بعد أن تطرقنا في موضوع سابق لواقع الطلاق والتطليق بإقليمالحسيمة، عبر استعراض الأرقام المسجلة لدى قسم قضاء الأسرة بالمحكمة الابتدائية في الفترة ما بين 2004 و 2015، وكذا الأرقام المسجلة لدى القاضي المقيم بتارجيست في الفترة ما بين 2010 و 2014، واستعراض نسب التطور وأنواع الطلاق والتطليق المُسجّلة، سنحاول في هذا الموضوع تقديم قراءة لأسباب تفشي هذا السوس الذي بات ينخر بنيان العديد من الأسر بالمنطقة. أسباب تفشي الطلاق بإقليمالحسيمة سابقاً كانت الزيجات في منطقة الحسيمة ، يتسمن بالمتانة والصمود في وجه المشاكل التي تتخلل الحياة الزوجية، وكانت استمرارية العلاقة الزوجية قاعدة عامة بالمنطقة، تتخلّلها استثناءات جد محدودة تنتهي فيها العلاقة بالانحلال، إذ كان من النادر رصد حالة طلاق في جل ربوع الإقليم، وفي حالة رصدها يكون سببها في أغلب الأحيان عقم المرأة أو عجزها عن إنجاب أولاد ذكور(1). لكن في الوقت الراهن، أضحى الطلاق مسألة مجتمعية عادية في المنطقة، وهو ما تعكسه الأرقام التي أوردناها في الموضوع السابق المُشار إليه أعلاه، الشيء الذي يستدعي البحث في أسباب هذا التحول الذي طبع الحياة والعلاقات الزوجية بالمنطقة، وأسباب تفشي الطلاق سواء الذاتية أو الموضوعية. الأسباب الذاتية يُقصد بالأسباب الذاتية كل ما يرتبط بالسمات الشخصية للزوجين وبطبيعة العلاقات الزوجية الداخلية. وتبيّن من خلال المعطيات المستقاة والمشاهدات الميدانية والوصفية، أن أسباباً كثيرة تكمن وراء اتساع الطلاق وانتشاره، التي لو كان ممكناً تجاوزها لما ظهر الطلاق بصورته الحالية في منطقة الحسيمة، وتتمثّل أهم الأسباب في عدم التفاهم بين الزوجين وعدم طاعة الزوجة لزوجها، في ظل طبيعة تكوين الأسر بالمنطقة، حيث يتموقع الزوج في دور الرئيس والزوجة في موقع تَبَعي، فضلاً عن سوء الاختيار إبان بناء العلاقة الزوجية، الشيء الذي يؤدي إلى خلل في المعاملات و العلاقات العاطفية والجنسية، ونمو الشكوك بين الطرفين، لينتهي الأمر بانحلال الرابطة الزوجية بالطلاق، وفي هذا الصدد ذهبت المحكمة الابتدائية بالحسيمة الى أنه: "…حيث تتلخص أسباب الشقاق بين الزوجين في ادعاءات الزوج بأن الزوجة لا تعامله معاملة جيدة ولا تحترمه وأنها قامت بسرقته مرتين…، وحيث اتضح للمحكمة بالبناء على ما ذكر أن الغاية القدسية من مؤسسة الزواج والمتمثلة في المودة والرحمة والمعاشرة بالمعروف أصبحت منتفية في نازلة الحال بين الزوجين، وأن طلب إنهاء العلاقة الزوجية له ما يبرّره، الشيء الذي ارتأت معه المحكمة الاستجابة لذلك الطلب"(2) . إلى جانب ما سبق يلعب الزواج المبكر، أي الزواج دون سن الأهلية، دورا مُسهما في تفكك العلاقة الزوجية، نتيجة ضعف التكوين النفسي والذهني للأزواج وبالأخص الزوجات، وعدم القدرة على التكيف مع الحياة الزوجية ومسايرة متطلباتها ومسؤولياتها، ويُشكّل هذا النوع من الزواج ظاهرة أو "موضة" بالمنطقة، حيث يعرف انتشاراً كبيراً، حيث يعمد عدد من الآباء على تزويج بناتهم دون سن الأهلية من منطلق "الزواج سترة" بمعنى