(من بني أنصار إلى فرخانة أو من قصبة بني أنصار أو رتابة إلى قصبة فرخانة أو جنادة) بقلم: ذ.محمادي راسي- بني أنصار في هذا الفضاء الواسع الشاسع المتنوع تضاريس من وهاد ونجاد ووديان وتلال، والجميل طبيعة من اخضيضاب الأشجار، ورضام رقط ودكن وصحم ويرامع وأخرى غرابيب، ومن أدغال ومداغل، نباتات وأزهار من كل صنف، عيون وعرصات وضيعات وغدران وغيطان محاطة بأحجار، مسيجة بالصبار، محدودة بأشجار ومحفوظة بأسلاك مشوكة، الصحي مناخا بين جبلي بارد، وبحري لطيف معتدل، المؤتلف سكانه لغة وعادات وتقاليد ومصاهرة وعائلات وأسرا وجهادا، المعقد تاريخا مليئا باختلاف الروايات وكثرة الألغاز التي تحجب الحقائق التاريخية… بفضل دماء الشهداء والمجاهدين التي سالت على هذه الأرض الطيبة لدحر الاستعمار الغاشم، نستطيع أن نمشي فوقها، ونسكن ونستقر ونطمئن، بعد أن كان أجدادنا لا يعرفون الاستقرار والعيش الرغيد، من ويلات المعمرين منذ الفنيقيين والقرطاجنيين والرومان والوندال وغيرهم… في طريقي إلى فرخانة المنسية المهمشة والتي تبعد عن بني أنصار بسبعة كيلومترات، على يميني مقلع باريو تشينو وعلى يساري مقلع أولاد سالم، وفي العقبة حيث مقهى البالكون “الشرفة”. التعب أفضى بي إلى الجلوس في شرفة المقهى لأستريح وأسترجع أنفاسي، لأن الرحلة طويلة والطريق وعث كثير المنعرجات، يبدو كحرف دبليو دبليوW يشبه طريق الحسيمة القديم وخصوصا “ماسيطا” أو طريقا من طرقات الأطلس الوعرة مسالكها، محركات السيارات وخصوصا الشاحنات والحافلات تئز وتئن بسبب الحمل الثقيل من سلع ومسافرين، ومن منعرجات وهبوط وصعود. جلست في هذا المقهى الوديع ومن إفريزه أو طنفه، أحسست كأنني في طائرة واقفة في السماء، أوفي محطة فضائية، أنظر إلى الجلس من الأرض والصخور والتلال والجبال، كأنني حشرة صغيرة أمام هذه الطبيعة العظيمة وخصوصا كوركو بشموخه وصموده في وجه الاستعمار، وشعفته التي تلامس الغيوم، وفي حضيضه وسفوحه منازل وأحياء وحركة سيارات وأناس ودواب وبهائم، والبحر الأبيض يبدو عاليا وكأنه ملتصق بالسماء، بينما البحيرة تبدو هادئة رقراقة مياهها، تحضنها الرمال العسجدية والصدف اللجينية، حسرت العين من طول النظر إلى أن اسمدرت وقدعت ثم حرجت فيما ترمقه وحدجت لما تراه… نسيت سوملة قهوة أتى بها النادل، شرعت أرشفها فنبهتني من نعاس يأتي به نسيم البحر والجبل، ونشطت عقلي وشعوري، قادني ما يدور في خلدي إلى التفكير والتذكر والتخيل وأنا أنظر إلى المشاهد التي تجمع بين الحجر والمدر والجبل والبحر، وفوق روسادير مليلة المحتلة تنظر إلى جذورها وتريد معانقة تربتها التي هي من صلبها، منذ آلاف السينين، لأنها تشعر بالعزلة والغربة، حتى الأسلاك الشائكة الوهمية المحاطة بها تبدو كخيوط العنكبوت الوانية الواهنة أمام هذه الأوهية الضخمة، وقد لا ترى أحيانا، ولا أرى أي فاصل طبيعي يفصل مليلة عن بني أنصار وفرخانة وما جاورهما. في هذا الفضاء كأنني أمام شاشة كبيرة أرى فيها ملحمة تاريخية مختصرة، منذ هجرة الفنيقيين من لبنان وأخرى من فلسطين إلى مليلة وشرعوا يكونون قواعد ومن بينها روسادير ومجيئ القرطاجنيين والرومان والوندال والبيزنطيين والفتوحات الإسلامية الشرقية والنورمانديين… وأخيرا احتلال الإسبان لمليلة منذ 1497م. هذه المنطقة إلى المزمة كانت مسرحا لحروب دامية ومعارك ضارية من معركة أنوال والعروي وبني انصار وفرخانة، وهجرات ومسيرات نحو مليلة وحصارات عليها… خالية من البناء تشتمل على خيم للمجاهدين