ألجمت الصدمة لسان الكثيرين، من صحافيين وإعلاميين ومتابعين لشؤون "صاحبة الجلالة" في المغرب، بعد التهم التي وجهتها النيابة العامة إلى الصحافي توفيق بوعشرين، مدير نشر "أخبار اليوم وموقع "اليوم 24″؛ فبعد أن كان سقف محاميه يبلغ متابعته بالتحرش الجنسي أو ممارسة علاقات جنسية رضائية في أحسن الأحوال، حلت المفاجأة تحت مسمى تهمة خطيرة ومدوية، وهي الاتجار بالبشر. وذهب محمد زيان، عضو هيئة دفاع بوعشرين، إلى أن قضية هذا الصحافي هي مجرد "تخاريف جحا"، وأن الملف فارغ قانونيا؛ فيما أكد المحامي عبد الصمد الإدريسي أنه طاف على مجموع القانون الجنائي ولم يجد جريمة باسم "الاعتداء الجنسي"، التي وردت في البلاغ الثاني للوكيل العام للملك بالدارالبيضاء. مصدر قضائي مسؤول ردّ على هذه التصريحات بالقول، إن "النيابة العامة عندما نشرت البلاغ الصحافي المذكور لم تكن بصدد كتابة ملتمس فتح تحقيق، أو تحرير عريضة المتابعة، أو تدوين محضر الاستنطاق لتعطي الوصف القانوني للأفعال الإجرامية المرتكبة". وتابع المصدر شارحا: "في تلك المرحلة من البحث، كانت النيابة تتوفر فقط على شكايات بالاعتداء الجنسي تقدمت بها صحافيات ومستخدمات يعملن لدى بوعشرين"، مشيرا إلى أن "هذا ما جعل النيابة العامة تفضل تقديم الأفعال الواردة في الشكاية، بدل أن تعطي وصفا قانونيا للجرائم المرتكبة، وهو ما كان سيمس بقرينة البراءة في مستهل البحث التمهيدي". وفي هذا الموقف "الحساس" الذي يعيشه بوعشرين كان من البديهي أن ترفع النقابة الوطنية للصحافة المغربية لواء الدفاع عن الصحافي المعروف، منتقدة "الطريقة الهوليودية" في توقيفه، فيما اعتبر أعضاء في حزب العدالة والتنمية أن تكليف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالبحث هو مؤشر على استهداف الحياة الخاصة لناشر "أخبار اليوم". ورد مصدر أمني على هذه الحيثية مستغربا بالقول إن "النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف انتدبت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية لمباشرة الأبحاث في هذه القضية، بعدما توفرت لديها قرائن قوية على أن الأفعال المرتكبة تتسم بالوصف الجنائي وتدخل في إطار جرائم مستجدة ومطبوعة بالاستغلال الجنسي". وأكمل المتحدث عينه بأن "هذه مسألة يكفلها القانون لممثل الادعاء من جهة، ويخولها للفرقة الوطنية للشرطة القضائية بحكم اختصاصها النوعي والمكاني الموسّع من جهة ثانية"، وفق تعبيره. المصدر الأمني زاد موضحا "قانون المسطرة الجنائية، وخصوصا المادة ال57 منه، تمنح لضابط الشرطة القضائية صلاحية "الاستعانة بأشخاص مؤهلين للمساعدة في المحافظة على الأدلة القابلة للاندثار وعلى كل ما يمكن أن يساعد على إظهار الحقيقة"، و"أن يحجز الأدوات التي استعملت في ارتكاب الجريمة أو التي كانت معدة لارتكابها وكذا جميع ما يكون ناتجا عن هذه الجريمة". ولفت المتحدث ذاته إلى أن المادة ال65 من القانون الجنائي ذهبت أكثر من ذلك، عندما خولت لضابط الشرطة القضائية "أن يمنع أي شخص مفيد في التحريات من الابتعاد عن مكان وقوع الجريمة إلى أن تنتهي تحرياته". وأمام اتهامات النيابة العامة لبوعشرين، وجدت نقابة الصحافيين المغاربة نفسها في موقف لا تحسد عليه، باعتبار أن المتابع هو صحافي وناشر لجريدة وطنية ومواقع إلكترونية؛ لكن الضحايا المحتملات هن أيضا صحفيات وإعلاميات، ما دفع البعض إلى التساؤل عن الطريقة التي يمكن أن تؤازر بها النقابة الطرفين معا. وتوزعت مواقف قبيلة الصحافيين في البلاد إلى فريقين اثنين: الأول يدافع باستماتة عن بوعشرين؛ فهو "ابن الدار" وزميل صحافي عاشرهم والتقاهم سنوات طويلة، فالزمالة تقتضي مساندته في مثل هذه الظروف، وفريق ثان تراجع إلى الخلف منتظرا مستجدات هذه القضية التي لم تفصح بعد عن كامل أسرارها وخباياها. وفي خضم هذا التجاذب، اتهمت صحيفة "أخبار اليوم"، في عدد الثلاثاء، صراحة جهات لم تعينها بالاسم بكونها زرعت أجهزة تجسس داخل مقر الجريدة، بهدف رصد كل صغيرة وكبيرة في المكان، من أجل الإيقاع بمدير النشر، وبأن الاتهامات التي وجهتها بعض الصحافيات إلى بوعشرين جرى انتزاعها تحت التهديد والترهيب. وتعليقا على اتهامات الجريدة، أكد المصدر القضائي، رافضا الكشف عن هويته، أنها محاولة لتهريب النقاش والالتفاف حول خطورة ما سماها "الجرائم المرتكبة"، مبرزا أن "الفعل موضوع النقاش هو الاتجار بمستخدمات يعانون من الهشاشة والحاجة والضعف وتسخيرهن لأغراض جنسية، وارتكاب جنايات هتك العرض والاغتصاب". ولفت المصدر القضائي إلى أن الشريط المسجل هو قرينة أو دليل مادي يمكن للمحكمة أن تقتنع به أو تستبعده؛ لكن المؤكد، حسب المتحدث ذاته، هو "أن هناك أكثر من خمسين شريطا توثق لاعتداءات جنسية خطيرة"، قال إن مضمونها "سيشكل مادة دسمة للإعلام والرأي العام في الأيام المقبلة"، وفق تعبيره.