” هذا الربط بين اللغة والنبوة مع أن اللغة موجودة قبل ظاهرة الوحى، يستدعى الباحث التوقف لطرح سؤال آخر: هل الدفاع عن العربية من مدخل الدفاع عن نقاء اللغة القرآنية دفاع عن العربية فعلا أم دفاع عن القريشية التي استقرت قراءة القرآن على القراءة بلهجتها بحسب المعلوم من علوم القران..” الدكتور نصر حامد أبو زيد/ كتاب الإمام الشافعي وتأسيس الإيديولوجية الوسطية(ص 44) لمحة تاريخية حول نشأة اللغة العربية: أولا: حقائق تاريخية: قبل ملامسة هذا الموضوع الشائك والعويص على الفهم والاستيعاب لدى فئة عريضة من الكتاب والمثقفين المغاربة، نهيكم عن عموم المواطنين البسطاء – نقصد هنا موضوع انتقال اللهجات العربية من واقعها كلهجات شفوية متعددة ومختلفة إلى واقع اللغة الموحدة والمعيارية. وذلك خلال أزيد من قرن قبل ظهور الإسلام(6)، وبالتالي دخولها بعد ذلك مرحلة الكتابة والقراءة، بحيث لم تكون قبل هذه المرحلة لغة قائمة بذاتها، على أساس أنها أداة التفاهم اليومي بين الناس(= العرب)، ولم تكون أيضا لغة العلم والمعرفة (7). فأداة التفاهم اليومي بين العرب آنذاك كانت هي اللهجات المنتشرة على امتداد خريطة الجزيرة العربية – الموطن الأصلي والتاريخي للعرب(8). قلنا، قبل ملامسة هذا الموضوع لا بأس أن نشير بإيجاز في مستهل هذا الجزء إلى بعض الحقائق التاريخية والاجتماعية والدينية والاقتصادية المتعلقة بحقيقة ظهور ونشأة اللغة العربية أولا، وتطورها فيما بعد ثانيا، باعتبارها ظاهرة بشرية اجتماعية وتاريخية وليست ظاهرة دينية مرطبة بدين معين، وهي حقائق تبدو لنا ذات أهمية قصوى في ثنايا السجال والنقاش الجاري حاليا حول مسألة التعدد اللغوي في بلادنا. ومن هذا المنطلق نرى أنه من الواجب والضروري – أخلاقيا على الأقل – على كل من يريد الخوض في غمار هذا الموضوع؛ أي موضوع التعدد اللغوي، الإلمام بهذه الحقائق التاريخية الموضوعية، أو بمعنى أدق ، يجب عليه معرفة الحيثيات والحقائق التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والدينية المتعلقة باللغة العربية( النشأة + التطور + الانتشار)، وهي الحقائق التي يتغاضى عليها الكثير من الكتاب والمثقفين، سواء عن قصد أو عن غير قصد، وهو التغاضي الناتج ربما عن الجهل بهذه الحقائق أحيانا، أو الناتج عن ممارسة النفاق السياسي والفكري أحيانا أخرى، وهو الأسلوب الذي يعتمده، مع الأسف، الكثير من الباحثين والمفكرين المغاربة في هذا المجال. هذا بصرف النظر عن موقف المرء من مسألة التعدد اللغوي التي يزخر بها بلادنا مند قرون خلت، حيث يسعى الكثير من الباحثين والفاعلين السياسيين والمدنيين المغاربة إلى اختزال الخطاب الأمازيغي برمته في مسألة اللغة، وبالتالي فإن القضية الأمازيغية في نظر هؤلاء الأشخاص هي قضية لغوية فقط، وبالتالي فإنهم يعتقدون بسذاجة مطلقة بأن الصراع السلمي الذي تخوضه الحركة الأمازيغية مند أواخر الستينيات من القرن الماضي، هو صراع لغوي محض، بينما أن المسألة اللغوية في الخطاب الأمازيغي أو في المشروع الأمازيغي إن صح التعبير، ما هي إلا جزء بسيط من المشروع الأمازيغي الشامل والكامل، المتمثل أساسا في إعادة بناء الدولة والمجتمع على الأسس والقيم الديمقراطية والعلمانية والحداثة، وهو مشروع يعتمد في توجهاته وفلسفته العامة على المواطنة والاختلاف والتنوع والتعدد كأحد مبادئه الأساسية من ناحية، ويسعى إلى تحقيق المساواة والحرية والعدالة الاجتماعية كأهم وأبرز أهدافه وغاياته المرجوة على المدى القريب والبعيد. وبناءا على ما سبق عرضه نستطيع أن نقول بثقة واقتناع تام بأن الخطاب الأمازيغي هو خطاب ديمقراطي شامل وواسع، وبالتالي فإنه سوف لا ينتهي مع تحقيق مطلب ترسيم اللغة الأمازيغية إلى جانب اللغة العربية بقدر ما سيستمر إلى ما لا نهاية. ومن هذا المنطلق فإن القضية الأمازيغية ليست قضية لغوية فقط، وإنما هي قضية سياسية بالدرجة الأولى، وهي كذلك قضية انتماء وحضارة وهوية. ومن جهة أخرى، يعتبر المشروع الديمقراطي الأمازيغي الذي تناضل من أجله الحركة الأمازيغية