[email protected] لقد كنتم بتصريحاتكم الصحفية خلال نهاية الأسبوع، لأكثر من جريدة، في قلب الحدث. خاصة ما صرحتم به من كونكم تتوفرون على “ملفات” تهم السيد عباس الفاسي، رئيس الحكومة المكلفة بتصريف الأعمال والمشارك في حكومة السيد عبد الإله بن كيران، الرئيس الجديد المعين من طرف الملك محمد السادس على إثر نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة. أود أن أدلو بموقفي حول هذا الموضوع، ليس دفاعا عن حزب الاستقلال، فقد تكلف أطره وأمينه العام بذلك. وليس تنقيصا منكم ولا من حزبكم، لأنني أومن بمكان ودور حزبكم في المشهد السياسي. إنني أخاطبكم كمواطن متتبع للشأن السياسي الوطني أتفاعل مع ما يحدث من مخاض وصراع، أتألم أحيانا لبعض المواقف والممارسات، أفرح أحيانا لبعض الأفكار والاجتهادات، لكن عموما أتحسر من مستوى النقاش السياسي والفكري لنخبتنا السياسية. أقولها لكم بكل صراحة، إنني لا أتوفر على ملفات لا حولكم ولا حول أي سياسي مغربي. إني فخور بالعكس على “توفري” على جزء يسير من الأفكار والرؤى، كالملايين من مواطني المغرب المنسيين والمقسيين في غياب الشفافية والعدل والمساواة، واحتكار المناصب السياسية والإدارية من طرف كمشة تعرف من أين تأكل الكتف، إن هذه الأفكار أستقيها من مساري الدراسي والمهني وانخراطي في العمل السياسي وكذلك من قراءة، قدر المستطاع والإمكانيات، للكتب والمجلات والجرائد والنقاش وتبادل الأفكار مع عامة الناس، هي كل ما في جعبتي لمناقشتكم. وكما تعلمون، لأنكم كنتم يساريا في المرحلة الجامعية، فإن الفكرة يمكن أن تصبح قوة مادية ومن ثم قوة ثورية للتغيير والتقدم والعدالة، بدون الحاجة للملفات ولا الدسائس ولا المؤامرات. إني قررت مناقشتكم لكونكم كنتم العضو السياسي البارز الذي لم يكن يخفي تطلعاته لترؤس أول حكومة في ضل الدستور الجديد، إنكم أحد الوجوه البارزة للنخبة السياسية والاقتصادية ذات التوجه “الحداثي” والليبرالي في بلدنا. وأيضا لكونكم كنتم أقوى منافس لرئيس الحزب المعارض، حزب العدالة والتنمية. إذن موقعكم وتصريحاتكم تهمني كمواطن مغربي. نتائج انتخابات 25 نونبر 2011 معروفة الآن، والقرار الملكي بتعيين السيد عبد الإله بن كيران لتشكيل الحكومة الجديدة سار إلى منتهاه، وخارطة اصطفاف الأحزاب السياسية بدأ يتضح شيئا فشيئا. لذا سأناقش معكم حيثيات أخرى تبدو لي مفيدة تناولها وتعميق التحليل حولها. لنبدأ بنتيجتكم الانتخابية على مستوى الدائرة الانتخابية لمكناس التي اعتبرت من خلال التقطيع الانتخابي دائرة واحدة بستة مقاعد كمثيلتها من مدن الجديدة، سطات، خريبكة… رغم أن مكناس، التي تعد من أكبر المدن المغربية، كانت الوحيدة التي استفادت من هذا التقطيع بحيث نجد أن جل المدن الكبرى الأخرى تم تقسيمها إلى أكثر من دائرة انتخابية كما هو الحال بالنسبة للدار البيضاء، الرباط، مراكش، طنجة… لنعرج الآن على النتائج المحصلة في دائرتكم. في فرنسا، البلد النموذجي للنخبة المغربية، السياسيين البارزين لهم معقلهم الانتخابي (fief électoral) لا ينازعهم فيه أحد. كنت من الضانين أنكم، كمرشح لحزبكم ولكن كمرشح قوي لرئاسة الحكومة، محط “تقدير وعناية” كبيرين من طرف سكان دائرتكم. لكن حصيلتكم الشخصية في دائرتكم صدمتني نتائجها. الذي وقع مؤشر ذال عليكم أخذه بعين الاعتبار في تحليلكم الآني