على الرغم من أنه لم يُصدر أي عقوبات في حق شركات المحروقات الناشطة في السوق الوطنية، إلا أن تقرير مجلس المنافسة الأخير حمل العديد من النقاط المثير للانتباه، انطلاقا من كونه تحدث بلغة صريحة عن الأرباع المبالغ فيها لتجار الغازوال والبنزين بما في ذلك شركة "أفريقيا" المملوكة لرئيس الحكومة عزيز أخنوش، لدرجة أنه أوصى بفرض ضرائب استثنائية على أرباحهم، لكنه في المقابل صمت على عدة أمور قد يكون استحضارها أساسيا لفهم الصورة بشكل أوضح. وأظهر التقرير الحجم الحقيقي لهوامش الربح التي حققتها الشركات خلال أعوام 2018 و2019 و2020 و2021، وهو، وإن كان تكلم بالمرموز عن أرباحها خلال سنة 2022 المتسمة بارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق، إلا أنه فضح أساسا استغلالها لجائحة كورونا لتحقيق أكبر قدر من المداخيل الصافية في عز انهيار الأسعار على المستوى الدولي، الأمر الذي يطرح علامات استفهام حول الطريقة الملائمة لاسترداد تلك المبالغ المقتطعة من جيوب المغاربة. أين أرقام فترة ما بعد تحرير الأسعار؟ ومن الأمور المثيرة للانتباه أن تقرير مجلس المنافسة لم يتطرق إلى أسماء الشركات حين تحدث عن هوامش الربح خلال أشهر سنة 2022، وهو العام الذي تضخمت فيه الأسعار بشكل كبير على المستوى الدولي نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، وهي أيضا الفترة التي ارتفعت فيها أسعار المحروقات بشكل كبير بالمغرب لدرجة تسببها في ارتفاع أثمنة مختلف المواد الأساسية بشكل غير مسبوق، والتهديد بخلق أزمة اجتماعية حادة، خلال الأشهر الأولى من عمر حكومة أخنوش. لكن إن كان تقرير مجلس رحو قد أشار بالفعل إلى أن الشركات ترمي كرة ارتفاع الأسعار دوليا في نهاية المطاف بين يدي المستهلكين، وإلى كونها استغلت جائحة "كوفيد 19" من أجل جني أرباح طائلة نتيجة أن الانخفاض الكبير في أسعار النفط حينها لم تواكبه انخفاضات مماثلة في محطاب بيع الغازوال والبنزين، فإنها في المقابل، ولسبب غير معروف، لم تبدأ الحيز الزمني لتقريرها من سنة 2016، وهو العام الذي تلا مباشرة قرار تحرير الأسعار الذي اتخذته حكومة عبد الإله بن كيران. وتكسب سَنَتَا 2016 و2017 أهميتهما من كونها مشمولتان بتقرير اللجنة البرلمانية الاستطلاعية حول المحروقات، التي بدأت عملها من أواخر سنة 2015 موعد تحرير أسعار المحروقات، إلى ماي من سنة 2018، وحينها خلصت إلى أن محطات بيع الوقود تجني 96 سنتيما إضافيا أعلى من متوسط الأرباح المعقولة عن كل لتر من الغازوال، و76 سنتيما عن كل لتر من البنزين، ما يعني، حسب رئيس اللجنة البرلماني عبد الله بوانو، أرباحا إضافية بقيمة 17 مليار درهم. هل تُقتطع الضريبة الاستثنائية بأثر رجعي؟ ومن جهة أخرى، فإن مجلس المنافسة كانت لديه الشجاعة الكافية لإعلان الاستغلال الكبير الممارس من طرف شركات المحروقات على جيوب المواطنين، وهو وإن كان قد أكد المؤكد بحديثه عن تحقيقها لهوامش ربح مفرطة حتى في الفترة التي انخفضت فيها أسعار المحروقات في السوق الدولية، فإنه في المقابل قدم حلا عمليا لمواجهة ذلك، حين قدم للحكومة توصية بفرض الضرائب الاستثنائية على أرباح تلك الشركات على أن تُخصص لبرامج الحماية الاجتماعية. ويعني ذلك أن الأموال التي انتُزعت بشكل "جشع" من جيوب المواطنين، ستعود إليهم، وخصوصا للفئات الأقل حظا منهم، لكن ما لم يُوضحه مجلس المنافسة هو الطريقة التي سيتم بها تنزيل هذا المقترح، فحتى تفرض الحكومة ضريبة جديدة، يجب أن يكون هذا الأمر مُتضمنا في قانون المالية الجديد لسنة 2023، وبالتالي فإن الحكومة التي يقودها عزيز أخنوش، مطالبة بفرض ضرائب على شركات المحروقات، بما فيها تلك المملوكة لعزيز أخنوش. بمعنى أكثر وضوحا، فإن مجلس المنافسة يستند في مقترحه إلى الأرباح المحققة خلال الفترة ما بين 2018 و2021، أو على أقصى تقدير الشهور الأولى من سنة 2022، وهي بالفعل الفترة التي حققت فيها الشركات أرباحا طائلة ووصلت فيها أسعار الغازوال والبنزين وطنيا إلى مستويات قياسية، لكن السؤال يتمحور حول ما إذا كانت الحكومة قادرة على فرض الضرائب بأثر رجعي، أي أن تعود إلى أرباح "أفريقيا" و"طوطال" و"فيفو" خلال السنوات الأخيرة لتقتطع منها هذه الضريبة. ألن تكون "لاسامير" مفيدة للمغرب ولأوروبا؟ ومن الأمور التي حسم فيها مجلس المنافسة من خلال تقريره، الأهمية الاستراتيجية للتوفر على بنية تحتية للتكرير، حيث أوصى بصفة استعجالية، بإجراء دراسة اقتصادية وتقنية معمقة من شأنها توفير عناصر إجابة مضبوطة عن طريق إدماج التطورات التي يشهدها نشاط التكرير على الصعيد العالمي، من أجل التوفر على المعطيات الاقتصادية الدقيقة والمُحينة بشأن صناعة التكرير على الصعيد العالمي وإجراء التحكيم الضروري بشأن حفاظ وتطوير محتملين النشاط التكرير بالمغرب. غير أن المجلس لم يحسم في المقابل في مسألة إعادة تشغيل مصفاة "سامير" حين أورد أنه اعتبارا لبنية الأسعار التي جرى تطبيقها حين كانت المصفاة الوحيدة بالبلاد، شركة سامير، تمارس نشاطها وفي غياب معطيات بشأن التكاليف الحقيقية للإنتاج والتكرير الخاصة بهذه الشركة وكذا بأسعار التكلفة وهوامش الربح والمردودية المترتبة عن نشاطها، فإنه يصعب في الظروف الحالية الحسم في فرص الحفاظ وتطوير نشاط التكرير بالمغرب، ومن ثم، يستحيل، من الناحية الاقتصادية، تقييم الانعكاسات الإيجابية المحتملة لهذا النشاط من حيث انخفاض أسعار البيع في مضخة الوقود. وغَيَّب التقرير نُقطة أساسية، ففي الوقت الذي أكد فيه الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس قبل أيام، انفصاما في العلاقة بين أسعار النفط الخام والنفط المكرر، فإن الطلب العالمي حاليا على المواد البترولية المكررة أصبح كبيرا في ظل استمرار الأزمة الروسية الأوكرانية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع طلب الاتحاد الأوروبي، المجاور للمغرب، على هذه الخدمة في ظل تراجع أعداد المصافي الموجودة في محيطه، ما يعني أن المملكة أمام فرصة تاريخية لسد هذا الفراغ. هل فشلت أفريقيا في مفاوضات الشراء؟ ويُظهر مجلس المنافسة أن هوامش الربح التي تُحققها شركة "أفريقيا" أقل من تلك التي تُحققها شركات أخرى، فإذا كانت المؤسسة المملوكة لآل أخنوش قد حصلت على 0,79 درهما كهامش ربح خلال الفترة ما بين بداية 2018 ونهاية 2021، فإن "فيفو إينرجي المغرب" حققت 1,16 درهما في حين نالت "وينكسو" 0,95 درهما، لكن الفارق يبدو كبيرا في حجم الواردات لأن "أفريقيا" تحتكر 21,2 في المائة من المحروقات التي تدخل السوق الوطنية، في حين تأتي "فيفو إينرجي" صاحبة محطات "شل" ثانية ب16,4 في المائة، ثم "طوطال إينرجي" ب15,1 في المائة. لكن هذا الأمر يرتبط في المقابل بسعر النفط المُكرر الذي تشتريه "أفريقيا"، حيث تقدم منطقيا أكبر نسبة مدفوعات بالعملة الصعبة لاقتنائه من السوق الدولية، فشركة "وينكسو" مثلا التي تستحوذ على 6,2 في المائة من واردات السوق الوطنية، تشتري النفط بأقل من أفريقيا ب19 سنتيما، لذلك فإن هامش الربح لدى إفريقيا يبدو أقل، لأنها اقتنت ما يقارب 6 مليارات لتر من البترول المكرر بأكثر من مليار و125 مليون درهم، الأمر الذي يطرح علامات استفهام عديدة حول هذا الفرق. ومكمن الغرابة، هو أن "أفريقيا" هي الفاعل الأول في السوق الوطني، وبالتالي أكبر مشتر للنفط في المملكة، كما أن مالكها هو رئيس حكومة المملكة المغربية رأسا، لكنها توافق على شراء النفط بأسعار أكبر من تلك التي تشتري به شركات أخرى مغربية أو أجنبية مستثمرة بالمغرب، وإن كان هذا لا يلغي حقيقة أنها لا زالت تُحقق أرباحا طائلة، فخلال سنة 2020، أي سنة جائحة كوفيد، كانت هوامش الربح لديها تصل إلى إلى 1,25 درهما عن كل لتر غازوال، و1,04 دراهم عن كل لتر بنزين.