مشروع كل الديمقراطيين التقدميين المغاربة بعض النظر عن انتماءاتهم العرقية والدينية واللغوية ومنحدراتهم الجغرافية، وعلى هذا الأساس فإن الانتماء إلى الحركة الأمازيغية لا يمكن أن يكون على أساس العرق أو اللغة أو الجغرافية بقدر ما يكون على أساس مدى اقتناع الشخص بالمشروع أولا وأخيرا. كما تعتبر القضية الأمازيغية عموما، وقضية دسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية في الدستور المقبل خصوصا، قضية كل الديمقراطيين المغاربة وليست قضية الأمازيغ فقط. والسؤال الجوهري المطروح على جميع الفاعلين السياسيين والمدنيين المغاربة دون استثناء، هو السؤال التالي: هل نريد بالفعل المصالحة الوطنية والقطع الكلي من كل أساليب التهميش والإقصاء، فإذا كان الجواب على هذا السؤال سيكون بنعم ، فعلى الجميع الاهتمام الفعلي والحقيقي بالمكون الأمازيغي في الثقافة المغربية، وهذا العمل يجب أن يبدأ من مسألة الاعتراف الدستوري باللغة الأمازيغية كلغة رسمية للبلد، بحيث أن الاعتراف الدستوري بها يعتبر في تقديرنا المدخل الديمقراطي الوحيد لإنماء وتطور اللغة الأمازيغية وماعدا ذلك فلا مصالحة ولا ديمقراطية ؟. نضيف إلى هذه الأمور مسألة خطيرة للغاية، وهي محاولة بعض القوميين المغاربة، وخاصة الإسلاميين، اتهام ووضع كل من يدافع عن اللغة الأمازيغية والمشروع الأمازيغي بشكل عام، وينتقد هيمنة اللغة العربية، سواء هيمنتها على المستوى القانوني/ الدستوري أو على المستوى الإداري والمدرسي والإعلامي..، في خانة المناهضين للغة العربية والمعادين للإسلام والعرب!!. وبالتالي فإنهم يحاولون بهذا النوع من التحليل إضفاء نوع من “القدسية” على الإنسان العربي وليس على اللغة العربية فقط، كان الإنسان العربي منزل هو أيضا من السماء ومعصوم عن الخطأ، ويتضح هذا الموقف الشوفيني، بشكل أكثر، عندما نتناول مسألة الغزو العربي لمنطقة شمال أفريقيا، التي تعتبر الوطن التاريخي للشعب الأمازيغي، بل ويريدون كذلك، وبكل الوسائل المتاحة والمتوفرة لديهم إلى جعل اللغتين العربية والأمازيغية متصارعتين ومتخاصمتين بينما أن الواقع المعاش ينفى هذا التصور الخاطئ ، بل ويؤكد لنا العكس تماما. وهو الواقع الذي نستنتج منه أمرين مهمين للغاية، أولهما هو أن اللغة الأمازيغية غير معترف بها دستوريا كلغة رسمية للبلاد، وبالتالي لا يسمح التداول بها قانونيا في المصالح والمرافق العمومية للدولة، وهذا الواقع هو واقع متناقض مع الواقع اليومي المعاش في بلادنا، فكيف لرئيس الدولة يخاطب شعبه بلغة غير لغته أو لقاضي يحكم ويصدر الأحكام على الناس دون أن يفهم هؤلاء الناس مضمون ومحتوى منطوق الحكم الذي يستهدفهم ؟. وكيف يعقل أن يستعين المرء بالمترجم عند ذهابه إلى أحد المصالح والمرافق العمومية (الإدارة، المحكمة، الشرطة، المستشفى..) وهو في بلده؟ هل نحن تحت الاحتلال أم ماذا؟. وثانيهما هو أن الأمازيغ لا يطالبون بإلغاء اللغة العربية من المرافق العمومية أو الدستور، بقدر ما يطالبون فقط بالتساوي بين اللغتين الأمازيغية والعربية ومنحهما نفس الفرص والإمكانيات في التطور والتقدم(9). ونحن عندما نقول هذا الكلام فإننا لا نقوله من منطلق العداء للعرب ولغتهم أو من منطلق العداء للإسلام كما قد يعتقد بعض الضعفاء والانتهازيين، الذين لا يستطيعون مواجهة الحقائق التاريخية والدينية والعلمية كما هي دون تزييف وتشويه، وإنما نقول ذلك من منطلق الدفاع عن الحقيقة، ولو في إطارها النسبي. وذلك في أفق توضيح المغالطات التاريخية والدينية والافتراءات السياسية والعلمية التي كثيرا ما يروجها ويكررها خصوم الأمازيغية في بلادنا والمهجر على حد سواء حول ” أفضلية” و”قدسية” اللغة العربية، ليس باعتبارها لغة القرآن فقط وإنما باعتبارها أيضا لغة التخاطب والتفاهم بين سائر المسلمين في الدنيا والآخرة (10). هذا من جهة، ومن جهة أخرى نقول ذلك أيضا من أجل الدفاع السلمي والمدني عن حقنا كشعب أمازيغي لنا الحق في الوجود فوق أرضنا، كما نريد نحن وليس كما يراد لنا. هذا بالإضافة إلى سعينا