تمثل حالة المغرب نموذجا حيا لاستغلال مسألة حقوق الإنسان في استهداف وحدة ترابه وتوفير الحماية للعناصر الانفصالية كما لو أن تمزيق وحدة الشعب حق من حقوق الإنسان. لقد غدا ثابتا أن هيئات حقوقية باتت مختصة في التشويش على المغرب أو مناهضة وحددته الترابية. فمنظمة "أمنيستي" لم يعد لها من شغل يشغل أعضاءها غير إصدار تقارير سياسية بنكهة استعمارية كلها أوامر وتنبيهات موجهة إلى السلطات المغربية كما لو أن المغرب خاضع للحماية أو للانتداب. تقارير تُداس فيها كونية حقوق الإنسان حين تجاهلت وما زالت تتجاهل شكايات ضحايا الاغتصاب كما لو أنهن لسن من جنس الإنسان حتى ينعمن بكل الحقوق. ورغم كل الأدلة المادية التي تثبت تعرض الضحايا للاغتصاب، فضلت "أمنيستي" تجزيئ منظومة حقوق الإنسان لتشرعن جرائم الاغتصاب والاتجار في البشر وذلك بالدفاع عن الجناة والمطالبة بإسقاط المتابعة القضائية ضدهم بدل المطالبة بتوفير شروط المحاكمة العادلة إنصافا للضحايا وجبرا للضرر النفسي والمادي الذي لحقهن. ف"أمنيستي" اختارت التدخل في شؤون القضاء وضرب مبدأ الاستقلالية الذي قامت عليه منذ تأسيسها وتطالب به. حان الوقت لتذكير "أمنيستي" أن المغرب بلد ذو سيادة لن يكترث لمثل هذه التقارير المغرضة التي تخدم أجندات خارجية. وإذا كانت أمنيستي تحشر أنفها في اختصاصات القضاء المغربي، فإن كيري كيندي، رئيسة "مركز كينيدي للعدالة وحقوق الإنسان"، تناصب العداء مباشرة للوحدة الترابية للمغرب بدعمها زعيمة الانفصاليين أمينتو حيدر التي تعتبرها "صديقتها الغالية" ومنحتها جائزة حقوق الإنسان لسنة 2008. فمع كيري كينيدي لم تعد حقوق الإنسان كونية وشمولية بل صارت معولا لتقسيم الدول وتمزيق الشعوب. ففي 2015 أصدر هذا المركز تقريرا لم يجرؤ على إصدار نظيره ضد سلطات الاحتلال الإسرائيلي مما يبرهن على كونه أداة لتدمير الدول عبر مداخل "حقوق الإنسان". وكان مما طالب به في التقرير "الحصول على موافقة الصحراويين على استغلال الموارد الطبيعية في الصحراء" وكل الأنشطة بما فيها "ري الأراضي لزراعة الفواكه والخضراوات في المنطقة" التي يعتبرها "تخضع لمسار تصفية الاستعمار". هكذا المركز اختار معاداة الوحدة الترابية للمغرب ودعم العناصر الانفصالية، لهذا اعتمد في صياغة تقريره على هيئات تدعم الانفصال مثل "الجمعية الفرنسية للصداقة والتضامن مع الشعوب الإفريقية" و"جمعية عدالة" البريطانية. طبعا لا تخفى أهداف مركز كيندي التي تتقاطع مع استراتيجية الحزب الديمقراطي الأمريكي وهي تفكيك الدول عبر دعم النزعات الانفصالية والاثنية وإشاعة "الفوضى الخلاقة" التي خربت شعوب الشرق الأوسط ومزقت أوصالها. استراتيجية التفكيك تتقاطع مع العداء المقيت الذي يضمره النظام الجزائري للمغرب ولوحدته الترابية الذي كلما اقترب موعد انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا وجندت الجزائر أدواتها الانفصالية بهدف استفزاز المغرب حتى يصدر عنه رد فعل يستغله مركز كيندي للمطالبة بتوسيع صلاحيات "المبنورسو" لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية. أمام سُعار النظام الجزائري ومخططاته الرامية إلى عزل المغرب عن عمقه الإفريقي، سواء بدعم الانفصال أو خلق التوتر بمعبر الڴرڴرات، ليس أمام المغرب سوى التعامل بالحكمة والاستناد إلى القانون الدولي مع اعتماد المقاربة القضائية في التعامل مع انفصاليي الداخل وعلى رأسهم أمينتو حيدر وأعضاء المجموعة ال32 الذين أعلنوا عن تشكيل ما يسمى ب"الهيئة الصحراوية لمناهضة الاحتلال المغربي". وهذه ليست المرة الأولى التي ترسل فيها الجزائر عناصر البوليساريو لعرقلة المرور عبر معبر الڴرڴرات؛ فالأمين العام للأمم المتحدة كفيل بوضع حد لهذه التجاوزات لأن ذلك من اختصاصه والأمم المتحدة طرف في اتفاقية وقف إطلاق النار. أما تحركات انفصاليي الداخل فتتطلب من الحكمة ما يفوّت على الجزائر ومركز كينيدي أي فرصة يستغلانها ضد المغرب. ذلك أن المتابعة القضائية وفق القانون الجنائي المغربي للعناصر الانفصالية أعضاء "الهيئة الصحراوية" إياها بالتهم والعقوبات المنصوص عليها في القانون على النحو الذي سلكته الدولة مع مثيري الأحداث الدموية بمخيم اڴديم إزيك، ستجعل السلطات العمومية في منأى عن أي اتهام بخرق حقوق الإنسان. فلا دولة في العالم تقبل قوانينها بممارسة الأنشطة الانفصالية داخلها أو تتسامح مع العملاء في خيانة الوطن. وعمالة أمينتو حيدر وأعضاء هيأتها الانفصالية لدولة أجنبية هي الجزائر تثبته كل الأدلة التي تتوفر عليها السلطات المغربية. من هنا سيكون مطلوبا من الدولة المغربية حسن استثمار: 1 المقاربة القضائية التي اعتمدتها إسبانيا في التعامل مع قادة الانفصال في إقليم كتالونيا الذين نظموا استفتاء حول استقلال الإقليم في أكتوبر 2017 دون موافقة الحكومة المركزية. إذ لم تلجأ حينها إسبانيا إلى الاعتقالات العشوائية، بل اكتفت بمتابعة 12 عنصرا من متزعمي حركة الانفصال أمام القضاء الذي أدانهم بالسجن ما بين 9 و13 سنة. وهذه نقطة قوة للدولة المغربية تستثمرها في محاكمة عصابة أمينتو حيدر محاكمة علنية تحضرها الهيئات الحقوقية الدولية. 2 دعم التعبيرات السلمية المناوئة لأمينتو حيدر وتمكينها من وسائل التواصل مع الهيئات الدولية حتى يصل صوتها إلى المنظمات الحقوقية، بحيث لا يبقى المجال يسمح لدعاة الانفصال بلعب دور "الممثل الوحيد" للمواطنين الصحراويين. 3 تنشيط الدبلوماسية الموازية للهيئات المدنية وممثلي القبائل لمواجهة دعاة الانفصال في المحافل الدولية ولدى الهيئات والمراكز الحقوقية. 4 تفعيل المجلس الوطني لحقوق الإنسان ولجانه الجهوية للانخراط الفعال والمتواصل في مواجهة أطروحات أعداء الوحدة الترابية. 5 تحسيس الأحزاب التي بات يشغلها الإعداد للانتخابات أن الدفاع عن الوحدة الترابية ليس مسؤولية الدولة وحدها، بل مسؤولية كل مكونات المجتمع السياسية والحقوقية.