يتساءل متتبعو الشأن السياسي بالمغرب عن سر اختيار جماعة العدل والإحسان الصمت في قضية الڴرڴرات ، سواء طيلة مدة إغلاق المعبر الحيوي بين المغرب وموريتانيا ،ومنها نحو دول الجنوب من طرف عصابات البوليساريو بدعم مباشر من النظام الجزائري ، أو بعد قرار جلالة الملك بإعادة فتحه وتطهير المنطقة العازلة من فلول البوليساريو ؛ وهي المهمة التي أنجزها الجيش المغربي بكل حكمة وخبرة وحزم تفاجأ معها النظام الجزائري الذي كان يراهن على خنق المغرب بأن خطط لجعل عصابة قطاع الطرق في المعبر بمثابة "شوكة في الحلق" يستحيل بلعها أو تقيؤها . لكن الحكمة والخبرة المغربية جعلت السحر ينقلب على الساحر بأن أغلقت كل المنافذ على عصابات البوليساريو وخنقتها والنظام الجزائري الذي يحضنها خلف الجدار الأمني. كل هذه الأحداث والتفاعلات الدولية المؤيدة للمغرب والمساندة لقرار تحرير معبر الڴرڴرات ، ولا حتى الهجمات الإعلامية والرسمية من رموز النظام الجزائري ، لم تحرّك في جماعة العدل والإحسان ذرة وطنية فتتخذ الموقف المطلوب المتماهي مع موقف الشعب المغربي المدافع عن وحدته الترابية . فالجماعة التي تكبّلها المواقف التي نظّر لها الشيخ المؤسس الراحل عبد السلام ياسين، لا يمكن الانتظار منها غير هذا الموقف . ذلك أن الجماعة يهون عليها أن تخون الوطن الأم ولا يهون عليها أن تخون الشيخ المؤسس . لهذا لا غرابة أن يكون هذا هو موقف الجماعة في الوقت الذي يتكالب فيه أعداء الوطن الخارجيين على وحدته ويعدّون العدة للنيل منه . فالجماعة التي تأسست على عقائد لا تؤمن بالوطن ولا بحدوده الجغرافية ، لا يمكن الرهان عليها في الانخراط الفعال والداعم للوحدة الترابية . إذ للجماعة عقائد وإستراتيجية ثابتة لن تحيد عنها مهما كان النقد أو الاتهام . ويمكن إجمالها في التالي: 1 تعتبر الجماعة "نظام الخلافة" هو النظام السياسي الوحيد الذي يصلح للمسلمين ويحقق لهم العزة ويضمن لهم النصرة . فهو تجسيد لإرادة الله في جعل المسلمين "أمة واحدة" لا تؤمن بالحدود الجغرافية أو السياسية . لهذا ترفض الجماعة كل الأنظمة السياسية الحاكمة مهما كانت ديمقراطية. بل إنها تكفّر نظام الحكم الديمقراطي بحجة أنه لا يحكم بالشريعة، ولأنه يساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات. فنظام الخلافة يحقق أمر الله في طاعة المسلمين لأولي الأمر الذين يمثلون إرادة الله في خلقه وليس إرادة الشعب . 2 تتطلع الجماعة إلى عودة نظام الخلافة كوعد وعد به الرسول (ص) وفق حديث منسوب إليه. وعقائد الجماعة تصف الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين بأنها "أنظمة عض وجبر" محكوم عليها بالزوال لفائدة "نظام الخلافة على منهج النبوة" الذي تسعى الجماعة لإقامته . والاعتراف بالدول الوطنية وبحدودها الجغرافية هو "كفر" بأوامر الله تعالى وخيانة لوعد رسوله الكريم. 3 الجماعة ترفض الانشغال بمشاكل الحدود بين الدول أو التموقف من نزعات الانفصال ، تأييدا أو معارضة ، لأنها مشاكل مصطنعة ناتجة عن غياب نظام الخلافة وتفكك الأمة لأسباب ذاتية (الولاء للإثنية أو العرق أو المذهب ..) أو تاريخية ( سيطرة الاستعمار ). من هنا تعتبر الجماعة أن الانشغال بإقامة أنظمة إسلامية في كل دولة عربية/ إسلامية أجدى وأهم لأنه يخدم مشروع الجماعة في إقامة "نظام إسلامي" . 4 للجماعة إستراتيجية واضحة وثابتة تقوم على عنصرين أساسيين: أولهما : ألا صلح مع النظام أو الانخراط في مؤسساته الدستورية على اعتبار أن هذا يشكل دعما للنظام وتمديدا لعمره/حكمه . وأيا كانت المخططات العدائية التي تستهدف وحدة المغرب واستقراره ، فإن الجماعة لن تنخرط المجهود الرسمي أو النضال الشعبي لمواجهة تلك المخططات. من هنا لن ينتظر الشعب من الجماعة أن تناصر وحدته الترابية أو تعضد إجماعه ، وأي شيء من هذا القبيل تعتبره الجماعة توددا للنظام ورغبة أو سعيا إلى مصالحته. فالجماعة لا تفصل بين الوطن وبين النظام.وهذا دأب تنظيمات الإسلام السياسي التي لا ولاء لها للأوطان . وما جرّته هذه التنظيمات من خراب على عدد من الأوطان والانخراط في تدميرها خير دليل. ثانيهما: السعي الحثيث لإسقاط النظام وإقامة نظام بديل . ودعم النظام في الدفاع عن الوحدة الترابية تعتبره الجماعة تعطيلا لمشروعها وإستراتيجية السيطرة على الحكم. وكلما تعددت مشاكل النظام وتعقّدت أزماته إلا وكان الأمر في خدمة أهداف الجماعة من حيث كون هذا الوضع يضعف النظام ويوفر أسباب القومة ويقوي فرص الزحف على الحكم . فالجماعة تتغذى على المشاكل الاجتماعية للمواطنين وتتاجر بها لاستقطاب الأتباع وتجنيدهم لخدمة مشروعها. وهنا يأتي تحالف الجماعة مع حزب النهج ودعمهما للانفصال لأنه يخدم أجندتهما .فالتنظيمان معا يجمعهما العداء للنظام ويوحد بينهما شعار "الضرب معا والسير على حدى".فالنهج يستعجل قيام "بؤرة ثورية" في جنوب المغرب تقطع جذوره الإفريقية لتخنقه اقتصاديا ، سياسيا وتستنزفه عسكريا (هذا كان مخطط القذافي والنظام الجزائري منذ بومدين ) . والنهج كالجماعة لا وطن لهما خارج العقائد الإيديولوجية .وحين يحقق الوطن انتصاراته بوحدة الشعب والنظام ، تكون لدى هاتين الهيأتين نكسة تضيع عليهما فرص الانتقام من النظام وإن كان الثمن تدمير الوطن. هكذا يلتقي المتطرف عند معاداة الوطن وخيانة الشعب .