الحثيث للإسهام – قد الإمكان – في ترسيخ الحوار الديمقراطي العقلاني حول ظاهرة التعدد اللغوي في بلادنا. وهذا النوع من الحوار لا يستقيم في اعتقادنا دون إزالة هالة التقديس والتعظيم الذي تخضى بها اللغة العربية، لكن ليس باعتبارها مجرد لغة أنتجها الإنسان العربي في فترة معينة من تاريخه وفي بيئة محددة جغرافيا، وبالتالي ليس فقط لكونها ليست هي (= العربية) اللغة الأصلية للشعب المغربي الأمازيغي، وإنما أيضا لكون أن النقاش حول هذا الموضوع انطلاقا من الخلفية التي تمجد وتعظم اللغة العربية بشكل فظيع ورهيب على حساب اللغات الأخرى، أو تعتبرها لغة “مقدسة” وبالتالي فإن من ينتقدها كانوا ينتقد الله كما يقول الزميل الدكتور ربيع ورياغلي في مقال له تحت عنوان: إخطار حول ترسيم الأمازيغية في المعرب، المنشور في جريد هسبريس، حيث قال ما يلي ” لهذا من يضرب في هاته الجبرية اللغوية (يقصد اللغة العربية) الذي بها نالت شرفها ضرب في إرادة الله ” . زيادة على هذا، إذا كانت اللغة العربية هي لغة القرآن أو أن ” ديننا يتكلم باللغة العربية” كما يقول السيد ورياغلي في مقاله المذكور سابقا، وغيرها من الأوصاف التعظيمية والأقوال التقديسية التي لا علاقة لها بالدين والعلم والمنطق فلا جدوى من مناقشة الموضوع نهائيا. كما أن الزميل ورياغلي مثلا (وغيره من الكتاب والمثقفين الذين يعتقدون نفس الاعتقاد تجاه اللغة العربية) لم يوضح لنا متى وأين تكلم ديننا باللغة العربية، هل كان ذلك في الوح المحفوظ (السماء) مصداقا لقوله تعالى (( بل هو قرآن مجيد، في لوح محفوظ)) سورة البروج الآية/21-22 أم أنه تكلمها في الواقع (الأرض)؟. فإذا كان ديننا قد تكلم العربية قبل نزله إلى الأرض – أي أثناء وجوده في الوح المحفوظ – فهذا يدخلنا في متاهات فكرية ودينية أخرى لا نريد الدخول فيها، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر قضية القرآن نفسه هل هو قديم أم محدث؟، وقضية الناسخ والمنسوخ ؟ وأيضا قضية أسباب النزول؟ وأين نزل القرآن الكريم للمرة الأول هل في الوح المحفوظ أم مباشرة إلى الأرض ؟ وإذا كان القرآن قد نزل دفعة واحدة إلى الوح المحفوظ فما هي الحكمة من نزله على شكل مراحل وأجزاء (على وحي) إلى الأرض؟، هل نزول القرآن إلى الوح المحفوظ كان على شكل الكتابة – أي أن الله كتب القرآن الكريم بالعربية في الوح المحفوظ كما يقول ابن العباس أم كان على شكل كلام ؟ (11). بالإضافة إلى هذه القضايا التي سبق وان أثارتها بعض الفرق الدينية، خاصة المعتزلة، هناك قضايا كثيرة قد يثيرها مثل هذا الكلام والمواقف التي لا صلت لها بالدين والعقل كما قلنا. لقد وقع الزميل ورياغلي في خطأ فادح لما قال بأن ديننا يتكلم باللغة العربية، فهل هناك دين يتكلم وأخر لا يتكلم؟ وما هو المقصود هنا بكلمة يتكلم؟ ومع من يتكلم؟ وأين يتكلم؟. نعتقد أنه كان من الأفضل للأخ ورياغلي أن يقول مثلا بأن ديننا(= الإسلام) كتب باللغة العربية بدل أن يقول أنه تكلم باللغة العربية، فعملية تكلم تستوجب أولا وجود المتلقي، وثانيا الكلام هو فعل وليس صفة، وهذا يقودنا إلى طرح السؤال التالي: هل يعني كلام الأخ ورياغلي أن الله يتكلم اللغة العربية وبالتالي فهو عربي أم أنه يعني شيء أخر!!؟. والأمر الذي جعلنا نطرح هذه الملاحظات والتساؤلات هو تمادى السيد ورياغلي في أخطائه، حيث قال في مقاله الأنف الذكر ” خطاب ديننا العربي ..” . طيب إذا كان القرآن عربي وفق كلام الدكتور ورياغلي، فماذا يعني الله بقوله الحكيم ” وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ” سورة سبا رقم 34، أو في قوله العزيز ” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” سورة الأنبياء الآية 107. أو (( قل يا أيها الناس إني رسول الله اليكم جميعا )) سورة الأعراف الآية 158، أو (( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا)) سورة الفرقان الاية1 وغيرها من السور والآيات التي تؤكد عالمية الدين الإسلامي. على أية حال، إذا كانت هذه الأقوال والأحكام الجاهزة تجاه اللغة العربية