محمد بن عبد الكريم الخطابي واستخلاص الدروس من بين المساجد التي عرفت في مدينة ” بسبادن ألمانيا ” إشعاعا فكريا بارزا، مسجد التوحيد الذي قاده أإمة على قدر كبير من العلم والثقافة الأسلامية ” منهم أزهريون ” نسبة الى جامعة الأزهر . ومن عادآته الحسنة التي دأب عليها في كل شهر رمضان برنامج تحت عنوان ” فارس الليلة ” وهو عبارة عن تصليط الأضواء على أبطال ومجاهدين كبار أمثال صلاح الدين الأيوبي عمر المختار عبد القادر الجزائري ….الخ. وفي خضم هذا الحراك الثقافي الذي تفاعلنا معه في مسجد التوحيد ، فاجئني ذات يوم أمام المسجد د. محمد الصالحين الهوني ” خريج أزهري ” وكان يتابع دراسته المعمقة في جامعة يوهانس كوتنبرك ماينس ” شعبة مقارنة الاديان ” وقال لي : لقد إخترتك لتشرف هذه الليلة الرمضانية على تقديم برنامج فارس الليلة ، ولم أجد بدا من النزول عند رغبته وامتثال أمره خاصة وأن المسجد كان يمتلئ عن آخره بالجالية المغربي الوافدة من الريف . ” الشمال المغربي ” وأصدقكم القول فإن تكليفه هذا صادف هوى في نفسي ،لأن فارس الليلة هذا مثال رائع للكفاح والفدا، … والصبر والتضحية ، وأنا على يقين راسخ أن من إطلع على تاريخ كفاحه سوف يعلم علم اليقين أن الريف يصنع الرجال والرجال يصنعون التاريخ ، وأن مدرسة بدر الكبرى باقية مادام على وجه الأرض لسان ينطق وشمس تشرق . هذا وفارسنا وبطلنا وأميرنا الليله هو أسد الريف محمد بن ع الكريم الخطابي ” قائد ثورة الريف ” ضد الأستعمار الأسباني والفرنسي ، وهو من مواليد بلدة أجدير بالريف سنة 1882تتلمذ على يد والده وحفظ القرآن الكريم ثم أتم تعليمه في مدرسة الصفارين والشراطين بمدينة فاس ، وتخرج من جامعة القرويين بفاس بعد أن تشبع بروح الفقه الأسلامي وعلوم الحديث ، ثم التحق بجامعة سلمنكا باسبانيا لدراسة الحقوق ، وهكذا جمع رحمه الله بين روح الثقافة الأسلامية والثقافة الأوروبية . ومن أشهر المناصب التي تقلدها بعد تخرجه منصب قاض القضاة في مدينة مليلية المحتلة . قال فيه المرشال أو الجنرال ليوطي القائد العام للقوات المسلحة الفرنسية ” أثناء عهد الحماية ” إن خطر عبد الكريم الخطابي في الريف يتجاوز أفريقيا الشمالية ، وأن العالم الأسلامي يرقب الحرب بينه وبين إسبانيا باهتمام عظيم وأن أفريقيا الشمالية كلها تنظر بعين الأهتمام والعناية الى ثورة الأمير . كما أن عضو مجلس النواب البريطاني قال : إن ابن ع الكريم الخطابي رجل حرب، وزعيم يعرف كيف يجعل الجماهير تنقاد له ، حتى صار الناس في الهند وبغداد والقاهرة يرون فيه رجلا يصلح أن يكون أميرا للمؤمنين حاملا لسيف الأسلام . وقالت جريدة ” الألمانية “: الأمير ابن ع الكريم .خ. زعيم القبائل المناهضة للأستعمار الأسبانيDeutsch Allgemein Zeitung” رجل قدير ذائع الصيت ، وهو زعيم متعلم وقائد ماهر ومنظم حاذق وسياسي حكيم، يعرف كيف يستعمل المتناقضات لصالح أمته، وهو يحكم منطقة ندر أن ذاقت طعم الحكم الأجنبي أو استكانت حتى للرومان القدماء الذين أخضعوا الألب وآكام الألبان وما حولها من الأمصار والمدائن. وصفه الشاعر الشعبي المصري بيرم التونسي حين وفد الى مصر من ” قنال السويس ” فأصاب وصفه حين قال مرحبا به : دخل علينا ضيف ……صاحب مقام عالي . أعظم رجال السيف ………في عصرنا الحالي عارفينه يبقى مين ……….ياناس ياناسيين قولوا صلاح الدين واحد……وداه التالي أو الثاني ومن أعظم المعارك التي خاضها ضد الأستعمار الأسباني معركة أنوال الخالدة ” دهار ابران ” . فحينما زحف الجنرال سلفستر القائد العام للقوات الأسبانية على الريف بموجب اتفاقية الجزيرة الخضراء 1906قال : إن إسبانيا لها من القوة مايمكنها من الذهاب الى حيث تشاء ، ولقد صممت على دخول بني ورياغل وإخضاعهم،وسأظل على صهوة جوادي مدة شهر حتى أسقيه من ينبوع أجدير ” بلدة ع.