فرانكو من أشهر الرؤساء الذين حكموا إسبانيا بعد انقلاب عسكري وحرب أهلية راح ضحيتها نصف مليون مواطن أعلنت الحكومة الإسبانية المنتهية ولايتها، في بيان 21 أكتوبر/ تشرين الأول المنقضي: استخراج رفات الجنرال الإسباني فرانسيسكو فرانكو من ضريح “فالي دي لوس كايدوس”، الذي رقد فيه جثمانه منذ 1975، وذلك لإعادة دفنه في نفس اليوم بمقبرة نواحي العاصمة مدريد بجوار قبر زوجته كارمن بولو. وقررت المحكمة العليا الإسبانية إخراج رفات فرانكو، رغم الطعن الذي تقدمت به أسرة الرئيس الإسباني الراحل التي رفضت نقل الرفات، وما صاحب ذلك من احتجاجات اليمينيين في المملكة. وفي سبتمبر/ أيلول 2017، صادق مجلس النواب الإسباني (الغرفة الثانية بالبرلمان)، على مرسوم قانون يتعلق بإدخال تعديلات على قانون “الذاكرة التاريخية”، الذي يسمح باستخراج ونقل رفات الرئيس السابق. ونص القانون على: أن “محاكم الفرانكوية” -نسبة إلى الجنرال فرانكو- غير شرعية وأن الأحكام الصادرة عنها باطلة، وطالب ناصروا القانون بإعادة النظر في كل قضية من القضايا المرفوعة على معارضي فرانكو. ويكلف قانون “الذاكرة التاريخية” الإدارات المحلية والحكومة تحديد أماكن المقابر الجماعية، حيث دفن الضحايا الجمهوريون أثناء الحرب الأهلية التي قادها الجنرال. قصة دكتاتور في 24 من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عاشت إسبانيا حدث نقل رفات فرانكو من الضريح المستقر بالقرية التي بناها، لتضم قبره إلى جانب قبور أتباعه وضحاياه واختار لها الجنرال آنذاك اسم “El valle de los caidos” أي (قرية الذين سقطوا من أجل إسبانيا). بعد وفاته في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1975 دُفن جثمان فرانكو في مقبرة الشهداء الذين قضوا في الحرب الأهلية التي شهدتها إسبانيا في ثلاثينيات القرن الماضي. دفن فرانكو إلى جانب شهداء الحرب، خلّف سخط الاشتراكيين في البلاد، الذين تعالت أصواتهم على مر عقود يُطالبون بنقل جثمان رئيس اتسمت حقبة حكمه ب”الديكتاتورية”. يُعد فرانكو من أشهر الرؤساء الذين حكموا إسبانيا لمدة 36 عاما، وصل فيها إلى الحكم بعد انقلاب عسكري قاده ضد “حكم الجبهة”، المكونة من الديمقراطيين والاشتراكيين المحتمين تحت ظل اليسار، فكانت نتيجة الانقلاب حرب أهلية استمرت 3 سنوات وراح ضحيتها نصف مليون مواطن. حولت الحرب الأهلية إسبانيا إلى رماد، أتت على الأخضر واليابس ببلاد الأندلس، وخلفت إلى جانب القتلى آلاف المختطفين واللاجئين، وذلك بدعم أدولف هتلر وموسوليني اللذان وقفا إلى جانب فرانكو الذي استطاع إبادة إسبانيا بسلاح النازية الألمانية والفاشية الإيطالية. انتصرت الديكتاتورية في إسبانيا وقاد فرانكو البلاد، بمساعدة 50 ألف جندي مغربي ينتمون إلى ريف المغرب بقيادة العسكري المغربي-الإسباني المارشال محمد أمزيان، كما أنه استطاع ربط علاقات جديدة بدول العالم الكبرى، كأمريكا وذلك أثناء الحرب الباردة. أستاذ التاريخ بجامعة “مالقة” الإسبانية الحسن الأندلسي، قال : “فرانكو يُعتبر من أكبر الزعماء ديكتاتورية على مر التاريخ، إذ استطاع تخليد اسمه بعد موته، فكان مدعوما من اليمينيين الذين رأوه أسطورة لن تتكرر، فساعدوه على بناء ضريح ضخم في قرية بأعلى جبل جوار مدينة مدريد، استمر بناؤه حوالي 15 سنة”. وأضاف: “فرانكو سار بمبدأ عفا الله عما سلف، عندما قرر نقل رفات جميع من قضوا في الحرب الأهلية الإسبانية إلى ضريحه، دون إذن أسرهم، وحجز لنفسه فناء الضريح الفسيح وطلب أن يُدفن جثمانه وسط دفء الشهداء”. الأندلسي اعتبر أن: فرانكو “كان يسعى إلى ثوريث الحكم وإقرار نظام الملكية بإسبانيا، فسار على درب الملوك على مر التاريخ، وذلك ببنائه أكبر ضريح عرفته المملكة، لكن احتجاجات المعارضين استطاعت أن تُسقط الرئيس بعد موته”. الاشتراكيون يحتجون احتج الاشتراكيون على الحكومات المتعاقبة على إسبانيا بسبب مكان وجود رفات فرانكو، وسط المدنيين الأبرياء الذين سقطوا في الحرب الأهلية، فتقدموا بمشاريع قوانين إلى البرلمان الإسباني طالبوا من