أنه يوفر الحماية الأخلاقية للفتاة داخل المجتمع، علاوة على رغبة الأب في "ضمان" مستقبل الابنة وهو ما يزال على قيد الحياة، وبشكل خاص عندما تكون الإناث السمة الغالبة في الأسرة. كما تُشكّل الظروف الاقتصادية للزوج عاملاً يُؤدي في حالات كثيرة إلى الطلاق، نتيجة التقصير في تلبية احتياجات الأسرة بسبب الفقر والبطالة المُتفَشّية بنسبة كبيرة في الإقليم، في الوقت الذي تتزايد فيه متطلبات الحياة العصرية يوماً بعد يوم، ليجد الزوج بصفته رب الأسرة نفسه عاجزاً عن مواكبة هذه المتطلبات وتوفيرها، وبالتالي يكون الزوجان أمام خيارين "أحلاهما مر"، إما الاستمرار في العلاقة الزوجية دون توافر شروطها المادية، أو إنهائها بالطلاق: سواء بالاتفاق، أو بطلب من الزوجة تحت طائلة عدم الإنفاق. ولتباين واختلاف التنشئة الاجتماعية لكل من الزوجين أحيانا، دور في فشل العلاقة الزوجية، وهكذا نجد أن عددا مهما من حالات الزواج التي تتم بين شخصين أحدهما من منطقة الحسيمة أو الريف بشكل عام، والثاني من خارج هذه المنطقة تنتهي بالطلاق، خاصة إذا كانت الزوجة هي الطرف الأجنبي عن المنطقة في العلاقة ، حيث تصطدم بمجموعة من العراقيل على مستوى التواصل مع زوجها وبشكل أكثر مع محيطه العائلي، في ظل سيادة ثقافة السكن مع أهل الزوج وتدخلهم في شؤون الزوجين، حيث عادة ما تعجز الزوجة على التعايش مع محيطها الجديد بثقافته وعاداته ومعتقداته وتصوراته لأمور الحياة اليومية، كما تعجز خاصة في الفترات الأولى للزواج عن التواصل اللغوي مع والدي الزوج، في ظل سيادة الأمازيغية كلغة محلية بالمنطقة، حيث يجهل عدد كبير من الآباء من كبار السن بإقليمالحسيمة وبالخصوص الجهة الشرقية للاقليم، اللغة العامية بلهجاتها المختلفة التي تتحدث بها باقي مناطق المغرب، أو يجدون صعوبة بالغة في التحدث بها. هذا التباين الثقافي بين الزوجة ومحيط زوجها، يجعل أسرة الزوج وبشكل خاص الأم تلعب دور الضاغط في سبيل إنهاء هذه العلاقة ، خاصة أن مثل هذه الحالات لا تكون للأم يد فيها: أي في اختيار الزوجة، ولأن الأسر الريفية تقوم على مناهج الطاعة والامتثال بين الأبناء والآباء بعيداً عن كل أشكال الرفض والتساؤل والتعليق، فإنه غالباً ما يرضخ الزوج لهذه الضغوطات، وبالتالي تنحل الرابطة الزوجية بالاتفاق. وعلى هذا الأساس أذنت المحكمة الابتدائية بالحسيمة في أحد أحكامها بالإشهاد على طلاق زوج من الحسيمة لزوجته المنحدرة من تطوان، حيث ذهبت المحكمة إلى أنه: "…حيث إن الثابت من الاتفاق المصحح الإمضاء بتاريخ 22/06/2015 ، تحت عدد 21063 ببلدية الحسيمة أن الزوجين المذكورين أعلاه اتفقا على إنهاء العلاقة الزوجية بينهما حبياً، نظراً لاستحالة الاستمرار فيها لاعتبارات عديدة منها الاختلاف البَيّن بينهما في الطباع والعادات والتقاليد… وحيث أجرت المحكمة عدة محاولات للصلح لرأب الصدع بينهما ما أمكن …، إلا أنها لم تأت بنتيجة وتبّين لها أن الافتراق أفيد لهما"(3). وهكذا يتبيّن أن هذا الاختلاف الثقافي واللغوي واختلاف النشأة الاجتماعية، بين الزوجين يُسهم