اعتبر فاعلون وباحثون، أن المرحلة الانتقالية الصعبة التي تعرفها منطقة الفنيدقالمضيق، بعد إغلاق معبر باب سبتة ومنع التهريب المعيشي يتطلب تدخلا من الدولة المركزية لتأسيس منظومة اقتصادية قانونية ومستقرة، داعين إلى اتخاذ حزمة من القرارات الاستعجالية، لتحقيق الاقلاع الاقتصادي بما يقي الساكنة المحلية من الهشاشة الاجتماعية التي أصبحت تقلق الجميع. جاء ذلك في ندوة عن بعد نظمتها أمس "مجموعة التفكير من أجل الفنيدق"، تحت عنوان، "إغلاق معبر باب سبتة ومنع التهريب المعيشي؛ التداعيات والبدائل"، شارك فيهاكل من هشام بوعنان، رئيس جماعة مرتيل، ومريم الزموري، منسقة الهيئة الإقليمية للمساواة وتكافؤ الفرص، ورشيد الدردابي، باحث في التنمية المحلية، بالإضافة إلى المستشار الجماعي السابق محمد عزوز. الأزمة تتطلب تدخلا مركزيا وفي هذا الصدد، أكد هشام بوعنان رئيس جماعة مرتيل، على أن مواجهة الأزمة بالمنطقة تتجاوز قدرات الجماعات الترابية، مشيرا إلى أنها "لا تمتلك صلاحيات تنموية وتنحصر اختصاصاتها في التدبير"، معتبرا أن البديل عن نشاط التهريب يكمن في التسريع بتهيئة منطقة الأنشطة الاقتصادية بالفنيدق. وفي نفس المضمار أكدّ محمد عزوز المستشار الجماعي السابق، على أن سلطات الجماعات الترابية محدودة في اتخاذ القرار، مؤكدا على أنّ تجاوز المرحلة الانتقالية الصعبة يتطلب تدخلا من الدولة المركزية لتأسيس منظومة اقتصادية قانونية ومستقرة. من جهته، دعا رشيد الدردابيالباحث في التنمية المحلية، الحكومة ومجلس الجهة إلى اتخاذ حزمة من القرارات الاستعجالية ومتوسطة المدى والهيكلية لتحقيق الاقلاع الاقتصادي بما يقي الساكنة المحلية من الهشاشة الاجتماعية المقلقة. ودعا المتحدث، في ذات السياق، إلى استثمار الموروث المحلي المادي واللامادي في تشكيل الهوية الاقتصادية لمنطقة الشمال الغربي؛ وهو المقترح الذي طالبت الحقوقية مريم الزموري بتفعيله من خلال ميكانيزم التعاون الدولي وذلك من خلال استثمار الحكومة المغربية للوضع المتقدم مع الاتحاد الاوروبي ولعلاقة الشراكة المتميزة مع إسبانيا -وبالأخص مع تحمل المغرب للضغط الحدودي للهجرية غير النظامية، من أجل دعم جهود تحقيق التنمية في المنطقة الحدودية. الإسبان المستفيد الأول من المالية الضخمة للتهريب في هذا المحور، اعتبر هشام بوعنان رئيس جماعة مرتيل، قرار الدولة بتوقيف التهريب المعيشي كان منتظرا، مشيرا إلى أنه مضر بالاقتصاد الوطني والخزينة العامة للدولة، مبرزا، أن الجار الإسباني هو المستفيد الأول من موارده المالية الضخمة التي أنعشت ميزانية مدينة سبتةالمحتلة. وبخلاف هذه الرؤية، اعتبر محمد عزوز المستشار السابق بجماعة الفنيدق بأن قرار إغلاق معبر باب سبتة وتوقيف التهريب كان قرارا مركزيا استعجاليا، لم تشرك فيه الجماعات الترابية والمسؤولين المحليين، مؤكدا بأنه أعاد إلى الوراء العلاقة بين الدولة وسكان منطقة الشمال الغربي،مذكرا بماضي التهميش الممنهج، مما ينذر بتداعيات خطيرةعلى الاستقرار الاجتماعي على غرار ما حصل بمنطقة الريف. وفي السياق نفسه، ذهب الباحث رشيد الدردابي، الذي أكد على أن هناك ضعف كبير في استفادة مدن عمالة المضيق- الفنيدق من الاستثمارات الموجهة لجهة طنجة -تطوان- الحسيمة، التي بلغت ثلاثة ملايير درهم سنة 2018 وأدائها لضريبة التفاوت المجالي الصارخ في التنمية الجهوية هما ما يفسّران وضعيتها الاجتماعية المقلقة بعد اغلاق المعبر، مستدلا بالفرق الاقتصادي الكبير بين المنطقة الحدودية وسبتةالمحتلة الذي يحتل المرتبة السابعة عالميا. نفس الصورة القاتمة للوضع أمدتها القيادية النسائية مريم الزموري، منسقة الهيئة الإقليمية للمساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع بعمالة المضيقالفنيدق، من خلال رصدها لارتفاع معدلات الجريمة والطلاق والعنف ضد النساء بالمنطقة، الذي ارتفع بحسب دراسات ميدانية بحوالي 30% بفعل ضغط الازمة الاقتصادية و جائحةكوفيد -19. واعتبرتالزموري التهريب المعيشي بأنه شكلّ لعقود أساس التجارة الحدودية بالمنطقة في ظل تعايش السلطات الحكومية معه، نظرا لتشغيله للآلاف من المواطنين المغاربة،كما أن نشاط التهريب المعيشي كان له تداعيات سلبية على الكرامة والسلامة الجسدية لممتهنيه وخاصة في صفوف النساء، إذ بلغت حالات الوفيات في صفوفهن إلى 10 حالات منذ سنة 2009، كما لم يكن يتجاوز الدخل الفردي لمعظمهن مبلغ 100 درهم بعد يوم عمل شاق، بينما اعتبر الباحث رشيد الدردابي، بأن التهريب المعيشي هو ردّ فعل طبيعي للساكنة المحلية على سياسات عمومية غير طبيعية نتيجة التهميش الكبير الذي عرفته منطقة الشمال لعقود من الزمن منذ الاستقلال، مما اضطر أهل المنطقة إلى التشغيل الذاتي عبر التهريب كأحد أركان "الاقتصاد الحدودي". الإسبان يخصصون أموالا ضخمة لسبتةالمحتلة الندوة عرفت أيضا، مداخلة مسجلة عن بعد لمحمد أحمد العضو السابق بمجلس الشيوخ الإسباني عن حزبPSOE الذي اعترف بأن الاقتصاد المحلي لسبتة تأثر كثيرا باعتماده على مداخيل الجانب التجاري عبر المعبر الحدودي. وأفاد المتحدث، بأنه يتم التفكير محليا في مشاريع متعددة في مجالات الصناعة والسياحة والتكنولوجيا والطاقات المتجددة لتجاوز الوضع الاقتصادي الصعب، مشيرا إلى أن الحكومة المركزية بمدريد رصدت مبلغ 74 مليون أورو لحكومة سبتة في ميزانية سنة 2021 علاوة على دعم مالي استثنائي خُصص منذ مارس 2020 للتعامل مع الوضع الاجتماعي والاقتصادي في ظل الجائحة، كما تم رصد 100 مليون أورز لبرنامج " سبتة تقاوم" الذي أطلقته الحكومة المحلية لدعم الأسر الفقيرة والمقاولات، كما دعا القيادي الاشتراكي بسبتة إلى ايجاد صيغ للشراكة الاقتصادية بين سبتةوالفنيدق.