لنتعرف في البدء على الدكتورة صورية موقيت؟ بعد حصولي على الباكالوريا، هاجرت إلى ألمانيا لمتابعة دراستي العليا في جامعة "ترير" حيث نلت شهادة الدكتوراه بأطروحة حول المشاركة السياسية للنساء المغربيات في مشروع دمقرطة المغرب، وتم نشر الأطروحة بهذا الإسم. حصلت عام 1998 على جائزة الأكاديمية الألمانية للبحث العلمي والتبادل الجامعي نظرا لمساهمتي في مجال الدفاع عن حقوق الطلبة الأجانب، حيث ترأست لجنة شؤون الطلبة الأجانب بالبرلمان الطلابي لأربع سنوات، كما انتخبت عضوة في المجلس الاستشاري للأجانب لمدينة "ترير"، وعملت مسؤولة عن مشاريع التنمية مع دول الجنوب في وزارة الخارجية اللوكسومبورغية. أشتغل حاليا في منصب كمسؤولة على الهجرة والاندماج في ولاية زارلاند الألمانية منذ 2008. عرفت سنة 2009 نقطة تحول أساسية في مسار الهجرة المغربية في ألمانيا بتأسيس "شبكة الكفاءات المغربية في ألمانيا". حدثينا من أين انبثقت فكرة التأسيس وماهي الأهداف المتوخاة من الشبكة؟ جاء تأسيس شبكة الكفاءات المغربية في ألمانيا في سياق التحول الذي عرفته الهجرة العالمية. إنه التحول الذي انعكس على جمعيات الهجرة التي أصبحت تلعب دورا كبيرا في العشرية الأخيرة سواء في بلدان الاستقبال أو بلدان الأصل. إن الهجرة المغربية التي تتميز بالتنوع في الكم والكيف والانتشار لا تخرج عن هذا السياق. ففي زمن العولمة ومجتمع المعرفة أصبحت الهجرة وجمعياتها وسيطا أساسيا ومتكاملا بين دول الاستقبال ودول الأصل. إذ أن عددا من المهاجرين هم مواطنون متعددو الهوية أو ما يعرف بمواطني هناك وهناك. وهذا ما يميز أيضا شبكة الكفاءات المغربية في ألمانيا من خلال تعددها وتنوعها سواء من حيث النوع أو من حيث المنطقة التي ينحدر منها أعضاؤها في ألمانيا أو في المغرب وكذا تعدد مجالات اشتغالها. ولقد حددت الشبكة منذ تأسيسها ثلاث أهداف أساسية: أولها دعم مجهود التنمية المستدامة للمغرب. ثانيا دعم سياسة الهجرة والاندماج في ألمانيا لما فيه من مصلحة لفائدة جاليتنا المغربية في ألمانيا أو المنحدرة من أصل مغربي. وثالث المهام هو التوثيق للهجرة المغربية في ألمانيا. وفي هذا الصدد خلدت الشبكة ذكرى مرور50 سنة على الهجرة المغربية في ألمانيا في العام 2013. بعد سبع سنوات من تواجد "شبكة الكفاءات المغربية في ألمانيا"، هل يمكن القول أن الشبكة أصبحت وسيطا مركزيا بين المغرب وألمانيا؟ بالفعل، أصبحت شبكة الكفاءات المغربية في ألمانيا رقما مهما في سياسة الهجرة والتنمية والاندماج. وأصبحت أيضا نموذجا يحتذى بها في مجال جمعيات الهجرة سواء في اللقاءات الدولية تحت إشراف الأممالمتحدة لتقديمها كنموذج فاعل في مجال الهجرة والتنمية والاندماج, وكذا حضورها في تونس بعد الثورة لتقديمها كنموذج لجمعيات الهجرة والدور الذي يمكن أن يلعبه المهاجرون في التنمية. وقد انكبت الشبكة على أنشطتها ومشاريعها إيمانا منها بالدور المنوط بها كجمعية للهجرة للمساهمة من جهة في المجهود التنموي للمغرب ودعما منها لسياسة الهجرة والاندماج في ألمانيا من جهة أخرى. ولم يكن يتسنى لها ذلك لولا الالتزام الكبير لأعضاء الشبكة والتضحيات الكثيرة، ولولا الثقة العالية لشركائها في المغرب وألمانيا. في أي إطار يأتي صدور كتاب "ماوراء الريف والرور: خمسون عاما من الهجرة المغربية إلى ألمانيا" ؟ جاء صدور هذا الكتاب في إطار الوعد الذي قطعته شبكة الكفاءات المغربية في ألمانيا على نفسها، وهي تحتفل قبل أكثر من عام وبالضبط في سنة ألفين وثلاثة عشر، بمرور نصف قرن على الهجرة المغربية في ألمانيا. وكما تعلمون نظمت الشبكة إبانها عدد من الأنشطة والفعاليات، كان الهدف منها هو أولا الاعتراف بمجهودت أجيال الهجرة المغربية في ألمانيا، ثانيا التفكير في تطوير آليات جديدة للتعاون بين دولة الأصل المغرب ودولة الاستقبال ألمانيا. غير أن أحد الأهداف الرئيسية لهذه الاحتفالية تجلى في بعدها التوثيقي. وفي هذا الإطار أنجزنا معرضا يعكس تنوع الهجرة المغربية في ألمانيا، وهذا الكتاب الذي يعتبر أول كتاب علمي يرصد هذه الهجرة. كما أننا ننكب حاليا على إنجاز كتاب جديد عبارة عن بورتريهات للوقوف على مدى الغنى والتنوع للهجرة المغربية في ألمانيا. ماهي التيمات التي يتناولها هذا الكتاب؟ ومن هم الكتاب والباحثين المختصين في مجال الهجرة الذين ساهموا فيه؟ إجمالا يمكن أن نقول أن الكتاب عالج خمسة محاور كبرى وهي النظرة التاريخية حول مختلف مراحل موجات الهجرة المغربية إلى ألمانيا، والأبعاد المختلفة للاندماج وأهمية اللغة والتغييرات التي عرفتها وتفاعلاتها في مجتمع الهجرة، بالإضافة إلى تمثلات الهجرة في الأدب وأخيرا العلاقات العابرة للحدود سواء في علاقتها بنقل الخبرة والمعرفة أو العلاقات السيوسيواقتصادية. ولقد ساهم في إنجاز هذا الكتاب عدد من الباحثين والمختصين في مجال الهجرة، تحت إشراف كل من البروفيسور أندرياس بوت وكل من الدكتورة والباحثة خاتمة بوراس والدكتور والباحث الاجتماعي رحيم حجي بالإضافة إلى شخصي المتواضع. (الرئيس الألماني غاوك يكرم المغربية موقيت بوسام الشرف) كيف تقيمين اليوم وضعية المهاجرين عموما بألمانيا والمغاربة على وجه الخصوص؟ وضعية المغاربة كوضعية باقي الجاليات في ألمانيا. غير أن الكتاب الذي أنجزناه ساهم في توضيح الصورة بالنسبة لنا بشكل أفضل. ويمكن عرض بعض خلاصاته على الشكل التالي: أولا أن هجرة المغاربة إلى ألمانيا وكباقي الجاليات انتقلت من هجرة يطغى عليها الطابع الذكوري بشكل كبير، إلى هجرة نسائية أو ما يمكن الاصطلاح عليه بثأنيت الهجرة. ثانيا أن مستوى التأهيل التعليمي مرتفع بشكل كبير عند الموجة الثانية من الهجرة مقارنة مع موجة الهجرة الأولى، هنا نتحدث عن موجة الهجرة إلى ألمانيا. لابد من الإشارة إلى أن ذلك مرتبط أساسا بالتحولات التاريخية التي تعرفها مجتمعات الاستقبال. أما إذا سلطنا الضوء على الهجرة المغربية في ألمانيا فإننا نرى أن هذه الهجرة لا تزال تعيش في الظل وأنها لم يسلط عليها الاهتمام سواء الإعلامي أو في مجال البحث العلمي، كما وقع مع نظيرتها التركية مثلا، وذلك راجع بالأساس إلى حجم هذه الهجرة بالمقارنة مع الهجرة التركية. إذ أننا نتحدث عن هجرة مغربية في حدود مئة وثمانين ألف نسمة. ثانيا، نجد الجيل الأول وعلى الرغم من إمكانياته التعليمية المتواضعة فإنه يعيش ظروفا من حيث الاندماج المجتمعي والمهني أحسن بكثير من الجيل الثاني الذي حصل على تأهيل تعليمي إلى حد ما أفضل من الجيل الثاني. وهنا لابد من الإشارة إلى أن طبيعة النظام التعليمي في ألمانيا غير المنصفة ونخبوية، ساهمت كثيرا في الهدر المدرسي لذا الأبناء من الجيل الثاني. الأمر الذي انعكس على المستوى التعليمي للأسر المهاجرة بشكل عام والمغربية بشكل خاص. هذا وقد أثر ذلك على الولوج إلى سوق العمل في ألمانيا الذي يعتمد على الشهادة التعليمية أو التكوين المهني. فحتى التكوين المهني نجد أن عدد من أبناء الأسر المغربية لم يستفد منه نظرا لظاهرة الهدر المدرسي. مما جعل الفقر والهشاشة تكون مرتفعة بشكل كبير لدى الجيل الثاني مقارنة بالجيل الأول من الهجرة. هناك ملاحظة وهي مثيرة جدا، تتمثل في أن إمكانيات التأهيل المدرسي لدى فتيات الجيل الثاني أكبر منها لدى الذكور. وهنا نطرح فرضية تستوجب البحث والتحليل العلمي، هي أن طبيعة التربية لدى الأسر لها علاقة مع هذه النقطة. كما أن هناك ملاحظة أخرى تستوجب تعميق البحث فيها وهي أن نسبة البطالة عند المغاربة مرتفعة نسبيا مقارنة مع نظيرتها عند الأتراك. كلمة أخيرة المغرب منحني الحياة وألمانيا أعطتني الثقة في الذات. ولابد من أن ينفتح المغرب أكثر على ألمانيا للاستفادة مما تتيحه هذه البلاد من فرص. ويمكن لمغاربة ألمانيا أن يكونوا جسرا للتواصل. ينبغي فقط أن نخرج من تلك القوقعة التي وضعنا أنفسنا فيها عبر علاقات تاريخية حنطتنا.