في خلق مشاكل بينهما لدرجة يتعذر على القضاء الأسري رأبها. ولهذا الاعتبار وغيرها نجد أن الزواج بمنطقة الحسيمة يتّسم بالمحلية، حيث إن جل الحالات الزوجية تتم بين أبناء المنطقة ذاتها، وهي عادة شائعة بإقليمالحسيمة، وبالخصوص في جهته الشرقية، حيث يفضل أغلبية المقبلين على الزواج الاقتران بزوجة تنتمي إلى سلالته، أو تنتمي إلى نفس القسمة، أو نفس القبيلة أو الزواج من امرأة من قبيلة مجاورة (4). علاوة على ما سبق تُشكّل أيضا ثقافة الهجرة المنتشرة بشكل كبير في منطقة الحسيمة، عاملاً من العوامل التي تُعجّل بانحلال الرابطة الزوجية، وهذا ما تعكسه الأرقام المرتفعة التي أوردناها في جدول التطليق للغيبة في معرض الموضوع السابق(5)، ففي سياق موجة الهجرة التي تعرفها المنطقة منذ عقود في اتجاه أوروبا، حيث يستقر هناك حسب إحصائيات أجريت في سنة 1992، (14 في المائة) من سكان إقليمالحسيمة (6)، وهذا العدد ارتفع بشكل كبير في الألفية الثالثة، يعمل عدد من الأزواج على الهجرة إلى الديار الأوربية بشكل غير قانوني بحثا على العمل، وأمام تعقيدات مسطرة الحصول على أوراق الإقامة بالدول الأوربية، يعمد الزوج المهاجر على الاختفاء أو الارتباط بزوجة ثانية أجنبية طمعاً في تسوية وضعيته، أو يختار دروب بعض الأنشطة غير المشروعة كالاتجار في المخدرات، فينتهي به الأمر أحياناً بين جدران السجون، وفي جميع الحالات قد تنقطع أخباره، لتضطر زوجته بعد مرور المدة المحددة قانونا(7) إلى طلب التطليق للغيبة. الأسباب الموضوعية يقصد بالأسباب الموضوعية كل ما يرتبط بالإطار الاجتماعي والقانوني المحيط بالعلاقة الزوجية، وتُشكل الأسباب الموضوعية عاملاً مسانداً في تقويض العلاقة الزوجية. إن الثقافة المحلية لمنطقة الحسيمة، هي نتاج القرابة والدين ونمط الإنتاج السائد، ونظراً إلى السمة القرابية التي يتميز بها البناء الاجتماعي للمنطقة، نجد أن الزواج يتخذ نمط الزواج الداخلي، من داخل الوحدات القرابية الأبوية أو الأمومية، أو النمط الزواجي عبر خط الأصهار وخط علاقات الجوار أو الانتماء الجغرافي. ويعتبر الزواج في هذه المنطقة قراراً جماعياً أكثر منه قراراً فردياً خاصاً بالزوج أو الزوجة، حيث تلعب فيه الأسرة وكذا المجتمع دوراً فاعلاً سواء في مرحلة الاختيار أو مرحلة الزواج وكذا في مرحلة ما بعد الزواج. وبقدر ما تُشكّل متضمنات الثقافة المحلية بيئة خصبة حاضنة للزواج، تُشكل في الوقت نفسه المقدمات والدوافع المسبّبة لمشاكل الحياة الزوجية التي تؤدي إلى الطلاق، فالنمط الزواجي الداخلي المحصور في إطار المنطقة، والقنوات الزواجية التقليدية، يُشكّلان أحيانا عامل صراع وتنافس أكثر منه عامل تهدئة وتعاون عند نشوب الخلافات الزوجية، بحيث تتفاقم المشكلة بسبب الدور السلبي للأهل، لاسيما أن كلا من أم الزوج والزوجة تحتلان مكانة خاصة تستمدانها من الثقافة المحلية بصفتها القناة لأولى للاختيار والتحكم في مسيرة زواج ابنها، فضلاً عن اتخاذ دور المحرض الذي يصر على الطلاق. وهذا الدور الذي يلعبه المحيط الأسري والمجتمعي في