تصدر أحمد بوطالب قائمة السياسيين الأكثر احتراماً وشعبية في هولندا، وتبوأ مناصب عليا هي حلم لكل سياسي..منصب وزير الدولة للشؤون الاجتماعية والعمل ضمن حكومة "يان بيتر بالكنندة" الرابعة، (والذي ينتمي إلى حزب النداء الديمقراطي المسيحي)، كما تولى منصب عمدة روتردام منذ 5 يناير 2009. هولندي الجنسية، من أصل مغربي، ومسلم الديانة، وعضو في حزب العمل الهولندي، اشتغل صحافيا في السابق لفائدة قنوات وإذاعات عديدة بهولندا، فقد كان مراسلا لمؤسسة فيرونيكا للإذاعة والتلفزيون الهولندية، كما اشتغل في إذاعة وتلفزيون لوكسمبورغ-فرع هولندا، وغيرها من المؤسسات الإعلامية..تم اختياره هذه السنة من قبل جمعية الذاكرة المشتركة لرئاسة مهرجان سينما الذاكرة المشتركة في أكتوبر المقبل بمدينة الناظور. كعمدة لروتردام، ورئيس وضيف شرف الدورة المقبلة من مهرجان مغربي أصيل، جرى معه الحوار التالي: خوضاً منا في الشؤون السياسية، العديد من الفاعلين اعتبروا أن هناك أزمة صامتة بين المغرب وهولندا، بسبب ملف حراك الريف. وقد راج أن وزير خارجية هولندا غادر المغرب في آخر مرة وهو غاضب.. ما تعليقك على ذلك؟. إنني أتتبع العلاقات الثنائية بين المغرب وهولندا عن بُعد. كعمدة أتحرك بين الفينة والأخرى في كواليس الدبلوماسية..هذا ما علمني أن جوهر الدبلوماسية هو السرية والاحترام المتبادل. وجها لوجه يمكن الحديث عن كل الملفات، وفي الخارج يتم التركيز على الاحترام. طبعا المغرب وهولندا يقتسمان 400 شخص، سفراء لكلا البلدين، ولكن أيضا منبعا لمشاكل عدة يجب أن تناقش ويجب حلها. أتمنى أن يستمر الحوار والاحترام لمصلحة الجالية المغربية والمصالح العالمية العليا. ما المعايير التي جعلتك توافق على ترؤس الدورة السابعة من مهرجان سينما الذاكرة المشتركة بمدينة الناظور بالضبط؟ لم تكن هناك معايير كثيرة، بل ربما معيار واحد: الثقة في المشرفين على المهرجان، واستقلالية الإخوة المنظمين، وهدفهم السامي المركز على إنعاش الحوار بين الثقافات، من أجل السلم والسلام..أهداف يمكن أن أعانقها بدون تردد. لا شك أنك في تتبعك للشأن الثقافي بالمغرب سجلت ملاحظات، إما تؤكد تطوره أو تراجعه..هلاّ حدثتنا عن ذلك. في نظري، الحديث عن التطور الثقافي في المغرب له جانبان..من جانب المضمون: المناخ الثقافي في المغرب منفتح على العالم، يأخذ من ثقافات بعيدة ويعطي لهذه الثقافات، وهذا شيء جميل. التفتح الثقافي يعبر عن إرادة شعب في مواكبة التطورات في مختلف المجالات، كما نراه في مهرجان الموسيقى الروحية في مدينة فاس، والتفتح أمام موسيقى الجاز الأمريكية، التي هي نوعا ما بعيدة عن التراث الثقافي المغربي. أما من جانب البنية التحتية والنسيج الثقافي فهناك مسافة طويلة لبناء المؤسسات الثقافية. هذا يتطلب النفس الطويل وينافس احتياجات الشعب إلى استثمارات مماثلة في ميادين متعددة، كالتعليم والصحة؛ علما أن المغرب يركز في اقتصاده على السياحة وجلب مستثمرين أجانب..وانطلاقا من تجربتي أريد أن أركز على القطاع الثقافي الذي يشكل حقلا مغناطيسيا لجلب كليهما. هل أنت من متتبعي البرامج الثقافية على القنوات الوطنية؟ لا أتتبع الكثير على الشاشة المغربية؛ وذلك راجع لكثرة العمل وقلة الوقت. من السياسة إلى الثقافة..