مع جمهورية أنغولا، فهذه الدولة الحليفة لجنوب إفريقيا والجزائر والداعمة لجبهة "البوليساريو"، تخوض منذ عقود صراعا مع "جبهة تحرير كابيندا"، التي تقارب مساحتها 7.300 كيلومتر مربع بتعداد سكان يبلغ 300 ألف نسمة، علما أن"تأسيس الدولة" الواقعة بين الكونغو الديمقراطية وجمهورية الكونغو، جرى في غشت من سنة 1975، في الرمق الأخير من فترة الاستعمار البرتغالي. وإذا كانت الصحراء البالغة مساحتها 266 ألف كيلومتر تابعة تاريخيا وجغرافيا للمملكة، ومطالب "البوليساريو" حولها تُصنف في خانة الانفصال لا الاستقلال، فإن الوضع بالنسبة لأنغولا أكثر تعقيدا، لأن "كابيندا" لا تربطها أي حدود بالأراضي الأنغولية وضمتها هذه الأخيرة في 11 نونبر 1975 باتفاق مع البرتغال، أي بعد 5 أيام فقط من المسيرة الخضراء التي حركها المغرب للمطالبة بخروج الاستعمار الإسباني. وتدفع لواندا ضريبة قاسية في صراعها مع الانفصاليين حول هذه المنطقة، كانت أبرز صوره الهجوم الذي تعرض له منتخب الطوغو خلال مشاركته في كأس إفريقيا 2010 التي احتضنتها أنغولا، حين أطلق متمردو الجبهة النار على حافلته متسببين في مقتل 3 من أعضاء البعثة، الأمر الذي أعطى صورة سلبية جدا عن الوضع الأمني هناك، كما أعاد إلى الواجهة المطالب الانفصالية القديمة للمنطقة الحالمة بإقامة جمهورية مستقلة.