زلزال سياسي أحدثه ملك المغرب، محمد السادس، بعد أن أطاح بعدد من الوزراء والمسؤولين بتهمة التقصير في برنامج تنمية مدينية الحسيمة، التي شهدت اضطرابات كبيرة منذ العام الماضي (2016)، فيما بدا للكثيرين أن رئيس الوزراء، سعد الدين عثماني، آخر من يعلم بهذه التغييرات الكبيرة في حكومته. التغييرات -أو الزلزال كما سماها البعض في المغرب- فتحت الباب لتساؤلات عديدة؛ منها: هل يكفي هذا التعديل الوزاري لامتصاص الغضب في الحسيمة، أم أن هدفه معاقبة حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي يقود الحكومة عبر الإطاحة بعدد كبير مِن ممثلي شركائه في الائتلاف الحكومي، مثل الحركة الشعبية وحزب التقدم؟ نتائج غضبة الملك وجّه الملك في خطاب العرش، الذي أعقب احتجاجات الحسيمة الصيف الماضي، نقداً لاذعاً للطبقة السياسية وللمسؤولين، فيما بدا أنه تحميل مسؤولية الأحداث لهم، وأمر بإجراء تحقيق لمعرفة المقصرين في تنفيذ برنامج تنمية المنطقة المسمى برنامج "الحسيمة منارة المتوسط". وفِي أكتوبر 2017، قدم إدريس جطو، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، للملك تقريراً يبدو نهائياً يتضمن نتائج وخلاصات المجلس حول برنامج "الحسيمة منارة المتوسط". وأشار التقرير إلى أن " التحريات والتحقيقات أثبتت وجود مجموعة من الاختلالات تم تسجيلها في عهد الحكومة السابقة، التي ترأسها عبد الإله بنكيران، أبرزها أن عدة قطاعات وزارية ومؤسسات عمومية لم تفِ بالتزاماتها في إنجاز المشاريع، ولكن أكد هذا التقرير كذلك عدم وجود حالات غش أو اختلاسات مالية". كما لاحظ المجلس أن الغالبية العظمى من المشاريع المقررة لم يتم إطلاقها أصلاً. رؤوس كبيرة هذه الخلاصات كانت كافية لتطيح بعدد من الوزراء، وعدد من المسؤولين؛ إذ أعفى الملك 3 وزراء في الحكومة الحالية؛ بسبب تقصيرهم في مناصب وزارية أخرى بالحكومة السابقة؛ منهم محمد حصاد، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، بصفته وزير الداخلية في الحكومة السابقة، حسبما ورد في البيان الصادر من القصر الملكي . كما أصدر العاهل المغربي قراراً بحرمان عدد من الوزراء في الحكومة السابقة من تولي المناصب، وتم إبلاغهم أنه لن يتم إسناد أي مهمة رسمية لهم مستقبلاً. هل استشار الملك رئيس الحكومة؟ في ثنايا بيان الديوان الملكي المغربي، وردت عبارة تفيد بأن الملك أعفى عدداً من الوزراء والمسؤولين طبقاً لأحكام الفصل ال47 من الدستور، ولا سيما الفقرة الثالثة منه، وبعد استشارة رئيس الحكومة. اللافت أنه بالرجوع إلى التصريحات الأخيرة لرئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، نجد أن هذا الأخير نفى قبل أيام وجود نية لإجراء تعديل حكومي موسع، مؤكداً عدم صحة ما تردد إعلامياً بخصوص إجراء تعديل حكومي على الحكومة الحالية. "العثماني" آخر من يعلم! يقول المحلل السياسي إدريس الكنبوري ل"هاف بوست عربي"، إن القرارات التي اتخذها الملك كانت مفاجأة للجميع، وضمن ذلك رئيس الحكومة نفسه الذي لم يكن على علم بما سيحدث، وإن كان هناك إدراك مسبق لدى مختلف المسؤولين بأن القصر يعد لقرارات جريئة، خصوصاً بعد تهديد الملك في خطاب افتتاح البرلمان مؤخراً بإحداث "زلزال سياسي". وقال الكنبوري إن "كلمة (تشاور( التي جاءت في بلاغ الديوان الملكي لم تكن (مناسبة)، على اعتبار أن الأمر لا يتعلق بتعديل وزاري يقتضي التشاور مع رئيس الحكومة كما ينص على ذلك الدستور؛ بل الأمر -حسب الكنبوري- يتعلق بالمحاسبة والعقاب، بناء على تقرير للمجلس الأعلى للحسابات؛ ولذلك فإن الأمر خارج عن سلطة رئيس الحكومة". المعتقلون يهتفون باسم الملك.. فهل يفرج عنهم؟! بمجرد صدور بلاغ الديوان الملكي القاضي بإعفاء عدد من الوزراء والمسؤولين، شهدت محكمة الاستئناف في الدارالبيضاء، التي تشهد محاكمة مجموعة "الزفزافي"، قائد حراك الريف ومن معه، أجواء فرح، حيث أخذ معتقلو الحراك وعائلاتهم في