الحياة الزوجية للأفراد، بدأ يتراجع نتيجة مجموعة من المتغيرات التي اقتحمت المنطقة، ومع ذلك تظل الأسرة بهذه المنطقة شأنها شأن الأسرة المغربية عامة، مالكة لكثير من الرساميل المادية والرمزية التي تساعدها على أداء وظيفتها الأولية والثانوية بمقدار ما، ولو في ظل شرط مجتمعي محكوم بالمزاحمة والمنافسة التي تبديها مؤسسات أخرى أفرزها التطور الطبيعي والانتماء القسري لألفية جديدة(8)، وهكذا نجد رغم هذه المتغيرات ورغم التراجع المُتَحَدّث عنه، أن الأسرة ما تزال مساهمة أحياناً في انحلال الرابطة الزوجية، حيث تلعب إما دوراً أساسياً في هذا الأخير، وفي أكثر الحالات دوراً ثانوياً، بحيث تُغذي أسباب الطلاق الذاتية المرتبطة بالأزواج، ليصبح الطلاق أمرا واقعا. إضافة إلى ما سبق يُمكن إرجاع أسباب الطلاق المتفشي بالمنطقة، أيضا إلى المتغيرات التي طرأت على منظومة القيم والسلوكيات، والتي أضعفت الالتزام الديني والأخلاقي لدى أفراد المجتمع المحلي بإقليمالحسيمة، حيث أصبح الالتزام الديني مجرد طقوس وممارسات مظهرية للعبادات، أكثر منه التزاماً سلوكيا للمضمون والجوهر الديني والقيمي للعبادات، كما أضعفت الأساس الروحي للروابط والعلاقات بين أفراد المجتمع، في مقابل سيادة القيم المادية وسيطرتها على مختلف جوانب الحياة اليومية، وذلك نتيجة انفتاح المنطقة وخضوعها للغزو الفكري-الثقافي الغربي، والتأثر بوسائل الإعلام وتقنيات الاتصال الحديثة بكل ما تحمله من ثقافة قيمية جديدة، وكذا بحكم هجرة كم هائل من أبنائها إلى البلدان الأوربية واحتكاكهم بالمجتمعات الغربية، وهي عوامل أسهمت من جانبها في انتشار سلوكيات ومظاهر غربية تتنافى مع عناصر الثقافة المحلية المستمدة من الدين والعادات والتقاليد والقيم الاجتماعية. هذه المتغيرات أرخت بضلالها على الحياة اليومية لساكنة المنطقة، وكذا على الحياة الزوجية لأفرادها، حيث تُشكّل في أحايين كثيرة عاملاً سلبياً يُسهم من تفكك الأسرة، نتيجة تحكم المظاهر و الماديات في العلاقة بين الزوجين وضعف الوازع الديني لديهما، الشيء الذي جعل الزواج كأي عقد مدني أو تجاري قابل للفسخ في أي لحظة. وكما يلعب الإطار الاجتماعي المحيط بالعلاقة الزوجية، دوراً في إنهاء هذه العلاقة، يُشكل أيضا الإطار القانوني المنظم لهذه العلاقة سببا في تفشي الطلاق وتنامي أرقامه التي ارتفعت بشكل كبير بمجرد إقرار العمل بمدونة الأسرة، خاصة على مستوى التطليق للشقاق الذي فتحت مسطرته بابا آخر لانحلال الرابطة الزوجية، اندفع نحوه عدد كبير من الأزواج لإنهاء علاقتهم الزوجية، ليمثل التطليق للشقاق السبب الأول لإنهاء الرابطة الزوجية في إقليمالحسيمة وعلى الصعيد الوطني. ويُمكن إرجاع أسباب الإقبال على التطليق للشقاق وتطور أرقامه، إلى كون مسطرة التطليق للشقاق مُتاحة للزوجين معا، كما أن هذه المسطرة تشكّل رافداً قانونيا لمساطر أخرى للطلاق والتطليق، حيث يتم اللجوء إليها عند الاقتضاء بمناسبة التعدد، والرجعة، والطلاق الخلعي، والتطليق للضرر، وعدم تنفيذ الالتزامات المتبادلة بين الزوجين. زيادة