عندما تغيب الشمس، يتجمّع المسلمون الصائمون في رمضان حول موائد الإفطار، ليتناولوا وجبة دسمة غالبًا ما تتكون من أربعة أطباق مختلفة. وفي مصر، يختلف الحال، حيث يعيش عشرات الملايين من الأشخاص في فقر مدقع يَضطرُّهم إلى تدبر حالهم عن طريق الاقتيات على بقايا الطعام للإفطار. تُباع رقائق البطاطا الفاسدة وعظام الدجاج وقطع الجبن المتعفن إلى أفقر مواطني القاهرة في سوق كرداسة، حيث يُقدِم الباعة المُبدعون على بيع أي شيء يتمكنون من جمعه من المطاعم والفنادق والمصانع. وفي مكان محاذٍ لأكوام القمامة، تفترش امرأة الأرض منادية على المارة وتَحثُّ على شراء شكولاتة "موتيلا" غير أصلية بنصف السعر، وهي بضاعة مقلدة انتهت صلاحيتها منذ حوالي ستة أشهر. ويجاور بائعة "الموتيلا" شاب يبيع مخللات تطفو داخل برميل متسخ. بالنسبة لأحمد وليد، وهو موظف حكومي يبلغ من العمر 40 سنة، يُعدُّ دفع ثمن دجاجة كاملة قرارًا كبيرا، لاسيما وأن راتبه الشهري لا يتجاوز الحد الأدنى للأجور وهو 2000 جنيه مصري فقط، أي ما يعادل 80 جنيها إسترلينيا. وعوضًا عن ذلك، يعمد وليد إلى شراء كيلوغرام واحد من أرجل وأعناق وأجنحة الدجاج مقابل ما يعادل 80 بنسًا، وهو يفعل ذلك بمعدل مرة واحدة في الأسبوع لإطعام أسرته وأطفاله الثلاثة. ارتفعت معدلات الفقر والبطالة في مصر منذ توقيع حكومة عبد الفتاح السيسي على قرض تقدر قيمته بحوالي 9 ملايين جنيه إسترليني سنة 2016، والتي يشترط صندوق النقد الدولي بموجبه خفض الإنفاق والحد من عجز الموازنة الاقتصادية. ونتيجة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي أعقب هذا القرض، والذي تضمن إجراء تخفيضات في دعم الوقود وتعويم الجنيه المصري وفرض ضرائب جديدة، أصبحت قيمة العملة المحلية ضعيفة وازداد التضخم بمعدلات مهولة. تشمل محاولات الرئيس المصري لتنشيط اقتصاد بلاده إقامة مشاريع مثل إنشاء العاصمة الجديدة على بعد 48 كيلومترا شرق القاهرة وتشييد قناة السويسالجديدة. وفي حين يمكن للاستثمار في البنية التحتية أن يخلق فرص عمل ويعزز النمو، يتساءل الكثيرون عما إذا كانت مصر قادرة على تحمل تكاليف هذه المشاريع في الوقت الذي يكافح فيه عدد كبير من المواطنين لتلبية احتياجاتهم الأساسية. وبشكل عام، لم تواكب الأجور نسب التضخم المرتفعة، لاسيما وأن 60 بالمئة من السكان الذين يبلغ عددهم حوالي 100 مليون نسمة إما فقراء أو يعيشون وضعًا اقتصاديا صعبًا حسب تقديرات البنك الدولي. في واقع الأمر، إن اللحوم في مصر تباع بأسعار معقولة وتعد من بين الأكثر ملاءمة في العالم، لكن المواطن المصري الذي يتقاضى راتبًا شهريا لا يتجاوز الحد الأدنى للأجور يكون مجبرًا على العمل لمدة لا تقل عن 20 ساعة حتى يتمكن من تحمل نفقة كيلوغرام واحد من لحوم الأبقار.