المتصدين للاستعمار… لا أدري كيف نسيت ما كنت أفكر فيه، لأنه من الصعب نسيانه نظرا لعظمة وضخامة الأحداث التاريخية… فحرب الريف أسالت الكثير من المداد بأقلام المغاربة والأجانب وكذلك شخصية محمد بن عبد الكريم الخطابي. ومليلة كتب الباحثون عنها كتبا ومسرحيات ونظم الشعراء قصائد فهي دائما في قلوبهم وقلوبنا جميعا وباقي الجيوب المستعمرة. وجريدة تلغراف الريف التي كانت تصدر بمليلة، ذكرتني بمحمد عبد الكريم الخطابي بالإضافة إلى جهاده ومعاركه لأنه كان ينشر فيها مقالاته بالعربية حسب ما أوردته بعض المراجع… في الركن الخاص بالعربية… ومليلة فكنتني بكتاب أستاذنا حسن الفكيكي بعنوان “المقاومة المغربية للوجود الإسباني بمليلة 14971859″ الطبعة الأولى 1997 وله مقالات في مجلة الريف، ودار النيابة، ودعوة الحق وجريدة تويزا وغيرها وله مؤلفات في طريق الإعداد أو أعدت…؟ مليلة الجزر المغربية المحتلة 1859 1912… قصبة فرخانة معلمة بالشمال الشرقي المغربي… وغيرهما من المؤلفات. كانت استراحتي كاستراحة محارب لأنني كنت أتأمل الحروب التي كانت تدور في هذا الفضاء في الزمن الغابر المغمور، وكنت أتدبر كيف كانت هذه الجبال والهضاب منذ نشأة هذا الكون، وحتى البحيرة كما يروي القدماء، كانت بها مطامير تخبأ فيها الحبوب وغيرها… من الأحسن أن أترك هذا الميدان لأهل التاريخ والأنطربولوجيا والجيولوجيا والأركيولوجيا والحفريات… فلا توثيق ولا متحف… استأنفت رحلتي تجاه إياسينن على يميني مقبرة المجاهد سيدي محمد بفتح الميم المجاهد كما تذكره كتب التاريخ المدشر المشهور بعينه ذات المياه العذبة الجارية باستمرار، فلا بد من استغلال المياه الضائعة على مدار يوم كامل، وبحديقته التي يزورها المتنزهون الذين يكسرون الروتين الذي علق بعقولهم وجسومهم، يعتبر همزة وصل بين بني أنصار وفرخانة ، كبوزنيقة بين الرباطوالدارالبيضاء، وفيه أقيم في السنة الماضية المركب السوسيو تربوي، ويجب استغلاله أحسن استغلال لتنمية المواهب الشابة الفذة المتواجدة في هذه المنطقة. وعلى اليسار القرمود هذا المكان ذكرني بنظرات في مشروع كتاب بعنوان “البيان الصقيل بأن أولاد حمو يشو من بني وكيل” لمؤلفه محمد بن محمد المدعو المهاجر المختاري الحمو يشوتي وقد أشار إلى هذا المشروع في مقال في ثماني صفحات بتاريخ: 28/4/1998 قائلا: “أما الكتاب في كلمات فإنه سيحمل في طياته: خريطة بالموقع الجغرافي للقرمود مع الإشارة إلى الأماكن التي استقر أو يستقر فيها أولاد حمو يشو في منطقة قلعية …”، وقد حرت كثيرا بسبب الروايات المتضاربة حول الأسر التي نزلت بهذه الناحية ولا نعرف نسبها وأصلها ولا من أين جاءت؟ فالمراجع قليلة والتوثيق منعدم تقريبا، فالكل يسارع إلى إبداء الرأي… فهناك من يقول: إن مزوجة تعني أرض العيون والبعض يقول: تعني القبائل الممزوجة… وبني أنصار أث أنصار وأولاد سالم أث سالم… فهذا دور المؤرخين الذين يجب عليهم بيان الحقائق للقارئ والمتعلم… فلا بد من دراسة عميقة. ولابد من التوثيق، ولابد من المكتبة في هذه المدينة بني انصار فرخانة التي ستصبح مدينة كبيرة في المستقبل وعمالة وولاية بحول الله. إننا لا نعرف تاريخ وجغرافية جهتنا، مع أنها مليئة بالأحداث التاريخية منذ حلول الفنيقيين، وغنية بالتضاريس المتنوعة… إننا نبدأ من الأعلى وننسى الأساس، كأمريكا التي تذهب إلى القمر مع أن الحياة مستحيلة فيه، وقد فشلت أخيرا بسبب الأزمة، ولا تفكر في نشر السلام، والقضاء على الجوع والفقر، ففي أرضها العالم الرابع الناتج عن المهمشين المتواجدين بضواحي مدنها…!!! ومررت بثسمغين ذكرتني بالشاعر سلام السمغيني الذي هاجر مع أهله إلى الدارالبيضاء لمتابعة الدراسة بها وهو من مواليد 1950 وله ديوان “ماثوشيذ أكرحريق إينو” ويقيم بالرباط كما تذكره بعض الدراسات. إلى أن وصلت إلى ضريح سيدي ورياش بقبته البيضاء يبدو علما بارزا في هذا الفضاء، وقفت وقفة صمت ترحما على جميع الأرواح الطاهرة الزكية المجاهدة الكائنة في هذه الروضة التي هي من رياض الجنة. دون أن أنسى معركة العري بسيدي ورياش المشهورة” وقعت في 27 و28 أكتوبر 1893م بين الريفيين والإسبان، وقد ذهب ضحيتها الحاكم العسكري لمليلية الجنرال مارغيو في كابريريس ألطا، ثم جاء بعده الجنرال مارتينث كامبوس قائدا أعلى للجيش الإسباني، ثم أمرته حكومة إسبانيا بالسفر إلى السلطان الحسن الأول للتفاوض معه وحل هذا المشكل… وقد طالب كامبوس بإعدام ميمون المختار وعلي الروبيو وهما من متزعمي معركة سيدي ورياش وانتهت المعركة بتوقيع اتفاقية مراكش يوم: 5/3/1894… مجلة الريف العدد الثالث 5 يونيو 1982 المقال بعنوان “معركة سيدي ورياش” الذي لم يذكر صاحبه اسمه أشار إلى بعض المراجع التي اعتمد عليها. انظر صفحة 313233. ثم توجهت إلى فرخانة [المركز] المشهورة بقصبتها أو أجنادة يرجع بناؤها إلى 1679، وبمسجد مولاي إدريس في الوقت الراهن بعد ترميمه، وبدت جميلة بمداشرها وأحيائها وطبيعتها رغم صعوبة الموقع، وقد طالها التهميش فهي تحتاج إلى هيكلة جديدة تتناسب ومواصفات المدينة… ولما وصلت إلى مقهى شعبي تذكرت أغنية كانت تنبعث من أبواق المقهى بقوة، وخصوصا هذا المقطع الذي يكرره المغني في اسطوانته لا أذكر اسمه: “خلا دار أمو الخالية” في آواخر الثمانينات. كما تذكرت جميع الأساتذة الذين اشتغلت معهم بالثانوية، ولكن لم اسمع أغاني الشيخ شعطوف الذي نشأ في فرخانة ويعتبر رائد الشعر الغنائي الريفي وزعيم المدرسة الشعرية الكلاسيكية في الخمسينات فهو شاعر وملحن ومطرب، ولكنه منسي عاش غريبا ومات غريبا لا نعرف شيئا عن حياته إلا قليلا، وجل شعره في الحسرة واللوعة والعفة، وقد هاجر بسبب فشله في حبه الذي كان عذريا لميمونت كجميل بثينة وقيس ليلى ويختلف شيئا ما عن الحب العذري من حيث النهاية “للشيخة خربوشة” و”عيشة البحرية” و “تيسلت”، كانت أغاني الشيخ شعطوف تذاع بالإذاعة الوطنية في الخمسينات، والنساء يتحلقن ويتركن الأشغال للاستماع إلى المذياع في منازل الجارات التي تتوفر عليه في ذلك الوقت، وكان المواج المشهور سيمينس وفيليبس، والفتيات والفتيان كانوا يرددون ويحفظون بعض الأغاني لشعطوف: أميمونت أميمونت مشواف اشدن خوزجيف == ما يوشم ورنم راميث بدر الليف أميمونت أميمونت ميمونت مهليكن == الحالة انتمزي أيشم يسبوهرين نظرت إلى إيحجيوان مدشر جدتي الحنون في معاملتها، ولكن لا أعرف أي أحد من أهلها ولا دارها، ووجهت نظري نحو الهضاب المجاورة لفرخانة فتذكرت الكاتب الراحل المشهور والمعروف على الصعيد العالمي وهو من بني شيكر محمد شكري، وجاء إلى ذهني هذا البيت الشعري: تمرون الديار ولم تعوجوا == كلامكم علي، إذا، حرام (وهو بيت من شواهد النحو فالديار منصوب على نزع الخافض سقط منه حرف الجر). فلا بد من ذكر الجار والاهتمام به لأنه قريب. ثم قفلت راجعا مستقلا حافلة توحي بحافلة “معنان قرنتشا” التي أدت خدمات كثيرة في ميدان النقل في الخمسينات، لقد تعبت من المشي، لأن رحلتي لم تكن على قلوص كما كان يفعل الشعراء