خلالها -بشكل استثنائي- بنقل جثمان فرانكو إلى مكان آخر. لم تقبل الحكومات الإسبانية مشاريع القوانين، فصوتت أحزاب اليمين ضدها، فالتجأ الإشتراكيون إلى القضاء ورفعوا دعوى معززة بشكايات أسر ضحايا الحرب، الذين طالبوا بنقل جثمان الديكتاتور، بالإضافة إلى أن الاشتراكيين دعّموا ملفهم القضائي بكون الضريح ملك للدولة الإسبانية ومصاريف تدبيره وصيانته تخرج من ميزانية الدولة وضرائب المواطنين. الأندلسي قال: “مجموعة من مكاتب الدراسات في إسبانيا أجرت استطلاعات رأي حول موضوع نقل جثمان فرانكو، فوافقت الأغلبية -بنسبة 80 بالمائة- على نقل رفات الرئيس”. مضيفا: “القضاء الإسباني له رمزية خاصة، ويعمل حرفيا بمقولة (القاضي ابن بيئته)، لهذا انتصر لأصوات تُطالب بنقل عظام رئيس أباد البلاد والعباد في مراسيم احترمت القانون، وبحضور وزيرة العدل باعتبارها موثقة للدول”. أيضا، بحسب الأندلسي: فإن “القضاء الإسباني سمح لأحفاد الرئيس الراحل باستئناف الحكم الابتدائي، مع تتبع جميع مراحل التقاضي”. أستاذ التاريخ المغربي اعتبر أن: فرانكو “رئيس ديكتاتوري، كما أقر بذلك التاريخ الذي يُدرّس اليوم في إسبانيا، التاريخ لا ينسى الزعماء الذين ساهموا في عمليات السلام في بلدانهم وعبر العالم، لكنه بالمقابل لا ينسى الدكتاتوريين الذين مزقوا أبناء وطنهم”. وأضاف: “إسبانيا أصبحت تشعر بالعار كونها دولة تُمول من أموال دافعي الضرائب مصاريف ضريح ضخم لرئيس عاش ومات ديكتاتوريا، في الوقت الذي تخلصت فيه ألمانيا من جثمان أدولف هتلر بطريقة مهينة، وهي نفس الطريق التي تخلصت فيها إيطاليا من جثمان بينيتو موسوليني”. وتزامنا مع نقل رفات الرئيس منعت الحكومة الاشتراكية الاحتجاجات كما أنها منعت توشيح تابوته بالعلم الإسباني كما كانت رغبة أسرته وأتباعه. جيش متمرد شارك فرانسيسكو فرانكو في “حرب الريف” التي شهدتها منطقة شمال المغرب، وأمطر على المنطقة أسلحة نووية ساهمت في تسمم الأرض وإصابة عدد كبير من المغاربة بأمراض مزمنة على رأسها مرض السرطان الذي توارثته الأجيال ولا زال ينخر في الأجساد إلى يومنا هذا. وفي الوقت الذي كانت تعلق فيه صور فرانكو بالإدارات الإسبانية في المغرب، وكان الجنرال يعتمد بشكل كبير على الجنود الريفيين إلا أنه تنكر لهم، ولم يعترف بخدمتهم العسكرية التي قدموها خلال الحرب الأهلية في إسبانيا. جند فرانكو المغاربة للدفاع عن قضيته بدعوى أنهم يحاربون أعداء الدين، في حين قاتلوا المتعاطفين مع (الروخوس) أو “الشيوعيين الإسبان الحمر”. وقتل الجنرال مئات الآلاف من الإسبان في الصراع الذي استمر منذ عام 1936 إلى عام 1939، الذي بدأه فرانكو بتشكيل جيش متمرد في المغرب الذي كانت إسبانيا تحتله ليخوض حربا شهدت هزيمة الحكومة الجمهورية المنتخبة في مدريد. السفير المغربي الأسبق للمغرب بإسبانيا الراحل محمد العربي المساري، سبق أن صرح: بأن “أتباع فرانكو أقنعوا الجنود المغاربة بأن الشيوعيين الحمر هم أعداء المؤمنين سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين وأن قضيتهم واحدة”. وأضاف: “كان ذلك غير حقيقي وكشفه ببساطة من هم على قدر من الذكاء لكن الجنود المغاربة كانوا فقراء وجهلة وبسطاء”. وقال كتاب مغاربة: إن “المرارة” التي خلفها الصدام بين المسلمين والمسيحيين طوال قرون سابقة اشتعلت من جديد من خلال دور المغرب في الحرب الإسبانية. واعتبر المؤرخ المغربي محمد نشناش: أن كل هذه العناصر مجتمعة شكلت صورة المغربي في بعض القطاعات الإسبانية، وهي “صورة ارتبطت بالتخلف والبربرية والقسوة”. وزاد موضحا: “الذكريات العالقة في أدمغة الإسبان عن المغاربة سيئة، فهم يرون أنهم قاتلوا حكومة دستورية مشروعة وتحالفوا مع الدكتاتور فرانكو”. كانت هذه الحرب مقدمة للمعارك الأيديولوجية التي سادت القرن العشرين وتركت ندوبا في المجتمع الإسباني مازلت ظاهرة حتى يومنا هذا. وبالمقابل راح ضحيتها عشرات الآلاف من المقاتلين المغاربة المنسيين بينهم أطفال لا تتعدى أعمارهم 12 عاما، لا يعرف أحد أين دفنوا ولا يعترف أحد بمصيرهم.