“ن ص ح” نصحه و نصح له ينصح بالفتح فيهما نصحا بالضم و نصاحة بالفتح وهو باللام أفصح قال الله تعالى (وأنصح لكم). والاسم النصيحة …و انتصح فلان قبل النصيحة، … و تنصح تشبه بالنصحاء و استنصحه عده نصيحا 1″ ” س د د التسديد التوفيق للسداد بالفتح، وهو الصواب والقصد من القول والعمل، و المسدد الذي يعمل بالسداد والقصد وهو أيضا المقوم … و سد قوله يسد بالكسر سدادا بالفتح صار سديدا. وأمر سديد و أسد أي قاصد و استد الشيء استقام قال الشاعر: أعلمه الرماية كل يوم فلما استد ساعده رماني و سداد القارورة والثغر موضع المخافة بالكسر لا غير ومنه قوله ليوم كريهة وسداد ثغر وهو سده بالخيل والرجال و سد الثلمة ونحوها من باب رد أي أصلحها وأوثقها 2″. “وقومت السلعة واستقمته ثمنته واستقام اعتدل وقومته عدلته فهو قويم ومستقيم3 ” يحلو للكثيرين أن يزعموا وهم يردون على من يتهمهم بأنهم يعملون في قطاع مستهلك غير منتج، أن يزعموا أنهم يعملون في معمل يصنع بشرا، ويحلو للآخرين وهم يردون على من يعتبر عملهم من أبسط و أسهل الأعمال على وجه البسيطة أن يزعموا أن عملهم من أصعب الأعمال. الحقيقة أن في الزعميين شيئا غير يسير من الحق، أو قل بلا مبالغة إنهما الحق بعينه . إن المدرسين لا ينتجون منتوجا ماديا يصنع في ظرف وجيز ليدخل غمار المنافسة في الأسواق الوطنية أو الدولية، لا ينتجون لا سكرا ولا شايا حتى الدقيق لا ينتجون، لا ينتجون هواتف نقالة ولا أجهزة كمبيوتر. إن مهنتهم من أصعب المهن لأنهم في معملهم لا يتعاملون مع قصب السكر ولا مع أوراق الشاي الأخضر، وليست المادة الأولية في صناعتهم معادن ولدائن. فما ينتج المدرسون؟ وما سر صعوبة مهنتهم؟ ينتجون من يصنع السكر والشاي والهواتف النقالة وأجهزة الكمبيوتر، إنهم يصنعون أو قل إن شئت إنهم يحاولون أن يصنعوا إنسانا، وع معنى يصنعون الإنسان لأن الإنسان الذي يصنع المدرس شخص ذو أفكار وأخلاق وأحاسيس وليس آلة جامدة هامدة مختصة في صنع قوالب سكر أو هواتف ذات أشكال يخطئها العد . ومهنة المدرس صعبة لأنه لا يتعامل مع مادة جامدة خامدة معروف خصائصها محدودة، لكنه يتعامل مع مخلوق حي يفرح ويحزن ويغضب ويرضى ويمرض ويجوع ويعرى ويقلق ويثور ويتمرد…لذلك يستحيل وضعه في قوالب. إن صناعة إنسان سوي، يعني صناعة أمة سوية قوية، وهي صناعة لا تتم بين عشية وضحاها، وهي صناعة صناعها كثيرون، أعني أن المدرس ما هو إلا فرد واحد ضمن خلية متعددة الأفراد تعمل عملا واحدا. ويمكن تحديد صناع الإنسان في المدرس ووسائل الإعلام والأسرة والمجتمع والأيام أو الزمان أو الدهر: ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك بالأخبار من لم تزود ويأتيك بالأخبار من لم تبع له بتاتا ولم تضرب له وقت موعد. هذه هي صناعة المدرس، وتلك مادته التي ليست ملكا خالصا له، وحينما قلنا إن الأسرة والمجتمع ووسائل الإعلام والأيام…أفراد يشاركون في الصناعة ذاتها، فإننا