الجاهليون من وصف الرحلة ثم الوصول إلى الغرض الرئيسي… من النافذة كنت أشاهد بعض المداشر المتواضعة، هي أحياء بمنازلها الحديثة، محاطة بأشجار شديدة الاخضرار، وعند إيقيشاح تذكرت أخوالي… وجدي الذي ما رأيته قط ولم أنس الملاكم حسين الشتياني، وبنعلي الملاكم القديم، وعند سيدي امحمد المجاهد، أهلي والاستاذ الجامعي الدكتور محمد حلوى… وهذه الرحلة جعلتني أتذكر ما مررت به من أماكن في حاجة إلى الرعاية والاهتمام ومن مآثر تحتاج إلى إلاصلاح والترميم. وتركت ورائي فرخانة المجاهدة وقد توارت بين التلال والهضاب والجبال، ولكن لا تنسى بمجاهديها وأعلامها ومعركتها الشهيرة السالفة الذكر، التي يجب أن نتذكرها بقيام ندوات باستدعاء المؤرخين والباحثين للتعرف عليها أكثر، وقيام نصب تذكاري يؤرخ لتاريخها، ولتذكر الشهداء الذين ماتوا في سبيل الوطن وحريته والعيش الكريم. فرخانة اليوم تريد شبابا واعيا ليخرجها من التهميش والإقصاء، وتصبو إلى مدينة جديدة بنية وتصميما، والطريق الجديد فرصة لقيام مدينة حديثة، لتذليل الصعوبات من حيث المواصلات، وتقريب الأحياء التي ستنشأ بحول الله، وستتصل ببني انصار وكيف لا وأهل فرخانة وبني أنصار لهم موقع متشابه وتجمعهم روابط من تاريخ مشترك ولغة ومصاهرة وآواصر القرابة. كان اهتمامي بفرخانة أكثر، وهذا من باب الاحترام والإيثار وحسن الجوار، لنكران الذاتية، ومحو الأنانية والنرجسية، ونسيت بني انصار مسقط رأسي وعند ثراغت يوعارن أو أخندوق أنوشن والبعض يقول إيفري أو إيجار أنوشن؟؟ وليس إغزار لأن barranco del lobo لا يعني إغزار وإنما الحافة أو المهواة أو الجرف… لقد وقعت المعركة عند الموضع المذكور بقيادة المجاهد الشريف محمد أمزيان في 27 يوليوز1909حيث تم مصرع الجنرال بينتوس الذي جاء للدفاع عن مشروع إنشاء السكة الحديدية لجلب المعادن من ويكسان…. وقد سارع الإسبان إلى نصب تذكار في ذلك المكان حيث سقط بينتو ولكن لم يبق أثره، وتعتبر المعركة حدثا هاما في تاريخ المقاومة الريفية ضد الاستعمار الاسباني. ثم ألقيت نظرة عن مداشر أو أحياء لها تاريخ مجيد في محاربة الاستعمار من أولاد سالم وعيسى والعربي والزهرة وصالح وإقبوزن ووهذانة ورتابة حيث القصبة المجاهدة وسيدي موسى وإغماريين إحبصاتن، القلعة… وهذه المداشر نسبها الأستاذ حسن الفكيكي إلى: “جماعة بني إنصار وهي الفرقة الثانية من خمس مزوجة بمحيط جغرافي واضح، إذ أنه يشمل السفح الشرقي من جبل قلعية يبدو على شكل مثلث رأسه عند قمة متابل والقلعة، بينما يمثل ضلعه الأيمن من أدار أحرذوف، ويكون الضلع الأيسر ظهر أيت وغمارن إلى اتصاله بتل تالوين عند ساحل سبخة بوعارك. “صفحة 153 وما بعدها من كتاب المقاومة المغربية للوجود الإسباني بمليلة. ولم أنس غاسي بالقرب من البحيرة وأسفل سيدي موسى الذي كان مصنعا للغازات السامة التي استعملتها إسبانيا لضرب المجاهدين، واليوم تدعي التقدم والديمقراطية وما زالت في تعنتها وبعقليتها الاستعمارية، عليها أن تقدم الاعتذار، وتنسحب من سبتة ومليلة وباقي الجيوب، لأننا في الألفية الثالثة، في عهد الوعي واليقظة والديمقراطية وحرية الرأي، وحقوق الإنسان: من عيش كريم وحق في العمل ونشر العدل والمساواة، فالناس ولدتهم أمهاتهم أحرارا. كفانا ما ذاقه آباؤنا وأجدادنا منذ الحماية 1912 فقد عاشوا في هذا الفضاء في حروب وكر وفر وشغر وبغر وهجر وجوع أغبر وموت أحمر، علينا أن نتذكر جميع المجاهدين وأن نطلب لهم الرحمة والمغفرة والجنة، لأنهم استشهدوا