في هذا الحوار يتحدث أحمد عصيد الباحث والناشط الأمازيغي، عن الانتقدادات التي طالته من قبل نشطاء حراك الريف بعدما انتقد استعمال الزفزافي للدين في خطابه، وما إن كان هذا الاستعمال للدين سبب في الأوضاع التي حولت الحراك إلى أزمة بعد حادثة خطبة الجمعة وتوالي الاعتقالات في صفوف نشطاء الحراك، كما يتحدث عن رأيه في استعمال كل من الحركة الاحتجاجية أو الدولة للخطاب الديني وما إن كان ذلك يضعف المطالب الاجتماعية والاقتصادية..؟ حاوره: محمد لعرج *انتقدت ناصر الزفزافي بسبب استعماله للدين في خطابه، الشيء الذي جر عليك الكثير من الانتقادات من طرف المشاركين في الحراك، ما تعقيبك ؟ شخصيا لا أعطي أية أهمية لموضوع التهجم على شخصي، فهو مشكل ثانوي أمام الوضع الحالي الذي أصبح أكثر تعقدا مع تزايد الاعتقالات والمحاكمات، لقد تعودت شخصيا على هذا النوع من الهجومات من أطراف عديدة، والتي تعود في الأساس إلى عدم استيعاب البعض لوظيفة المثقف المستقل التي هي أساسا الوظيفة النقدية، فالمثقف ناقد للسلطة وناقد كذلك للمجتمع وللتيارات وللحركات المختلفة، ولا توجد عنده مقدسات، سوى الإنسان وكرامته بالطبع. لقد قمت بالتعبير عن رأي نقدي تجاه بعض الانحراف الذي حدث في خطاب الحراك، هذا الخطاب الذي كان مقنعا عندما ركز على المطالب العادلة للسكان قبل أن يميل إلى استعمال الدين بطريقة غير مفهومة ولا مبررة، لأن الوضع والرموز المستعملة ومنها العلم الأمازيغي لا تتيح هذا النوع من الاستعمال، وكان غرضي من الملاحظة التي أبديتها تقوية الحراك وليس إضعافه، لأن بقاءه خطابا محايدا سيجعله شاملا لجميع التيارات المشاركة في الحراك، تماما كما كنا عليه في حركة 20 فبراير، فرغم أنه لم يكن لنا ناطق رسمي ولا زعيم يتكلم باسمنا وهذا من عناصر قوتنا حيث كنا جميعا نصدر التصريحات ونتكلم، إلا أنه لا أحد استعمل خطابا خاصا بهذا التيار أو ذاك، بل التزم الجميع بشعار "إسقاط الاستبداد والفساد" وبالمطالب الرئيسية المتمثلة في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ورغم تواجد "العدل والإحسان" مثلا بيننا إلا أن هذا التنظيم لم يجنح أبدا إلى ارتكاب خطأ استعمال الدين في الحراك لأنه يعلم أنه بفعله ذاك سيحدث شرخا في نسيج الحراك مما سيؤدي حتما إلى التفرقة. وقد نبهت بالنسبة للمظاهرات في الحسيمة إلى أن استعمال الدين بالطريقة التي تم بها سيؤدي بلا ريب إلى مزايدة السلطة على المتظاهرين باستعمال المساجد، وهذا ما حدث بالضبط بعد أقل من أسبوع. فإذن من الناحية المبدئية ينبغي أن نكون واضحين، نحن مع الريف حتى النهاية، ومستعدون للتضحيات من أجل حقوق السكان والدفاع عنهم ضد الظلم والحكرة والإقصاء، وضدّ الاعتقال والمتابعات القضائية، لكنني شخصيا لن أكون أبدا مع أي انحراف على مستوى الخطاب، هكذا تعاملت دائما مع جميع الحركات ومنها الحركة الأمازيغية، وهو سلوك يتطابق مع وظيفة المثقف المستقل الذي لا يبحث عن إرضاء أية جهة أو التبعية لها، فإذا كنت مستقلا عن السلطة فإنني أيضا مستقل عن الحركات والجمعيات والأحزاب، ورأسمالي الوحيد الذي لن أتنازل عنه أبدا مهما كان، هو حريتي في التعبير عن رأيي النقدي بكل مسؤولية. *هل تظن بأن المرحلة الحالية التي دخل فيها الحراك كانت بسبب الخطاب الديني ؟ ليس هو العامل الوحيد فقد كانت السلطة تتربص بالمتظاهرين وتتحين الفرصة للانفضاض عليهم، خاصة بعد أن لاحظت صمودهم وإصرارهم على البقاء في الشارع، غير أن إقحام الدين والوقوع في فخ المسجد قاما بتسريع وتيرة اللجوء إلى الاعتقالات والمطاردات. *أغلب منتقديك يقولون إنك انتقدت الخطاب الديني للحراك دون أن تنتقد استعمال السلطة ووزارة الأوقاف بدورها للدين ؟ الذين يقولون هذا الكلام يتعمدون استعمال الإشاعة الكاذبة، وهذا سلوك غير شريف، فجميع المتتبعين يعرفون النقد الشديد الذي ما فتئت أوجهه للسلطة ولوزارة الأوقاف بسبب استعمالها للمساجد وللدين ضد حقوق الناس، فمنذ 1994 تحديدا تنبهت إلى خطورة استعمال الدين في الدولة وفي الحياة السياسية، معتبرا ذلك من أكبر عوائق النهوض والانتقال نحو الديمقراطية، لأن المكان الطبيعي للدين هو الحياة الشخصية وليس المجال العام، ومقالي الأخير بعد أحداث المسجد في الحسيمة دليل على ذلك، وهو المقال الذي يحمل عنوان "حياد المساجد هو الذي يقي من الفتنة" وكان تعقيبا على السلطة وليس على متزعمي الحراك، إذ لولا استعمال السلطة للمسجد لما حدث التصادم الذي أدى إلى الاعتقالات وما تلاها من اضطهاد، إن موقفي بهذا الصّدد واضح تماما فلا حق لأحد أن يستعمل أماكن العبادة لتمرير قناعاته السياسية، بمن في ذلك السلطة والحكومة، كما ينبغي الابتعاد عن استعمال الدين في الصراعات الإيديولوجية داخل التيارات والحركات الاجتماعية، لأن ذلك يؤدي إلى تحريف المطالب وإلى التكفير ونشر الكراهية بدون نتائج سوى تكريس المزيد من التخلف.