والمستقبلي. أولا، دائرتكم سجلت نسبة مشاركة معقولة ب 41 في المائة ولكن بعيدة عن نسبة المشاركة على الصعيد الوطني أي 45 في المائة، بمعنى آخر أنكم لم تساهموا في ارتفاع النسبة الوطنية. وهذا المعطى ليس في صالحكم كزعيم سياسي. النقطة الثانية، لقد استطعتم الفوز بمقعدكم وهو شيء يحسب لكم، لكن كان لزاما عليكم الحصول على أكثر من مقعد، لا بأس في ذلك لأن لا أحد استطاع من الأحزاب الفوز بأكثر من مقعد سوى غريمكم السياسي حزب العدالة والتنمية، الذي حاز بأكثر من مقعد بالعديد من الدوائر الانتخابية. ومن ضمنهم منافسكم المحتمل حينها لرئاسة الحكومة السيد عبد الإله بن كيران. إلا أن المعطى الرئيسي الذي سيلاحقكم خلال هذه الولاية البرلمانية هي كون مرشح حزب العدالة والتنمية، الذي ليس عضو قيادي في الأمانة العامة للحزب بل سوى عضو مجلسه الوطني، استطاعت لائحته الحصول على مقعدين وضعف أصواتكم (30.938 للائحة المصباح و 15.487 للائحة الحمامة). أعتقد أنكم مطالبون على المستوى الشخصي التمعن في هذه النتائج وتقييمها واستخلاص الدروس منها في معارككم الانتخابية والسياسية المقبلة. إن القراءة الموضوعية لهذه النتائج وعدم دعم مشروعكم ومواقفكم من طرف أغلبية مطلقة من ناخبي دائرتكم هي نابعة من عدم ثقتهم في مساركم، دوركم الحكومي، بعض ممارساتكم وممارسة أطراف أخرى. لنأتي إلى مساركم السياسي، حيث شكلت لحظة التصحيح داخل حزب الأحرار لحظة مفصلية مهمة كان لها وسيكون لها تأثير مهم بالنسبة لنظرة ناخبيكم لكم، هنا أتحدث عن قدرة موقف سياسي ما لزعيم حزبي من رفع أسهمه الانتخابية أو التقليص منها. أظن أن الطريقة التي تم من خلالها “تنحية” السيد مصطفى المنصوري من زعامة الحزب وهو حينها رئيس البرلمان وتبوئكم موقعه لم ولن تساهم في “تلميع” صورتكم وكانت نتيجتها سلبية على الصعيد الانتخابي. أما دوركم كوزير للمالية في حكومة السيد عباس الفاسي، فلم تكن بالقوة بحيث يتحدث عنها عامة الناس، بالسلب أو الإيجاب. بل أذهب للجزم أن موقفكم الأخير من تقديم القانون المالي وما صاحب ذلك من صراع داخل الأغلبية الحكومية وغياب المعطيات عن من سحب القانون المالي وضبابية الصورة، كان كل ما بقي في ذاكرة المواطنين، وهذا يحسب ضدكم ولا لكم كمسؤول عن قطاع المالية. سوف لن أتحدث عن التحالفات التي سبقت الانتخابات لأنه تم تقييمها من طرف العديد من المحللين والسياسيين المباركين أو المعارضين لها. والنتيجة الانتخابية حسمت في موضوعها. بل سأقف عند نقطة أعتبرها شخصيا، في زمن الإنترنيت واليوتوب، لعبت دورا جد سلبي فيما يتعلق بصورتكم السياسية ومدى تقبلها النقد والسؤال. المسألة تتعلق برفضكم، أو رفض طاقمكم، لصحفية من طرح وإتمام سؤال أرادت أن توجهه لكم في تجمع انتخابي لحزبكم في العاصمة الاقتصادية والتي حظرتها نخبة من رجال الأعمال والفاعلين. أعتقد أنها كانت لحظة مفصلية أخرى لأنها كانت تهم حق الصحفيين في لعب دورهم، وعدم لجم حقهم والتعامل معهم بتلك الطريقة “المهينة” التي شاهدها المئات والمئات من المواطنين داخل وخارج الوطن عبر الإنترنيت وتحدثت عنها الصحافة الوطنية. إن القضية كانت متعلقة بنظرتكم للسلطة الرابعة، سلطة كان عليكم، رغم كل المبررات الممكن تقديمها، حمايتها وصون حقوقها عمليا خلال تلك اللحظة القصيرة وخاصة في زمن تعيش هذه السلطة وضع ليس بالسعيد من اعتقال صحفيين