لأربعاء الأسود بمدرسة النجمة البيضاء الدروة. عندما تستباح كرامة الأستاذ، فاعلم أن المجتمع يسير نحو الحضيض و في يوم من الأيام سنكون أمام تدخل قيصري لعلاج الأمراض المتفشية في جميع أركان هذا الجسد المنهك بفعل ثقافة التفاهة، و تربية " حديدان" التي أريدَ لها أن تتصدر المشهد الاعلامي و الثقافي بالمغرب. هذه هي النماذج التي تصبح لها من الصولة و الجولة داخل المؤسسات التربوية تصفع من تشاء، و تستبيح حرمة المؤسسات كما تريد ووقت ما تشاء. في لحظة من السكون و الهدوء، رنّ هاتفي و لم يتوقف عن ذلك، فلما اقتربت منه قلت لعلها دعوة لاحتساء كأس قهوة مع صديقي العزيز. فاذا بالمتصل ، و هو في ذهول كبير، و صوته متحجرجا، أخي الخامس أسرع، أسرع ، قلت ما الذي حصل ؟ ما الخبر؟ فاذا به يسرد علي ما ترون و تشاهدون في هذا الفيديو المصيبة، فعلا إنها مصيبة كالموت، بل هي فعلا كذلك إعلان رسمي على موت المدرسة المغربية، عندما تفقد حرمتها. من المعتدي؟ و من المعتدى عليه؟ دعوني ابدأ بالحديث عن الأستاذ تكريما له، و تقديمها له نظرا لفضله ، و لعظيم تضحياته، إنه الصديق و الزميل " ع.ب" الذي اشتغلت معه سنتين بالثانوية التأهيلية عمر الخيام، جاء إليها بتكليف، فطيلة الفترة التي قضاها معنا لم نعرف عنه سوى التزامه و انضباطه و قيامه بما عليه.و لم نسجل عليه و لا حالة عنف اتجاه تلامذته. الأستاذ " ع.ب" يبلغ من العمر 62 ، و مقبل على التقاعد خلال الموسم القادم ،قضى 32 سنة في التدريس متنقلا من مؤسسة لأخرى و من قرية لأخرى ، و من جبل إلى جبل، و من أكاديمية لزميلاتها من الأكاديميات الجهوية، إلى أن استقر به المقام بمدرسة النجمة البيضاء بالدروة. انتقلنا إلى هناك، حيث مكان الإعتداء رفقة مجموعة من الأساتذة و أعضاء المكتب الإقليمي ، فإذا بنا نتلقى رسالة سريعة بأن الرجل نزيل عند قيادة الدرك، لتسجيل المحضر، توجهنا للتو الى مقرها هناك، ولما تمكنا من التواصل و الجلوس مع الأستاذ وجدناه منهارا قلقا جراء ما تعرض له من صفع، و لعل ما أثر علينا و نحن نصغي للأستاذ المعنف هو ما كان يكرره علينا مرات و مرات " قضيت هذا العمر في التدريس و لم اتعرض لهذا الصفع في حياتي قط كما عشته اليوم". حولنا التخفيف ما أمكن عليه و مواساته، فإذا بنا نلتفت يمنة فإذا بنا نلفي زملائه بالمؤسسة في حالة من الاستياء و الغضب ، بل منهم صرح لنا بلهجة نابعة من قلب يعتصره الألم ، و الأسى لما الت إليه مدرستنا و ما ستعيشه أجيالنا التي زج بها في أثون الجهل عبر إسقاط القدوة من مخيالها، و التبخيس من قيمة المدرس و ما شذرات الدكتور المنجرة في الموضوع عنا ببعيدة. المعتدي؟ هو أب لتلميذة اقتحم المؤسسة، و اسوارها بل ذهب إلى رمي ابنته الصغيرة من أعلى ، و دخل إلى المدرسة "كالثور الأهوج"، لم ينفع معه تصدي من تصدى له من الأطر التربوية الذين حاولوا ثنيه على ما هو مقدم عليه، و لما حاول الأستاذ " ع.ب" تهدئة الوضع و طلب منه الاستماع فإذا به ينهال عليه بسب " الرب و الدين" و يصفعه صفعات جعلت الأستاذ فاقدا للتوازن ليزج بالأستاذ إلى القسم حيث يدرس، و هو ما جعل التلاميذ و التلميذات الذين يدرسون بقسم المستوى الثاني، في حالة من الهلع و الخوف و تعالت اصواتهم بالبكاء و العويل. أحد التلاميذ لم يتوقف عن البكاء كما روي لنا ، و ظل يردد لقد أخذوا أستاذي الى السجن و لن يرجع إلينا. لست أدري هل ادعوا إلى مواساة الأستاذ و مشاركته الألم و اخفف عنه الوقع و هو في آخر مشواره المهني، أم ابكي المؤسسات التعليمية و ارثي الوضعية التي أصبحت تعيشها، أم أضع يدي على قلبي على جيل تحالف الصديق و القريب ، و العدو على الإعتداء على مستقبله من خلال الإعتداء على أساتذته و مؤسساته. إنه يوم أسود ، و لن أنسى رنين هاتفي المحمول ناقلا لي الخبر، خبر يوم الأربعاء الأسود، يوم الإعتداء الشنيع على الصديق " ع.ب". ذ. الخامس غفير.