عرفت المنظومة التعليمية المغربية منذ الاستقلال عدة مشاكل جمة إلى درجة استعصى على المسؤولين المتعاقبين حلها، فرغم الإصلاحات المتكررة و المخططات والإستراتيجيات التي صرفت عليها الملايير ، لا زال حال التعليم كما هو في انحدار وتدني؛ بداية من المخطط الخماسي للتربية والتعليم مرورا بالمخطط الثلاثي بفرنسة التعليم وجعل المواد العلمية تلقى باللغة الفرنسية نزولا إلى الميثاق الوطني للتربية 2012/2009 والذي كلف الدولة ملايير الدراهم دون تحقيق أية نتائج إيجابية. وبعد مرور 3 سنوات جاءت الدولة والقطاع الوصي بمخطط جديد ألا و هو الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم 2015/2030 لتقويم ما يمكن تقويمه، والنتيجة هو مستوى علمي ضعيف للتلاميذ من المستوى الأول إلى الباكالوريا، وذلك بشهادة الأسر المغربية. والمؤكد أن قطاع التعليم لا يمكن تطويره على المدى الآني أو المتوسط، حيث يعاني داخليا من هشاشة نظامه الداخلي والقانوني المؤطر لموارده البشرية من أساتذة وأطر إدارية وتقنية، بالإضافة إلى ضعف الاستراتيجية البيداغوجية والتكوين المستمر. ولعل الثقة الملكية في تثبيت شكيب بنموسى "وزيرا للتعليم" في حكومة أخنوش والذي شغل رئيسا للجنة النموذج التنموي، لم تكن اختيارا لإرضاء الرجل أو لمنحه "هدية الاستوزار"، بل كان اقتراحا واختيارا مناسبا لتكليف الرجل بمهمة الإجابة عن مشاكل التعليم والمرور إلى الإصلاح الجذري، واقتلاع الأورام التي تسبب في مرض المنظومة التعليمية منذ عقود. ولعل مضمون القرار الأخير للوزير شكيب بنموسى والقاضي بتسقيف سن اجتياز مباراة التعليم في 30 سنة لأطر الأكاديميات، هي إحدى الإجابات العميقة ومدخل حقيقي لإصلاح جذري للمنظومة التعليمية مبنية على أساس الجودة والتكوين والكفاءة التي يجب أن تتوفر في أستاذ الغد. فوفق معطيات متوفرة، فالوزير بنموسى سيعلن قريبا عن تصور شمولي للأنظمة الأساسية التي سيتم المصادقة عليها داخل المجالس التدوالية للأكاديميات، حيث سيتحول تحديد السن وإعادة النظر في التعويض خلال مدة التكوين وشروط الانتقاء بناء على التخصص والميزة كلها إجراءات ستتحول إلى قواعد قانونية بعد المصادقة عليها من طرف الأكاديميات. ورغم أن القرار صعب ففي جوهره هو خطوة أولى لإصلاح قطاع معقد، فحسب الوزير بنموسى في إحدى تصريحاته الصحفية، أن "الحكومة إلتزمت بالاستجابة لانتظارات المواطنين والمواطناتبالحاجة لمدرسة تمتلك للجودة، تسمح بتخريج مواطنين فاعلين في تنمية البلاد، وأن هذا الالتزام نابع من مخرجات النموذج التنموي. ومن هنا يتطلب الأمر إصلاحا يشمل ظروف الاستقبال، وأجواء التمدرس، والأساليب البيداغوجية المعتمدة، وانفتاح المؤسسة على محيطها؛ وتقع هيئة التدريس في صلب هذه المنظومة، لذا يعتقد بنموسى أنها تحتاج إلى أن "نوليها الأهمية اللازمة، والتقدير المطلوب، والمواكبة الدائمة، والتكوين المستمر، والمساعدة على أداء واجبها على أحسن وجه". ويرى بنموسى أنه "لكي تستعيد مهنة التدريس جاذبيتها، لا يمكننا أن نحرق المراحل، ونقفز على الأساسي فيها، بل لا بد أن يكون رجال ونساء التعليم حجر الزاوية في الإصلاح، منتقين من أحسن الطلبة". وهذا مايمكن أن يفسر إصرار الرجل على القرار رغم الاحتجاجات والبلاغات المعارضة له فإما اتخاذ خطوات مؤلمة من أجل إصلاح جذري يمكننا من تدريس أطفال المغرب بجودة مشرفة وكفاءة علمية وأكاديمية محينة تفرز أجيالا من المتمدرسين قادرين على المساهمة في تنمية البلاد. ولعل تصريحات الكاتب العام للوزارة كانت شافية في الإجابة عن عمق اتخاذ القرار، حين أكد أن من يجتاز مباراة التوظيف في التعليم وسنه 45 سنة كيف يمكنه أن يدرس التلاميذ وهو في الأصل ابتعد لأزيد من 20 سنة عن الدراسة بعد حصوله على الباكالوريا أو الإجازة. وأن الهم الاساسي ليس التشغيل بل الجودة في التعليم التي أساسها اختيار الكفاءة لإنتاج الجودة. إن اليوم المغاربة في مفترق الطرق إما الدخول في دوامة الإصلاح من أجل الإصلاح ولاشئ يصلح، ويواكب هذه العملية هدر المال العام كما أثبتت التجارب السابقة والانسياق وراء المطلب الدستوري الحق في التشغيل من أجل التشغيل فقط، أو اختيار الإصلاح الحقيقي المؤلم (جودة التعليم)، الذي سيكون له نتائج إيجابية على الأجيال القادمة من أبناء المغاربة.