هي التي تصدر نقاشاتنا – أي أنها تشكل المنطلق والمرجع في نقاشاتنا حول اللغة العربية – فلا نرى أية جدوى من هذه المناقشات، فالنقاش يجب أن ينطلق من مبدأ التساوي بين اللغات، هذا بغض النظر كذلك عن المكانة القانونية والسياسية والاجتماعية لكل لغة على حد( فاللغة الفرنسية مثلا هي لغة غير قانونية ولكن لها موقع متميزا داخل بلادنا) ، فعندما يقال مثلا بأن اللغة العربية أفضل وأحسن من اللغة الأمازيغية أو الفرنسية أو الهولندية أو غيرها من اللغات فهذا معناه أن الكلام قد انتهى، وبالتالي فلا جدوى من مناقشة الموضوع أصلا. وفي ما يلي نقدم بعض الحقائق التاريخية والاجتماعية عن اللغة العربية، وهي : الحقيقة الأولى: وهي أن اللغة العربية ليست ظاهرة دينية وجدت مع وجود الإسلام وإنما هي ظاهرة بشرية اجتماعية تاريخية بامتياز. وهذا يعنى أن اللغة العربية لم تظهر مع ظهور الإسلام بقدر ما كانت موجودة قبل هذا الحدث بزمن طويل جدا، ومن يقول العكس فعليه أن يثبت لنا ماذا كان العرب يتكلمون قبل ظهور الإسلام؟. الحقيقة الثانية: وهي أن اللغة العربية لم تكون في يوم من الأيام لغة موحدة لكل العرب، بقدر ما كانت عبارة عن لهجات مختلفة ومتفرقة، لكن عندما توفرت لها الشروط الموضوعية والذاتية أصبحت لغة قائمة بذاتها، وسارت لغة موحدة لمعظم القبائل العربية، وخاصة قبائل الشمال، وسارت بعد ذلك هي لغة التفاهم والتواصل بين مختلف القبائل العربية آنذاك، وهذا معناه أن اللغة العربية نفسها مرة بعملية التجميع والتوحيد حيث يقول المفكر العربي حسين مروة في هذا الصدد ما يلي “هذا الاستنتاج يعني أن اللغة العربية الفصحى التي انتهت إلينا بلغة القرآن والحديث والشعر المأثور عن الجاهلية، وكل ما روي لنا من أشكال النثر ذات الطابع الفني عن الجاهلين والإسلاميين الأولين(الصحابة والخلفاء الراشدين)، هي الشكل اللغوي الذي انصهرت وتوحدت فيه لهجات عرب الشمال وبعض لهجات عرب الجنوب..)(12). ومن أجل تكوين صورة كاملة حول انتقال اللهجات العربية التي كانت مجرد لهجات محلية إلى لغة قومية موحدة قائمة بذاتها (= لغة لها قواعد: الصرف والنحو..) علينا بالعودة إلى الواقع التاريخي للعرب قبل ظهور الإسلام، وهو الواقع الذي نستنتج منه نقطتين أساسيتين، كما تؤكد لنا ذلك مختلف الكتب والمراجع التي تعالج هذا الموضوع، أولها هي أن عملية توحيد اللهجات العربية كانت في سياق تطور المجتمع العربي برمته خلال تلك الفترة الحاسمة من تاريخ العرب، وبالتالي فإنها(= عملية التوحيد اللغوي) لم تكون منفصلة عن التطور الفكري والديني والاجتماعي والاقتصادي العام الذي شهده العرب آنذاك. وثانيها هي نزوح العرب نحو الوحدة والتعاون (توحيد القبائل العربية) في مجالات مختلفة، ومنها الدفاع المشترك حيث خاض العرب آنذاك حروب مشتركة ضد الفرس والبزنطين (13). الحقيقة الثالثة: وهي أن العامل الاقتصادي والديني كان لهما دورا مركزيا في عملية توحيد اللهجات العربية، وخاصة مكة التي كانت مركزا تجاريا ودينيا مهما في تاريخ العرب قبل وبعد ظهور الإسلام. الحقيقة الرابعة: تشير بعض الإحصائيات الحديثة أن العرب( الإحصاء يشمل أيضا العرب المسيحيين واليهود والأكراد والأقباط والأمازيغ..) يبلغون 19.2 % فقط من مجموع المسلمين بالعالم المقدر عددهم بحوالي مليار وأربعة مائة مليون نسمة، وأزيد من 71% من المسلمين لا يعرفون اللغة العربية/ اللهجات المحلية، بينما تصل هذه النسبة في ما يسمى تعسفا بالوطن العربي إلى 50%، هذا فيما لا يتجاوز العرب الذين يجيدون العربية الفصحى 9.6% فقط، بينما 90% من المسلمين لا يجيدون العربية الفصحى. ثانيا: من اللهجة إلى اللغة: من المعروف أن عملية تحول وانتقال اللغة العربية من واقعها التاريخي والاجتماعي الأول والسابق عن التوحيد أولا، وظهور الإسلام ثانيا، المتمثل أساسا في تنوع وتعدد اللهجات العربية إلى واقعها الجديد، أو بصيغة أدق، انتقالها من واقع اللهجات المتعددة والمتنوعة التي كانت لا تقرأ ولا تكتب آنذاك، إلى أداة تستعمل في القراءة والكتابة من