ومتابعة آخرين ودعم البعض والضغط على آخرين… هنا يطرح مشكل الفرق المساعدة للقيادات الحزبية، تركيبتها، مستواها وتجربتها. مع كامل الأسف لم نصل بعد في بلدنا لإعطاء هذه الأمور، كما هو الشأن في دول متقدمة من ضمنها النموذج الفرنسي القريب جدا منا، أهميتها. بل تجد الفريق الناصح للزعيم من الأقربين والمدَّعَمين كما هو حال بعض أعضاء الدواوين. وبالتالي تنقصهم المهنية والتجربة والحنكة السياسية لأخذ القرار الصائب في الوقت المناسب آخذين بعين الاعتبار تبعات ذالك القرار وانعكاساته الإيجابية والسلبية. ماذا كان سيقع لو أتمت الصحفية سؤالها؟ أظن أنه كان سيحسب الموقف لكم وليس ضدكم. هناك الكثير من المواقف والممارسات يمكن طرحها، لكن سأعرج على بعض تصريحاتكم ومواقفكم الأخيرة والتي من وجهة نظري تنحى نفس المنحى السابق في طريقة إخراجها، تبليغها للمواطن والدفاع عنها. لنبدأ بموقف هيأتكم الاصطفاف في المعارضة وما صاحب ذلك من نقاش يعاتبكم بعض أصحابه بالانفراد بالقرار دون الرجوع إلى الأجهزة التقريرية. هذا مطبخ حزبكم الداخلي. لست طرفا فيه، ولكن ألم توافقوني الرأي أنكم تقريبا الحزب الوحيد الذي لم يجمع مجلسه الوطني أو لجنته المركزية لمناقشة الوضع السياسي الجديد بعد الانتخابات. الأحزاب المشاركة في الحكومة كلها عقدت اجتماعات أجهزتها، بعضها في يسر، أخرى في خضم صراع قوي لمنتسبي الجهاز التقريري، المعارضين والمدافعين عن الالتحاق بحكومة السيد عبد الإله بن كيران. هكذا من ضمن الأحزاب الثمانية الأولى على مستوى النتائج الانتخابية، خمسة منها قامت بدعوة أجهزتها التقريرية وحسمت في مشاركتها من عدمها في الحكومة القادمة. إن الوضع السياسي الجديد يحتم على كل هيأة سياسية التفاعل مع الآراء المختلفة داخلها واللجوء بعد النقاش ومحاولات الإقناع والاقتناع لتحكيم مساطرها وقوانينها الداخلية بالتصويت. أما قولكم أن المجلس الوطني سينعقد بعد تصفية العناصر “التي خانت الحزب وتخلت عنه”، فأعتقد صراحة أن هذا الإدعاء ليس مقبولا في حزب كان يقدم قبل الانتخابات كحزب متماسك، قوي ويتبارى على المرتبة الأولى وإذا به بعد الانتخابات يصبح حزبا مستهدفا من طرف قوى سياسية ومن طرف أعضاء من مجلسه الوطني. هنا أيضا تصريف الموقف وإيجاد الحجج المقنعة في الوقت والمكان المناسبين أصبحتا من علوم الإعلام والتسويق السياسي. على أي حال هذه وجهة نظري المتواضعة في هذا الموضوع. نقطة أخرى، هي تصريحكم أنكم ستواجهون السيد عباس الفاسي ب”ملفاته”. الآن وقع ما وقع، وتصريحكم سيبقى محسوبا ضدكم إن لم تقوموا بالإدلاء للسلطة القضائية بما تتوفرون عليه من معطيات، ولكن هل كان لزاما على مسؤول سياسي من درجتكم الوصول إلى حد ما وصلتم إليه. وهل على كل رجل دولة وسلطة يتوفر على معطيات وملفات انطلاقا من منصبه السياسي، المالي والأمني أن يحدو حذوكم. أقولها لكم ولغيركم، وأنا أمتهن العمل في قطاع بنكي، إن السر المهني هو قوة أي شخص، مؤسسة، إدارة ووطن، تجلب الاحترام والمصداقية. إنني لا أعطيكم دروسا، ولكني أعتقد جازما أن وطننا عليه أن يطوي صفحة الإشاعات والملفات والدسائس وينحو إلى طريق الوضوح والشفافية والتعامل المؤسساتي والقضائي المسؤول. لا أريد أن يُفهم من ما سبق أنني أطالب التستر عن الشبهات، بل بالعكس، إني كنت وما زلت من المناهضين للفاسدين والمستبدين أينما