هل هما مجالان تنشط فيهما معا باستمرار في هولندا، أم أن الاهتمام بالثقافة جاء مع ترؤسك لدورة مهرجان سينما الذاكرة المشتركة بالناظور؟. العمدة في النظام الهولندي تسند إليه مجموعة من المسؤوليات، على رأسها حقيبة الأمن. في روتردام أسندت إلي مؤخرا أيضا حقيبة الثقافة، وميزانيتها أزيد من 100 مليون أورو. إذن ارتباطي بالميدان ليس مجرد هواية فقط. روتردام لها أكبر المهرجانات السينمائية في العالم، وأوركسترا كبيرة للموسيقى السيمفونية ومتاحف كبيرة أيضاً. ونحن في الشهر الفضيل والمكرم، ألا يحدث أن تشتاق إلى الصيام بمدينة الناظور رفقة الأحبة والمغاربة، أم أن الأمر سيان في البلدان الأوربية، ولا فرق في ذلك؟. لا تنسي أنني غادرت المغرب وعمري 15 سنة؛ فالجانب الهولندي والأوربي في هويتي أصبح يهيمن على أفكاري. أحب المغرب كبلد للسياحة وزيارة الأقارب، وليس لي فيه أي دور اجتماعي.. وفي بعض الحالات لا أفهم تحركات إخواني في المغرب، من حيث المعاملات والحريات العامة، كتدخل الدولة في الحياة الشخصية للمواطنين. أحب رمضان وأنا أشتغل طوال النهار بمعدل12 ساعة في اليوم..أعتبره جهادا ضد النفس..ولا يمكن لي أن أتمتع بهذه الظروف إلا في بلدي الثاني. يروج عند المغاربة أن أحمد أبو طالب يلقى استحساناً كبيراً في هولندا، لهذا السبب يواصل شغل منصب عمدة روتردام منذ يناير 2009. في نظرك لماذا تصر هولندا على بقائك في هذا المنصب؟. علاقتي مع روتردام علاقة جميلة منذ السنة الثانية من ولايتي. أظن أن هذا راجع إلى القرب من المواطن، والاستماع مباشرة إلى همومه، والتركيز على العمل المشترك مع المواطنين ومؤسساتهم، من أجل حل المشاكل، ودفع عجلة التقدم إلى الأمام. الاستقامة في العمل السياسي يحبها المواطنون.. أزورهم في أحيائهم مرة كل أسبوعين، على رأس تشكيلة من الموظفين، للاستماع والتدخل بطريقة مباشرة. في هذا السياق انتخبت على الصعيد الوطني للمرة الثانية على التوالي كأحسن مدبر لشؤون المواطنين، كما سميت أيضا شخصية السنة على الصعيد الوطني؛ والحمد لله على هذا الشرف. من تلميذ بالناظور إلى عمدة بهولندا..لا شك أنك إذ تلتفت اليوم إلى مسارك الطويل، كثيرة هي اللحظات القوية التي ظلت راسخة بذاكرتك..هلاّ ذكرت لنا بعضها. فعلا الهجرة لها ثمن غالٍ يؤديه المهاجر. آسف أن أقول إن سبب هجرتي مع والدي إلى هولندا أساسه الفقر في المغرب، وجفاف السبعينيات..عدم توفر الماء الصالح للشرب، وضعف المردود الفلاحي، إضافة إلى انعدام الأمن الاجتماعي مباشرة بعد وفاة جدي رحمه الله، الرجل الذي كان يحمينا في غياب والدي. هناك أيضا لحظات لا أنساها، كالدور الجميل الذي قام به معلم القرية، السيد السقلي محمادي، الذي وافته المنية في الشهر الماضي. رجل واحد علم القرية بأكملها.. رجل متواضع كرس حياته بأكملها في خدمة الآخر.. اللهم اجعله من سكان الجنة. أقول هذا وأنا أحس باحترام كبير للجميل الذي قدمه هذا الرجل وباقي المعلمين في المغرب مباشرة بعد الاستقلال. هل تفكر في ولاية جديدة بهولندا؟ ولايتي الثانية ستنتهي سنة 2021..هذا التاريخ لازال بعيدا، وأنا لم يسبق لي أن فكرت كثيرا في مستقبلي المهني. أطلب من الله الصحة والعافية ولقمة عيش شريفة في أي مجال كان. لا يجب على الإنسان أن يستهدف الحكم بعد ولايته؛ فلكل وقت رجال ونساء معينون، وإذا طرح علي هذا السؤال فسيكون الجواب في منتهى السرية. من روتردام، كلمة في حق الأسماء الريفية التالية: عبد حكيم بن شماش، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، وسليمان حوليش، رئيس بلدية الناظور، وعبد السلام بوطيب، رئيس مركز الذاكرة المشتركة ومدير المهرجان. الإخوان الذين بادروا بمشروع المهرجان يستحقون تصفيقا كبيرا لأنهم تمكنوا في ظروف مادية صعبة من تحقيق حلم جميل للمنطقة، وهو خلق فضاء معاصر للحوار بين كل من أراد العمل من أجل السلم والسلام، واستعمال السينما في مدينة لا تملك قاعة لعرض الأفلام كوسيلة للحوار.