في سبيل الوطن ومن أجل الحرية والكرامة، فكانوا لا يعرفون الاستقرار والاطمئنان، إلى أن حصلنا على الاستقلال، وبفضلهم تحررنا من كيد الاستعمار وقيوده وحقده وطمعه في خيراتنا، ولكن التاريخ نسيهم بسبب الإهمال وانعدام التوثيق وقلة الدراسات العميقة من طرف الباحثين. إننا نجهل كثيرا تاريخ هذه المنطقة، نذكر الأسماء والأماكن ولكننا لا نعرف شيئا عن أصل تسميتها، ولا عن الأسر والأعلام والمجاهدين، يرجع ذلك إلى اختلاف الروايات التاريخية وانعدام التوثيق والتقييد. فكل واحد يدلي بدلوه، لذا لا بد من إيجاد مؤسسة تهتم بهذا التراث والتاريخ، وتقوم بجمع وتدوين كل ما جد من جديد، وعلى الباحثين والمؤرخين في التاريخ القديم والحديث التحقق من بحوثهم وفك الألغاز التاريخية، لتنوير العقول وتزويد القراء بالمعلومات الصحيحة لنفض الغبار ودحض الالتباس ودحر الشك. لأن هناك حقائق تاريخية تطمس ولا تذكر ولا ندري ما السبب في ذلك؟ فهذا تقصير من المؤرخين الذين يغضون الطرف عنها، فلا بد من الجهر بالحق وهذا يدعو إليه الإسلام، ولابد من تغيير المنكر أيضا بجميع الوسائل الممكنة. رجعت منهمكا من هذه النزهة التي كانت مفيدة من حيث رياضة المشي، وتذكر الآهالي وصلة الرحم، والتمتع بتلك المناظر الخلابة التي تنعش القلب وتسعد العين وتذهب الحزن، ونسيت بني انصار المهمومة التي في أحضانها مواهب في جميع الفنون التي يقبرها البعض لأسباب غير معروفة، ولا تبرز إلى الوجود، لأن الفن لابد أن يظهر إلى العالم الخارجي، وهو في خدمة الوطن والشعوب والإنسانية من حيث التثقيف والترفيه والتطهير، فنقول العلوم الإنسانية.. لا الدقيقة. ففي هذه البلدة شعراء ينظمون بالإمازيغية الريفية كنجيب أياو وعلال قيشوح وعائشة بوسنينة ولحبيب محمودي وغيرهم، وهناك الأستاذ حسن الفهري الذي ينظم بالعربية له قصائد منشورة في جريدة العلم ومجلة المشكاة، بالإضافة إلى ما أذيع بإذاعة وجدة في برنامج حدائق الشعر بإشراف صديقنا في الكتابة والدراسة المرحوم محمد بنعمارة، وسبق للأستاذ أن عرض علي بعض القصائد وقد راقتني فاقترحت عليه أن ينشرها، لأن الفن كما قلت لابد أن يبرز إلى الوجود والواقع، ونرجو له المزيد من الإبداع لأنه يتقن الأوزان الشعرية بالممارسة والدراسة، وكانت رسالته الجامعية حول العروض والأوزان الشعرية. وفي الكتابة والإبداع والترجمة الدكتور إسماعيل العثماني وهو أستاذ جامعي وباحث ومترجم تحريري وفوري الذي يعمل في صمت له “مروية كوركو مروية من بني انصار” و “نبلى قصص بصيرة” وترجم عن الأصل بالإنجليزية كتاب “صدام الأصوليات” لطارق علي إلى العربية وكانت الترجمة تنشر على شكل حلقات: 52 حلقة، في جريدة المساء في السنة الماضية، و”جنوبي طريفة” من الإسبانية إلى العربية و”أسير الحرب ” من الفرنسية إلى الإسبانية و “أسد الريف” من العربية إلى الإسبانية، و”مذكرات حرب الريف”من العربية إلى الإسبانية كما ترجم الدستور المغربي الجديد إلى الإسبانية، وفي دراسة نقدية لإدوار سعيد تحت عنوان: “إدوار سعيد بين النقد الديني والنقد العلماني “:يقول في بداية المقال “أن نختلف مع نقاد كبار أمثال نورثاب وهارولد بلوم وفرانك كير مود لأنهم ألفوا كتبا عن “الكتاب المقدس” أو أعطوا لمشاريعهم النقدية بعدا لاهوتيا فهذا ما فعله إدوار سعيد، أما أن نستغني عن هؤلاء كليا للسبب نفسه فذلك ما لم يفعله سعيد. لماذا؟ لأن كتاباتهم النقدية، رغم خلفياتها الدينية، تقترح على الباحث [المبتدئ مثلي والمتمرس مثل سعيد] أفكارا وفرضيات جادة في ميدان (النقد الأدبي والثقافي) دون أن نقترح تحويل النقد إلى نوع من الممارسة الدينية الصرفة”، وبحث في “الاستشراق الروماني” ودراسة وقراءة لرواية “الطبل الصفيحي” لغونتر غراس الألماني وفي هذه القراءة علق على بعض الأخطاء والعنوان قائلا: كما أننا نقترح انطلاقا من العنوان الأصلي بالألمانية الطبل الصفيحي بديلا عن الطبل الصفيح الذي وضعه حسين الموزاني للترجمة التي بين أيدينا. أما الترجمة العربية الأخرى لنفس الرواية والتي أنجزها الدكتور علي عبد الأمير وصدرت فيها يبدو أخيرا عن وزارة الشؤون الثقافية ببغداد فإننا لا نتوفر على نسخة منها حتى نقول رأينا بشأنها، نعرف فقط أن الترجمة البغدادية تحمل عنوان “طبل من صفيح”، ودراسة للبرتغالي ساراماغو وترجمة مقالات لغواتيسولو في صحيفة المساء، ومقالات في المجلة الجامعية espéculo للنقد والأدب بمدريد، إلى جانب مقالات في جريدة المساء وله مباحث ومقالات حول النقد الأدبي ودراسات ثقافية وترجمية ومورسكية في الصحف والمجلات الوطنية والأجنبية ومشاركات في ندوات وطنية ودولية وقد ساعده على ذلك إتقانه لعدة لغات… ونرجو له المزيد والعمر المديد وكيف لا؟ وهو من مواليد بني انصار وله غيرة على مدينته. كما نريد من المثقفين أن يرفعوا من شأن هذه المدينة المهمشة، لأن البعض يخالونها أنها لا تصلح إلا للتهريب… وأنها ميتة لا تبدع ولا تنتج ولا تفكر ولا تكتب… وهناك مواهب في الغناء إبراهيم وسيم من بني أنصار حديثا وأحمد المونسي المعروف ب (أناقاطي) قضى معظم حياته ببني أنصار وهو من القدماء وغيرهما، وفي كرة القدم (لقد وصل تلامذتنا في بني انصار في كرة القدم إلى المشاركة في كأس العالم للألعاب المدرسية بعد الانتصارات على الصعيد الوطني ولكن مباريات الكأس لم تنظم..؟؟ وسبق أن تحدثنا عن اللاعبين في الفرق المحلية والوطنية السابقين وما يعانيه اللاعبون الجدد) وفي الملاكمة كمحمد الزوفري ما زال على قيد الحياة ولا أحد يتذكره رغم أنه وصل إلى مراتب عالية في اسبانيا كبطل أندلوسيا والترشح لبطل اسبانيا وخاض مقابلات ضد ميمون مختار بطل إفريقيا سابقا وهو من مواليد الناظور، والمرحوم بنعيسى ميلود والمرحوم أحمد الزوفري، والمرحوم محمد عمروشي وغيرهم من الملاكمين، وفي التكواندو لحبيب لعرج وله قاعة للتدريب وهو من القدماء، وسعيد المسعودي له أيضا قاعة لتدريب الصغار والشباب، وجمعية مريم للثقافة والرياضات، تتوفر على قاعة لمختلف الأعمار وللنساء أيضا، ولهذه الجمعيات دور هام صحيا وتربويا وتثقيفيا لجميع الفئات أفضل من قضاء الوقت الثالث فيما يضر الجسم، وغيرها من المواهب والرياضات، إننا لا نعرف عنها إلا القليل فلا أحد يتذكرها ولا يهتم بها، إلى جانب شخصيات عسكرية وصلت إلى مراتب عليا، بعد أن توظفت في أواخر الخمسينات، بعضها ما زالت على قيد الحياة، وأخرى رحلت إلى الآخرة، وأخرى أصابها المرض ونرجو لها الشفاء. وهناك أطر كبرى في مختلف التخصصات، تشتغل داخل الوطن وخارجه، وفي بني أنصار عميدان للكلية المتعددة التخصصات الدكتور الخضير غريب سابقا والدكتور ميمون الحموتي العميد الحالي للكلية المذكورة، والدكتور حسن أوعاس الذي نال جائزة في إسبانيا بسبب أبحاثه، فقد نشأ يتيما وترشح لنيل الباكالوريا من السنة الرابعة في الستينات… والدكتور عبد الوهاب الحموتي يشتغل ناظرا بثانوية عثمان بن عفان ونرجو له الشفاء بحول الله، وأساتذة جامعيون نجيم الحموتي وكمال الحموتي وحسن