الصيام جنة، أي وقاية، وقاية من كل الأمراض البدنية والنفسية، بدليل الحديث “صوموا تصحوا”، ودلائل أخرى يضيق المقام،هنا،لإستشهاد بها. إن الصائم، وهو، يغدو إلى عمله بطانا، ويروح خماصا، عكس الطير التي تغدو خماصا وتروح بطانا…؛ فهو يحتسب الجوع والعطش في ميزان حسناته، يحذر كل الحذر على أن يمر كل وقته بسلام، ويتجنب كل ما من شأنه أن يوقعه في المحظور، فهو يلجم لسانه لكي لا يولجه في المهالك، مهالك من قبيل الغيبة والنميمة والرفث والفسوق… فالصيام في حد ذاته تربية روحية وخلقية، كما قال الإمام علي (ض):”صوم النفس عن لذات الدنيا أفضل الصيام”… فمتى التزم الصائم بهذه القواعد، يكون صومه لا محالة صوم مقبول؛ ولكن حينما تختل هذه القواعد ترى الصائمين، يشتمون ذات اليمين، ويسبون ذات الشمال، ويغتابون الغادين والرائحين، في الشوارع، ولا يسلم منهم إلا من رحم الله؛ مثل هؤلاء حسب ما ورد في القرآن والسنة، ليس لهم من الصيام إلا الجوع والعطش. إذن، حسب هذا الترتيب فالصائمون قسمان: قسم صام واحتسب الأمر لله، وقسم ما جنا من صيامهم إلا الجوع والعطش. ليس المقصود، من هذا الشهر الفضيل، هو حرمان الإنسان، المسلم بالأخص، من الأكل والشرب والجم…، ولكن الغاية كل الغاية هو التربية، بكل ما في الكلمة من معنى، هذه التربية، للأسف، نراها استبدلت بعادات دخيلة مستحكمة في المجتمع، حيث سيادة قيم الاستهلاك والبذخ والإسراف؛ فالسوق هو المحك، إن لم يكن في الحقيقة، هو المستحكم في آخر المطاف، فالمسلم كغيره من البشر، يقع تحت سندان (الإشهار/المهزلة) ومطرقة هزالة الراتب، يشتهي كل ما لذ وطاب، حتى يصير أكالا نهاما، ويصدق عليه المثال الهندي القائل:”النهمون يحفرون قبورهم بأسنانهم”… وينساق عبر الخدع والتمويهات، إلى تنويع المأكولات والمشروبات، تأثير الصور، صور الأطعمة، المعروضة على شاشاتنا الصغيرات والكبيرات وقت الإفطار…، تٌبهره(يعني الصائم)، وهو في أمس الحاجة إلى جرعة الحريرة، وحبات تمر حلوة، لتبتل العروق ويذهب الظمأ،… وأمام سلسلة لا تنتهي من المؤثرات الصوتية والضوئية، يعمل الإشهار على جلب العين لأنه يٌتقن فن الغمز، وقصف المخ بعد تخديره بوابل من المنومات، وتحريك الشهوة، عبر تحبيب المنتوج-الوطني- إلى الصائم. فهذه طماطم محكوكة معلبة بدون مواد حافظة، تدعو الصائم إلى المحافظة على صحته باستهلاكها، وهذا مشروب غازي يتفنن في غزو المائدة، ويغزو غزو الفاتحين الأمصار الغليظة و”القولون” هو المستهدف بهذا القصف، وتبدو المعارك الطاحنة في البطن، وينسى الصائم نصيحة ابن سينا القائلة:”احذروا البطنة، فإن أكثر العلل إنما تتولد من فضول الطعام”..، وهذا شاي أخضر صحي أكثر من غيره…، نداءات متكررة، من المنتوج إلى الصائم، والصائم يرشف رشفات من الشاي، شاي لا أخضر ولا أحمر على الإطلاق، شاي بلون مذاق الصائم، وهو يكبه كبا في الكأس ويعبه عبا حتى الثمالة، وبين الإشهار والإشهار، فٌكاهة في حجم التفاهة، فهذه كاميرا مخفية ترصد المخفي، والمخفي حين يظهر يلعن المختفي، والمشاهد تزداد حيرته، بينما هو مستلق على صهوة هزالة الإشهار، إشهار يٌشهر سيفه، وهو، يجوب بالصائم الحقول ومصانع المأكولات والمشروبات…، ولجام تفاهة فٌكاهة الهواة، يٌساق هذا المٌشاهد الى خردة الفرجة والحلقات المفقودة والخالية من الضحك….، وعلى هذا المنوال وعبر إيقاعات:”الإشهار/الانبهار؛الفكاهة/التفاهة”، يؤذن المؤذن لصلاة العشاء، وتتفرق على هذه المشاهد، شمل الأسرة، بعد ما لم شتاتها أنواع مختلفة من الطعام والشراب، وفرقها إربا أنواع الاشهارات؛ للتوجه الأسرة بعد الصلاة، وتسبح؛ بعد أن سبحت الله؛ في فضاء الإذاعات والفضائيات الشرقية والغربية، لتبقى الإذاعات الوطنية، مهجورة، تتمرغ في وحل المنتوج الوطني الذي ذٌبح على مقصلة “دفاتر التحملات”، ورتابة البرامج المقدمة للمشاهد الكريم، الذي يقضي ما تبقى من الوقت، في أحضان فضائيات، لا تمت بصلة لا بالوطن ولا بالدين، وهو يلعن، مع التأفف الزائد، المنتوج الرديء في السر وفي العلن، ويدعو، ودعوة الصائم لا ترد: “اللهم نجنا من هذا الإشهار، وقنا وصرف عنا شر هذه التافهات/الفكاهات، وتقبل منا صيامنا وقيامنا إنك أنت السميع العليم…..”.