تقوم رواية (وسارت بهما الايام) للكاتبة المغربية المقيمة في اسبانيا على الاسترسال في السرد حيث إن زمن الحكي استغرق أربع وسبعين ومائتي صفحة من الحجم الطويل. يتمتع السارد برغبة جامحة في الغوص عميقا في تفاصيل الواقع وجزئياته،فلجأ إلى تكثيف لغة السرد بهدف إعادة تشكيله بسخرية لاذعة.ومن هذا المنطلق انخرط بكل عفوية وتلقائية في نقل الأحداث كما وقعت في أزمنة وأمكنة مختلفة ،وقد وفق في هذا الرصد الواقعي إلى حد كبير.وقد اختار أسماء مستوحاة من هذا الواقع لشخوص هذه الرواية التي نسجت علاقات اجتماعية وعاطفية،بل إن الكاتبة فوزية القادري وعلى لسان هذا السارد قد اختارت الفضاء الزمكاني الذي تتحرك فيه الشخوص،أما القضايا التي تعبر عنها فهي وثيقة الصلة بما هو اجتماعي،وسياسي،وثقافي(الزواج، الطلاق، الكتابة،الأحزاب،الحرية،التقاليد،الأعراف، الأمية...)والسارد لا يكتفي بنقل الواقع،بل إنه يقدم نقدا صريحا لمظاهر الزيف المتفشي في الواقع،مازجا بين لغة السرد ولغة الواقع. إن السارد في هذه الرواية سارد عليم،يسلط الأضواء على كل عناصر القصة ،ويحيط بكل جوانبها،وتفاصيلها،وجزئياتها،كما أنه يبحث عن العلل والأسباب،ويشرح ويفسر،ويعلق،ويكسر زمن السرد موظفا تقنيات الاسترجاع والاستباق ،والحوار المنقول على لسان الشخصيات. تملك الكاتبة فوزية القادري لغة أدبية راقية،وتتمتع بجرأة أدبية قل نظيرها مكنتها من إزالة اللبس عن الطابوهات بلغة ساخرة تحيل على الواقع مباشرة بلا لف ولا دوران.ولا غرو، فهي كاتبة متمرسة انفتحت على عوالم سردية وتخييلية باذخة،واستضمرت في روايتها عوالم تخييلية وفنية مكنتها من رسم ملامح الشخوص، والفضاءات ،وإخضاعها لمنطق السرد،ما يحفز القارئ للإنخراط في شؤون المجتمع وشجونه،،لأن كل مقطع سردي سيأسر عقله قبل وجدانه، وهو يتفاعل وعوالم تخييلية تتيح للشخصيات التعبير عن أعماقها والمكبوت في دواخلها. إنها رواية تندرج في الأنماط السردية الحديثة والمعاصرة،وتشترك مع سرود أخرى في البنية القابلة للتحليل،ومن ثمة فإن القارئ سيعمل على تفكيك البنيات الدالة في الرواية وإعادة بنائها مستفيدا من قواعد السرد المشكلة للنسق الضمني للرواية،خاصة على مستوى اختيار اللغة،ونمط الموسوعة،والمعجم والأسلوب،والعلامات السيميائية،التي تساعد على تحيين النص الروائي الذي يعيش على فائض المعنى. إن الكاتبة فوزية القادري تعيدنا إلى بهاء ورونق السرد عودا على بدء،مختزلة أزمنة روائيةتمتد طولا وعرضا عبر ربوع العالم العربي وروايتها،(وسارت بهما الايام)تجربة روائية ماتعة تنفتح على عوالم سردية مغربية،وتتعايش مع أجيال روائية من غير أن تفقد جدتها وطرافتها وطلاوتها الحكائية.وقد اتخذت الكاتبة المقول السردي وسيلة وغاية في الوقت نفسه لتجريب إمكانات سردية تنزاح عن السرود النمطية الضيقة بهدف التنفيس على أجيال واسعة من فئات الشباب لأنها تسائل الوجود وعبثية الحياة. لقد تفتحت قريحة الكاتبة فوزية القادري عن نص روائي محبوك بعناية فائقة،أنعش التربة الروائية في منطقة الريف المغربية الجميلة والبهية.