لم نكن لنقصد أن أولئك يعملون دائما في انسجام مع المدرس، قد يكون أولئك يصنعون ما يعقد عمل المدرس، وهذا دليل آخر يثبت أن عمل المدرس عمل صعب ومعقد. من هنا فالمتعلم صفحة بيضاء ووعاء فارغ لابد أن يملأ بالصالح والطالح، بالغث والسمين، وعليه فمهمة المربي مزدوجة: ملء وإفراغ. وإن شئت قل إن المتعلم غصن في طور النمو تهب عليه رياح حينا وريح أحيانا، فيتقلب حيثما هبت ونظرا لكثرة تقلبات الريح فإنه لا محالة سينمو وفيه اعوجاجات إذا لم يوجد من يقوم. هكذا لا يمكن للمتعلم أن ينمو سليما من الاعوجاج دون مقوم ومسدد وناصح، وهكذا يمكن التساؤل هكذا: هل المدرس يقوم بهذه الأفعال: قوم، سدد، نصح؟ وهل من اختصاصه أن ينصح ويقوم ويسدد؟ ألا تكون تلك الأفعال من اختصاص رب الأسرة؟ نكاد نجزم أن المدرسين أغلبهم همهم الأول هو الحرص على إنجاز مقرر المادة بحذافيره في الوقت المحدد، ونكاد نجزم كذلك أنهم لا يبخلون بتوجيه المتعلمين إلى بذل جهود للرفع من مستواهم: نقطكم هزيلة، عليكم أن تجتهدوا أكثر. غير أنهم لن يكرروا هذه النصيحة مرة أخرى لأسباب يعرفونها. منها أنهم يعتبرون هذا من قبيل” شرح الواضحات من الفاضحات” فالمتعلم ليس في حاجة إلى أن نقول له إن مستواك ضعيف، عليك أن تجتهد. لأنه يعرف ذلك، أو أنه لا يريد أن يجتهد فما جدوى نصح من لا ينتصح. زد على ذلك أن الوعظ والإرشاد ليس من اختصاص المدرس، عليه أن يشرح الدرس كما يجب وعندئذ من شاء فليجتهد ومن شاء فليتهاون. إن قولنا للمتعلم: مستواك ضعيف؛ عليك أن تجتهد ليس توجيها ولا تسديدا. لماذا؟ بكل بساطة لأننا لم نوجهه إلى وسائل الاجتهاد. لم نبين له كيف يجتهد، إذن ليس دائما ضعف المتعلم في مادة واحدة أو بعض المواد أو جميعها مفسرا بالإهمال، فقد يود المتعلم تحسين مستواه ويبذل جهودا لكنه يفشل لأنه لا يعرف كيف يطور مستواه. لماذا لا تهتم بالفرنسية؟ أنا ضعيف في الفرنسية ولا أستطيع مسايرة الدروس! مستواي في المواد جميعها ضعيف وأظن أنه فات الأوان لتدارك الموقف…هذه ثغرات يمكن تسديدها أيها المتعلم. لن أنصحك بالدروس الخصوصية، غير أنني أنصحك بدروس ذاتية، أصفها لك في وصفة أرجو أن تعض عليها بالنواجذ: امنح نفسك الثقة التامة بأنك قادر على تطوير مستواك. ضع في الحسبان أن هذا التطوير سيستغرق مدة طويلة، تطول وتقصر حسب مقدار الجهد المبذول، لذا لا تدع اليأس يتسرب إليك ومجهودك لم يستكمل شهرين على الأقل. ضع تصميما زمنيا دقيقا لعملك، وزع المواد على أيام الأسبوع توزيعا حسب ضعفك في المادة، ولا تهمل أي مادة، احمل نفسك على تطبيق هذا البرنامج تطبيقا حرفيا. إذا كنت ضعيفا في الفرنسية أو الإنجليزية مثلا، لا تتردد في قراءة المعاجم التي تترجم الفرنسية والإنجليزية إلى العربية، تتبع الدروس المقررة وابحث عن شرح كل كلمة لا تعرف معناها، ثم اكتب مقابلها بالعربية(بقلم الرصاص) في كتابك، كي يسهل تذكرها. اقرأ الدرس قبل شرحه