الترجمة عن الإسبانية: د. عيسى الدودي. إنهن ثلاث صديقات حميمات، يَكَدْنَ لا يفارقْنَ بعضهن بعضا، ويذهبن سويا إلى جميع الأمكنة. وفي أحد الأيام، استيقظن باكرا للذهاب لجمع الحطب، وتابعن مسيرهن حتى وصلن إلى منزل بالقرب من بستان مترامي الأطراف، فيه مختلف أصناف الغلال والأشجار المثمرة. ولما اقتربن أكثر من البستان، بدأن يجمعن الحطب، وفي الوقت نفسه يتكلمن بصوت مرتفع، وهكذا قالت واحدة منهن بصوت مرتفع: إذا تزوج بي صاحب البستان، سأعِدُّ له كسكسا بحبة واحدة من السميد فقط. وصاحت الأخرى قائلة: وإذا تزوج بي، سأخيط له جلبابا بلفيفة واحدة من الصوف. وصاحت الثالثة: أما أنا، فإذا تزوج بي، سألِدُ له ولدا سيكون الأصبعُ الأكبرُ من رجله من ذهب. وأثناء حديثهن كان صاحب البستان يسترق السمع إليهن. مَرَّتِ الأيام، إلى أن تَقَدَّمَ صاحب البستان يطلبُ منهن الزواج. وعندما تزوج بهن، أراد أن يمتحنهن ليرى هل سيُنَفِّذْنَ ما تَعَهَّدْنَ به، فأعطى للأولى حبة من السميد وقال لها: خذي، حَضِّري لنا الكسكس. فأجابته: لكن، لا يمكن أن أقوم بتحضير الكسكس بحبة واحدة من السميد فقط. بعد ذلك اتجه للثانية، فأعطى لها لفيفة من الصوف، وقال لها: خذي هذا الصوف، واصنعي منه جلبابا كما تعهدتِ من قبل: الثانية كذلك لم تكن لها القدرة على إعداد الجلباب بلفيفة واحدة من الصوف كما تعهدت سابقا. الآن لم يبق إلا التي تعهدت بأن تلد له ولدا أصبعه الأكبر من رجله من ذهب. وهكذا فمع مرور الأيام، أصبحت حاملا، ولما وصل يومُ مخاضِها، مكثتِ الصديقتان معها، ولم يفارقْنَها ولو للحظة واحدة، إلى أن خرج الجنين إلى الوجود، وكان طفلا جميلا أحد أصابع رجله من ذهب، فأغاظ ذلك الصديقتان، ولم تستطيعا كبح حنقهما وحسدهما. فقالت واحدة منهما: ماذا سنفعل الآن؟ بما أنها نفَّذَتْ ما تعهدت به، فإنه حتما سيحبها أكثر، ويقوم بتفضيلها علينا. أجابتها الثانية: لا تقلقي، إنني أفكر فيما سنفعل. وبعد برهة من الزمن، عندما كانت الأم نائمة، أخذتِ الصديقتان الطفل، وقطَعَتا أُصْبُعَه ووضعتاه في فم الأم، وأما الطفل فقد أخذتاه إلى الحظيرة ورمتاه للكلبة. ولما استيقظتِ الأم وجدت فمها مضرجا بالدماء، وأصيبتْ بالحيرة لأنها لا تعرف ماذا حدث، فبدأتْ تبحث عن طفلها، لكنها لم تجده في أي موضع من المنزل، وأثناء ذلك بدأت الصديقتان تصرخان: إنه الغول، هو الذي أكل ابنَها. شرعت الأمُّ تصرخ بدون توقف: يا إلهي، أكلتُ ابني عندما كنت نائمة، أكلتُ ابني عندما كنت أحلم، لم أتذكر شيئا، كيف سأفعل ذلك؟ وأثناء ذلك، ذهبت الاثنتان الأخريان إلى الزوج لإخباره بما حدث: انظر ماذا فعل ذلك الغول، لقد أكل الطفل الذي ازداد حديثا، مازالتْ بقايا الدم في فمه. الأم لم تكف عن البكاء والصراخ: لم أعرف ماذا حدث، أؤكد لكم أني لم أتذكر شيئا. صرخ الرجل في وجهها: أنت أخطر من الحيوان، أكلت ابنكِ الحقيقي. وصاحتْ هي: لم أتذكر أي شيء، ماذا حدث لابني؟ وَجَّهَ الزوج إليها الأوامر، قائلا: من الآن فصاعدا ستصبحين مثل الحيوان، سنتعامل معك كالحيوان، ستنامين وتأكلين مع الحيوانات، وفوق ذلك احذري منهم جميعا. شرعت الاثنتان في الصراخ في وجهها: أنت هو الغول الحقيقي، لقد اِلْتَهَمْتِ ابنك. في هذه الأثناء، حملت الكلبة الطفل وذهبت به إلى الشاطئ، حيث تركته هناك سليما، إلى أن مَرَّ من هناك صياد بمركبه، فلما رأى الطفل، أخذه وأعطاه لزوجته التي تبَنَّتْهُ. ولِحُسْنِ حظ الطفل، فإنه وقع في أيدي عائلة تريد تربيته ورعايته، خاصة أنها بعثته للتعلم في مدرسة قرآنية. لكن أطفال الحي كانوا دائما يقولون له بأنك غريب وليست من هنا، وأن أباك جاء بك من مكان قَصِيٍّ، إلى أن أثار انتباه الأم في أحد الأيام أن ابنها حزين منذ أيام معدودة: يا بُنَي، هل حدث لك شيء؟ لماذا أنت حزين هكذا؟ إني حزين لأن الناس لا يَكُفُّون عن القول لي بأني غريب عن هذا الحي، وأني لم أولَدْ هنا، وأن أبي جلبني صغيرا من قرية بعيدة، يجب أن أعرف الحقيقة، أريد أن تحكوا لي كل شيء. وهكذا، فقد حَكَتْ له الأم الحقيقة كلها. أشكرك أمي على ما حكيت لي، وبالرغم من كل ذلك ستظلين أمي على الدوام. وفي الغد، أعد كل شيء، أخذ فرسه وانطلق إلى المكان الذي يُفْتَرَضُ أنه قريته، وفي منتصف الطريق بدأ يصيح: أريد أن أعرف المرأة التي التهمت ابنها. أجابه بعضهم: نعم، لقد سمعنا الكلام عنها، ولكن هي بعيدة بعض الشيء من هنا. تابَعَ الطريق من جديد، ثم عاد يصيح: أريد أن أعرف المرأة التي التهمت ابنها. أجابه بعضهم: نعم، واصِلْ الطريق مشيا، بعد مسافة قليلة ستجد القرية التي تقطن فيها هذه المرأة الشريرة. تابع الطريق مشيا، ثم صاح: أريد أن أعرف المرأة التي التهمت ابنها. رد عليه صوت: هذه المرأة هي أنا. فسألها: أَأَكَلْتِ ابنكِ الحقيقي؟ فقط الله هو الذي يعرف ما حدث. سألها الولد: أين تسكنين؟ منزلي يوجد هناك في الأمام، لكن أنا أسكن مع الحيوانات، ولا يسمحون لي بالدخول إلى المنزل. اقترب الولد من المنزل، طرق الباب وفتح له الأب، فقال له الولد: صباح الخير أيها الرجل الطيب، أنا ضيف الله، أريد أن أتوضأ وأصلي، ثم أرتاح بعض الشيء. بهذه الكلمات التي تواصل بها مع الأب، أدرك أن الولد متدين، لذلك قرر ضيافته. قال الرجل لزوجاته: هذه الليلة لدينا ضيف، أريد منكن أن تقمن بإعداد عَشاء في المستوى المطلوب. وفي المساء، عندما كان كل شيء معدا للعشاء، طلب الضيف إحضار المرأة الموجودة في الحظيرة. قالت إحداهن: لا، لا يمكن لها هي أن تأكل معنا، إنها امرأة قذرة، من الأحسن أن تبقى مع الحيوانات. أجابها الولد: بالرغم من أنها امرأة قذرة لا يجب احتقارها، إنها من عباد الله مثلنا. وفي الفجر، طلب كمية مهمة من الماء كي يتوضأ، أخذه وذهب به إلى أمِّه: خذي، اغسلي جيدا، والبسي لباسا نقيا. وفي الصباح، عندما رأتِ المرأتان المظهر النقي الذي تبدو عليه هذه المرأة لم تصدقا ذلك، وبدأت شكوكهما تحوم حول الضيف، لهذا اقتربتا منه وقالتا له: لا يجب عليك الاعتناء بها. أجابهما: لماذا، لأنها أكلتْ ابنها؟ أجاب الزوج: الله فقط هو الذي يعرف. إذن، إذا كان الله هو الذي يعرف كل شيء، لماذا تسمح بمعاملتها بهذا الشكل؟ أجاب الزوج مرة أخرى: الله فقط هو الذي يعرف. فقال له الولد: أريد أن أعرف لماذا تعاملونها هكذا؟ لم يستطع الزوج الإجابة. فقال الولد: حسنا، إذا رأيتم الولد الذي التهمته، هل ستعرفونه؟ أجابه الرجل: نعم، الأصبع الأكبر في رجله من ذهب. أزال الولد حذاءه، وأرَى لوالده أصبع الذهب. بدأ الأب والأم يصيحان: يا إلهي، يا إلهي، نعم إنه ابني. فبدآ يقبلانه بدون انقطاع، والأم لم تشرح له ما حدث. أمي، هاتان المرأتان هما اللتان تتحملان مسؤولية كل ما حدث، قولي لي الآن كيف تريدين أن تنتقمي منهما؟ ابني العزيز، فقط أريد أن تُعانيَا كما عانيتُ، من اليوم فصاعدا هما اللتان ستعيشان مع الحيوانات. وبعد مرورنا من هنا وهناك، انتعلت الحذاء وتقطع بي السبل. الحسيمة، 31 غشت 2002. إستعمل حساب الفايسبوك للتعليق على الموضوع