بنعقية وبغداد بحسون وعلي الحموتي يوجد بفرنسا الذي له دراسة حول منطقة بني أنصار وسبخة بوعارك، ونود منه أن يفيدنا بهذه الدراسة أثناء قدومه بحول الله على شكل ندوة أو محاضرة. لنستفيد أكثر، بالإضافة إلى الأطباء القدماء والجدد ويذكرني الطبيب مصطفى راسي كل أربعاء بمقالاته في جريدة المساء، وقد أصدر كتابا بالعربية تحت عنوان “التربية الجنسية عند المراهقين” والدكتور حكيم بوجوبو وهو رئيس التحرير بالقناة التلفزية الأولى، وزينب الأجبالي الصحافية بالقناة الأمازيغية وهي تلميذتنا سابقا بإعدادية بني أنصار والصحافي محمد الحموتي العامل بإذاعة المنار ببلجيكا وهو من تلامذتنا أيضا ورشيد الراخا المهتم بالمسألة الامازيغية وقد كان رئيسا سابقا للكونغريس العالمي الأمازيغي، وغيرهم ممن يحق لنا أن نذكرهم ونفتخر بهم، ونكرمهم، ولما لا؟ مررت بمكتبة فاستوقفني كتيب بعنوان “يوميات مقاومة مغتالة” إعداد سعيد باجي سلسلة التاريخ والأنتروبولوجيا رقم 2 إيديسيون أمازيغ الطبعة الأولى 2008، في ص13 يشير إلى المقاوم محمد الخضير الحموتي ما علاقته بالثورة الجزائرية؟ في ص19 من هو الجندي الأفريقي؟ وهو من مواليد بني أنصار قبيلة مزوجة وليس كما ذكر الكاتب: قبيلة “قبوايا” وفي ص36 تحدث عن أرملة المغتال وفي ص 116محمد الخضير في صور إلى الصفحة الأخيرة 125. بين آونة وأخرى أرى ميمون الصادقي، وأنا أعرفه وجيلي جيدا، وهو اليوم يعاني نفسيا ذلك الشاب الموهوب الذي كان يدرس بإحدى الجامعات بإسبانيا في أوائل الستينات، حتى النصارى كانوا يتعجبون ويستفهمون: كيف بمغربي يدرس بالجامعة الإسبانية في ذلك الزمن ؟!!! وفي دراسته الثانوية كان يدرس سنتين في سنة، وكل يوم يقرأ كتبا قصصية أو كتب الجيب، وكان يذهب إلى مليلة أيام الدراسة مشيا على الاقدام وكان هذا دأبه وطبعه، ونرجو له الصحة الكاملة. ولا نريد شرا لأي أحد، لأننا لا نعرف نهايتنا ومآلنا صحيا ونفسيا وعقليا. فكم من صديق عمل في حقل التعليم أو غيره حتى نسمع من أفواه الأصدقاء بأن صديقا أصابه كذا وكذا… أعتذر عن عدم ذكر أسماء أخرى نظرا لكثرتها من جهة، وأجهل بعضها من جهة أخرى، وفعلا هناك كما قلت مواهب لا نعرفها في مختلف الميادين. وفي ختام هذه النزهة طفقت أعقد مقارنة بين فرخانة وبني انصار، فوجدت تشابها من الناحية الاجتماعية: الأعراس والمواسم وغيرها… والتاريخية واللغوية والثروة البشرية والمواهب والجهاد والموقع الجغرافي والاستراتجي، بل هناك روابط القرابة والدم والجوار، لا تستحق الضم والجمع والتوأمة فقط وإنما يجب أن تكون مدينة واحدة موحدة، ولعل الطريق الجديد هو الذي سيسهل المواصلات، وسيقرب المسافات، وبمحاذاته ستولد مدينة حديثة يقوم بتسييرها الشباب المسلح بالثقافة والوعي، والذي سيتحمل المسؤولية لأجل خدمة هذه المدينة، ويجب استغلال المركب السوسيو تربوي لإبراز المواهب الدفينة وصقلها، وتعليم المرأة المحرومة من بعض حقوقها، لأنها نصف المجتمع وهي المدرسة الأولى للتربية، فمن العار أن تبقى جاهلة ونحن في عصر الحداثة والعولمة. هذه النزهة كانت مناسبة لتذكر ما في هذا الفضاء الحافل بالأمجاد تاريخا، الجميل طبيعة متنوعة من عيون ووديان وهضاب وجبال واعتدال الجو، ولكن لا أريد أن أتذكر أحداث 19 يناير 1984 الأليمة بالناظور ولا أريد مثلها لأن الشعب المغربي الصبور لا يستحق مثل هذه الفتن من قتل وفوضى وشغب والتعدي على الغير، كفى ما قاسيناه من شر الاستعمار، فلعلعة الرصاص ما زالت عالقة في