مرت أكثر من سنة على قرار السلطات المغربية بإيقاف التهريب المعيشي بباب سبتةالمحتلة بشكل نهائي، وهي مدة كانت كافية لتفرز عن وضع جديد في المناطق المعنية بالتهريب، وضع دفع الكثيرين للتساؤل، هل تسرّع المغرب في اتخاذ إيقاف التهريب المعيشي بباب سبتة؟ السؤال يبدو منطقيا، بعد ظهور نتائج سريع سلبية نتيجة هذا القرار، وتزداد منطقيته عندما يُلاحظ تخبط الدولة في إيجاد بدائل وحلول للبطالة التي استفحلت في المنطقة، حيث لا يظهر في الأفق أي حلول لاحتواء معاناة آلاف الأسر تضررت من قرار أكتوبر 2019. أوضاع "كارثية" مدن مثل الفنيدقوالمضيق ومرتيل وتطوان، تُعتبر الأكثر تأثرا من قرار إيقاف التهريب المعيشي بباب سبتة، فالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية تأزمت بها بشكل غير مسبوق، وقد ساهم ظهور وباء كورونا في تعميق معاناة هذه المناطق إلى حدود توصف ب"الكارثية". الوصف المذكور ينطبق بشكل صارخ على مدينة الفنيدق التي كان اقتصادها المحلي يتأسس على التهريب المعيشي ولا شيء آخر، وأمام إيقاف التهريب، أصبحت المدينة وكأن وجودها على كوكب الأرض لم يعد له معنى. في تصريح لموقع الصحيفة، قال محمد عبكار المحامي والناشط المدني عن "مجموعة التفكير من أجل الفنيدق" أن الفنيدق أصبحت "تعاني من وضع كارثي ناجم عن حالة الركود الحاد الذي تشهده مختلف الأنشطة الاقتصادية بشكل لم يسبق له مثيل قط في تاريخ المنطقة، هناك قطاعات تعرف شللا تاما، خاصة القطاع التجاري، وهناك قطاعات تعرف تعثرا واضحا خاصة ما يتعلق بقطاع الخدمات كما هو الحال بالنسبة للابناك ،والنقل، والتعليم الخصوصي، ونفس القول ينطبق على أغلب المشاريع المرتبطة بالسياحة". وأضاف عبكار" الأزمة التي عصفت بالمنطقة نتيجة قرار اغلاق المعبر الحدودي باب سبتة السليبة، أدت إلى إغلاق العديد من المحلات التجارية، وعدد لا يستهان به من المقاهي والمخابز والمطاعم ومشاريع اخرى، نتجت عن ذلك فقدان الكثير من مناصب الشغل، وهذا ما خلف اثر سلبا على الوضعية المادية الكثير من الأسر التي وجدت نفسها غير قادرة عن توفير القوت اليومي لافرادها، ناهيك عن اداء واجبات السومة الكرائية و رسوم استهلاك مادتي الماء والكهرباء". ما ذكره محمد عبكار، ينطبق على الآلاف من الأسر الأخرى في مدن مثل المضيق ومرتيل وتطوان، حيث كان معبر التهريب المعيشي يستقطب حوالي 30 ألف شخص من هذه المناطق، ما يعني أن 30 ألف أسرة كلها كانت معنية بهذا النشاط بشكل مباشر، وآلاف الأسر الأخرى بشكل غير مباشر، وبقرار الإغلاق، أصبحت هذه الفئة العريضة من المواطنين أمام مصير مجهول. مشروع "غامض" بعد فترة قصيرة من إغلاق معبر التهريب المعيشي، أعلنت الحكومة المغربية، عن مشروع تم "تسويقه" على أساس أنه البديل الذي سيعوض نشاط التهريب المعيشي، أو على الأقل المشروع الذي سيخفف من تداعيات قرار الإغلاق، لكن مع مرور الوقت، بدأ الغموض يلف تفاصيل هذا المشروع الذي لازال إلى حد الآن لا أحد يعرف متى سينتهي وكيف سيعمل. ووفق تصريح محمد عبكار للصحيفة فإن "هناك تعتيم واضح بخصوص هذا الموضوع، علما ان العديد من المسؤولين قاموا بتسويق هذا المشروع باعتباره بديلا عمليا عن التهريب، والتعتيم والغموض يسري على كل المشروع برمته، فتارة يسوق باعتباره منطقة للانشطة الاقتصادية، وتارة يسوق باعتباره منصة للانشطة الاقتصادية وللصناعات التحويلية البسيطة، وتارة يشار إلى كونه سيكون عبارة عن مستودعات لتخزين البضائع الواردة من ميناء طنجة المتوسطة". وأضاف عبكار في هذا السياق "الاصل أن المشروع كان يفترض أن يكون جاهزا منذ مدة. إلا أن المتتبع لاشغاله سيلاحظ بشكل واضح مدى التعثر الذي تطبع وتيرة انجازه. علما ان هذا المشروع، رغم