تحتفي الحركة الحقوقية هذه السنة بالذكرى 71 لليوم العالمي لحقوق الإنسان (10 دجنبر) في ظروف تتسم بردة حقوقية شاملة وعودة شبح الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان الذي بات يهدد كل المكتسبات التي راكمتها الحركة الديمقراطية وطنيا. وتخلد الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، مركزا وفروعا، هذه الذكرى تحت شعار: “نضال وحدوي ومتواصل من أجل كافة حقوق الإنسان للجميع”. وتعد هذه المناسبة فرصة يتم فيها الوقوف على واقع حقوق الإنسان في المغرب في شموليته، كما تعمل الجمعية على تجديد مطالبها الأساسية المنسجمة مع المعايير الكونية لحقوق الإنسان والتي تعكس انشغالاتها الكبرى. واحتفاء بهذه الذكرى الهامة، برمجت اللجنة المحلية بميضار، إقليم الدريوش، يوما نضاليا ( الأحد 15 دجنبر 2019) تميز بعرض ورشة موضوعاتية لفائدة منخرطيها في الفترة الصباحية في موضوع “التعذيب وسلامة الجسد” من إعداد كل من الناشطين طارق لمودني وبدر مباريك، و وقفة احتجاجية في الفترة الزوالية ابتداء من الساعة الرابعة زوالا عرفت حضورا مميزا حيث رفع خلالها المتظاهرون شعارات مطلبية بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي وعلى رأسهم معتقلي حراك الريف، وتنديدية بالتراجعات الخطيرة التي تعرفها بلادنا وبسياسة الحصار المضروبة ليس فقط على الريف بل حتى على أصوات المدافعات والمدافعين على حقوق الإنسان. تناولت الورشة موضوع التعذيب بصفته ممارسة طبعت جميع المراحل التاريخية وأن ممارسته لم تقتصر على نظام سياسي أو موقع جغرافي معين أو فئة محددة من البشر. وقد تطلب تجريم هذه الممارسة أشواطا من النضال المرير لأجل استئصاله بعد سن تشريعات وقوانين مستوحاة من روح الاتفاقيات الأممية والتي تعتبر التعذيب عملا محظورا لكونه يمس في الصميم بالحق في السلامة البدنية والأمان الشخصي كما ينص على ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. كما تطرقت الورشة إلى تعريف التعذيب وفق اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (1984) وإلى تطور التشريع الدولي بخصوص مناهضة هذه الممارسة سواء في القانون الإنساني الدولي أو في القانون الدولي لحقوق الإنسان بدء من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) واتفاقية القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء ومرورا بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966) ووصولا إلى اتفاقية مناهضة التعذيب (1984). كما توقفت الورشة عند الآليات الدولية لمناهضة التعذيب حيث تم التطرق إلى دور اللجنة التعاهدية لمناهضة التعذيب وكذا اللجنة الفرعية لمنع التعذيب ومهام المقرر الأممي الخاص المعني بالتعذيب وآلية الاستعراض الدوري الشامل. كما تم الوقوف عند التعذيب من منظور القانون المغربي ولا سيما الدستور والقانون الجنائي المغربي ومدى ملائمة هذا الأخير مع مقتضيات الاتفاقية. وأثار النقاش بشكل مستفيض الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، والتي كانت من اهم المستجدات التي جاء بها البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب، وهي الآلية التي ربط المشرع المغربي إحداثها بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان. غير أن الإطلاع على بعض المواد القانونية التي تحدد اختصاصات وعمل هذه الآلية تبرز تلك الهوة العميقة التي تفصل بين انتظارات ومطالب الحركة الحقوقية بالمغرب وواقع الممارسة على أرض الواقع. فرغم أن هذا القانون يحوز على العديد من الإيجابيات، إلا انه لا يستجيب للكثير من المعايير الدولية ومقتضيات البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب. علاوة على هذا، فالآلية تم تقييدها بالكثير من المقتضيات التي أفقدتها استقلالها الوظيفي والمالي وكذا آلية اتخاذ القرار. وهذا ما يكشف عنه واقع ممارسة التعذيب في المغرب الذي يحوز الكثير من القرائن وقفت أمامها الآلية عاجزة عن اتخاذ ما يلزم قصد التفاعل مع حيثياتها، ولنا في تفاعلات وتطورات ملف معتقلي حراك الريف، خاصة ما طفح على السطح مؤخرا من ادعاءات ومزاعم تعذيب هؤلاء المعتقلين لأبرز مثال على صحة هذا القصور والعجز الذي يعتري اشتغال هذه الآلية. وفي الختام تم تدارس بنود اتفاقية مناهضة التعذيب مع الوقوف عند بعض الحالات كتمرين حقوقي لتحديد ما إن كانت تمثل تعذيبا أم معاملة قاسية أو لاإنسانية: كالتجريد من اللباس، والتهديد بالاغتصاب، والهز العنيف، والعزل لفترات طويلة، والبصق على الوجه، والسحل الخ …