- أحزابنا لا تحكم.. وإذن، ماذا هي فاعلة في الحكومة؟ لماذا لا تستقيل؟ كيف تسمح لنفسها بأن تكون مجرد تأثيث؟ وأن يكون الحكم لأشباح، في الخفاء؟ أحزاب من مختلف الألوان، لا تدافع حتى عن نفسها، وكيف تستطيع أن تدافع عن الوطن والمواطنين؟ إن الدولة نفسها اعتقدت أن هذه الأحزاب، هي ستبلغ خطاباتها إلى المواطنين.. لقد أخطأت الدولة، بمجرد أن أساءت اختيار أحزاب هزيلة ضعيفة منحلة.. لقد صنعها المخزن، ونفخ فيها، لكي تقف وسيطا فعالا بين الدولة والشعب.. لكنها أحزاب أكل الدهر عليهة وشرب.. أحزاب خارج الوقت.. وخارج الأحداث.. وخارج الوطنية والإنسانية والضمير.. وهي محرومة من الذكاء السياسي السليم.. مختلة على كل المقاييس.. تظهر في مناسبات.. ورسميات.. لكي تبتسم، وتمدح، أمام تلفزة لاشعبية! ولا رأي لهذه الأحزاب أمام المخزن.. هي مجرد آلة طبالة غياطة مداحة.. وهذه وسيلتها الوحيدة لمحاولة إقناعنا نحن أبناء الشعب أن "العام زين".. وإقناعنا، وببلادة، أن حراكنا الاجتماعي يتكون من "خونة وانفصاليين"، ومن تمويل خارجي، إلى غير ذلك من السورياليات... بهذا التحليل الانحرافي تفكر وتستنتج.. هي أصلا لا ترانا إلا أشخاصا من آخر درجة.. وهي في الحقيقة لا تعرفنا.. ولا تستطيع أن تعرفنا.. لأنها هي، وبالسوء المغروس في كيانها، لا تدرك أن من تقصدهم هم أبناء الشعب: وطنيون أحرار وسلميون، وشامخون في مسيرات المطالب المشروعة.. إلا أن هذه العقلية "النخبوية" لا ترى في مغربيتنا إلا بطاقة التعريف.. البطاقة وحدها.. وما عداها، لا وجود لنا، ولا حقوق لنا، ولا نصلح في رأيها إلا للتصفيق والتصويت.. - أحزاب من الصم البكم الذين لا يعقلون.. عنصرية.. متشبعة بالحقد والكراهية والانتهازية.. والمخزن قد اختار هذه الرداءة بالذات، لكي يحتقرنا بها، ويجعلها هي تقرر مصيرنا، رغم أنفنا.. وهذه "النخبة" تتجنب ذكر حقوقنا، ومطالب حراكنا الاجتماعي الذي تتسابق هي، في إدانته واتهامه بأبشع النعوت.. هذه هي أحزاب "العام زين": مع الرسميات، وضد الشعبيات.. ازدواجية معروفة في مسارها "النضالي"! - هي ضد الشعب.. ومع السلطة! وفي كل الأحوال، هي أحزاب السلطة.. متمخزنة، أكثر من المخزن! وكثيرا ما تسانده، جهرا وعلانية، حتى في ملفات هي أصلا تجهلها.. تدافع عن ملفات لا تعرف مضمونها.. وهذا عين العبث! وبوضوح، تخلت عن الأدوار المنوطة بها، وعلى رأسها تأطير المواطنين، لتهيئتهم للمشاركة في الانتخابات، لبناء ديمقراطية حقيقية.. وهل هي تساهم فعلا في بناء الديمقراطية؟ أم في اللاديمقراطية؟ وهل تقنع المواطنين بالمشاركة الانتخابية؟ أم هي تحفز الناخبين على العزوف، بسبب سلوكاتها اللاشعبية؟ وهل تقوم بدور الوساطة بين الشعب والسلطة، لحل المشاكل المطروحة؟ هل هي تساهم في حل المشاكل؟ أم في خلق مشاكل؟ وهل هي تقنع السلطة بتجنب الأخطاء؟ وأن تتسم بحسن التعامل مع المواطنين؟ وبعدالة اجتماعية؟ وغير هذه؟ هل عندنا حزب طبق وعوده الانتخابية؟ وهل لأحزابنا أصلا برامج واضحة، قابلة للتنفيذ؟ هل عندنا أحزاب تساهم في تشكيل رأي عام وطني؟ يدافع عن مصالح كل الوطن؟ أم هي أحزاب عائلية لا تشكل سوى منحازين للحزب أو القبيلة؟ وكأنها منحازة لفريق كرة القدم؟ وهل هي تقترح قوانين، في خدمة الصالح العام؟ أم فقط قوانين ظرفية، ويجب إصلاحها أو تغييرها بعد مدة من الزمن؟ ألم تحولنا الأحزاب المتلونة إلى مختبر لتجارب قانونية؟ وهل قامت بدور المعارضة للحكم، في حالة إقدام هذا الأخير على ما يسىء لمصالح المجتمع؟ أو مصالح البلاد؟ هل هي أحزاب في خدمة الشعب؟ أم كراكيز وعملاء في خدمة النظام؟ هي في الواقع ليست لا معارضة، ولا موالية، وليست ألوانها إلا شكليات.. في العمق تتكون من انتفاعيين يسميهم الشارع: "خدام الدولة".. - أحزابنا ليست أحزابا بالمفهوم الديمقراطي العالمي.. فاسدة ذات منهجية فاسدة.. تكرس التطبيع مع الفساد.. والفساد إفراغ لصناديق التقاعد والتعليم والصحة.. وإحكام قبضة اليد على بنايات المحاكم.. وتحريض المحافظة العقارية لتحويل مسارات الأراضي.. وتضاف إلى هذه، سلوكات فيروسية منها رشاوى ومخدرات ونهب لثروات البلد، وتفقير مسترسل لبنات وأبناء البلد.. أحزاب فاسدة حتى النخاع، تتحكم في دواليب الدولة.. كان عليها أن تنتصر على نفسها، فتتخلص من أنانيتها المفرطة المريضة، وتتعقل وتلتزم تجاه الوطن والمواطنين، بدل الاستئساد على مطالب الشعب، وعلى مؤسسات الدولة.. الدولة ليست ملك أي حزب، رغم أن الأحزاب قد تمكنت من التوغل في مختلف المؤسسات، وأصبحت توجهها، وتؤثر في مسؤولياتها.. المؤسسات ليست مؤسسات الأحزاب، رغم أن الأحزاب جزء من الدولة.. وما كان عليها أن تحقن هذه المؤسسات بفسادها الحزبي، وعنصريتها تجاه مكونات مجتمعنا.. كلها سربت إلى مؤسسات الدولة عناصرها الذين أصبحوا متمركزين في كبريات المناصب.. وأصبحت الأحزاب بإيديولوجياتها تتحكم في مؤسسات الدولة.. ونقلت انحرافاتها إلى هذه المؤسسات، وساهمت في حرمان بلدنا من الدور الدستوري الذي من المفروض أن تلعبه الأحزاب في تأطير المواطنين، وفي نقاشات ديمقراطية من شأنها أن تجعل هذه المؤسسات في خدمة قضايا الشعب، لا في خدمة مصالح فئة من المنتفعين من مغرب ما بعد الاستقلال.. الأحزاب مسؤولة إلى حد ما في دفع مؤسسات الدولة إلى الانحياز ضد الشعب، ومن ثمة الابتعاد عن هموم الشعب.. وهذا ما كرس وجود هذه الأحزاب في واد، وهموم الشعب في واد آخر.. والأحزاب قد حولت الانتخابات إلى كراس خاصة بها في مواقع القرار، ومن ثمة كرست التحكم الحزبي والهيمنة "السياسية والاقتصادية" مع متواطئيها.. هذه الأحزاب لم تنتصر على أنانيتها المريضة، فأساءت للشعب، كما أساءت للدولة.. وبعد أكثر من 60 عاما من "الاستقلال"، قادت الأحزاب هذا الاستقلال، مع بقية مكونات الدولة، في اتجاه تقسيم كعكة الثروة الوطنية، بينها وبين المتواطئين معها، سياسيا واقتصاديا... ورغم أن بعض الأحزاب تعرضت لتقليم أظافرها من قبل النظام، فإنها واصلت الابتعاد عن هموم الشعب، والاقتصار على تحويل الدفاع عن الحقوق الاجتماعية فقط بشعارات.. وأصبح النضال في صفوفها نضالا بالشعارات.. وفي نفس الوقت، واصلت تهميش ومحاربة كل الكفاءات النشيطة التي شكلت في هذه الأحزاب استثناءا ونشازا، لأنها تقول ما يجب أن يقال.. أصوات نزيهة جادة تريد خيرا للبلاد.. وتطمح لبناء مؤسسات الدولة، على أساس خدمة الوطن والمواطن، بعيدا عن الزبونية والمحسوبية.. لكن الأحزاب لا تريد، هي ومن معها، أن يكون القانون فوق الجميع.. إن الأحزاب قد تواطأت مع من لا يريدون أي اصطفاف مع هموم الشعب.. والآن، وقد بلغ السيل الزبى، نكتشف أن هذه الأحزاب، بهذه العقلية، أصبحت تتحكم