دويتشه فيله أشهرا بعد تشكيلها، تجد حكومة العثماني بالمغرب نفسها دون أربعة وزراء، أقالهم الملك بسبب "اختلالات" في مشاريع مدينة الحسيمة، فكيف سينعكس الوضع على منطقة الريف التي لم تهدأ أوضاعها منذ مقتل بائع سمك في شاحنة نفايات؟ في اليوم ذاته الذي شهد أوّل جلسة محاكمة علنية لعدد من قيادات "حراك الريف"، من بينهم ناصر الزفزافي، جاء الخبر الذي وصفته عدة وسائل إعلام مغربية ب"الزلزال السياسي"، إثر إعلان إقالة الملك محمد السادس لأربعة وزراء في حكومة سعد الدين العثماني ومسؤول كبير، ومنع وزراء سابقين من تقلّد مناصب رسمية جديدة، والسبب: "التقصير في القيام بالمسؤولية تجاه مشروع الحسيمة منارة المتوسط"، بناءً على تحقيقات المجلس الأعلى للحسابات. ما يُعرف في المغرب ب"الغضبة الملكية" أتى هذه المرة في إطار قاموس من الاهتزاز الأرضي السياسي بدأ بالخطاب الأخير للملك في البرلمان، وليس السبب سوى تداعيات حراك الريف الذي يستعد لإطفاء شمعته الأولى هذا الأسبوع. ففي أمس الثلاثاء الذي صرخ فيه الزفزافي، من داخل قاعة المحكمة بالدار البيضاء: "الموت ولا المذلة"، متشبثا بالمطالب التي من أجلها خرج الآلاف من سكان الريف المغربي، جاء بلاغ الديوان الملكي مؤكدا وقوع اختلالات كبيرة في مشروع ملكي أُطلق عام 2015 لتنمية الحسيمة، لكنه بقي تقريبا حبرا على ورق. من هم المعنيون ب"الغضبة الملكية"؟ الإقالة شملت محمد حصاد، وزير الداخلية السابق، الذي يتقلد حاليا منصب وزير التربية الوطنية والتعليم الحالي، ومحمد نبيل بنعبد الله، وزير إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، بصفته وزير الإسكان وسياسة المدينة في الحكومة السابقة، ومحمد الوردي وزير الصحة في الحكومتين الحالية والسابقة، والعربي بن الشيخ، المدير العام للتكوين المهني وإنعاش الشغل وكاتب الدولة في وزارة التعليم، زيادة على علي الفاسي الفهري، المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب. كما أعلن الديوان الملكي عن رفض إسناد أيّ مهمة مستقبلية لخمسة وزراء سابقين ليسوا طرفا في الحكومة الحالية، وهم رشيد بلمختار، ولحسن حداد، ولحسن السكوري، ومحمد أمين الصبيحي، وحكيمة الحيطي، زيادة على اتخاذ تدابير في حق 14 مسؤولا إداريا، وقد أشار الديوان في بلاغه إلى أن عدة قطاعات وزارية ومؤسسات عمومية لم تفِ بالتزاماتها في إنجاز المشاريع، وتهرّبت من مسؤولياتها، فضلًا عن عدم إطلاق الغالبية العظمى من المشاريع المبرمجة، بينما في الجانب الآخر، أشاد الملك ب"جهود" الحكومة الحالية في الإسراع بتنفيذ البرامج. هل تأخر القصر الملكي في التجاوب؟ سواء قبل أو بعد موجة الاعتقالات التي طالت العشرات من أبناء الريف منذ ماي/أيار الماضي لتهم متعددة يتمحور العديد منها حول "المس بالسلامة الداخلية للدولة"، توجهت أنظار المغاربة إلى القصر الملكي انتظارا لأوّل موقف رسمي يخصّ حراكًا شعبيًا هو الأكبر بالمغرب منذ ما سُمي ب"الربيع العربي". أوّل إشارة ملكية واضحة جاءت يوم 26 يونيو/حزيران في اجتماع وزاري جمع الملك بأعضاء الحكومة، عبّر خلاله عن غضبه من تأخر البرنامج التنموي الخاص بالحسيمة، وأمر بفتح تحقيق في الموضوع، كما منع عدة وزراء معنيين بالبرنامج من العطلة السنوية. بعد ذلك، جاءت مناسبة عيد العرش التي عفا فيها الملك عن بعض معتقلي "حراك الريف"، كما أشار في خطابه بالمناسبة إلى أن "القوات العمومية وجدت نفسها وجها لوجه مع الساكنة في الحسيمة"، بسبب "تراجع الأحزاب السياسية وممثليها عن القيام بدورها"، ثم أعلن الديوان الملكي، بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي، عن استقبال رئيس المجلس الأعلى للحسابات، ورئيس الحكومة، ووزيري الداخلية والمالية، حيث