جهة، وتستعمل أيضا في التواصل اليومي بين مختلف القبائل العربية من جهة أخرى، كانت نتيجة طبيعية وحتمية لتوفر مجموعة من الأسباب والعوامل الموضوعية التي أدت فيما بعد إلى بروز نوع من النهضة اللغوية والفكرية لدى العرب في عصر ما قبل ظهور الإسلام، وخاصة عرب الجزيرة كما قلنا في الأعلى(14). غير أنه مع مرور الوقت، وخاصة بعد بروز الإسلام على مسرح الأحداث آنذاك في شبه الجزيرة العربية، بحيث أدى هذا المعطى الجديد إلى تغيير نمط التفكير والعيش لدى معظم العرب( المسلمين والغير المسلمين). ومن أبرز مظاهر هذا التغيير هو تأسيس الدولة العربية الإسلامية بقيادة النبي، وبروز العرب بعد ذلك وللمرة الأولى في تاريخهم كأمة واحدة ذات لغة وثقافة واحدة ومصير مشترك، ومن ثم دخولهم (= العرب) في صراعات مع الأمم والدول المجاورة لهم، خاصة بعد بروزهم كقوة دينية وعسكرية وسياسية وثقافية، حيث استطاعوا أن يفرضوا أنفسهم على العديد من المناطق خارج المنطقة العربية. وفي خضم هذه الأجواء والتطورات سيكون للغة حيزا مهما، وموقعا متقدما في الصراع الحضاري الذي خاضه العرب تحت ذريعة نشر الدين الجديد؛ وتحديدا بعد نشوب الخلافات والصراعات السياسية والفقهية بين العرب أنفسهم ، وبين العرب وغيرهم من الأقوام(15). إجمالا، يمكن القول بأن اللغة العربية اتخذت خلال مرحلة بزوغ الإسلام إلى حدود عهد الخلفاء الراشدين الطابع الديني أكثر مما اتخذت الطابع السياسي والقومي، نظرا لوجود اعتبارات موضوعية ومنطقية في تقديرنا الخاص، وهي على الشكل التالي: الاعتبار الأول: هو أن النبي من أصول عربية، وبالتالي فإن عملية تبليغ الرسالة ستكون حتما بلغته، ومن هنا فإن علاقة اللغة العربية بالدين (= الإسلام) هي علاقة الدين بالشخص (النبي) وليس علاقة اللغة بالنص المنزل(الوحي). وفي هذه الحالة يجب التميز بين اختيار الله للنبي ليبلغ رسالته للعالمين (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) سورة الأنبياء /الآية 21، وبين اللغة العربية التي كانت سائدة قبل ظهور الإسلام بزمن طويل جدا. الاعتبار الثاني: هو أن موقف الإسلام من مسألة التعدد اللغوي هو موقف معروف ومحسوم نهائيا في سورة الروم/ الآية 22 ، حيث يقول سبحانه وتعالى (( ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين)). الاعتبار الثالث: هو أن عملية جمع وتدوين القرآن بعد وفاة الرسول (ص)، وكذلك الاجتهادات المتعلقة بالفقه وأصول الشريعة كانت تتم باللغة العربية. لكن بعد انفراد الأمويين بالسلطة، والعباسيين أيضا فيما بعد، ونتيجة اعتبارات أيديولوجية وسياسة بالدرجة الأولى، وعلى رأس هذه الاعتبارات بروز النزعة القومية في التوجه السياسي والديني والفكري على مدى التاريخ الإسلامي برمته، وخاصة خلال فترة الأمويين والعباسيين ، ستحضى اللغة العربية إلى جانب مكانتها ” الدينية” باعتبارها اللغة التي كتب بها القرآن الكريم، بالحماية والرعاية السياسية والقانونية، وهو ما ساعدها على الانتشار والتوسع، بل وعلى السيادة والهيمنة كذلك خارج موطنها الأصلي (شمال أفريقيا مثلا)، وبالتالي فإنها حققت مع مرور الزمن( قرون) تراكم كبير وضخم جدا في مجال الإنتاج الأدبي والمعرفي بشكل عام، وفي مجال العلوم الدينية بوجه خاص. وللإشارة فإن الوضعية التي كانت عليها اللغة العربية إبان فترة العهد الأموي والعباسي مازالت قائمة ومستمرة إلى يومنا هذا في العديد من الدول الإسلامية، خاصة بعد انتشار الفكر القومي العربي مع بداية القرن المنصرم، سواء الفكر القومي العربي العلماني أو الفكر العربي الإسلامي. وربما يشكل عنصر اللغة – نقصد هنا اللغة العربية – أحد أبرز النقط التي تجتمع/ تتفق حولها التيارات الفكرية والسياسية الموجودة في ما يسمى تعسفا ” بالوطن العربي” عموما، وفي بلادنا خصوصا، فالتيارات الإسلامية المعتدلة منها أو المتطرفة تعتبر أن اللغة العربية هي لغة الله، وبالتالي فإنها لغة “مقدسة” في نظرها، والتيارات القومية الأخرى تعتبروها عامل أساسي وجوهري في عملية تحقيق الوحدة العربية من