ترديد شعار "عاش الملك"؛ تفاعلاً مع القرار الملكي. هذا الأمر دفع بالعديدين إلى مطالبة الملك بإصدار عفو شامل على المعتقلين على اعتبار أن إقالة المسؤولين عن تعثر برنامج "الحسيمة منارة المتوسط" إشارة ضمنية إلى براءتهم من التهم التي وُجهت إليهم؛ بل إنه يرجع إليهم الفضل في فضح هؤلاء المسؤولين، الذين أطاح بهم اليوم تقرير المجلس الأعلى للحسابات. وفي هذا الصدد، طالب عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، الدولة المغربية بالتراجع عما وصفها ب"الاتهامات الخطيرة" التي وُجهت لمعتقلي حراك الحسيمة؛ لكونهم ناضلوا من أجل مطالب مشروعة، ناجمة عن اختلالات في تنفيذ مشاريع تنموية، معتبراً أن "التهم التي يحاكمون بها ثقيلة، أُلقيت عليهم تعسفاً وظلماً، ودون أدلة موضوعية"، حسب قوله . ويقول الناشط الحقوقي المغربي ل"هاف بوست عربي"، إن التفاعل الايجابي للمعتقلين مع قرارات الملك وتعليقهم الإضراب عن الطعام، خير دليل عن صدق نيتهم وموضوعية نضالهم المشروع. وأضاف: "نتطلع إلى عطف ملكي تجاه هؤلاء المعتقلين، كمؤشر قوي للتخفيف من الاحتقان السائد، خاصة في إقليمالحسيمة"، معتبراً أن هذه المبادرة الملكية سيكون لها وقع كبيرعلى نفوس المواطنين، في كل المغرب. السبب الحقيقي لهذا الزلزال تم ربط إعفاء الملك محمد السادس للوزراء والمسؤولين بتقصيرهم في أداء مهامهم، وتنفيذ برنامج "الحسيمة عاصمة المتوسط". لكن، بالرجوع إلى التقارير الدورية التي يصدرها المجلس الأعلى للحسابات، سنجدها حبلى بالفضائح المالية والكثير من الاختلالات المرتبطة بالحكامة وتنفيذ المشاريع، لكن لا أحد تجرأ على فتح تحقيق بشأنها. هذا الأمر يطرح تساؤلاً عن الأسباب الحقيقية لقرار الملك إعفاء الوزراء؟ هل هو بسبب تعثر برنامج "الحسيمة منارة المتوسط" أم محاولة لإرضاء الرأي العام؟ في هذا الصدد، يؤكد خالد أوخراز، أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بكلية الشريعة والقانون في أكادير، أنه لا يمكن إخفاء أن النظام يحاول تهدئة الأجواء، وإظهار نفسه على أنه يتجاوب مع توقعات المواطنين، وخاصة سكان الريف. وقال ل"هاف بوست عربي" إن النظام شعر بالحرج إعلامياً وخارجياً وداخلياً، فدعا الملك إلى تشكيل لجنة التحقيق في برنامج "الحسيمة منارة المتوسط، واستغل الخطابات التي تلت الحراك ليحمّل المسؤولين والحكومة المسؤولية كاملة حيال ما وقع في الحسيمة، خصوصاً بعدما وجد نفسه مباشرة أمام المحتجين وبعدما فقد الكل الثقة بآليات الوساطة الاجتماعية من أحزاب، وحكومة وبرلمان". الخاسر الأكبر يتكهن البعض بأن يؤدي عزل عدد من الوزراء و المسؤولين إلى فتح الطريق أمام حزب الاستقلال لدخول الحكومة، الشيء الذي يعني إمكانية عزل حزب العدالة والتنمية داخل الائتلاف الحكومي. في هذا الإطار، يؤكد الأستاذ في العلوم السياسية خالد أوخراز، أن "حزب التقدم والاشتراكية -الحليف الاستراتيجي لحزب العدالة و التنمية- هو المتضرر الأكبر من هذه الإعفاءات، فيما أن باقي الحالات الأخرى هي حالات أشخاص ولا علاقة لها بالأحزاب السياسية". وأضاف أن المقصود الحقيقي من كل هذه الإعفاءات هو حزب العدالة والتنمية؛ لأن الدولة تراهن على انقسامه الداخلي أكثر؛ لتحجيم دوره خصوصاً بعد قرار لجنة الأنظمة والمساطر التابعة للمجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، والتي قبلت بتعديل بند عدد الولايات المسموح بها للأمين العام، وهو ما سيفتح الطريق أمام الأمين العام الحالي، ورئيس الحكومة الأسبق، عبد الإله بنكيران للعودة من جديد للمشهد السياسي. وتوقع أوخراز أن يتم الزج بحزب الاستقلال داخل الائتلاف الحكومي الحالي؛ من أجل "عزل" حزب العدالة والتنمية أكثر، وإضعاف حضوره داخل الأغلبية الحكومية، بحيث سيصبح تابعاً لأحزاب متحكَّم فيها من قِبل القصر، وعندها سيتعمق الانقسام الداخلي للحزب أكثر؛ وهو ما قد يؤدي إلى بروز خريطة سياسية جديدة.