توصل الملك بخلاصات التحقيق الذي أمر بإنجازه حول مشاريع الحسيمة. ردود المعتقلين وعائلاتهم لم يتأخر نبيل أحمجيق، الذي يوصف ب"دينامو الحراك"، والمُضرب عن الطعام منذ 43 يوما بسبب ظروف الاعتقال، عن إعلان وقف معركة الأمعاء الفارغة في جلسة المحاكمة، متحدثا عن أن هذا القرار يأتي تفاعلا مع الخطوة الملكية ورأفة بأسرته واستجابة لعدة نداءات. قرار أحمجيق كان هو الأبرز بعد صدور بلاغ الديوان الملكي، قبل أن يؤكد منسق عائلات معتقلي الريف بالدار البيضاء أن كل المضربين عن الطعام قرروا التوقف عن الإضراب بدءا من اليوم الأربعاء. في وقت قررت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، تأجيل النظر في الملفات إلى غاية 31 من أكتوبر/تشرين الاول الجاري. يؤكد فريد الحمديوي، منسق عائلات معتقلي الريف، في تصريحات لDW أن عائلات المعتقلين تفاعلت داخل المحكمة بشكل إيجابي مع القرارات الملكية ورفعت شعارات من قبيل "عاش الملك"، مردفا: "ما المانع الآن من حسم الملف وإيجاد حل سياسي بدل انتظار حل قضائي؟ إذ يمكن الدفع نحو عفو عام عن المعتقلين، بدل الحكم عليهم بناءً على اتهامات ثقيلة لا علاقة لهم بها". ويتابع الحمديوي أنه متفائل بشكل كبير إزاء أثر القرارات الملكية الجديدة: "كنا دائما نحمل الأمل، وبلاغ الديوان الملكي يُعطي إشارات إيجابية لحلّ الملف، فقد أكد على شرعية الاحتجاجات عبر الإشارة إلى الاختلالات التي طبعت مشاريع الحسيمة، وأعطى دليلا على أن من خرجوا للاحتجاج كانوا على حق، فهم لم يختاروا التظاهر إلّا بعد التقاعس في تنفيذ مشاريع كانت الساكنة في حاجةٍ ماسةٍ إليها". أيّ أثر على الاحتقان بالريف؟ رغم انحسار الاحتجاجات في الريف بسبب المنع الذي قوبلت به أكثر من مرة واعتقال جلّ الوجوه البارزة وتشديد الحضور الأمني بالمنطقة، إلّا أن حراك الريف لا يزال متجسدا في الشبكات الاجتماعية وفي مواقف المعتقلين المضربين عن الطعام ورسائلهم وكذا في تصريحات عائلاتهم وتحرّكات بعض المنظمات الحقوقية، ممّا يثير سؤالا حول أثر قرارات الملك على الوضع في الريف. ورغم أن مطلب إطلاق سراح المعتقلين هو الأكثر إلحاحًا كما يظهر في جلّ مواقف المدافعين عنهم، إلّا أن فريد الحمديوي يؤكد أنه لم يتم التراجع عن المطالب التي رفعها الحراك منذ بدايته: "هناك ترتيب أوليات الآن، نشدّد على إطلاق سراح المعتقلين أوّلا لأنه سيشكل انفراجًا كبيرًا في الأزمة ولأن استمرار سجنهم سيترك الوضع متشجنا، ثم يأتي بعد ذلك الحرص على تنفيذ المشاريع وتلبية مطالب الساكنة من توفير جامعة ومستشفى للسرطان وغير ذلك". في الجانب الآخر، لا يحمل عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، الكثير من التفاؤل: "صحيح أن بلاغ الديوان الملكي يشكّل هزة سياسية عنيفة ومنعطفًا تاريخيًا، إلّا أننا نتساءل لماذا لم يتم اتخاذ قرار بحق من يشرف على قطاع الصيد البحري الذي يعرف اختلالات كبيرة والأمر ذاته بخصوص من يشرف على تدبير جهة الحسيمةطنجة تطوان؟" مردفا أن هناك مشاريع عديدة في مناطق أخرى من المغرب تشهد اختلالات كبيرة لم يتم فتح أيّ تحقيق بشأنها. ويتابع الخضري، في تصريحات لDW عربية، أن هناك "جيوب مقاومة إصلاح في وزارة الداخلية، وهناك مسؤولون سامون يشتغلون بعقيدة التعليمات وليس لديهم تكوين تُجاه خدمة التنمية بالمعنى الديمقراطي"، متابعا أن قرارات الإعفاء قد يكون لها تأثير في خفض الاحتقان، لكن فقط على المدى القصير، لأن المعضلة تتعلق ب"عدم امتلاك الحكومة لمفاتيح تدبير السياسات العمومية"، ولأن حلّ الأزمة رهين ب"إرادة حقيقة للدولة مع استعداد الفعاليات السياسية والمدنية للعمل المتكامل وللمصالحة، عبر البدء أولا بإلغاء المتابعات في حق المحتجين". إسماعيل عزام