نزاع الصحراء وصل لنقطة التوازن الاستراتيجي بين المغرب والجزائر، وجبهة البوليساريو أمام خيارات صعبة. هذه هي الخلاصة على الأقل التي خرج بها، مدير أمن جبهة "البوليساريو" سابقا، مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، المنفي قسرا إلى موريتانيا. واعتبر ولد سلمى أن نزاع الصحراء استمر في وضع "استاتيكو"، على مدار ثلاث عقود، متأرجحا بين الميل لصالح هذا الطرف حينا، ولذاك أحيانا، بما لا يخل بمعادلة النزاع، قبل أن يميل بشكل كبير لصالح الطرف المغربي بعد يوم 13 نوفمبر 2020، لما مدّ المغرب حزامه الدفاعي في منطقة الكركرات ليصل الحدود الموريتانية مغيرا بذلك معادلة النزاع بشكل جذري. وأضاف ولد سلمى الذي نفته جبهة البوليساريو خارج المخيمات بعد معارضته لنهجها في تدبير الملف الصحراوي، ودعمه لمقترح الحكم الذاتي لإنهاء مشكل اللاجئين، أن المعادلة حاليا قد تغيرت وتغيّر معها لغة وخطاب الجزائر تجاه المغرب بشكل مفاجئ وغير مسبوق. وبالرغم من أن التغيير الذي طرأ حدث في منطقة الكركرات يضيف ولد سلمى - و هي أبعد نقطة من الإقليم المتنازع عليه عن الحدود الجزائرية (قرابة 1500 كلم من تيندف)، إلاّ أن الأصوات تعالت في الجزائر على مختلف المستويات، معلنة أن حدود الجزائر خط أحمر، وأن قضية الصحراء هي جزء من أمن الجزائر القومي، وأكثر من ذلك هي قضية سيّادية بالنسبة للجزائر التي لم يسبق لها أن صرحت أن لها أطماع في الصحراء. ويتساءل ولد سلمى عن السبب الذي أغضب الجزائر إلى هذا الحد وما علاقته بأمنها القومي؟ ليجيب أن الذي أغضبهت هو تغيير الوضع على الأرض في منطقة الكركرات من جانب واحد، وذلك حينما مدّ المغرب الحزام الدفاعي في أقصى جنوب الصحراء بضعة كيلومترات ليصل حدوده مع موريتانيا، ما قد يشجعه على تغيير الوضع على الأرض في شمال الصحراء أيضا، ويمد الحزام الدفاعي بضعة كيلومترات أخرى من جهة المحبس ليصل المعبر الحدودي الموريتاني مع تيندوف كما فعل في الجنوب. ويؤكد ولد سلمى أنه حينها، ستصبح قوات البوليساريو معزولة عن قواعد إسنادها في الجزائر وستضطر إلى التراجع نحو الأراضي الجزائرية، لتصبح مشكلة جزائرية بعد أن كانت مشكلة مغربية، ولا يبقى أمام الجزائر من خيار غير أن تبتلع الجبهة أو تدخل في مواجهة مباشرة مع المغرب. وهذا هو السر وراء الخطاب الجزائري التصعيدي تجاه المغرب بعد 13 نوفمبر - يضيف مدير أمن جبهة البوليساريو سابقا - ومقصوده أن المغرب بات قريبا من الخط الأحمر الجزائري. ويعطي ولد سلمى مثال على ذلك بخطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حينما تقدمت قوات حكومة "الوفاق" المدعومة تركيا إلى مشارف سرت، حيث يؤكد: "من يتذكر خطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الشهير لما تقدمت قوات الوفاق الليبية نحو مدينة سرت، وكادت تغير معادلة الصراع الليبي، حينها قال السيسي إن سرت خط أحمر، وما رافق ذلك من تصعيد سيجد أنه نفس الخطاب الذي تردده الجزائر الآن بخصوص نزاع الصحراء. الجزائر لم تتصور يوما أن البوليساريو قد تشكل خطرا على أمنها واستقرارها، بل كانت تراها دوما ورقة ضغط على المغرب من أجل إعاقة تقدمه وإبقائه منشغلا كي تتفرد بزعامة المنطقة. ويضيف "أما بعد 13 نوفمبر فقد حصل توازن في خطر النزاع، وأصبح يهدد الأمن القومي للبلدين على حد سواء. فإذا استفزت البوليساريو بدعم جزائري المغرب من مناطق شرق الحزام لدرجة تهدد استقراره كأن تدخل أسلحة نوعية في حربها من قبيل الصواريخ بعيدة المدى والطائرات المسيرة، فنعيش نفس سيناريو الكركرات، وقد يلجأ المغرب إلى خيار استكمال الحزام الدفاعي ليصل نقطة التقاء الحدود الجزائرية الموريتانية في الشمال، وتصبح البوليساريو مشكلة جزائرية بعد أن كانت قضية جزائرية، أو تنتهي حرب الوكالة تدخل الجزائر والمغرب في نزاع مسلح بشكل مباشر". ويُعرج ولد سلمى بالقول إنه وبكل "تأكيد السلطة في المغرب والجزائر وصلوا لهذا التقييم، ومنه يُفهم إعلان المغرب بشكل رسمي التزامه باتفاق وقف إطلاق النار، كرسالة طمأنة للجزائر، رغم إعلان جبهة البوليساريو تنصلها من الاتفاق، وتلميحه بأن ما سيحدد قواعد الاشتباك من الآن فصاعدا، هو إما أن تبقى الأمور على ماهي عليه حاليا، بأن يحتفظ المغرب بما حازه في الكركرات، ويُبقى باقي المناطق شرق الحزام على حاله لحين الوصول إلى تسوية سياسية، أو ستدخل الجزائر والمغرب في مواجهة مباشرة قد تغير خارطة المنطقة برمتها". ويعتبر ولد سلمى المبعد إلى موريتانيا أن هذا "ما يفسر الهدوء والصمت الذي يقابل به المغرب بيانات الجبهة عن الحرب بعد 13 نوفمبر. فهو متفهم لمحدودية الخيارات أمام قيادة البوليساريو بعد خسارتها ورقة الكركرات، و حاجتها لنصر معنوي يرد لها الاعتبار أمام أنصارها ولو بحرب جلها افتراضي". ويؤكد ولد سلمى أن المغرب "يعي أن الإنجرار وراء استفزازات الجبهة لا يخدمه وهي التي تريد توريطه في حرب مباشرة مع الجزائر"، مضيفا "أن الوضع الجديد يمكن أن يجنب المنطقة حربا جديدة، يبقي مشكلة الصحراء قضية معلقة بين الجزائر والمغرب كقضية كشمير، إذا ما توفرت الإرادة لدى حكام الجزائر وعملوا على ضبط سلاح البوليساريو، كما كان حاصل في العقود الثلاثة الماضية". *ينشر هذا المقال بالاتفاق مع الكاتب