في القسم، و في القسم انتبه ولا يشغلنك عنه شاغل، لا تخجل في استفسار أستاذك أو أصدقائك عما لم تفهم. شارك في الدرس، لأن المشاركة تفتح ذهنك وبها تصحح أخطاءك، كما تنمي الثقة بالنفس والجرأة على الكلام، والمشارك في الدرس لا يتسلل إليه الملل بل تقصر عنده الحصة. عد إلى مقررات المستوى السابق وراجع دروسها جميعها ثم أحسن توظيف ما يمكن توظيفه في دروس مستواك الحالي. عود نفسك على كثرة المطالعة، طالع ما تفهم وتحب واجعل ما تقرأ متنوعا، قصة، رواية، شعر، رسالة… احرص على الكتابة بعد القراءة، لأن الكتابة هي اختبار ذاتي يقيس مدى استفادتك مما قرأت ومما سمعت في الدرس، وهي بمثابة امتحان تجريبي يساعدك على تقويم ذاتك بذاتك، تتساءل: ماذا تكتب؟ هذه الكتابة هي إجابة عن أسئلة متوقعة في الفرض والامتحان، ذلك أن الفرض والامتحان لا يخرج عما هومقرر، ومصدر هذه الأسئلة إما أن يكون كتابا مدرسيا أو أي كتاب آخر أسئلته لها علاقة بالمقرر، ولا شك أن أحسنها تلك المجلات التي تعنى بجمع أسئلة الامتحانات الوطنية وتقدم لها إجابات مثل مجلة”باك”. اقرأ هذه المجلات بعد قراءة الدروس المقررة، ثم أجب عما فيها من أسئلة ثم صحح أخطاءك ، إن هذا العمل يمنحك ثقة كبرى وأنت مقبل على اجتياز فرض أو امتحان، فحالتك هذه حالة من اجتاز امتحانا واحدا مرات عديدة، أما إذا أقبلت على الامتحان وقد اكتفيت بالقراءة فإنك ستفاجأ بأن ما قرأته أتى عليه النسيان، والحقيقة ليس نسيانا ولا أي شيء آخر إنما هو نتيجة حتمية لوهم يتكون عادة عند من يكتفي بالمراجعة الشفوية، وعليه فالكتابة تثبت المقروء وتكشف عن حقيقة استعدادك. احرص على المراجعة الجماعية، مع أصدقائك خاصة من هم أحسن. وإليك جدول توضيحي للتوزيع الزمني والمواد على أيام الأسبوع. ولك الحرية في أن تلائم زمن القراءة والمراجعة والاستعداد حسب أوقات فراغك طوال الأسبوع، ولك أن تمدد مدة القراءة وتضاعفها حسب ضعفك في مادة لكن احمل نفسك على ألا تقل المدة عن ساعتين، كما يجب أن توزع وقت المراجعة توزيعا عادلا على مكونات المادة الواحدة، إذ ليس نافعا أن تنفق ساعتين في قراءة مكون الدرس اللغوي مثلا وتهمل المؤلفات وباقي مكونات مادة اللغة العربية. ومفيد جدا أن تعلم أن الخبراء يرون أن أوقات المراجعة وأماكنها متفاوتة الفائدة. ولعل أفيد وقت القراءة هو الصباح الباكر والليل، ذلك أن ذهن الإنسان يكون قد أخذ ما يكفيه من الراحة في النوم ومن ثم يصبح أكثر تركيزا وقوة على الاستيعاب والتخزين. كما أن القراءة ليلا مفيدة لأنها يعقبها النوم الذي يثبت في الذاكرة ما قرئ بالإضافة إلى أن الليل يستجمع قوى العقل. ويرى الخبراء أن ذهن الإنسان يحتاج إلى راحة بعد مجهود معين كي يقوم بوظيفته على أكمل وجه، فهم ينصحون أن نريح الذهن مدة خمس عشرة دقيقة في كل ساعة وبدون هذه الاستراحة فإن القراءة تبقى قراءة فارغة من التركيز والفهم أي أنها قراءة حسية بالعين