"كُورُونَا" تُساوِي بين البشَر.. لا فرقَ بين وزيرٍ وأيّ من عامةِ الناس.. ولا بين دولةٍ كُبرى ودولةٍ صُغرى.. الكلّ سواسيّة.. الكُلّ في مُنزَلقاتِ الجراثيم.. وفي أفُقِ التّساوِي الشامل.. هذا عالَمٌ جديدٌ تَصنعُه جُرثُومة "كُورُونَا".. ومن واحدةٍ تتَولّدُ ملايِيرُ الجراثيم.. وتصلُ إلى أيّ كان.. في أيّ مكان.. العالَمُ يَتقَلّصُ شيئًا فشيئًا.. وها هي"كُورُونَا" تُفرّقُ العالَمَ وتُوحّدُه.. وعَولَمةٌ زاحِفةٌ في اتّجاهيْن.. سَلبِي وإيجابي.. سَلبِي في تَشبّث دُولٍ كُبرى بعاداتِها التّعامُليّةِ الفَوقيّةِ مع الغَير.. وما زالت، حتى وهي في حالةِ تَقَهقُر، تتَمَسّكُ بعقليّةِ الهيمنَةِ على الآخر.. وسَلبِيّ أيضا، لأنّها تَستَثمِرُ جُرثومةَ "كُورُونَا" لمَصالحِها، في عالمٍ يَتغيّرُ على وتيرةٍ سريعة.. وقد تستيقظُ غدا، وتكتشفُ نفسَها أسفلَ دُولٍ كانت مُتخلّفة.. فُقراءُ الأمس قد أصبحُوا سادةَ اليومِ والغَد.. أحمد إفزارن فماذا يا تُرى يوجدُ بعدَ "كُورُونَا"! يبدُو أنّ العالم، ونحنُ من العالم، مُقبِلٌ على ما بعدَ "كُورُونَا".. وماذا بعدَ الفَيرُوس؟ بَعدَهُ ما نحنُ اليومَ نتَصوّر.. نتَصوّرُ عالَمًا آخر.. وعقليةً أخرى.. ولا خيارَ لنا إلا أن نتَغيّر.. وإذا لم نَتغيّر، فجُرثومةُ "كُورُونَا" هي تتَكفّلُ بتغيِير كلّ العالم.. وجميعُنا مُقبِلون على الاستِسلامِ لِما سوفَ تَفرضُه علينا فيروساتُ "كُورُونَا".. ومنَ الآن، ونحنُ في خضمّ التأرجُحِ بين الخوفِ والقلقِ والتّوتُر، تبرُزُ أصواتُ الأمل، وهي تُبشّرُ العالمَ بغدٍ للجميع، من أجلِ الجميع.. - وفي أمكنةٍ من العالم، ترَى الناسَ يواجهُون "كُورُونَا" بالغِناء، والعزف، ونداءاتٍ لتنصيبِ "حكومةٍ عالميّة": حكومةٌ لا تُشبهُ "مُنظمة الأممالمتحدة"، ولا "مَجلس الأمن الدولي".. حكومةٌ تقودُ العالم إلى ما يُوحّد الإنسانيةَ جمعاء.. وتتَدخّلُ أينَما كان مَساسٌ بحقوقِ الإنسان.. هي فوقَ الحكوماتِ المحلّية.. حكومةٌ شعبية.. تُمثّلُ شُعوبَ العالم.. تَحرصُ على الأمنِ والسلامِ لفائدةِ كل شعوبِ العالم.. والصحة للجميع.. والتّعليمِ للجميع.. حكومةٌ تهدفُ لبناءِ إنسانٍ جديد.. - وهذا هو العالمُ الجديد، في أفُقِ ما بعد "كُورُونَا".. "كُورُونَا" ستَجمعُ العالمَ كما يجبُ أن يكُون، لا كما يُريدُ لهُ "كبارُ اليوم".. عالمُ الغد سيكُون للجميع، لفائدةِ الجميع، في طُولِ الأرضِ وعَرضِها.. وهذا سوف تفرضُه جُرثُومةُ "كُورُونَا".. هي سوفَ تُغيّرُ العالم، طُولاً وعرضًا.. وتُلقّنُ درُوسًا للأجيالِ الرّاهنة، في كيفيةٍ عيشٍ مُشتَركٍ مُتَوازِنٍ بينَ كلّ تنَوّعاتِ العالم.. ومُؤشّراتُ الغدِ تَتّضحُ أكثرَ فأكثر.. - وفي انتظار الغد، نحنُ في حاضرِ المُعاناة.. لقد بَدأت "كُورُونَا" تُغَيّرُ أُسلوبَ حياتِنا! وأمامَ هَولِ التّطوّرات الإخباريّة بين يومٍ وآخر، وتكاثُرِ أعدادِ الإصابات بمُختلفِ أنحاءِ المَعمُور، وعجزِ الدول الكُبرى عن تطويقِ الفيرُوس، باتَ لِزامًا علينا تغيِيرَ أسلُوبِ حياتِنا رأسًا على عَقِب.. وأن تقُومَ مؤسّساتُ الدولةِ بتغييرِ السّياساتِ العموميّة، لكي تتلاءَمَ مع طمُوحاتِ بلدِنا، وتتماشَى مع المَسيرةِ العالمية.. العالمُ بحاجةٍ ماسّة إلى تغيِيرٍ جِذري على كل المُستويات، وخاصةً منها حُسنُ التّدبيرِ والتّسيير، وكذا التّخلّص من التّبعيّة للاستِعمار القديمِ والجديد.. وأن يُعاد النظرُ رأسًا على عقِب، في "السياساتِ الدوليّة"، بدءًا من "مُنظمةِ الأممالمتحدة"، والمنظمات التابعة لها، وكذا في "مجلسِ الأمنِ الدولي"، حتى لا يَقتَصرَ الأمنُ العالمي على قرارٍ من 5 دُولٍ دائمةِ العُضوية هي: روسيا، والصين، وفرنسا، وبريطانيا، والولايات المتحدةالأمريكية.. هذه الدول لم تحصُل على هذه العُضوية الدائمة، إلا لأنها حقّقت انتصارًا جماعيّا في الحربِ العالميةِ الثانية.. ثم إنّ "منظمةَ الأممالمتحدة" لا تُمثّل شعُوبَ العالم، بل تُمثّل الدّولَ المُنخرِطة.. والدولُ ليست هي الحكومات.. ومن "الأممالمتحدة" يبدأ العجزُ العالمي عن علاجِ مَشاكلِ العالَم، وهذا ينعكسُ سلبًا على القرارات.. والدولُ الخمسُ الدائمةُ العُضوية لها حقّ منعِ أيّ قرارٍ من مجلس الأمن، وهو الفيتُو: النّقض.. وحتى إذا اتُّخذَ قرار، فإنه لا يُطبّق.. مصالحُ الدول الكبرى هي وَرقتُها في المُنتَظَمِ الدولي.. ومن هنا يتوجبُ تغييرُ سلوكاتِ الهرمِ التّنظيمي العالمي، إذا شِئَ أن يَعيشَ العالمُ بسلام.. لكن الحالَ الآن، هو أن هذه الدّولَ الخمسَ نفسَها دخَلت في صِراعاتٍ وتحالُفاتٍ تِجاريةٍ وإيديولوجيّة، وهذا يَنعكسُ على العلاقات الدولية.. وهذه الدولُ الكُبرَى نفسُها تَبتّزّ الدولَ الصّغرى.. - العَملُ داخلَ المَنزِل! هكذا يتطوّرُ الحالُ مع انتشارِ "كُورُونَا" أكثرَ فأكثَر، في مُختلفِ أرجاءِ العالَم.. هذا فيرُوسٌ لم يتَصَوّر أيّ بلدٍ في العالم أن مُضاعفاتِه ستكُون بهذه السّرعة، وهذه القُدرةِ التّرهيبِية، وهذه الانعكاساتِ الاقتِصادية، وأنّ هذه الجُرثومة المُختبريّة ستفرضُ علينا طريقةً جديدةً للحياة.. وهذا يتطلّبُ تعبئةً مُجتمَعيةً وإعلاميةً وإجراءاتٍ وقائيةً لمواجهة تفشّي الوباء.. ومهما كانت التّطوّرات، فنحنُ مُقبِلُون على ثقافةٍ جديدة، وعقليةٍ جديدة، وسُلوكٍ يتَماشَى مع عالمِ جديد! ونحنُ في مواجهةِ أزمةٍ وبائيةٍ هي قد جَعلَتنا مُنخَرِطين في علاجِها.. وفي بناء مُجتمَعٍ جديد.. ونحنُ في قريةٍ صغيرةٍ اسمُها العالَم! [email protected]