على ما سبق فإن مسطرة الشقاق تنتهي غالباً بالتطليق إذا تعذر التوفيق بين الزوجين ولا تحتاج إلى أي إثبات للأسباب الموجبة لإنهاء الرابطة الزوجية، على خلاف باقي أسباب التطليق الأخرى، إضافة إلى كونها (مسطرة الشقاق) تتميز بسهولة إجراءاتها الشكلية، وبسرعة البت فيها من قبل القضاء(9)، رغم أن التحدي في التعجيل بالأحكام لا زال كبيرا أمام المحاكم والأجهزة المختصة(10) . كما أن التطبيق المعيب لمسطرة الشقاق، يُسهم في ارتفاع نسب الطلاق، حيث وضع المشرع بين يدي الزوجين إمكانية إنهاء العلاقة الزوجية دون عذر أو سبب معقول، هذه الإمكانية فتحت الباب على مصراعيه أمام الأهواء والأنفس الضعيفة لكي تعبث بقدسية الزواج. وهكذا يمكن لأحد الأزواج ولأسباب قد تكون بسيطة إنهاء العلاقة الزوجية، رغم تمسك الطرف الثاني بالعلاقة، وفي هذا الصدد ذهبت المحكمة الابتدائية بالحسيمة إلى أنه: "…عرض الصلح على الزوج فتمسك بطلبه وتمسكت الزوجة بزوجها، فتم تسجيل فشل محاولة الصلح وإحالة الملف على هيئة المحكمة… وحيث إنه وأمام إصرار الزوج على طلبه، فقد ثبت للمحكمة وجود نزاع مستحكم بين الزوجين تعذر إصلاحه، وبالتالي تكون حالة الشقاق بينهما قائمة، ويتعين الاستجابة لطلب الزوج في فك العلاقة الزوجية بينه وبين زوجته المدعى عليه استنادا على مقتضيات المادة 94 وما يليها من مدونة الأسرة"(11). ويُشار إلى أن مدونة الأسرة حين نصت على طلاق الشقاق إنما نصت عليه في إطار سياق متكامل (التحكيم و الصلح و الدعم الاجتماعي والمحافظة على استقرار الأسرة وتماسكها و دعم مؤسسة الزواج)، لكن الواقع يؤكد أن اختيار التطليق للشقاق إنما يتم فقط من أجل تسهيل عملية انفصال الزوج عن الزوجة، خلافا للمقاصد التي راعتها المدونة فيه، وهو ما يعكس تناقض واقع تطبيق المدونة مع أهدافها ومقاصدها في التطليق للشقاق(12). أما الطلاق الاتفاقي، فبقراءة أسباب ارتفاعه من الزاوية القانونية، نجد أن الإقبال المتزايد على هذا النوع من الطلاق راجع إلى كونه يتّسم بالمرونة والسهولة والسرعة نتيجة اتفاق الزوجين، و لا نغفل دور القضاء في تشجيع الأطراف على حل نزاعاتهم عن طريق الاتفاق والتفاهم، حماية لحقوق الأطفال، كما يمكن القول أن الإقبال على الطلاق الإتفاقي ينم عن وعي الأزواج بأهمية إنهاء العلاقة الزوجية بشكل ودي، وهو ما يجسد التسريح بإحسان الذي جاء به القرآن الكريم في قوله تعالى: "فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ"(13). وبخصوص باقي أنواع الطلاق المسجلة في إقليمالحسيمة، فتعود لأسباب ذاتية متعلقة بالزوجين بالدرجة الأولى، ويتعلق الأمر بالتطليق لعدم الإنفاق، والتطليق للغيبة، والتطليق للضرر، والتطليق للعيب، وهي أسباب نادرة الوقوع الشيء الذي تعكسه الأرقام المتواضعة المسجلة بخصوص هذه الأنواع من الأطلقة، باستثناء التطليق للضرر الذي لا تعكس أرقامه الضئيلة ندرة أسباب وقوعه، حيث أن الأسباب المؤدية إليه منتشرة في أوساط الأزواج لكن اللجوء إلى القضاء في هذه الحالة أمر نادر الحدوث، وذلك راجع إلى خصوصيات