واللسان لا غير. أما الأماكن المفيدة فلا يمكن حصرها، غير أنهم يشترطون أن تكون هادئة بعيدة عن الضوضاء والضجيج، ولعل هذا ما يفسر أهمية المراجعة في الليل المتأخر والصباح الباكر حيث يسود الهدوء وتقل حركة الناس ، وعلى كل حال يحسن اختيار مكان هادئ مساعد على التركيز سواء ليلا أم في وقت آخر. ونرى أن هناك هيئتين للقراءة السليمة لا ثالث لهما، الأولى الثبات في مكان واحد، الثانية المشي. أما الثبات أي الجلوس في مكان معين فيقتضيه كل ما يحتاج إلى فهم لأن الجلوس يعني الهدوء، أما المشي في اتجاه واحد أو في شكل دائري أو الذهاب والإياب فهو الهيئة المساعدة على الحفظ. هكذا نظن ظنا قريبا من اليقين أن المتعلم إذا التزم بهذه التوجيهات جميعها وواظب عليها سيتحسن مستواه بشكل لافت ومغري. وهذه التوجيهات لا يحتاجها المتعثرون بل كل متعلم ينشد النجاح والتوفيق. إن هذه الوصفة ليست محدودة بمدة شهرين أو أكثر، إنها وصفة يجب تتبعها مند بداية السنة الدراسية على الأقل إلى نهايتها، وهي ليست خاصة بمستوى من المستويات، إنها صالحة للمتعلم في الابتدائي والإعدادي والثانوي والجامعي. لا يجب أن يفهم مما سبق أننا نحث على التعلم الذاتي خارج القسم ونقلل من شأن التعلم داخله، إننا نحث في المقابل على الانتباه داخل القسم، لأن ذلك من أهم شروط فهم الدرس واستيعابه، والانتباه معناه أن تستمع أيها المتعلم لما يقال في القسم من مدرسك ومن زملائك، على أن يكون هذا الاستماع بأذن العقل، ويرى العلماء أن الاستماع مصدر هام في كسب العلم ولذلك يقال:” العلم يؤخذ من أفواه العلماء”، كما نجد العلم في القرآن الكريم مقرونا غالبا بالاستماع قال تعالى:(وِإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ4) ، وقال جل وعلا :( حم وَالكِتَابِ المُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ، إِنَّا كُنَّا مُنْذَرِينَ، فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا، إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ، رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ5) وقال تعالى: (وإن تولوا فإنما هم في شقاق، فسيكفيكهم الله إنه هو السميع العليم) . كم جهد تحتاج لفهم درس لم تحضره؟ وما أصعب هذا الدرس! هنا تتجلى أهمية الانتباه، فهو يعفيك من ذلك الجهد ويبدد تلك الصعوبة، زد على ذلك أنه يشركك في الدرس وعندئذ يصبح ممتعا مفيدا غير ممل وتصير ساعة المادة قصيرة غير طويلة، ألا ترى معي إذن أن الانتباه خير كله وهو إلى ذلك خلق من الأخلاق الحسنة وأدب من آداب التعلم التي يجب أن يتصف بها المتعلمون عامتهم. ومما يؤسف له أن الانتباه غائب عند متعلمينا، فهم لا يسمعون ولا يريدون أن يسمعوا، بل هم لاهون مند بداية الحصة إلى نهايتها في كلام ثنائي وثلاثي ورباعي…غير مبالين لما يقال في الدرس، إن ذلك لأقبح خلق، فالكلام بل الثرثرة في القسم تعبير عن الغفلة والجهل وسوء الأدب الذي لا نرضاه للمتعلم، أنى لهذا التلميذ أن يتعلم وهو غافل لاه؟ إننا نحسب هذه المنهجية فعالة وناجحة في تحسين المستوى من جهة، وفي الإعداد الجيد والسهل للامتحان أو الفرض من ناحية أخرى. ومعلوم أن المتعلمين لا يستعدون للفرض أو الامتحان إلا في وقت متأخر، قبيل موعد الامتحان بأيام أو أسابيع، وفي نظرنا هذه ثغرة لابد من تسديدها، فإذا كان الامتحان شرا لا بد منه فإن الإعداد له لا مفر منه. لكن متى أعد؟ وكيف؟ إن الإعداد للامتحان لا يتم في أيام قليلات قبيل موعد الامتحان. كيف يمكن أن تضبط وتنظم وتراجع معارف ومعلومات في مواد شتى، عرفتها بعض المعرفة طوال نصف عام أو عام في مدة وجيزة لاتتجاوز عشرين يوما في الغالب الأعم. إنك حينما تنظم المراجعة منذ بداية السنة متبعا الوصفة السابقة تستعد بتلقائية وبشكل جيد وطبيعي للامتحان، هكذا إن طبقت الوصفة من بداية السنة فإنك لن تحتاج إلى إرهاق نفسك قبيل الامتحان، إنك تشعر كلما اقترب الامتحان أنك على استعداد لاجتيازه وأنك تسيطر على المقرر بشكل تام، ولن تعاني ما يعانيه من يؤجل الإعداد إلى اللحظات الأخيرة، فمن المنطقي أن يعجز الفرد مهما بذل من جهود عن مجرد قراءة واحدة سطحية لدروس استغرقت نصف عام أو عام كامل. والآن، بعد أن عرفت متى يبدأ الإعداد للامتحان، كيف تستعد له؟ لقد بينا كيفية الاستعداد للامتحان فيما سميناه وصفة؛ وصفة تحسين المستوى. ونود أن ننبه المتعلمين إلى أننا لا نحث على الحفظ الذي يلجأ إليه العديد من التلاميذ والطلاب، فهم يخيل إليهم أن النجاح في الامتحان يستلزم حفظ ما تمت دراسته حفظا عن ظهر قلب، لذلك تراهم يلوكون كلاما كثيرا في مواد شتى: الاجتماعيات والإسلاميات والعربية وربما الفرنسية والفيزياء والرياضيات، وهذا في نظري خطأ منهجي يجب تصويبه، ذلك أن الحفظ وحده لا يسمن ولا يغني من جوع في مقامات كثيرة، لا سيما إذا كان هذا الحفظ غير مقرون بالفهم. إننا لا نرفض الحفظ رفضا مطلقا، لأن للحفظ فوائد لا تنكر، لكننا نرفض الحفظ الأعمى لأنه خنق للتفكير وتعطيل للعقل، وفي المقابل نحث على الحفظ البصير، أي المقرون بالفهم. فالفهم يساعد على الحفظ وييسره وكلما كان المحفوظ مفهوما ترسخ في الذهن وعز على النسيان أن يمحوه. إن الحفظ في حقيقة أمره ما هو إلا قراءة وقراءة وقراءة، أي تكرار القراءة، حتى يعلق المقروء في الذاكرة ويقع في حبالها. وبالتكرار يتضح المقروء ويفهم، فكثيرا ما نقرأ شيئا مرة واحدة فلا نفهم شيئا أو نفهم بعض الفهم لكن حينما نعيد القراءة مرة أو مرات تتبدى لنا أمور جديدة كأننا نقرأ غير الذي قرأناه أول مرة. وعليه فإن القراءة بعين العقل مرات متعددة في زمن طويل هو في نهاية المطاف حفظ رفيع محمود. العبرة ليست” بكثرة القراءة ولكن بدقتها”، إن أهم شرط للقراءة المفيدة “أن تكون مزدانة بالتركيز والادكار”، فلا خير في قراءة كثيرة مضطربة لا عمق فيها ولا تركيز.