المحيط إلى الخليج(16). فهكذا، ومع توالي الزمن تم ترسيخ ” قدسية” اللغة العربية في ذهنية وعقلية المواطنين، على أساس أنها لغة “القرآن”، وبالتالي فإنها لغة ” مقدسة” وذات نسب ” شريف” في نظر العديد من المغاربة المتعلمين والغير المتعلمين. وهذه المواقف هي مواقف سياسية وإيديولوجي بامتياز لا علاقة له بالبحث العلمي ولا بمضمون وجوهر الدين الإسلامي الذي يتبرأ من هذه الأمور كلها. ثالث: لماذا هذا الموضوع: من المؤكد أن إقحامنا لهذا الموضوع – أي موضوع تطور اللهجات العربية من واقع كونها مجرد لهجات محلية متعددة إلى واقع اللغة القائمة بذاتها – لم يكون اعتباطيا بقدر ما كان عن قصد ووعي، حيث نريد من إقحامه توضيح وتبيان بعض الحقائق التاريخية والاجتماعية والدينية المتعلقة باللغة العربية، باعتبارها ظاهرة بشرية واجتماعية وتاريخية وليست ظاهرة دينية كما أوضحنا ذلك في السطور السابقة من هذا الجزء، في أفق أن نبين للقارئ الكريم أن ما يقال عن اللغة العربية بأنها لغة القرآن، وبالتالي فإنها لغة “مقدسة” و” مفضلة” عند الله، وبأنها أيضا لغة العلم والمعرفة هو مجرد كلام إيديولوجي فضفاض، وغير صحيح إطلاقا من الناحية التاريخية والدينية، خاصة خلال المراحل الأولى لنشأة وظهور اللغة العربية كلغة قائمة بذاتها لها قواعدها الصرفية والنحوية والمعجمية؛ ونعني بكلامنا هذا مرحلة ما قبل ظهور القرآن. طبعا نحن لا ننفي المكانة الدينية والسياسية التي أحرزتها اللغة العربية بعد نزول الوحي من جهة، وتأسيس الدولة العربية الإسلامية من جهة ثانية، لعدة أسباب موضوعية، نضيف إلى ما ذكرناه سابقا حول هذه النقطة، نقطتين رئيسيتين، أولهما هو أن عملية جمع وكتابة القرآن كان خلال فترة الخلفاء الراشدين وعبر مرحلتين متباعدتين زمنيا، المرحلة الأولى كانت في عهد أبو بكر، والمرحلة الثانية كانت في عهد عثمان – أي بعد سنوات من وفاة الرسول (ص) – وهذا الأمر يؤكد لنا أمرين في غاية الأهمية وهما: الأمر الأول: هو أن القرآن كتب باللغة العربية فقط ولم ينزل بها كما يروج بعض السفهاء، والفرق بين نزول القرآن باللغة العربية و كتابته باللغة العربية هو فرق شاسع جدا، سواء من ناحية المعنى والدلالة أو من ناحية المفاهيم، بحيث أن مفهوم النزول شيء ومفهوم الكتابة شيء آخر تماما، فالأول يعنى أن القرآن نزل دفعة واحدة وبشكل جامع وكامل، بل ويعنى أيضا أنه (= القرآن) نزل مكتوبا ومخطوطا باللغة العربية، وهذا الافتراض غير صحيح نهائيا وفق القرآن الكريم نفسه، لكون أن القرآن نفسه يؤكد لنا، وفي أكثر من موقع وآية نزوله عبر مراحل مختلفة ومتباعدة زمنيا، وعن طريق الوحي . فمن المؤكد – وانسجاما مع النصوص القرآنية نفسها- لو أن القرآن نزل على شخص غير النبي محمد؛ أي على شخص غير عربي، لكان لدينا الآن قرآن مكتوب بلغة غير اللغة العربية مصداقا لقوله تعالى في سورة إبراهيم الآية 4 (( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم)). لهذا فإن عامل الدين هو عامل مركزي وجوهري في نشر اللغة العربية دون أن يعنى ذلك بأنها أفضل من اللغات الأخرى، ودون أن يعنى ذلك أيضا بأنها لغة مقدسة ( انظر سورة الروم/ الآية 22). لهذا فإن قرار تجميع وكتابة القرآن هو قرار سياسي بالدرجة الأولى، وهو قرار يندرج ضمن المشروع القومي العربي الاستعماري، الذي باشرته الدولة العربية الإسلامية مباشرة بعد تأسيسها ونشأتها، وخاصة في عهد الأمويين. والسؤال الجوهري المطروح هنا هو السؤال التالي: إذا كان القرآن نزل باللغة العربية فلماذا تم تجميعه وتدوينه من جديد، خاصة أن الله يضمن استمراره وبقائه؟. الأمر الثاني: هو أن القرآن لم ينزل على شكل كتاب كامل وجاهز للقراءة والاستعمال كما هو واضح في العديد من السور والآيات القرآنية نفسها( راجع في هذا الصدد سورة النجم والتكوير على سبيل المثال وليس الحصر)، وإنما نزل على شكل وحي، وعبر مراحل زمنية متفرقة امتدت على مدى ثلاثة وعشرون سنة. والوحي حسب المفكر المغربي عبد الهادي بو طالب هو الإعلام في خفاء أو إظهار ما خفي فهمه ويكون عن طريق إلهام أو عن طريق الرؤيا(17). وبهذا التعريف فإن الوحي لا يعني بأن القرآن الكريم نزول على شكل كتاب جاهز للقراءة والاطلاع، ولا يفيد أيضا بأن الله قد استعمل اللغة العربية في عملية تبليغه للرسالة (= القرآن) عن طريق جبريل. كما هو واضح على سبيل المثال فقط، وليس الحصر من سورة الفتح/ الآية 27 التي تقول ” لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق..”