بطريقة أو أخرى، في مفاصيل الدولة.. وأصبحت سرطانا في شرايين مؤسسات الدولة.. واليوم، نشهد أكبر انهزام للدولة أمام هذه الأحزاب! والأحزاب بغبائها لا تعلم أنها قد انتصرت على كل الدولة، بما لهذه من "طابور مؤسسات"، وجيش من الموظفين، بما فيهم من تم إلحاقهم من أقسامهم التعليمية، ومن إداراتهم، ومن نقاباتهم وغيرها، بالتفرغ الحزبي، مقابل استمرار رواتب وامتيازات وفوائد ريعية.. هؤلاء يأكلون ويشربون ويتضاحكون على البلاد والعباد، ولا يحاسبهم أحد.. وجلهم أقاموا لأنفسهم علاقات، ووطدوا هذه العلاقات، وجعلوها قوية مع الرباط، ومع النافذين في الجهات.. وفيهم من وصلوا إلى قيادة الجماعات المحلية، وإلى البرلمان، وحتى إلى الحكومة.. وصاروا هم أيضا من الوجهاء والأعيان والأثرياء.. تجدهم في اليسار وفي اليمين وفي الوسط، وهم يتأرجحون بين كل المواقع والموازين.. يتراقصون كيفما اتفق.. يخدمون أنفسهم، كلما ناداهم "المخزن العتيد".. قرابة 40 حزبا بلا قاعدة شعبية.. ولا برنامج.. ولا أفق.. "مناضلوه" ينفخون في بعضهم.. ويعلمون بعضهم أساليب "الاستخبارات"، والنميمة، والانتهازية.. المهم هو أن يضمنوا لأنفسهم وذويهم مواقع القرار، في الجهات وفي الرباط.. هذه الأحزاب، بهذا الغباء، تمكنت من ابتزاز الدولة، ومن الإيقاع بها في أول امتحان عسير، تحت غطاء "الحراك الاجتماعي".. حراك لم تلعب فيه هذه الأحزاب الغبية أي دور إيجابي، ولكنها بحنكتها الالتفافية الألعبانية تمكنت من إيهام مؤسسات الدولة أن لها هي فكرا عنيدا لا تستطيع أن تقف في طريقه جماهير الحراك الوطني، ولا كل "طنطنات" الريف.. هكذا توهمت الأحزاب.. واعتقدت مؤسسات الدولة أنها تستطيع أن تعتمد على "عقلاء" الأحزاب، فإذا بهذه الأحزاب توقع كل الدولة في صدمة أمام المجتمع.. وتبين أن الأحزاب المتمخزنة فارغة.. ولا يمكن الاعتماد عليها.. وفي أول امتحان بمدينة "الحسيمة"، انتصرت لعبة الأحزاب على الدولة، في التحايل والتضليل! وحتى عملاؤها داخل هذه الأحزاب، لم يقدموا للدولة إلا ما الدولة تريد أن تسمع.. وما زالت الأحزاب تجالس كبار الولايات والعمالات والقيادات، وتسمع منهم معلوماتهم الاستخباراتية، ثم تعيد إلى الدولة نفس المعلومات.. وهكذا تعيد الأحزاب إلى الدولة نفس منتوجها، بما فيه أوهام الدولة وأحلامها.. وفي جلسات الضحك والحلويات والشاي، ومشروبات أخرى، تتلقف الدولة ما تريد أن تسمع، لا ما هو واقع على الأرض.. وفي أوقات الحراك، وبعد فوات الأوان، تكتشف الدولة أن الواقع شيء، والمعلومات الحزبية شيء آخر.. وحتى خبراء "استراتيجيون" تبعث بهم الأحزاب إلى تلفزات، يستبقون الأحداث، ويقدمون استنتاجات لأحداث لم تقع بعد.. أحزاب أتقنت على امتداد أكثر من 60 عاما، كيف تكذب على الدولة، وفي نفس الوقت تكذب على الشعب.. أحزاب بوجهين: وجه مع الدولة.. آخر مع الشعب.. نفس الوجهين لدى النقابات الموالية لهذه الأحزاب: تكذب هنا، وتكذب هناك.. وبغبائها، تحسب أن الدولة لن تستفيق من سباتها العميق.. بيد أن الدولة استيقظت، وفي حالة إكراه.. استيقظت الدولة وهي في مواجهة حراك شعبي كبير.. الدولة والحراك لم تعد بينهما أحزاب، ولا نقابات، ولا حتى حكومة.. أصبحت الدولة وحدها في مواجهة مباشرة مع أبناء الشعب.. أصبحت وجها لوجه مع شباب يصرخون.. يطالبون بحقوق اجتماعية