الدّيمُقراطيةُ أمامَ امتِحان.. وعلى العُمُوم، هي بينَ أخذٍ ورَدّ.. إنها تتَمَحوَرُ حولَ التّداوُلِ السّلمِيّ للسُّلطة، وسيادةِ القانُون، ومَبدَأ حُكمِ الأكثَرية.. وهي بيئةٌ مُناسِبةٌ لحِمايةِ حُقوقِ الإنسان... وتَعنِي تعدُّديةً سياسيّة، واقتصاديّة، ودينيّة، وثقافيّة... مَع الأخذِ بعَين الاعتِبار أنّ ثقافةَ الأقليّة لا تتَعارضُ مع قانُون الدولةِ ونِظامِها... هذه صُورةٌ عامّة للدّيمُقراطيةِ المَنشُودةِ في بِلادِنا.. ■ الحَذَرُ مِن الغَوغائية! تقُودُ إلى "أسواقٍ" انتِخابيّة... ولها أوصافٌ أخرى منها: اللغَطُ والضّوضاءُ وغيرُها... وهذا نٌوعُ مِن السّلُوك الذي يُفسِدُ مَسارَنا الدّيمُقراطي، ولا تَخلُو مِنهُ أكثرُ انتِخاباتِنا وأحزابِنا وتَرشِيحَاتِنا، وبِها تَعُجّ غوغائيةٌ قلّما تُفرّقُ بين مُتكلّمٍ وسامِع، في أكثرِ مَجالسِنا النّيابيّة المَحلّية، وفي البرلمانِ بغُرفتَيْه.. ومِن انتِخاباتٍ صِيّاحِيّةٍ لَغطِيّةٍ ضَوضائيّة، برَزَت غَوغائيّةُ اختِلاطاتِ الحابلِ بالنّابِل، والعاقِلِ بالسّافِل، والسّمسارِ بِمَنْ يُتاجِرُ في ذاتِه.. ▪︎ومِن غَوغائيةِ الانتِخابات شاعَت الفَوضَى، وتَحوّلَت انتخاباتُنا إلى أسواقٍ للنّخاسةِ البَشَريّة.. ومَلأت الغَوْغاءُ ضمائرَ الأصوات، واكتَسَحَت المُتاجَرةُ بالناس، وأصبَحت الانتِخاباتُ مُرتبِطةً بالتّملُّقِ والخِداعِ والنّفاق، وتَوغّلَت الغَوغاءُ الحِزبيةُ حتى إلى أغلبيةٍ حُكوميّة، مُنذُ انتِخاباتٍ قديمة.. ▪︎وأفسَدَت أحزابُنا كُلَّ تَجارِبِنا الدّيمُقراطيّة.. ولقد عِشنَا كُلَّ هذه المَراحِلِ الانتِخابيّةِ المُخجِلة التي حَوّلَتْها هذه الأحزابُ، ومَن مَعها منَ السماسِرة، إلى غَوْغاءَ قد باعَت لأغلبيّتِنا الأُمّيةِ واللاّضمِيريةِ وُعودًا انتِخابيّةً كاذِبة، فأسات أيّما إساءةٍ للوطنِ والمُواطِن، ولِمَفهُومِ الوَطنّيّة.. وعلينا جميعًا وَضْعُ نُقطةِ نِهايَة.. النّهايةُ والعَودَةُ إلى السّطر.. وَضعُ حدٍّ للغَوغائيةِ الحِزبيّة.. لقد فاضَت الأسواقُ بالصّيّاح. يجِبُ إنهاءُ الفَسادِ الانتِخابي.. "غَوغَاءُ النُّخَبِ السّياسة" لا مكانَ لهَا في تحمِيساتٍ خاطئةٍ للمَشاعِر، وفي إثاراتٍ إغرائيةٍ للفَقرِ والاحتيّاج.. ▪︎نحنُ اليومَ في مَغرِبٍ آخَر.. وجبَ إنهاءُ العلاقاتِ الحزبيةِ مع الدّيماغوجيّة الحزبية التي طالَما تَحَدّدَ دورُها في تشويهِ الحقائق، وفي رَسمِ مُستَقبَلٍ غيرِ واضِح: إنشاءُ أحزابٍ بعقليةٍ أخرى، تُمارِسُ الديمُقراطيّة في دَواخلِها، وتَفِي بوُعودِها الانتخابية، وِفقًا لدُستُورِ البلَد، عندما تصلُ إلى مَواقعِ المسؤولية.. نُريدُ أحزابَنا، وحكوماتِنا، تحتَ القانُون، لا فوقَ القانون.. ولا استِثناءَ لأولياء البلَد، منَ المُحاسَبة.. وبهذا نُحاربُ الفسادَ، بقُوّةِ القانون.. الحَربُ ضدّ الفساد، لا تَستَثنِي أيَّ حِزب، وأيةَ حُكومة، وأيَّ مَسؤولٍ في أيةِ مُؤسّسةٍ منَ أعمِدَةِ البَلد.. لقد أخَلَّت الأحزابُ بوُعُودِها، وفي نفسِ الوقت، لم تُنَفّذْ التِزاماتِها.. ■ وعام 2017، وفي زمنِ حُكوماتِ حزبِ "العدالةِ والتّنميّة" أصدَرت 6 أحزاب، قِيلَ إنها "أحزابُ الأغلبيّة"، بيانًا مُشتَرَكًا، اتّهَمَت فيه بالخِيانةِ والانفِصال، الحِراكَ الاجتِماعِيَّ المُسالِمِ لِمنطَقةِ الرّيف.. وجاءَت حُكوماتٌ أُخرى، وبأحزابٍ أُخرى، ولم تبحث عن احتِمالِ مُصَالحةٍ مع مُوَاطِنِين تمّ اعتِقالُهُم، وهُم لم يكُونُوا يُطالِبُون، أثناءَ الحِرَاك، إلاّ بحُقُوقٍ اجتِماعيةٍ مُسَالِمة.. ▪︎وما زال هذا المِلفّ يُشَكّلُ حَساسِيّةً في العلاقاتِ الاجتِماعيّة مع مُجمَلِ الأحزاب التي حَكمَت البَلد.. واليوم، أصبحَت هذه الأحزابُ غيرَ مُؤهّلةٍ للبحثِ في قَضايا "حقوقِ الإنسان"، ولم تقُم بأيةِ مبادرةٍ إيجابيةٍ لتَجاوُزِ بقايا "أزمةِ الحِراك"، وقد كان عليها أن تُعالِجَه، ولو بالطريقةِ التي عُولِجَت بها إشكاليةُ "حَركةِ 20 فبراير".. وتَبيّنَ أنها غيرُ مؤهّلة للمُساهمة في حلّ مشاكلِ البلد، مع تجنُّبِ تَوريطِ بلادِنا في ملفّاتٍ كان بالإمكانِ تجاوُزُها بخلقِ أفكارٍ إيجابية لفائدةِ مسارِ البلد.. أحزابُنا عاجزة عن التفكيرِ في رُؤيةٍ إيجابيةٍ لصالحِ العيشِ المُشتَرَك، وتكريسِ التّعايُش بما يَخدُمُ الانسجامَ بين مُؤسّساتِ الدّولة.. ■ المُجتمعاتُ الحيّةُ تُصحّحُ مَسارَها الديمُقراطي.. ولا تتَردّدُ، إن اقتضَى الحال، في مُقاطعةِ الانتخاباتِ إذا تَبيّنَ أنها مُختَلّة، من أجلِ تَقويمِها وتثبِيتِ العلاقاتِ بين الناخبِ والمُرشّحِ والمُنتَخَب.. هذا نوعٌ من الاحتجاج التّصحيحِي، إذا تأكّدَ تزويرُ الانتِخاباتِ أو التّحيُّزُ لهذا المُرشّح أو ذاك، وأنّ المُقاطعةَ تُشكّلُ عِصيانًا مَدنيّا هو في ذاتِه حلٌّ بديلٌ لتصويتٍ فارِغ.. عندَها، يتوجّبُ تركيزُ الثّقة بين مُختلفَ الأطرافِ الديمُقراطية، بَدءًا بالأحزابِ عَبْرَ فرضِ تشريعٍ زَجرِيّ، إذا اقتَضَت الضّرُورة.. وفي هذه الحالة، يتَصدّى القانونُ لأيّ حِزبٍ مُتورّطٍ في إفسادِ الانتخابات.. وكلُّ حزبٍ مُصابٍ بوباءِ الفساد، يَتِمّ حلُّهُ داخليّا، لحمايةِ بقيةِ الأحزابِ منَ الإضرارِ بالمَسار الدّيمقراطي الذي يُعتَبَرُ اختيارًا وطنيّا مَبنِيّا على الدّستور.. ومن خلالِ تقويمِ هَياكلِ الأحزاب، وهذا هو الأساس، يتمُّ الانتِقالُ بالإصلاحِ إلى مجموعةِ الأفرادِ المَعنِيّين مُباشرةً بالانتخابات، وهُم المُرشّحون والناخِبُون والمُنتَخَبُون، لحماية هذه الفئةِ المُتفاعِلة، عبرَ مُعالجتِها بعَمليةِ اقتِلاعِ جُذورِ الفساد.. وهكذا تُعالَجُ الأحزابُ والناسُ المُشارِكون في الانتِخابات، ومعهُم الأطرافُ البَشريةُ المُراقِبةُ والإداريّة، بِنَشرِ التوعيّة الواقيةِ من أيّ فيرُوسٍ انتخابيّ.. وبهذا يُقاسُ مدَى الوَعيِ الانتِخابي الذي يُنتِجُ الوَعيَ السياسي لمُختلِفِ حلقاتِ الرّدعِ الانتِخابي، في حالةِ تَبيُّنِ انتِشارِ الفسادِ في حَلقةٍ من الحلقاتِ الانتِخابية.. وفي هذا السياق، وجبَ عَدمُ تِكرارِ الأخطاءِ في العلاقاتِ بين الأحزابِ ومُناضِليها.. فقد تبيّنَ، في تَجارِبَ سابقة، أنّ التعاطُفَ داخلَ الحزب، أو في الوسطِ النضالي للحزب، قد يغُضُّ مراقبو نفسِ الحزبِ أنظارَهُم ولا يَكشِفُون عن الفَساد داخلَ حِزبِهم، سواءٌ في أوساطِ مُناضِليهِم، أو هَياكلِهم الحِزبية.. وكأنّ حِزبَهُم وحدَهُ نقيٌّ طاهِرٌ من أيّ فساد.. بينَما الصُّراخُ يعلُو إذا كان الفسادُ مُكتَشَفًا في حزبٍ مُنافِسٍ آخر.. وكلُّ حزبٍ لا يُمكنُ الجزمُ أنه لا عيبَ فيه، وهو وحدَهُ فيه الصفَاء، على مُستوى الهياكِلِ والنضالِ البَشري.. وبهذه الطريقة التجميلية، يكُونُ غضُّ الطرف، داخل حزب هذه الفئة، مُضِرًّا بالسلامةِ الديمُقراطية، لأن الفسادَ من خلالِ غَضّ الطرف، يُمَكّنُ الحزبَ المُختلّ من تمريرِ الفساد إلى بقيةِ العَناصرِ الانتخابية.. وفي هذا المناخ، يتَسنّى للفساد بكُلّ أشكاله وأنواعِه، أن يتوغّلُ إلى الانتخابات، وأن تكُون لها نتائجُ سلبيّة، وأن تُؤثّر حزبيّا وسياسيا واقتصاديّا ونضاليا، على العلاقاتِ الحزبية مع النضال المُجتمَعي، وبالتالي مع المنظومة الديمقراطية، لكُلّ البلَد.. وهذا الجوُّ المُجاملاتِي والتّلميعي والمَصلَحِي ينشُرُ اللاثقةَ في انتخاباتِ البلدِ الطَّموح للديمقراطية، ويكونُ هذا سبَبًا فيروسيّا في نشرِ مزيدٍ من الفساد، ومزيدٍ من التساهُل في النضال مع انتخاباتٍ مغشوشة.. ▪︎وهذا ما وقعَ لنا نحنُ بالذات، حيث فقَدنا الثقةَ في الأحزابِ والانتخابات والجماعاتِ المحليةِ وفي البرلمانِ بغُرفتيْه.. ومنَ الصّعبِ استِعادةُ الثّقة المَفقُودة.. والنتيجةُ هي نفسُها كما كانت: إجهاضُ الانتِخابات، وانتِصارُ غَوغائيّةِ الحَملاتِ الانتخابية.. بينما الحالةُ الصّحّيةُ تَقتَضِي "انتِخاباتٍ سليمة"، لا "شِبْهَ انتِخابات".. ودِيمُقراطيةً حَقِيقيّة، لا ضَجِيجًا بدُونِ حياةٍ ديمُقراطية.. ▪︎فإمّا أن نكُونَ ديمُقراطِيّين، أو لاَ نَكُون! [email protected]