"أحزابُ الشّيُوخ" ليست على ما يُرام.. "الأشباحُ" تُريدُ منها خِدمة، وهي أن تتَأهّبَ - من الآن - للانتخاباتِ القادمة.. بيْدَ أنّ هذه الأحزابَ لا تَستَطِيع.. عاجِزةٌ تمامًا حتى عن التّفكير.. وأحيانًا عن الحَركة.. وعن ضرُوراتٍ بَشَريّةٍ عادية.. * اِفْهَمُوها أيّها السّادة! العُمرُ له مُتطَلّباتُه.. السّنُّ له مَنطِقُه.. ومَطالبُ الأشباحِ مُستَعجَلة.. الأشباحُ لها أولويّاتٌ منها: ضرورةُ إشراكِ الأحزابِ "التاريخيّةِ الوطنيّة" في الانتخاباتِ المُقبِلة، لعلّ وعَسَى ورُبّما... ولكنّ "أحزابَ الشّيوخِ" لا تَستَطيع.. عاجزةٌ تَمامًا.. ولها عاداتٌ سيّئةٌ لا تُتقِنُ غيرَها.. وكيف لها أن تُغيّرَ ما اعتادَت عليه، منذ عقُودٍ طويلة؟ إنها لا تَستطيعُ خوضَ انتخاباتٍ لها طقُوسُها ومِزاجُها وعلاقاتُها.. ولها ضَحكاتُها ووُعودُها.. وبالمُختَصَرِ المُفيد، هي لا تستَطيع، ولا يُمكِنُ الاعتمادُ عليها.. وأحزابُ "سِنّ اليَأس" تتَمنّى - من جانبِها - أن تُرضيّ كلَّ الأشباح.. والتّماسيحَ أيضًا.. ومعهُما حتى العفَارِيت.. ولكنها في أرذلِ العُمر: أحزابُ "سِنّ اليَأس" تَتَمَنّى، ولكن "تَجرِي الرّياحُ بما لا تَشتَهِي السُّفُنُ"! * لا مجالَ للرّجُوعِ إلى الخَلف! وفي هذه الأثناء، شبابُنا لهم عَوالِمُهم.. وهذه صُورَةٌ منَ المِخيَالِ الاجتِماعي الشّبابي: مُحاكمةٌ علَنيّةٌ للأحزاب، والجَماعاتِ المَحلّية، والجِهات، والبَرلمان، والغُرَفِ التّجاريةِ والصّناعيةِ والمِهنيّة، والحُكومة، وغيرِها مِن المُؤسّسات ذاتِ الارتباطِ المباشِر بالانتِخاباتِ العمُومية، وبالمالِ العُمومي.. والسؤالُ الأساسي: "أين الوعودُ الانتخابية؟".. سؤالٌ يقُودُ إلى مُقارنةِ الوُعودِ بالإنجازات.. المِيزانية؟ الصّفَقات؟ الجودة؟ الشّرَكاء؟ ولا خوفَ من اقتِحامِ صُلبِ الموضوع.. لسنا كالنّعامة التي تُخفِي رأسَها تحتَ الرّمال.. الفسادُ موجُود.. وثابتٌ ميدانيا.. وتَبقَى مُحاسَبةُ المُؤسّساتِ المَسؤولة، أمام عَدَساتِ الإعلام.. لماذا أوقَعَتنا في ما نحنُ فيه؟ ماذا فَعَلَت؟ ومع مَن؟ وكيف؟ ولماذا؟ ومتى؟ وأين الثّروة؟ * هذهِ من المِخيال الاجتماعي.. والمؤسّساتُ ليست فوقَ القانُون! وتبقى هذه الصورة الثابتة في مِخيالنا، تُفيدُ أنّ مُجتمَعنا مُصِرٌّ على مُكافحةِ الفساد، مهما كان الثّمن.. ولا أيُّ حاجزٍ - من حَواجزِنا - يَستطيعُ منعَ المُجتمعِ مِن تطويقِ الفساد.. وإنّنا إذا لم نُنهِ الفساد، فإنّ هذا الفسادَ هو يُنهِينا! إذا لم نتَصَدَّ له، هو يتَصَدّى لنا.. الفيروسُ إذا لم نضَع له حدّا، هو يتَحوّلُ إلى مُهاجِم يُمكنُ أن يَشُلّ حركاتِنا، ويَمنعَ حتى سَكناتِنا من أي ردّ فعلٍ فعّال.. ومن أبرز مَظاهرِ الفسادِ في بلادِنا: الفسادُ السياسي.. وهذا يقُودُ - إذا استَحكَم - بقيةَ أنواعِ الفساد المالي.. وعندها يَنتقلُ الفسادُ المالي من واقعٍ استثنائي، إلى طريقةِ سُلوك، وأسلوبِ عملٍ وتدبيرٍ وتعامُل، قافزًا على المعاييرِ الأخلاقية، والحواجز القانونية، والمُراقَباتِ الإدارية.. والفسادُ السياسي يُشكّلُ العَمودَ الفِقَرِي لبقيةِ أنواعِ الفساد، بما فيها الفسادُ الانتِخابي.. * وهذا يعني إفسادَ المَسارِ الديمُقراطي للبلد.. ويعني فسحَ المجالِ لجِهاتٍ أجنبيّة، من أجل عرقلةِ تطويرِ البلد، ومنعِ حُسن تدبيرِ وتسييرِ الشأن المحلي والعمومي.. ويُشكلُ الفسادُ السياسي حاجزا لشفافيةٍ انتخابية، ولأيِّ إصلاحٍ إداري، وفي القوانين، ومراقبةٍ الصفقات العموميةِ والأوراشِ والجودة.. ويتوغّلُ الفسادُ في شرايينِ البلد، بواسطةِ الرشاوَى، وينفُدُ إلى المؤسّسات، وإلى مسؤولين، مُقابلَ تحقيقِ هؤلاءِ لمآربَ خاصة.. ويتحوّلُ الفسادُ إلى عادةٍ مَعمولٍ بها في البلاد، ويُصبحُ سلُوكا يُؤثّرُ سلبًا على مُختلف الإدارات، من خلال شبكاتٍ من الوُسطاء والسّماسرة.. وهذا يؤثّرُ على كل البلد، طولا وعرضًا.. يؤثّرُ في سُمعة البلد، وفي استقطاب الاستثمارات، وفي استنزافِ المَواردِ المُتاحة.. وعندها تتَراجعُ سياسةُ التنميةِ الوطنية.. وتَنحرفُ الدولةُ عن سياساتِها الكبرى، ويَنتشرُ الإحباط.. وتتراجعُ مِصداقيّةُ مُؤسّساتِ الدولة، ومعها منظومةُ القيم الإدارية والاجتماعية.. وتُصبحُ العُملةُ العامّة هي الرّشوة.. وكلّ أنواعِ الفسادِ نشيطٌ عندنا، بمُختلفِ شرايين البلاد.. وعندنا حكومةٌ تتَستّر على كبارِ الاحتكاريّين والرّيعيّين والرّاشينَ والمُرتَشِين والرّائشين... * وهذا واضحٌ جدّا.. في قَراراتِ الحُكومة، ونِقاشاتِ البرلمانِ بغُرفتيْه، وفي الميزانياتِ العامة، وفي تدبير الجماعاتِ المحلية والجهوية.. وكُبرياتُ الإدارات، وعلى رأسِها المُحافَظةُ العَقارية، تتَقَدّمُ "المنافسَاتِ" على الارتشاء.. وجُلّ الإدارات لا تخلُو من رشاوَى بأحجامٍ مُتفاوتة.. وهذه الظاهرة مساسٌ في الصّميم لدولة المؤسّسات، والحَكَامة القانونية، والدّيمُقراطية المطلوبة.. وبسببِ الفساد المُستَشرِي في البلاد، لا يبدُو أيُّ أفُقٍ إلى انتخاباتٍ قادمة.. العزوفُ هذه المرة، قد يكونُ فريدًا من نوعه في التاريخِ الانتخابي الوطني.. ليست عندنا أحزابٌ في المُستوى المطلوب.. ولا حكومةٌ قادرةٌ على تنظيمِ انتخاباتٍ شفّافةٍ نزيهة.. ولا يُوجدُ أمام الجهاتِ المُختصّةِ في بلادِنا أيُّ أفُقٍ انتخابي، إلا إذا كان هو: تزويرُ الانتخابات.. وهذا "الاختِيار" مُخاطرةٌ كبرى تُجهلُ عواقبُها.. وسيكونُ أيضا مُغامرةً غيرَ محسُومةِ العواقب، أمام وعيٍ سياسيّ اجتماعيّ مُتصاعِد.. ومَن قد يُخاطرُون بتزويرِ الانتخابات، يُقدّمون لشبابِنا المُقاطِع رسالةً مَفادُها أنّ الدولةَ تَرفُضُ سيادةَ القانون.. وهذا ستكُون له تَبِعاتٌ سلبيّة.. وسيكُونُ هذا تحايُلا على أصواتٍ مُعبَّرٍ عنها في صناديقِ الاقتراع، وسلُوكا يؤدّي إلى خلَلٍ في توازُناتِ الدّولة، وفي التّداوُل السّلمي للسّلطة.. وسيكونُ في نفسِ الوقت مُشكِلاً في مجالِ المُراقبةِ الانتخابية، ومسؤوليةً خَرقَتها السّلطةُ التّنفيذية، أمام مُجتمعٍ واعٍ وشديدِ الحسَاسية.. * والحقيقةُ آتية.. ويَتبيّنُ للجميع أن السّلطةَ المَعنيّةَ ليست مُؤهلةً لإجراءِ انتخاباتٍ شفّافةٍ نزيهة.. وقد تنعكسُ هذه الصّورُ على حِراكاتٍ في شوارعِ الاحتجاج.. ولن تَتمكّن الأحزابُ بكُلّ طاقاتِها من إثباتِ أنّ الانتخاباتِ غيرُ مشكوكٍ فيها، وإثباتِ أنها هي أيضا أحزابٌ حقيقية، وإثباتِ أنّ خطاباتِها مُحايِدة.. وأكثرَ من ذلك، لا مجالَ لإثباتِ أنّ هذه أحزابٌ في ريعانِ الشباب، ناضِجة، عاقِلة، بعيدة عن الشّيخُوخةِ والعجزِ التّدبيري، وأنها غيرُ مُصابةٍ بمرَضِ الزّهايمَر: داءِ فُقدانِ الذّاكرة.. وسيَكونُ عيبًا أن تكون الانتخاباتُ القادمةُ بأحزابٍ أكَلَ الدّهرُ عليها وشَرِب، ولا علاقةَ لها بطمُوحاتِ الشباب.. أحزابٌ عاشت مع الرّيع، والاحتِكار، والعُنصُريّة، والرّشوة، وشِراءِ الأصوات... أحزابٌ لا أملَ في ضَبطِ سُلوكِها على طموحاتِ "مغربِ الشباب".. أحزابٌ قد فاتَ وقتُها.. وشاخَت وعَجَزَت وهَرِمَت وانتَهَت.. ولا عَيْبَ "يا نَاس!": يجبُ التفكيرُ بطريقةٍ أخرى.. أما هذه الأحزاب، فهي قديمة.. مُتقادِمة.. إنها "أحزابُ الشّيخُوخة".. * أحزابُ "سِنّ اليَأس"! [email protected]