مشروعة، في مسيرات سلمية.. شباب يذكرون بعضهم، وهم في الشوارع: سلمية! سلمية! والدولة لم تألف هذا النوع المكشوف من المواجهة.. واقترفت الدولة أخطاء جسيمة في مواجهة الشوارع.. أخطاء قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية، وبالتالي قد تصل إلى محكمة الجنايات الدولية.. لم يسبق للدولة أن وقعت في فخ حزبي من هذا العمق.. كأنه خندق قد حفرته الأحزاب للدولة.. لقد ألفت الدولة من الأحزاب ابتسامات، وتنكيتات، وتلهفا إلى "إكراميات"، وهبات، وتعطشا إلى مزيد الريع، فإذا بها اليوم، تكتشف أن الأحزاب لا تقف على أساس.. وأكثر من ذلك هي نفسها حاجز بين الشوارع والدولة.. وها هي الدولة تتأكد أن هذه الأحزاب لا ثقة فيها.. ومهما أعطتها، فالأحزاب تطعن الدولة من الخلف.. وهكذا كانت.. وهكذا هي.. وهكذا سوف تكون.. كلام معسول، وفي نفس الوقت، كذب في كذب في كذب! والدولة اعتادت أن تسترق السمع إلى هذا النمط الكذاب، المسمى "أحزابا سياسية"! لم يسبق لدولتنا أن تنبهت لهذا الأخطبوط، رغم أنه صنيعها الذي يشكل عليها خطرا في خطر في خطر.. الأخطبوط الحزبي في بلادنا يتكون من أحزاب متنوعة الأشكال والأنواع، وفي عمقها هي مستنسخة من بعضها، ذات جذع مشترك واحد، وتتفق جميعها في سلوك مناوىء لمصالح الشعب.. وكلها لا تفكر إلا في مصالحها.. وتتخذ موقعا واحدا بعيدا عن مصالح الشعب.. لا تعرف حتى تقنية اسمها "القرب من المواطنين".. وهي لا تعرف المواطنين إلا في "موسم الانتخابات".. وما عداه، لا تفكر إلا في استنزاف الشأن المحلي، لحساباتها الذاتية.. وهذه من الأسباب التي تجعلها بعيدة عن المواطنين، وعن همومهم، وعن كل ما هو مصلحة عامة.. وكان على الدولة أن تتنبه إلى كونها تضع كل بيضها في سلة حزبية واحدة، تدار بعقلية فاسدة هدفها الاغتناء على حساب أموال الشعب.. إن الدولة اليوم في موقف يشبه من يأكل الشوك الذي قدمه إليه غيره.. فالأحزاب أعدت للدولة وليمة من الشوك، والدولة تمضغ هذا الشوك، لدرجة أنها لا تجرؤ حتى على محاسبة طباخي الشوك! وإلى الآن، ما زال متاحا أن يعاد النظر في علاقات الدولة مع أحزاب مختلة، أخلاقا وسلوكا.. ولا خيار إلا هذا إذا تيسرت إرادة لإنشاء دولة مؤسسات نزيهة سليمة.. يجب بناء أحزاب جديدة، لكي تتحرر الدولة من فيروسات مضرة بسلامة الدولة، وسلامة الشعب.. وبدون أحزاب نظيفة، لا يمكن إقامة علاقة بناءة بين الدولة والمواطن.. يجب التخلص من أحزاب مريضة، مضرة بنفسها وبغيرها.. - وفي الختام، على الدولة أن تعلم أن الأحزاب التي هي وظفتها، وفبركتها، ومخزنتها، قد انتهت صلاحياتها.. ماتت الأحزاب موتة لا رجعة فيها.. وكل اعتماد على القبور، هو خيال لا يجدي.. فعلى الدولة أن تعيد النظر في تعاملاتها الاجتماعية، لكي تساهم في إصلاح ما يمكن إصلاحه، وإنتاج أحزاب جديدة صالحة للوقت الراهن، وصالحة للمساهمة مع المجتمع، وتحت ظلال الدولة، في بناء مستقبل متعايش فعال.. وعلى الدولة أن تعيد النظر في سياستها الاجتماعية، وتدرك أن مفهوم الأمن لا يعني فقط أمن كبار المسؤولين، بل يعني كل الشعب، بدون استثناء.. وكذلك الصحة والتعليم والقضاء وتوزيع الثروات الوطنية... وأن الحقوق والواجبات مرتبطة بالجميع.. ولا اسثناء في بلدنا.. فالقانون يجب أن يكون فوق الجميع.. بدون استثناء! [email protected]