منذ أزيد من 45 عاما لا زال ملف الصحراء يراوح مكانه داخل أروقة الأممالمتحدة دون بروز أي أمل لحل سياسي قريب، في ظل إصرار المغرب على أن الأقاليم الصحراوية جزء لا يتجزأ من ترابه، ورفض جبهة البوليساريو مقترح الحكم الذاتي كحل نهائي للملف، مستفيدة من دعم مباشر من الجزائر التي تحتضن قيادات الجبهة ومسلحيها فوق ترابها، ودعم دول أخرى، على غرار روسيا، في إطار تحقيق "توازن المصالح" مع غريمتها الولايات المتحدةالأمريكية التي أقدمت مؤخرا على خطوة كبيرة تمثلت في الاعتراف بالسيادة المغربية على المنطقة. وبرى المغرب أن القبول بانفصال الصحراء لن يضر مصالحه فقط، بل سيؤدي أيضا إلى تنامي النزعة الانفصالية في العالم، وهو أمر لا يبدو مستبعدا في ظل أن جل الدول التي تدعم بشكل صريح الجبهة الانفصالية أو التي ترفض تغيير موقفها "الجامد" الداعي ل"حل سياسي متفق عليه تحت إشراف الأممالمتحدة"، بما يضعها "في منطقة الراحة" وفق عبارة وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، توجد على أراضيها تنظيمات انفصالية بعدها ذهب بعيدا في المطالبة ب"الاستقلال". إسبانيا.. انفصاليون بالجملة تعد إسبانيا، المستعمر السابق للصحراء، والتي لا تزال مصرة على موقفها التقليدي الرافض للاعتراف بالسيادة المغربية على هذه الأقاليم مع الدعوة ل"حل سياسي متوافق عليه تحت إشراف الأممالمتحدة"، واحدة من أكثر دول العالم التي تعاني من الحركات والأحزاب الانفصالية التي تنشط بدرجات متفاوتة في عدة أقاليم انطلاقا من جزر الكناري والأندلس وغاليسيا ذات الصدى المحدود، ووصولا إلى إقليم الباسك الذي واجه السلطات الإسبانية بالعمل المسلح من خلال منظمة "إيتا". لكن الامتحان الأصعب الذي تواجهه إسبانيا حاليا يتمثل في مواجهة النزعة الانفصالية المتزايدة في إقليم كاتالونيا، ثاني أهم الأقاليم الإسبانية اقتصاديا بعد مدريد، ففي فبراير الماضي أظهرت الانتخابات الإقليمية حصول الأحزاب الثلاثة الداعية لتأسيس دولة مستقلة على أغلبية مقاعد البرلمان بما مجمعه 71 مقعدا من أصل 132، ما دفع حزب اليسار الجمهوري الكتالاني لإعلان نيته طرح استقلال الإقليم على حكومة مدريد في حال نجاحه في تشكيل الحكومة الإقليمية. نشطاء من كتالونيا يرفعون لافتات بأن الإقليم ليس إسبانيا وكانت إسبانيا قد عاشت واحدة من أحلك لحظاتها في العصر الحديث بسبب هذا الملف في فاتح أكتوبر 2017، حين أصرت حكومة الإقليم برئاسة كارليس بودجيمونت على إجراء استفتاء الاستقلال رغم إصرار الحكومة المركزية على أن هذا الأمر ينتهك الدستور، لتقرر منعه بالقوة عن طريق اقتحام الشرطة لمراكز التصويت وتعنيف المحتجين من النشطاء الانفصاليين ثم محاكمة وسجن زعماء الانفصال، لكن ذلك لم يمنع الحكومة الإقليمية من إعلان نتيجة الاستفتاء والتي أظهرت اكتساح الأصوات المؤيدة للاستقلال بنسبة قاربت 92 في المائة وبإجمالي أصوات فاق مليوني صوت. ألمانيا وإقليم بافاريا ولا توجد في ألمانيا نزعات انفصالية بالحدة ذاتها التي توجد في إسبانيا، لكن هذا لا يعني أن هذا البلد، الذي رفعت إحدى برلماناته الإقليمية علم جبهة "البوليساريو" احتفالا بذكرى تأسيس ما تسميه الجبهة الانفصالية "الجمهورية الصحراوية" والتي لا تعترف بها الحكومة المركزية في برلين، خال من الانفصاليين، فهو يضم مطالبين بالاستقلال وتأسيس دولة في إقليم بافاريا، الأكبر مساحة والأغنى اقتصاديا، وهي الفكرة التي بدأت تنتشر أكثر منذ 2012. مازال البافاريون يمنون النفس بالإستقلال عن ألمانيا مستندين بأن ولايتهم الأغنى وأفضل من هُنغاريا وجمهوريّة التشيك معًا ففي هذه السنة أصدر سياسي ينتمي إلى الحزب المسيحي الاجتماعي يدعى فيلفريد شارناغيل، كتابا بعنوان "بافاريا تستطيع العيش وحدها"، أبرز فيه قدرة هذا الإقليم على ضمان وضع اقتصادي تنافسي وتقديم خدمات اجتماعية مريحة إذا ما اختار الاستقلال عن الدولة الفيدرالية، خاصة وأنه يملك المقومات اللازمة لذلك، فهو يمتد على مساحة تزيد عن 70 ألف كيلومتر مربع، أي أكبر من دور مثل سويسرا وهولندا وبلجيكا والدانمارك، وتعداد سكانه يزيد عن 13 مليون نسمة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن إقليم بافاريا، الذي يضم العديد من المدن الألمانية الكبرى وفي مقدمتها ميونيخ ونورنبرغ، كان بالفعل مملكة منذ القارن التاسع عشر إلى حدود سنة 1918، وإلى حدود اليوم يعد الإقليم الوحيد الذي يملك حزبا محليا ممثلا في البرلمان الألماني يحمل اسم "الاتحاد الاجتماعي المسيحي لبافاريا" والذي يقود أيضا الأغلبية في البرلمان الإقليمي. روسيا.. مطالب الاستقلال في كل مكان أما روسيا، الحليف الأقوى للجزائر ضمن الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن والتي تعد من أشد الداعمين لإجراء "استفتاء تقرير المصير" في الصحراء، فإنها أيضا ليست بعيدة عن النزعات الانفصالية التي تتعامل معها بدرجات متفاوتة تنطلق من التعتيم الإعلام وتصل إلى العمل العسكري. فروسيا التي دعمت انفصال شبه جزيرة القرم عن أوكرانيا سنة 2014 والذي انتهى بضم هذه المنطقة إلى أراضيها، والتي تدعم إقامة جمهوريتين مستقلتين في دونتسك ولوغانسك على الأراضي الأوكرانية أيضا، كانت قد برزت فيها دعوات في العام نفسه لإجراء استفتاء تقرير المصير بمنطقة سيبيريا التي تشكل 77 في المائة من أراضي روسيا، والغريب أن موسكو ظلت ترفض ذلك بحجة أن عدد سكان هذه المنطقة "قليل" رغم أنه يتجاوز 40 مليون نسمة، أي أكثر ب 80 مرة من أعلى تقديرات السكان الصحراويين. وإلى الآن توجد نزعات انفصالية لدى الجمهوريات الإسلامية في روسيا على غرار تتارستان وداغستان والشيشان، هذه الأخيرة التي خاضت معها موسكو حربين داميتين لمنعها من الاستقلال، الأولى ما بين 1994 و1996 في عهد الرئيس الروسي الراحل بوريس يلتسن، والثانية ما بين 1999 و2009 في عهد الرئيس الحالي فلاديمير بوتين. الجزائر.. دولة في القبائل وليست الجزائر، الداعم الرئيس لجبهة البوليساريو والتي تحتضن على أراضيها عناصرها المسلحة، بمأمن عن النزعات الانفصالية، فمنذ الستينات طفت على السطح مطالب باستقلال منطقة القبائل وإقامة دولة مستقلة تمثل سكان المنطقة باعتبارهم "شعبا أمازيغيا ذا خصائص ثقافية مختلفة عن الجزائريين"، الأمر الذي انتهى إلى تأسيس "الحركة من أجل تقرير المصير بالقبائل" في فرنسا سنة 2002. ناشطون من منطقة القبايل شمال الجزائر يطالبون ب"الاستقلال" وذهبت الحركة أبعد من ذلك حين أعلنت في فاتح يونيو 2010 تشكيل حكومة جمهورية القبائل المؤقتة التي يترأسها