المنطقة والمتمثلة في عوائد تناقلها كابر عن كابر مذ عصر ما قبل الاستعمار منها، اقتصار وظيفة المرأة على القيام بشؤون البيت، مما أكسب الرجل قوة اعتبارية تجيز له عرفيا إلحاق الضرر بالزوجة بالضرب أو الشتم، دون رد فعل من الأخيرة. وكإشارة فإن الاجتهاد القضائي الذي لم يُصنّف فقدان الزوجة لبكارتها في خانة الأسباب الموجبة للتطليق للعيب، على اعتبار أن فقدان الزوجة لبكارتها على فرض ثبوته ليس من أسباب الفسخ أو البطلان المنصوص عليه في المادة 60 وما بعدها من مدونة الأسرة(14) قد ساهم بشكل كبير في عدم تسجيل أرقام كبيرة بشأن التطليق للعيب، في ظل خصوصيات المنطقة التي ترتبط فيها البكارة بالشرف والعفّة. (… يتبع) المراجع المعتمدة: 1 – أورسولا كينغسميل، وراء باب الفناء .. الحياة اليومية للنساء الريفيات، ترجمة: عبد الله الجرموني، منشورات تيفراز ناريف، الطبعة الأولى 2010، ص53. 2 – حكم صادر عن المحكمة الابتدائية، قسم قضاء الأسرة بالحسيمة، رقم 719 في الملف عدد 251/1607/15، بتاريخ 13/08/2015 . 3 – حكم صادر عن المحكمة الابتدائية، قسم قضاء الأسرة بالحسيمة، رقم 36 في الملف عدد 109/15، بتاريخ 24/03/2016. 4 – دايفيد مونتكمري هارت، آيث ورياغل – قبيلة في الريف المغربي- دراسة إثنوغرافية وتاريخية، ترجمة: محمد أونيا وعبد المجيد عزوزي و عبد الحميد الرايس، مطبعة أقواس للنشر –هولندا-، الطبعة الأولى 2007، ص 325. 5 – انظر الموضوع السابق: بالأرقام .. واقع الطلاق والتطليق بمنطقة الحسيمة 6 – لزعر امحمد، هجرة الريفيين الحديثة إلى اسبانيا و انعكاساتها الاقتصادية و الاجتماعية و المجالية: حالة إقليمالحسيمة، دكتوراه في الجغرافيا- كلية الآداب و العلوم الإنسانية، 2004 – فاس. 7 – تنص المادة 104 من مدونة الأسرة على أنه: "إذا غاب الزوج عن زوجته مدة تزيد عن سنة، أمكن للزوجة طلب التطليق. وتنص المادة 106 من مدونة الأسرة على أنه: "إذا حكم على الزوج المسجون بأكثر من ثلاث سنوات سجنا أو حبسا، جاز للزوجة أن تطلب التطليق بعد مرور سنة من اعتقاله، وفي جميع الأحوال يمكنها أن تطلب التطليق بعد سنتين من اعتقاله". 8 – عبد الرحيم العطري، تحولات المغرب القروي –أسئلة التنمية المؤجلة-، مطبعة طوب بريس – الرباط، الطبعة الأولى 2009، ص 102. 9 – تنص الفقرة الثانية من المادة 97 من مدونة الأسرة على ما يلي "يفصل في دعوى الشقاق في أجل لا يتجاوز ستة أشهر من تاريخ تقديم الطلب". 10 – بسمية الحقاوي – أربع سنوات على إصلاح مدونة الأسرة، مقال منشور في جريدة التجديد، العدد 2570، السنة 2008. 11 – حكم صادر عن المحكمة الابتدائية، قسم قضاء الأسرة بالحسيمة، رقم 960 في الملف عدد 543/2015، بتاريخ 10/12/2015. 12 – بلال التليدي، لا نجاح لتطبيق مدونة الأسرة إلا بسياسة تعيد الاعتبار لقيم التضامن والصلح داخل الأسرة، مقال منشور بجريدة التجديد، العدد 3117. 13 – سورة البقرة، الآية 229. 14- حكم صادر عن المحكمة الابتدائية، قسم قضاء الأسرة بالحسيمة، رقم 35 في الملف عدد 217/04، بتاريخ 17/02/2005.