الأهمية التي يمكن أن يحضى به، إلا أنه لا يمكن أن يكون بديلا للتهريب المعيشي الذي كان يوفر فرص عمل مباشرة لآلاف الأسر، وفرص غير مباشرة لأخرى مثلها". تكلفة هذا المشروع قٌدرت من طرف مصادر حكومية ب 200 مليون درهم، متأسسة على مساهمات 4 شركاء، هم وزارة الداخلية ب70 مليون درهم، ووزارة الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر الرقمي ب 40 مليون درهم، ومجلس جهة طنجةتطوانالحسيمة ب80 مليون درهم، ووكالة إنعاش وتنمية أقاليم الشمال ب10 ملايين درهم. مجلس جهة طنجةتطوانالحسيمة اكتفى بإخبار "الصحيفة" بأنه قد مساهمته دون أن يضيف أي تفاصيل حول مستجدات هذا المشروع وموعد انتهاء أشغاله، في حين اعترفت وكالة إنعاش وتنمية أقاليم الشمال بفشل الصفقة الأولى لإنجاز الشطر الأول منه، وقد فتحت الباب أمام طلبت العروض في منتصف يناير الماضي أمام المقاولات الراغبة في إنجاز المشروع. وحسب مصادر مطلعة، فإن الشطر الأول عرف عراقيل في الإنجاز، بسبب وضعية المنطقة ووضع تضاريسها ونوعية التربة، الأمر يجعل احتمالية إنجاز المشروع في المنطقة التي تم تسويقها يلفه الغموض. البحث عن الخلاص المثير في الأمر، أنه حتى إذا سارت الأشغال وفق المخطط لها، فإن الشطر الأول من المشروع، لن يكون كعقار قائم الذات، (ليس بداية النشاط) إلا بعد سنة 2022، ما يعني أن سكان المنطقة الذين تضرروا من إيقاف التهريب المعيشي، عليهم أن ينتظروا، أو البحث عن حلول أخرى تُخلصهم من معاناتهم. ويبدو أن البحث عن الخلاص، بدأ في المناطق المتضررة من إيقاف التهريب المعيشي منذ عدة شهور، فإيقاف التهريب وظهور وباء كورونا، لم يترك أمام الآلاف من الأسر خيارات كثيرة، وعدد منهم اختاروا طرقا يحوم من حولها "الموت" من كل جانب. في هذا السياق، يقول محمد عبكار للصحيفة " بأن الوضع المتدهور "ساهم في انسداد الافاق امام الكثير من شباب المنطقة الذي لم يجد أمامه سوى خوض مغامرة ركوب الموج سباحة في اتجاه مدينة سبتةالمحتلة بحثا عن فرصة للوصول إلى أوروبا، هذه المغامرة محفوفة بالمخاطر، فإذا كان البعض قد توفق في مسعاه، فإن مصير البعض كان هو الغرق في عرض البحر، ومنهم من لا زال مصيره مجهولا بعد ان انقطعت اخباره عن ذويه". وحسب معطيات جمعتها "الصحيفة" من مصادر بشمال المغرب والصحافة الإسبانية، فإن أكثر من 10 أشخاص، جلهم شباب، لقوا حتفهم في الأشهر الثلاثة الأخيرة، خلال محاولات للهجرة السرية من الفنيدقوالمضيق نحو سبتة أو نحو السواحل الإسبانية، كلهم كانوا يبحثون عن الخلاص من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشونها، ناهيك عن حالات الانتحار التي سجلت ارتفاعات غير مسبوقة في المناطق المعنية بإيقاف التهريب. عدد من النشطاء في شمال المغرب، وجمعيات تنشط في المجال المدني، من بينها "مجموعة التفكير من أجل الفنيدق" قامت مؤخرا بتقديم نداء موجه للحكومة موقعا من طرف 100 شخصية تنتمي إلى السياسة والثقافة والرياضية وغيرها يتضمن مطالب ومقترحات لإيجاد بدائل للأوضاع الكارثية التي تعرفها المنطقة. ومن بين المطالب المرفوعة من طرف الفاعلين الجمعويين والمدنيين بالشمال، ضرورة تدخل الجهات المعنية لإيجاد حلول للبطالة، كفتح معبر سبتة وفق الضوابط الاحترازية للتخفيف من الركود الاقتصادي، والتسريع في إنجاز منطقة الانشطة الاقتصادية في الفنيدق، وربط مدينة الفنيدق بالمنظومة الاقتصادية لميناء طنجة المتوسط، وإيجاد بدائل سريعة للطلب المتزايد على الشغل من طرف شباب المنطقة. وفي انتظار استجابة السلطات المغربية لهذه المطالب، يبقى السؤوال المطروح سابقا قائما، لكن بصيغة أخرى، ألم يكن على المغرب أن يجد حلول بديلة قبل أن يقدم على إيقاف التهريب المعيشي؟