فرحات مهني، هذا الأخير الذي أكد العام الماضي اعتزامه إصدار جواز خاص بهذه "الدولة" ودعا المغرب إلى قبول دخول مواطنين قبائليين إلى أراضيه بواسطة هذه الوثيقة، كما عرض على الرباط احتضان سفارة للقبائل على أراضيها وقنصلية لها بالعيون. ويُبقي المغرب على مسافة بينه وبين ملف انفصال منطقة القبائل عن الجزائر انطلاقا من إيمانه المعلن بوحدة أراضي دول الاتحاد المغاربي الخمس، لكنه سبق أن لوح بهذه الورقة في مواجهة الدعم الجزائري للبوليساريو، إذ في 2015 دعا عمر ربيع، عضو اللجنة الدائمة الممثلة للمغرب في الأممالمتحدة المجتمع الدولي إلى دعم مساعي منطقة القبائل في الحصول على حكم ذاتي أو الاستقلال. جنوب إفريقيا وكيب الغربية وفي جنوب إفريقيا أيضا، أقوى حليف للجزائر في القارة الإفريقية ضد الوحدة الترابية للأراضي المغربية وأكبر حاشد لدعم دول جنوب القارة لصالح "البوليساريو"، تبرز نزعة انفصالية متزايدة قد تحرم هذه الدولة مستقبلا من إحدى أغنى محافظاتها التسع، ويتعلق الأمر ب"ويسترن كيب" أو "كيب الغربية" التي شهدت سنة 2007 تأسيس "حزب كيب" الذي يدعو لاستقلال المنطقة. ومحافظة كيب الغربية التي تبلغ مساحتها حوالي 130 ألف كيلومتر مربع، والتي يقدر تعداد سكانها ب6,5 ملايين نسمة، هي المنطقة التي تحتضن مدينة "كيب تاون" ثالث أكبر مدن جنوب إفريقيا، ويحصل فيها "حزب كيب" على دعم متزايد من السكان استنادا إلى وعوده بجعل حياتهم أفضل في ظل دولة مستقلة تدير ثرواتها بشكل ذاتي، وهو ما يتضح من خلال إعلانه ضم 10 آلاف عضو سنة 2018. ويرتكز الحزب على الدستور الجنوب الإفريقي لإعلان مطالبه الانفصالية، وتحديدا المادة 235 التي تسمح للشعوب المتميزة ثقافيا ولغويا بإنشاء دولة مستقلة، وهو الأمر الذي دفع زعيمه جاك ميلر إلى وصف جنوب إفريقيا ب"الدولة الاستعمارية" ووصف الرئيس السابق جاكوب زوما ب"المحتل غير الشرعي لمنطقة كاب الغربية". أنغولا.. انفصاليون مسلحون من اللحظات التي لا تنسى في تاريخ كرة القدم الإفريقية، الهجوم المسلح التي تعرضت له حافلة منتخب طوغو المشارك في كأس أمم إفريقيا 2010 التي كانت تحتضنها أنغولا، ما أدى إلى مقتل 3 أشخاص وإصابة آخرين وانتهى بانسحاب المنتخب الطوغولي من الدورة، لكن الحادث أبرز أيضا أن هذا البلد الذي يعد من الداعمين البارزين لجبهة "البوليساريو" يكابد بدوره لمواجهة الانفصاليين. وكان الهجوم قد وقع بمنطقة كابيندا عندما كانت عناصر من الجيش الأنغولي ترافق عناصر منتخب طوغو، وأعلنت "جبهة تحرير كابيندا" مسؤوليتها عليه، وهي منظمة مسلحة تطالب باستقلال المقاطعة المذكورة البلاغة مساحتها 7.283 كيلومترا والتي يقدر عدد سكانها ب300 ألف نسمة، بل وتعتبرها دولة مستقلة منذ فاتح غشت 1975. وتصر أنغولا على أن كابيندا جزء من ترابها الوطني منذ أن ضمته في 11 نونبر 1975 عن طريق الحركة الشعبية لتحرير أنغولا، واستنادا إلى اتفاقية "ألفور" الموقعة مع البرتغال بصفتها المستعمر السابق، لكن الكابينديين لا يعترفون بذلك كون أنه لم يوقع أي ممثل عنهم هذا الاتفاق، إلى جانب أن هذه المنطقة المطلة على المحيط الأطلسي توجد بين الكونغو كينشاسا والكونغو برازافيل ولا ترتبط جغرافيا بالأراضي الأنغولية حيث يفصلهما عن بعضهما نهر الكونغو.