بقلم/ذ.التجاني بولعوالي باحث مغربي مقيم بهولندا www.tijaniboulaouali.nl حديث خاص بأهل الدريوش قد يؤول أي قارئ لهذه الورقة، لا سيما إذا كان لا ينحدر من مدينة الدريوش أو منطقة امطالسة، بأنها إقصائية للمدن والمناطق المجاورة الأخرى، التي تنضوي تحت عمالة إقليم الدريوش المستحدثة، غير أن المقصد من تحريرها خلو من أي إقصاء أو حيف أو إساءة لأحد. فهي ورقة موجهة بالأساس إلى أهل الدريوش، وهذا يعني أنها تهتم بجانب من الوضعية الجديدة التي آلت إليها مدينة الدريوش، وما سوف يترتب عنها في المستقبل القريب من نتائج محمودة، إنه محض توقع، لكنه ينبني على جملة من المعطيات الواقعية الملموسة، التي بات المواطن يشهدها بأم عينه في حياته اليومية. كما يعلم الجميع أن مدينة الدريوش حظيت بأن تصبح عمالة، أي أنها انتقلت مباشرة من مجرد جماعة صغيرة ومهمشة إلى عمالة، سوف يكون لها شأن كبير في المنطقة كلها، التي تشمل دائرتي الريف وامطالسة. وهذا الحدث يعني الكثير لمنطقتنا ومدينتنا الأصلية (الدريوش)، بل ويشكل محطة تاريخية عظمى، وذلك للدواعي الآتية: * عندما نتفحص تاريخ المنطقة التي توجد فيها مدينة الدريوش وما جاورها من المدن والقرى، نجد أنه مطموس ومندثر، إذ لا نملك المعطيات الكافية حول تاريخ أجدادنا قبل الإسلام وبعده، وحتى التاريخ الحديث لم يكتب بعد، لذلك فإن استحداث عمالة الدريوش، سوف يعيد الاعتبار لتاريخ المنطقة، وسوف يشكل محطة تاريخية عظمى، تفصل بين عهد التهميش الغابر، وعهد التحول والتنمية والتأهيل القادم. * إن ترقية مدينة الدريوش إلى مستوى عمالة، يعني أنها سوف تصبح في المستقبل القريب القطب الحضري الأساس في منطقة حوض كرت الأوسط، أي؛ عاصمة الريف الأوسط، لذلك يتوقع بأنها سوف تستقطب الكثير من المواطنين والمستثمرين، وسوف تتوسع عمرانيا واقتصاديا وثقافيا. * ثم إن مشروع العمالة يقتضي من الدولة أن تؤهل مدينة الدريوش لأن تكون عمالة في المستوى المطلوب، وذلك من خلال استحداث الكثير من المصالح الإدارية والأمنية والاقتصادية والثقافية، وغير ذلك. * إلى جانب هذه المصالح سوف تدعم، لا محالة، البنية التحتية للمدينة، فتعبد وتجدد الطرقات، وتهيأ الشوارع والأزقة، وتنشأ المساحات الخضراء، وينظم البناء، وتقوى الشبكة الكهربائية، ويعمم الماء الصالح للشرب، ويحل مشكل الوادي الحار، وغير ذلك. * ومما لا شك فيه أن هذه الأوراش والمشاريع سوف تغير وجه المدينة، ليس شكليا فحسب، وإنما تنظيميا كذلك، فتنظم حركة المرور، ويوجه النشاط التجاري، وتدعم الجهود الفلاحية والزراعية، ويفعل المجتمع المدني، وهكذا دواليك. * كما لا ننسى أنه سوف تحضر نوع من الصرامة القانونية في تنظيم مختلف المجالات والقطاعات في المدينة، وتتقلص الفوضى والتسيب، التي كانت سائدة على مستوى خدمات الإدارة وسلوك الناس، وتفرض الضرائب على المواطنين والتجار والمهنيين وغيرهم، قد ينظر إليها البعض نظرة سلبية، ويؤولها البعض الآخر على أنها استغلال، غير أنها في الحقيقة مسألة عادية، لأنه بواسطة تلك الضرائب تنظم المدينة أكثر، أمنيا وإداريا وبنيويا، على أن تحضر النزاهة التامة في تدبير ذلك المال العام. ماذا ينبغي أن يشكل هذا التغير الذي اعترى مدينة الدريوش بالنسبة إلى المواطن (الدريوشي) العادي، سواء أكان متعلما أم غير متعلم؟ إن استحداث عمالة الدريوش، وما سوف يستتبع ذلك من تحول عمراني وإداري واقتصادي، على مستوى المنطقة عامة، والمدينة خاصة، ينبغي أن يعني الكثير بالنسبة لكل مواطن دريوشي، لأنه سوف يشهد بأم عينه مدينته المهمشة، وهي تتبدل وتتطور وتزدهر، سوف يعايش الكثير من المشاريع والأوراش والإصلاحات، سوف يرى أن اسم مدينته يذكر في وسائل الإعلام المختلفة، سوف يرتاح من هاجس التنقل إلى المدن الأخرى لقضاء حوائجه الإدارية، سوف ينعم بشتى الأنشطة الرياضية والثقافية التي بدأت تشهدها المدينة... غير أنه مقابل ذلك إن المواطن الدريوشي لا ينبغي أن يظل كما كان في الماضي مجرد متفرج، خارج اللعبة، أو ممثل بدور سلبي، مكتوف الأيدي أمام ما يحدث، بل إنه مدعو اليوم إلى أن يكون طرفا أساسيا في اللعبة، وممثلا إيجابيا ومؤثرا في الواقع، وذلك عن طريق الإسهام المكثف في خدمة مدينته، بكيفية شخصية، أو عن طريق مؤسسات المجتمع المدني. حقا إن ثمة من يتشاءم من فعالية دور المجتمع المدني في خدمة المجتمع، إلا أن ذلك التشاؤم لا محل له من الإعراب، ولا أساس له من الصواب، لذلك ينبغي أن يستبدل الذي هو أدنى وهو التشاؤم، بالذي هو خير وهو التفاؤل، ويهب الجميع إلى المشاركة بسهمه في خدمة واقعه، ولو بالخدمة الرمزية، التي تتجلى في السلوك الحسن، ونظافة الشارع، واحترام المارة، والتعاون بين السائقين، وغير ذلك من الأمور الحقيرة، غير أنها في ميزان التنمية ثقيلة وجليلة. ثم ماذا يمكن أن يمثل هذا التغير بالنسبة إلى فئة مهمة من المجتمع الدريوشي، وهي شريحة المهاجرين المقيمين في مختلف الدول الأوروبية والغربية؟ إن هذا الحدث يضع أي مهاجر من أصل دريوشي أو امطالسي، أمام أمرين هما: * أولا: أن مدينته الدريوش سوف تتغير أكثر، فتصبح أحسن مما كانت عليه في الماضي، بمعنى أنه سوف تتوفر له الكثير من المرافق العمومية، والأنشطة الثقافية والترفيهية، والإمكانات السياحية، مما سوف يحفزه أكثر على زيارة مدينته بشغف وطواعية، لأنه دوما متذمر من هذه المدينة التي لا توفر له أي شيء أثناء زيارته لأهله في كل عطلة صيفية، وهذا ما يجعله يغادرها إلى المدن الأخرى، المجاورة أو النائية، بل وثمة من يفضل البقاء في المهجر أو السفر إلى دول أخرى! هكذا فإن استحداث عمالة الدريوش، يتوقع من خلاله أن المدينة سوف تزدهر ولو نسبيا، وهذا ما يرنو إليه كل دريوشي في المهجر، الذي يئس طويلا من حالة مدينته الأصلية المهمشة والمتردية. * ثانيا: غير أن المهاجر الدريوشي لا ينبغي أن يفكر فقط هكذا، وإنما ينبغي أن يسأل دائما نفسه حول؛ ماذا قدم لمدينته من مشاريع وأنشطة حتى تنهض من رقادها المزمن؟ ماذا صنع لمجتمعه الأصلي، الذي يعاني من الفقر والتهميش والتخلف، وهو يعيش في عالم كله غنى وتنمية وتقدم؟ هل فكر يوما في أن يخدم منطقته من خلال المهجر، حيث تتوفر له مختلف الإمكانات الإعلامية والثقافية والتعليمية والتجهيزية، وغيرها؟ لذلك فقد آن الأوان في أن لا يفكر المهاجر الدريوشي فقط في ماذا أعطته مدينته، وإنما العكس؛ في ماذا أعطى هو لمدينته؟! لأن المسؤولية معلقة في رقاب الجميع، سلطة ومواطنين مقيمين أو مهاجرين. خلاصة القول.. هذا حديث خاص بأهل الدريوش، يبعث الأمل والتفاؤل في كل النفوس والأنحاء، غير أن هذا الأمل أو ذلك التفاؤل لا ينبغي أن يكونا مدعاة للغرور أو الانتظار، بقدر ما ينبغي أن يشكلا حافزا قويا لدى الجميع على الوعي اللازم، بالمرحلة التاريخية الحساسة التي تلجها مدينة الدريوش، وهو وعي لا يجب أن يظل رهين ما هو نظري، وإنما يتحتم أن يترجم على أرض الواقع في شكل إسهامات يغتني بها، لا محالة، المجتمع الدريوشي، في كل أبعاده ومكوناته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والبنيوية، وغير ذلك.