كانوا. لكن أدعو أيضا سياسيينا إلى “التعقل” والتعامل المسؤول مع اللحظة التاريخية التي يمر منها الوطن. أما حول ادعاء البعض صرفكم مكافأة 250 مليون سنتيم لصالحكم، فكان من وجهة نظري، ما دمتم لم توقعوا عليها ولم تتقاضوها، أن تصدروا بيانا للرأي العام حول عدم صحة الخبر واللجوء إلى القضاء لرد الاعتبار لكم ومعاقبة من يسعى المس بكم وبحزبكم. لا يفوتني أيضا الإشارة إلى طريقة تعقيبكم على التعيين الملكي للسيد بشير الزناكي كمستشار بالديوان الملكي وتأكيدكم أنه أيضا اعتراف بكفاءات أطر حزب الأحرار. لن أعارضكم كون حزب الأحرار يتوفر على كفاءات ولا يمكن لأي أحد أن يشك قيد أنملة في وطنية وكفاءة العديد من قياديي وأطر ومنخرطي الحزب. لكن تقبل مني هذه الملاحظات البسيطة والتي يعرفها كل متتبع للشأن السياسي، فإن السيد الزناكي انخرط في حزب الأحرار مع تعيينه كوزير للسياحة يوم 4 يناير 2010، أي وجوده في الحزب لم يمضي عليه عام واحد. ما يسجل على السيد الزناكي هو كونه لم تتحدث عنه أبدا الصحافة الوطنية على أعمدتها بسوء، بل العكس، قدمت بعض الأحيان مجهوداته في قطاعه وكذا ركزت على أناقة مظهره، ولا عيب في ذلك. وهو، أي السيد الزناكي، مشهود له بكفاءته على غرار الآلاف من الأطر المغربية. ولكن دعني أقول لك، السيد مزوار، أن الكمال لله، فقليلا ما تجد سوى الكفاءات في جسم عائلة واحدة، أو إدارة أو مقاولة. تجد دائما درجات في الكفاءة. لذا كان عليكم الإدلاء بتصريح نسبي حول كفاءة أطركم، لأن الصحافة تحدثت كثيرا عن أحد وزراء حزبكم بما لا يشرف الحزب حول السيارة المعلومة وآخرها حول تعيين إحدى مساعداته على رأس إحدى المديريات. إنكم كزعيم للحزب مسؤول عن تصرفات، قرارات وممارسات أعضاء حزبكم ووزرائه. إن سجلوا نقط إيجابية فهي أيضا تحسب لكم، وإن سجلوا نقط سلبية فتحسب سيئاتها أضعافا عليكم. موضوع آخر يهمكم ويهم كل المشهد السياسي الوطني. تحدثتم عن كون “الربط بين الدين والسياسة أمر خطير على المجتمع” في إشارة إلى حزب العدالة والتنمية. لقد تابعت الكثير من التصريحات لسياسيين حول هذه النقطة بالذات. ولدي حولها ملاحظات: الأولى هي كونهم لا يتعدون حدود استعمال مفردتين أو ثلاث حول هذا الموضوع على شاكلة “الإسلام الوسطي والمعتدل” و”استعمال الدين في السياسة” أو “استعمال المساجد للدعاية الحزبية”… حاولت جاهدا خلال فترة سابقة العثور على مسودة أو تقرير أو أطروحة حول هذه المسألة بالنسبة للأحزاب التي كانت في خط المواجهة مع حزب العدالة والتنمية. ووصلت لقناعة أن بعض القياديين يصرحون انطلاقا من أفكارهم واجتهاداتهم وأن ما يقولون ليس متفقا عليه داخل الحزب في غياب أي تصور جماعي حول المسألة. أكثر من هذا، يوجد “نقص فكري” كبير بالنسبة لغالبية القياديين في تلك الأحزاب إذا سألتهم عن أهم الكتب التي قرءوها حول الموضوع، مشرقية أو غربية، عربية أو أعجمية، هل قرءوا “للعلمانيين” و”الحداثيين” و”المتنورين” بمختلف مشاربهم مثل نبيل فياض، محمود حسين، عبد المجيد الشرفي، محمد عابد الجابري، العروي وآخرين. هل قرءوا أمهات الكتب في الفقه وأصوله، التفسير، الحديث وعلم الكلام. أتمنى صادقا أن أكون مخطئا في تحليلي. أما في الجهة الأخرى فستجد كوادر الحركات الإسلامية مستوعبين لأطروحاتهم ولأطروحات “العلمانيين” و”الحداثيين”. كما قال السيد محمد الكحص في أحد استجواباته الأخيرة، التيار الإسلامي هو الذي يجتهد لاستيعاب الأفكار وتطبيقها ودل على ذلك، حسب وجهة نظره، في استيعاب حزب العدالة والتنمية لنظرية المفكر الماركسي الإيطالي غرامشي حول البراكسيس والكتلة التاريخية، عوض حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. أخيرًا، يوم 25 نونبر الماضي، أي يوم الاقتراع، كنا نحن مجموعة من الأصدقاء “الفرنكوفونيين” المتتبعين عن كثب وكل يوم للصحافة الفرنسية، عبر الإنترنيت، عند تصفحنا لموقع جريدة “لو فيكارو” كانت الصفحة الرئيسية حول الانتخابات في المغرب وكانت صورتكم تتصدر الموقع ذالك اليوم انطلاقا من إدلائكم لحوار للجريدة. قلنا صباح ذلك اليوم، أن طرف مهم من النخبة السياسية والاقتصادية الفرنسية القريبة من دوائر القرار وخاصة اليمين منه ترشحكم للحصول على نتائج مهمة وكان البعض ضمن أصدقائي متيقنين بفوزكم ما دام اعتدنا أن خبر بلادنا يأتي أكثر من الخارج وليس من الداخل وخاصة من فرنسا. لكن النتائج النهائية سارت عكس تكهنات الجريدة القوية “لو فيكارو”، وفرحت شخصيا “لفشل” تكهنات الجريدة الفرنسية، وفرحت لكون القرار كان مغربيا “خالصا” وصادرا عن إرادة الناخبين والصناديق الزجاجية. إلا أني تأسفت للموقف الأول المتذبذب لوزير خارجية فرنسا، ناهيك عن تصريح وزيرة فرنسية من أصل عربي، توصلت على إثره صاحبتها بعتاب من طرف الوزير الأول الفرنسي. كما سجلت أيضا بإيجابية التصريح اللاحق للسيد ألان جوبي وعزمه لقاء السيد عبد الإله بن كيران، رئيس الحكومة المغربية الجديدة وما تلتها من إشارات لأهم عواصم العالم حول الانتخابات المغربية، نتائجها، ودلالات تعيين الملك محمد السادس لرئيس الحزب المتصدر للانتخابات. أكتفي بهذا القدر لأؤكد على نقطة واحدة وهي كون المواطن المغربي، اليوم، رجلا كان أو امرأة، شابا أو كهلا، فقيرا أو غنيا، متعلما أو أميا، قاطن في المدينة أو القرية، يتتبع عن قرب ما يقع حوله وفي وطنه وفي العالم بأسره. الحركات الاحتجاجية قبل وبعد 20 فبراير، نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، الحراك السياسي والنقاش الوطني الجاري حاليا، كلها مؤشرات أيضا تدل على أن المواطن المغربي يتوق للمساهمة في حياة وطنه. أصبح المواطن المغربي، أكثر من أي وقت مضى، يتتبع، أيها السياسيون والإداريون والأمنيون والمسؤولون حركاتكم وأنشطتكم ومواقفكم وتصريحاتكم. وحين تتاح له فرصة التعبير بكل حرية عن مواقفه فلا يتردد ثانية في تمييز المصلحين من المفسدين، المجتهدين من المتكاسلين، بالدارجة “المعقولين” من “الانتهازيين والوصوليين”. لذا على السيد صلاح الدين مزوار، المعني بهذه الرسالة، ولكن أيضا كل السياسيين، الوقوف لحظة تأمل في مسار حياتهم. إن النقد والنقد الذاتي مسائل حيوية في مسار الأشخاص والشعوب. إننا نتعلم من الأخطاء لتحقيق الأحسن. إن الوطن بحاجة لكل أبنائه وطاقاته. كل في موقعه. وكل موقع مفيد، حكومي، معارض، نقابي، جمعوي، اجتماعي، إداري واقتصادي. كل ما أتمنى من سياسيينا هو الوعي باللحظة التاريخية الراهنة وأن كل نجاح سيكون للوطن قبل كل شيء وأن كل فشل ستكون عواقبه وخيمة وغير متوقعة خاصة في إطار أزمة اقتصادية ومالية لشريكنا الأوروبي الأول والأساسي وانعكاساتها السلبية على وطننا إذا لم نحصن ذاتنا ونعول أساسا على قدراتنا وإمكانياتنا المحلية.