تعرف مدينة الناظور في فصل الصيف انتعاشة اقتصادية ملحوظة تشمل جميع قطاعاته التجارية، فبعد عام كامل من الركود التجاري الذي ينعكس سلبا على جميع ساكنتها، تعود الحياة من جديد مع عودة أول فوج من أبناء الريف لقضاء عطلة الصيف مع أهاليهم وأحبابهم في جو عائلي تسوده المحبة والألفة ونكران الذات . فبيوت الريف لا تكاد تخلو من عزيز غائب هاجر قسرا إلى الديار الأوروبية بحثا عن لقمة عيش هنية وحياة مستقرة . هجرة .. هاجر فيها الآباء والأجداد بعد أن تقطعت بهم سبل العيش في وطنهم الأم، إِذْ هَيْمَن دُعَاةُ المقاومة والنضال على جميع مراكز القرار، وجميع المناصب، وجميع فرص العمل، وجميع المشاريع المدرة بالدخل، فأنتجت بذلك" نُخَباً " و" عائلات " هي فقط من تعيش بَذَخاً في المغرب النافع، أما باقي المناطق و منطقة الريف بالخصوص فقد تعرضت للتهميش والإقصاء وعاش أبنائها فقرا وعَوَزاً اضطرهم للبحث عن وطنٍ آخر يُحَقِّقُ لهم الحد الأدنى من العيش الكريم لهم ولأبنائهم، فآثروا بذلك إعادة بناء أوروبا التي خُرٍّبَتْ بعد الحرب العالمية الثانية وإعمارها من جديد، فكَوَّنُوا فيها أُسَراً وعائلات، بل ومُجْتَمَعاً صغيرا يَتَمَيَّزُ بارتباطه الشديد بوطنه الأم وحبه الكبير لكل ما هو مغربي، فتجدهم دائموا الاتصال بأهاليهم وأصحابهم وجيرانهم بالريف، فيفرحون لفرحهم ويحزنون لحزنهم، ويساهمون بشكل كبير في إبقاء عائلاتهم داخل المغرب في مستوى معيشي لا بأس به، بل وتجد أبناء الريف في المهجر سَبَّاقِينَ إلى دعمِ ومُساندَةِ المغرب في كل المجالات، رياضيا واقتصاديا واجتماعيا، ويُشَكِّلُونَ مصدرا أساسيا للعملة الصعبة، وبفضل زياراتهم المتكررة للمغرب تنتعش التجارة وقطاع الخدمات، ليس على المستوى المحلي فقط بل على مستوى جميع التراب الوطني الذي بفضل سَفَرِّيَاتِهم باتجاه مختلف المدن المغربية تنتعش السياحة الداخلية بشكل كبير . غير أنه وبرغم كل هذا التَّفَانِي في حب الوطن والحِرْص على التفاعل معه بشكل إيجابي، تُصٍرُّ السلطات المْوكُولَةِ لها استقبال أبناء المهجر أن تعاملهم معاملةً لا تليق بتَضْحِيَّاتِهم، ولا بمُسَاهَمَاتٍهم، فنجدهم يعبرون حدود دول أوروبا بشكل عادي ومُيَسَّر وليس فيه أدنى صعوبة، بينما في عبورهم للحدود المغربية فإن جميع المشاكلِ والعُقَدِ التي ليس حَلٌّ تكون حاضرة وغالبة على عملية العبور، إلى درجة يَنْدَمُ فيها أبناء المهجر اخْتِيَاَرَهُم للمغرب كوٍجْهَةٍ لقضاء عطلتهم الصيفية، فرجال الاستقبال لا يَدَّخِرُون جُهْداً في البحث عن أي مشكل يستطيعون من خلاله تعطيل هؤلاء المَهْوُوسون بحب الوطن، فنراهم يَسْتَفِزُّونَهُم بكلام يوحي بأنهم علماء في كل شيء، وأنَّ هؤلاء الذين جاءوا لزيارة بلدهم بكل هذه الأعداد ما هم إلا أغبياء لا يفهمون شيئا، ويُبَالِغُون في تفتيش حقائبهم وأمتعتهم بدعوى " الإجراءات الأمنية " التي أصبحت الشَّمّاعَة التي يُعَلِّقُ عليها هؤلاء جميع تَعَسُّفَاتِهم وتَجَاوُزَاتِهِم .. ولولا تًعًلُّقُ أبناء الريف في المهجر بأهاليهم وأرضهم ووطنهم لما وَجَدْتَ زائرا واحدا يقصد المغرب ويستحمل المعاناة التي يعانيها في الموانئ والمطارات ونقط العبور المغربية . ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه بِحِدّةٍ لماذا يُعامَل أبناء المهجر بهذه الكيفية المُشِينَة ؟ لماذا يُسْتَقْبَلون بالإساءة في الوقت الذي لا يُقَدِّمُون إلا الإحسان لهذا الوطن ولِأًبْنائِه ؟ إنهم لا يًحْلُمُون إلا باستقبالٍ بصدرٍ رَحْبٍ وابتسامةٍ عريضةٍ وإجراءاتٍ مُخًفًّفًةٍ على غِرار الدول الأروبية، يَحْلُمُونَ بقضاء عطلة يُحِسُّونَ فيها بالزًّهْوِ والفَخْرِ لأن سلطات بلدهم الأم وأبنائهم يُبَادِلُونهم نفس الشعور ونفس الشوق ونفس الترحاب .. إنهم مغاربة يَحْلُمُونَ بمعاملتهم كمغاربة ..أصحاب أرض ووطن ..