أذهان كل من عايشها وعاينها، وهو يمشي مهرعا مهرولا، ليصل إلى منزله أو يبحث عن مكان ليندس فيه، وهو ما حدث لنا لما خرجنا من ثانوية التعليم الأصيل مجموعة من الأساتذة، ومن بينهم الأستاذ الطاهر الحموتي الذي ترك سيارته في مستودع لا يستطيع الوصول إليها. فطفقنا نقطع الشوارع ورأينا الدماء والجثث كأننا في حرب، أو كأننا نمثل فيلما من أفلام الوسترن والكوبوي، نتستر وننتقل من دكان إلى دكان ومن مقهى إلى مقهى، إلى أن دخلنا أخيرا إلى احدى الوكالات البنكية، وما زال صوت الرصاص منتشرا بين الشوارع وجبل بوبلاو، لأن معظم المواطنين فروا إلى الجبل، وصادفنا في الطريق بوضياف والحموتي امحمد والخامس غاب اسمه عني، بل لا أتذكره، فكنا خمسة، أما ميمون الحموتي فقد اتخذ مسلكا آخر، ولما وصلنا إلى مدخل المدينة قرب بوبلاو رأينا جنودا وقد صوبوا بنادقهم تجاهنا، ولكن لا ندري كيف نجونا من موت محقق ؟؟!!!، لأن كم من مواطن لقي حتفه في الشارع، إلى أن وصلنا إلى سيارتي التي كانت مخبأة في مستودع “الحاج قيشوحي” رحمه الله، ثم انطلقنا إلى بني انصار وقد صادفنا في ترقاع حاجزا أقامه الجيش وبعد الاطلاع على الهوية خلوا سبيلنا، وتلك الليلة كانت ليلة مشئومة، ما زال صوت الرصاص في أذهاننا لقد أصابنا الهلع والفزع إن لم نقل مرضنا… وتعطلت الدراسة شهرا تقريبا… وتلك الصور ما زالت في مخيلتنا وذاكرتنا رغم مرور ثمانية وعشرين عاما. وفي 20 يناير 1984 وقعت أحداث أخرى ببني أنصار ذهب ضحيتها بعض شبابها كحادي دغوش ومصطفى عوجة، هذا الأخير لبس في ذلك اليوم سترة جديدة وقد ذهب للصلاة كعادته لأداء صلاة الجمعة وغيرهما رحمهم الله جميعا. وقد سارعت هيئة الإنصاف والمصالحة وجبر الضرر إلى تعويض الأسر المتضررة، كما قلت سابقا لا نريد لوطننا ولشبابنا الشر والقتل والفتنة، وعلى المسؤولين أن يعملوا على إيجاد الحلول الناجعة، وأن يخدموا مصلحة الوطن والمواطنين، ويتجنبوا خدمة مصالحهم والزبونية والمحسوبية والفساد بشتى أنواعه، لأن المسؤولية اليوم وفي ظل الدستور الجديد مقرونة بالمحاسبة ثم المحاسبة، مع نشر العدل والمساواة فالمواطنون سواسية أمام القانون… إننا نعتز ونفتخر بجميع شبابنا وأطرنا من أطباء وطبيبات ومهندسين وأساتذة وإعلاميين ودكاترة ومبدعين ومثقفين المتواجدين بفرخانة وبني أنصار وداخل الوطن وخارجه، ونتذكر الاحتجاجات التي قام بها المثقفون والشباب في الصيف الماضي ببني أنصار والتي مرت في جو يسوده الهدوء، دون إراقة الدماء أو التعدي على ممتلكات الغير. كما نرجو من جميع الجمعيات المدنية وجمعية منتدى بني أنصار سيتي للإعلام والتنمية التي أنشئت مؤخرا، والفاعلين الجمعويين والمثقفين العمل على إنقاذ بني أنصار وفرخانة من التهميش والإقصاء والتلاعب من طرف الانتهازيين، والعمل على إحياء تراثهما المتروك والمغمور، وفتح المجال أمام الطاقات الشابة والمواهب المختلفة باستغلال المركز السوسيوتربوي لإخراجها إلى حيز الوجود بشتى وسائل التعبير، لان فضاءنا من بني أنصار إلى فرخانة كما قلت سالفا، حافل بالمواهب في جميع الفنون والرياضات والإبداعات والمواقف الجهادية والأحداث التاريخية، وسكانه يشكلون عائلة واحدة بحكم الجوار والقرابة والمصاهرة تجمعهم جغرافية واحدة ولا داعي إلى التقسيم الإداري السابق، وفي ضم فرخانة إلى بني أنصار أقول هذا البيت: من رتبة (1) وإلى جنادة (2) صعد == نريدها دائما مصونة أبد 1) رتبة هي قصبة رتابة ببني أنصار. 2) جنادة هي قصبة فرخانة.