ك. ” وأنظف حذائي في بني ورياغل، وهاأنا ذاهب بجوادي لأشرب الشاي المنعنع اللذيذ في أجدير أراد عبد الكريم أم لم يرد جميع العبد الكرميين في العالم . هذا الجنرال الأسباني المغرور ” كان الرجل الأول والصديق الحميم للملك لويس الثالث عشر في إسبانيا ” ذهب بعد ذلك بالفعل الى أجدير ، لكنه لم يعد ، ولم يشرب الشاي المنعنع اللذيذ ،بل شرب البول المرير هو وجيشه من جراء الحصار من طرف المجاهدين ، وأبيد جيشه عن بكرة أبيه ، وقتل هو في المعركة “بقرية أنوال ” الخالدة التي أذهلت العالم ، وأصبحت حديث مدريد..وباريس..ولندن وبرهن فيها عبد الكريم الخطابي أنه من أكبر رجالات الحرب في تاريخ العسكرية البشرية . ويقول ع. الكريم .خ. في مذكراته ” الأمير ” أن المعارك لم تقف عند الفشل العظيم الذي أصيب به الأسبان في معركة أنوال . ذلك أن مطاردة الريفيين للجيش الأسباني المتراجع كانت شديدة ، وكانت المذبحة هائلة مفجعة ،خاصة في منطقة أعروي ، سلوان . ويقول رحمه الله ولولا أوامري الشديدة بعدم قتل الأسرى وتهديد من يفعل ذلك من الريفيين بالموت ، لبلغت المذبحة في هولها حدا عظيما . ولما أخذ المجاهدون الريفييون يتقدمون الى الأمام وفي المواقع التي كان يحكمها الأسبان، وجدوا أمامهم مشهدا هائلا من الجثث والقتلى ملقاة على جنبات الطرق والساحات العامة ، وكان مشهدا مرعبا مهيبا ولقد خلفت هزيمة أنوال بالجيش الأسبابي وكذا الرأي العام الأسباني إحساسا بإحباط عميق ، وكانت أنوال شيئا مهيبا ضربهم في عمق كرامتهم تجاه عدو إحتقروه ” المورو ” وقللوا من شأنه طوال الوقت . أما السياسي البريطاني الشهير لويد جورج فقال : في معركة أنوال سقط الأستعمار الأوروبي . وحينما تناهى الى سمع ملك أسبانيا لويس 13 أخبار الهزيمة الفاذحة التي أسفرت عن 25 ألف قتيل إسباني و2000 مفقود و900 أسير ، قال لقد سقط عرشي …… وبالفعل سقط عرشه بعد أيام قليلة على يد ” بريموري . هذا والدرس الذي نستخلصه من هذا الأمير البطل هو الطريقة أو الوسيلة التي استطاع أن يوحد بها قبائل الريف التي كانت تتناحر وتتقاتل فيما بينها لأتفه الأسباب . فبعدما يأس من إستمالة مشايخ الطرق الصوفية للمشاركة في الكفاح المسلح ضد الأسبان “الطريقة التيجانية نموذجا ” ذهب الى الأماكن التي يجتمع فيها رجال قبائل الريف كل أسبوع فتحدث إليهم حديثا يرويه مؤرخه الأستاذ محمد سلام أمزيان قائلا : إن وحدة الصف قوة لها وزنها في كل مجال ، وهي درع يقي المقدسات . إذا كان أعداء وطننا يتحدون على الباطل ، فنحن أولى بهذا الأتحاد لندافع عن الحق . إذا كنا نعيش في الأوهام ، مستسلمين للدعة والتواكل ، فإننا الآن في موقع المواجهة شأنا أم أبينا ، لاعودة الى الماضي الشائن ولا رجوع الى حياة الأحلام. الدين والوطن والغيرة والكرامة والحرية وكل القيم تنادينا الى العمل الرجولي ، وإلا فلا حياة ولا وجود ، إن القادمين ” أي الأسبان “لايعرفون قيمة للدين أي دين ، ولا للحرمات إنهم جاؤوا للأستغلال… والنهب… والعبث… والتحكم ، فعلينا أن نقف ضدهم ثابتين متحدين ، وإلا فهذه القشور من العقيدة والوطنية التي لاتزالون تحتفظون بها ستتلاشى مع ما جاء معهم من جديد في مجال الأنحلال . فإذا كنتم تريدون حياة الأنسان العاقل لا حياة الحيوان الأعجم، فاستعدوا وإلا فليس لكم عزاء… فسألوه رحمه الله ، وبماذا نستعد ؟ وحالنا كما ترى . فأجب رحمه الله : نبذ الماضي أولا ، وبالعقيدة ثانيا ، وبالنظام والخطة ثالثا ، وبعد ذلك يأتي النصر بإذن الله . وهكذا استطاع أن يوحد قبائل الريف ويحقق انتصارات عظيمة على الأستعمار الغاشم كتبها التاريخ بمداد من ذهب . وختاما وفي 6 فبراير 1963 إنطفأت شمعة زعيم الثورة الريفية في بيته بالقاهرة نتيجة سكتة قلبية . وقد أقيمت له جنازة كبري حضرها الرئيس جمال عبد الناصر وأعضاء الحكومة المصرية ، ووفدا رسميا بالمغرب والسفراء العرب المعتمدون بالقاهرة وكثير من الشخصيات وجمهور غفير من المصريين . ودفن في مقبرة الشهداء بالعباسية بالقاهرة ، بعد أن رفضت أسرته نقل جثمانه الى المغرب لدفنه هناك .