. وأيضا في سورة البقرة/ الآية 97 حيث يقول سبحانه وتعالى (( فإنه نزله على قلبك بإذن الله))، أو في سورة الشعراء/ الآية 193 -194 التي يقول فيها سبحانه وتعالى (( نزل به الروح الأمين، على قلبك لتكون من المنذرين)) وغيرها من السور والآيات التي تؤكد كلامنا وموقفنا من مسألة عدم نزول القرآن باللغة العربية سواء كتابتا أو لفظا. ومن جانب آخر إذا كانت اللغة العربية هي لغة القرآن؛ أي أن القرآن الكريم نزل مكتوبا باللغة العربية كما يدعى البعض، وهذا ما يفهم عادة من الفكرة القائلة بأن لغة القرآن هي اللغة العربية، فلماذا لم يتخذها المسلمين الغير العرب ( الأتراك والإيرانيون مثلا وغيرهم) كلغة رسمية لهم ؟ هل يعنى هذا أن هؤلاء المسلمين لم يفهموا القرآن جيدا أم ماذا؟. زيادة على هذا، ما موقع العرب الغير المسلمين من هذه اللغة، إذا كانت اللغة العربية هي لغة ” مقدسة” باعتبارها لغة القرآن بالمفهوم والمعنى الذي يروجه بعض دعاة الدفاع عنها (كالسيد فؤاد بوعلي مثلا..)؟. فاللغة العربية كانت هي لغة النبي وعمر ابن الخطاب وعلي أبن طالب وأبو بكر الصديق وخديجة وعائشة وفاطمة وغيرهم من المسلمين الأوائل ولكنها كانت أيضا لغة أبو سفيان وخالد بن الوليد (قبل أن يعتنق الإسلام) وورقة بن نوفل وأمرؤ القيس..،وغيرهم كثيرون من العرب الغير المسلمين. وثانيهما هو تأسيس الدولة العربية الإسلامية التي ساهمة بشكل كبير جدا في انتشار اللغة العربية خارج موطنها الأصلي (أي خارج الجزيرة العربية) بل والحفاظ عليها والعمل على تطوريها وإنماءها، بل وسيادتها كلغة العلم والمعرفة. طبعا، غايتنا الأساسية من توضيح هذا الأمور التي غالبا ما يتم تغيبها والإسكات عنها أثناء النقاشات والحوارات التي تنعقد حول التعدد اللغوي في بلادنا بشكل عام، وحول اللغة العربية بشكل خاص، ليس هو التهجم أو التنقيص من مكانة اللغة العربية التي نتواصل بها، ونكتب بها، دون أية عقدة نفسية أو فكرية، وإنما من أجل فضح الأوهام الإيديولوجية التي يروجها البعض حول اللغة العربية عموما، وحول ” قدسيتها” خصوصا، وهي الأوهام التي يحاصرون بها ترسيم اللغة الأمازيغية، وبالتالي تطويرها وإنماءها. شخصيا لا ادري كيف تعترف الأغلبية الساحقة من النخبة المغربية (المؤرخين، الصحفيين، السياسيين، الكتاب..) بالنسب الأمازيغي لفئة عريضة جدا من أبناء الشعب المغربي الأمازيغي المسلم ولا تعترف في نفس الوقت باللغة والهوية الأمازيغيتين ، أليس هذا تناقضا؟. وربما، من المفيد الإشارة هنا بأن مسألة المبالغة في تقدير واحترام اللغة العربية ليس نابعا من كونها لغة العلم والمعرفة كما يروج بعض الباحثين والكتاب الذين يسترزقون بهذا الموضوع( أغلبية الكتاب والمثقفين المغاربة الذين يدافعون عن اللغة العربية يستعملون في تواصلهم اليومي اللغة الفرنسية أو الدراجة المغربية بدل اللغة العربية)، فعلى من يريد التأكد من هذه المسألة النظر إلى موقع ومكانة اللغة العربية على المستوى العالمي، سواء في الإنتاج التكنولوجي أو في مجال الإنتاج الفكري والأدبي، وليس من خلال كونها لغة رسمية لدى بعض الهيئات الدولية أو انطلاقا من عدد المتكلمين بها كما يقول الأستاذ عبد الرحمن بن عمرو (18). كما أن الاحترام والتقدير المفرط الذي تحضى بها اللغة العربية ليس نابعا من كونها هي اللغة الأصلية التي يتداولها المغاربة بشكل يومي ومستمر، وإنما هو ناتج عن مجموعة من العوامل والأسباب السياسية والدينية والقانونية التي اشرنا إليها سابقا. وعلاوة على هذا فإن مسألة تقديس وتفضيل اللغة العربية يتنافى ويتعارض مع جوهر الدين، سواء في نصوصه الأصلية(=القرآن) أو في نصوصه الفرعية (السنة والحديث والاجتهاد..)، فاللغة العربية ليست ركن من أركان الإسلام، ولا ركن من أركان الإيمان أيضا، كما أنها ليست شرط من شروط الدخول في الإسلام(19). إن اعتبار اللغة العربية لغة “مقدسة” التي تحولت مع الوقت إلى جزء من الإيمان، على أساسا أنها “لغة القرآن” كما يروج أنصار الإيديولوجية الدينية وأنصار العروبة في بلادنا، هو نتيجة حتمية للجهل العميق بالحيثيات التاريخية والاجتماعية والفكرية والسياسية لمسار تطور اللغة العربية التي أصبحت في نهاية المطاف لغة القراءة والكتابة، وبالتالي فإن معظم المواطنين يجهلون كيف انتشرت هذه اللغة خارج موطنها التاريخي؛ أي أنهم يجهلون السياقات والشروط الموضوعية التي أدت إلى توحيد اللهجات العربية أولا. وثانيا كيفية انتشارها خارج حدودها الجغرافية كلغة موحدة، وكلغة العلم والمعرفة أيضا إبان سيطرة الدولة العربية الإسلامية على مساحة شاسعة من العالم، بحيث امتدت من أسيا إلى أفريقيا، ومن هناك إلى أوربا. ومن جانب آخر هو نتيجة حتمية للسياسيات الرسمية التي نهجتها الدولة المغربية بعد مرحلة الاستقلال الشكلي للمغرب سنة 1956. على أية حال، لقد امتزج ما هو تاريخي وديني واجتماعي حول اللغة العربية بما ما هو سياسي وفكري ونفسي في مخيلة الإنسان المغربي، نتيجة تكريس الفكر والإيديولوجية العربية مع بداية 1930 ، سواء في الإعلام والمدرسة أو في الإدارة والقانون أيضا(20)، حتى صار المواطن المغربي الأمازيغي بفعل هذا التوجه الممنهج للدولة والنخبة المغربية معا (مع استثناءات قليلة جدا) يعتقد بأنه من أصول عربية قحة. ومن جانب آخر أصبح يعتقد بسذاجة مطلقة أن اللغة العربية هي جزء من الإسلام، وان الإيمان الصحيح والكامل لا يكتمل إلا بإتقان اللغة العربية والدفاع عنها، بل هناك من الأمازيغ من يعتبر أن الكفر باللسان العربي هو كفر بالله(21). يتبع.. محمود بلحاج/ لاهاي – هولندا [email protected] بعض الهوامش: 6: عبد الكريم غلاب ” من اللغة إلى الفكر” الطبعة الأولى 1993 7: انظر كتاب ” لتحيا اللغة العربية: يسقط سيبويه” تأليف شريف الثوباني – مطبعة الالمناك، القاهرة. 8: كتاب ” تاريخ صدر الإسلام والدولة الأموية” تأليف عمر فروخ- دار العلم للملايين- بيروت/ لبنان- الطبعة التاسعة. 9: من المواقف الثابتة لدى الحركة الأمازيغية هي أنها تطالب بالمساواة الكاملة بين العربية والأمازيغية ولا تطالب بإلغاء الأولى وسيادة الثانية، يمكن مراجعة في هذا الصدد جميع وثائق الحركة الأمازيغية منها البيانات والمذكرات التي تصدرها الحركة: وكذلك كتابات المثقفين الأمازيغ. 10:انظر المقال “اللغة العربية غريبة في دارها” المنشور على الموقع الشيخ أبو اليقظان 11: ابن أبي العز الحنفي ” شرح العقيدة الطحاوية” مراجعة وتحقيق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني منشورات الدار الإسلامي – عمان / الأردن 12:حسين مروة” النزعات المادية في الفلسفة العربية – الإسلامية: الجاهلية- نشأة وصدر الإسلام(المجلد الأول) منشورات دار الفارابي 13: حسين مروة المرجع السابق 14: حسين مروة المرجع السابق 15: نصر حامد أبوزيد ” الإمام الشافعي وتأسيس الإيديولوجية الوسطية” منشورات مكتبة مدبولي- القاهرة المطبعة الثانية 16: محمد جمال باروت ” حركة القوميين العرب: النشأة – التطور – المصائر” إصدارات المركز العربي للدارسات الإستراتيجية الطبعة الأولى 17: عبد الهادي بو طالب ” حقيقة الإسلام” منشورات أفريقيا الشرق الطبعة الأولى 18: انظر مقال النقيب عبد الرحمن بن عمرو ” لماذا لا يمكن حاليا دسترة الأمازيغية كلغة رسمية ” منشور في الموقع www.lakome.com 19: محمد عابد الجابري ” وجهة نظر: نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر” المركز الثقافي العربي – الطبعة الأولى 1992 20: رشيد الحاحي ” الأمازيغية والسلطة: نقد استراتيجية الهيمنة” منشورات دفاتر وجهة نظر – الطبعة الأولى 21: انظر مثلا كتاب الشيح عبد السلام ياسين ” حوار مع صديق أمازيغي”