باحث مغربي مقيم بهولندا في حقيقة الأمر، تفاجأت أيما مفاجأة بالردود التي انهالت عليّ، والتعقيبات التي خطت حول مقالتي المتعلقة بحدث استحداث عمالة الدريوش، ليس لأنها كانت قاسية وعاطفية، مبطنة بالحقد والضغينة وسوء الأخلاق، وإنما لأن أصحابها لم يفهموا أغلب مضامين كلامي، الذي كان أكثر واقعية، أو لأنهم فهموا كلامي، غير أنهم تعمدوا الإساءة إلى صاحبه، لا لشيء إلا لأنه من الدريوش! ومكامن الواقعية والصدق في مقالتي، تتجلى في أكثر من موضع وعبارة وإشارة، إذ أنني أدعو دوما إلى توحيد الأمازيغ ليس في الريف فحسب، وإنما في سائر مناطق تمازغا، فكنت أتمنى أن تكون ثمة عمالة توحد قرى وجماعات الدريوش وميضار قاطبة، ثم إنني وقفت ضد الصراع القبلي الذي لا نجني منه إلا الشوك والحسك، وقد فوت علينا فرص التنمية والتطور، وانزلق بنا إلى مستنقع التهميش والإقصاء، كما أنني عندما أشرت إلى معاملة بعض أهل ميضار السيئة لتلاميذ الدريوش، خصصت بذلك شرذمة من الناس وقطاع الطرق، الذين كانوا يسيئون لنا، واستثنيت الأغلبية الساحقة، من أهل ميضار الشرفاء الذين هم إخوة لنا، ولهم فضل كبير علينا. شكرا لأهل ميضار.. هنيئا لأهل الدريوش إن الكثير من متابعي هذا الحدث المستجد على مستوى المشهد السياسي الريفي، خلصوا إلى أن العمالة لو كانت قد منحت لأي منطقة غير الدريوش، لما كان رد فعل أهل ميضار هكذا، كما نعايش اليوم، وهو رد فعل ينم عن الحقد الدفين والعصبية التي لا تخدم الريف في شيء، وعندما أتحدث عن أهل ميضار في هذا الصدد، أخص أولئك الحاقدين الذين كشروا عن أنيابهم، وأزالوا القناع عن كراهيتهم لجيرانهم، الذين لا يكنون لهم إلا المحبة والتسامح والتعايش، فهم بهذا السلوك المشين؛ • أولا: يسيئون بشكل كبير إلى النخبة الثقافية والسياسية من أهل ميضار، الذين فيهم من هم أساتذة لنا، ومن هم أصدقاء لنا، ومن هم أحباب لنا، وأشير في هذا المقام إلى جملة من الأسماء المعروفة، كالعيساتي وأزواغ وعاصم والطاوسي والغزاوي، وغيرهم. • ثانيا: يسيئون إلى بعض الجمعيات والتنظيمات الثقافية، المشهود لها بالاعتدال والتسامح والخدمة العلمية، لمختلف قضايا المنطقة اللغوية والتعليمية والتنموية والثقافية، وأذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر، الحركة من أجل الحكم الذاتي للريف، التي أصدرت بيانا يدعو إلى توحيد الريف، وعدم السقوط في النزاعات المحلية التي تزرع بذور الشتات والفرقة، وألتمس من أولئك الحاقدين، أن يعيدوا قراءتهم العميقة لذلك البيان، وبمجرد ما يتمكنون من استيعاب محتوياته وفهم مقاصده، سوف يخجلون مما اقترفوه في حق إخوانهم في الدريوش! • ثالثا: يظهر هؤلاء الحاقدون لخصوم الريف والأمازيغية التقليديين، مدى تصارعنا التافه، وتفككنا الواضح، مما يمكنهم أكثر من السعي إلى تشتيت وحدتنا، وتهديد مصالحنا، وتعطيل مشروعنا التنموي. • رابعا: يكشف هؤلاء عن مدى ميلهم إلى الصراع القبلي والعصبية الضيقة، مما يجعل الدولة أو المخزن المغربي يعيد حساباته بخصوص الريف عامة، ومنطقتنا خاصة. • خامسا: إن المواقف التي عبر عنها الكثير من شباب ميضار، وبعض جمعياته ومواقعه الإلكترونية، وهي مواقف تنبني على العاطفة والانفعال، وتخاطب بلغة الحقد والشتم والقذف كل ما هو دريوشي أو امطالسي، إن دلت على شيء، فإنها تدل على أن هؤلاء الذين يتعاملون بهذا الأسلوب، ليسوا في مستوى أن يمثلوا الآخرين أو ينوبوا عنهم، فأنت إذا كنت تقصي الآخر وتحقد عليه، فكيف لك أن تفرض عليه أوامرك وتعاليمك، وتسعى إلى رئاسته وإخضاعه لك! فلنفترض مثلا، أن العمالة تحولت إلى ميضار، فكيف سوف يتعاملون مع (إبضارسن!). من هذا المنطلق، فإنني أعاتب على هؤلاء الشباب الحاقدين أنهم أساؤوا من جهة أولى إلى أجدادهم المجاهدين، ومن جهة ثانية أساؤوا إلى النخبة الثقافية والسياسية من أهل ميضار، الذين نكن لهم المودة، ونشكر لهم جميلهم علينا وعلى الأمازيغ كلهم. وفي مقابل ذلك، أهنئ أهل الدريوش الذين عبروا كما العادة عن تسامحهم الممتد، تجاه ذلك الحقد والضغينة، ولم يسارعوا إلى النبش في ذاكرة الصراعات القبلية القديمة، كما لم يدعوا إلى العصبية والتفرقة والتنازع! البادئ أظلم.. والحقيقة تصدم! كان من المتوقع من الفعاليات الجمعوية والثقافية بميضار، أن لا تحمل مسؤولية ما حدث لإخوانهم ساكنة الدريوش، وإنما توجه خطابها للمسئولين المحليين والحكوميين الذين رشحوا الدريوش لأن تكون عمالة، فأهل الدريوش لا ناقة لهم ولا جمل فيما حصل، فهم كذلك باغتهم القرار الملكي باستحداث عمالة الدريوش، فما كان عليهم إلا أن يتقبلوا هذه المنحة الملكية بطيب الخاطر وعين الرضا، غير أنه للأسف نغص عليهم بعض شباب ميضار الحاقد فرحتهم، فراحوا يسبونهم ويعيرونهم ويسدون إليهم مختلف الإساءات والإهانات، حتى أن قارئ ما يكتب وينشر عبر الشبكة العنكبوتية، يستغرب لذلك، كما أن أهل الدريوش ليسوا أمازيغا أو مغاربة أو مسلمين! على هذا الأساس، فمن البادئ بالظلم؟ أليس هذا الشباب من أهل ميضار، الذي يزعم أنه يتحدث باسم المجتمع المدني الريفي، من خلال يعض المواقع والمدونات الرقمية، في حين أنه يسيء كثيرا إلى مجتمعه، فيشوه بذلك ذاكرته التاريخية، ثم لماذا كل هذا الظلم، الذي لا يقبله رب العباد، ولا العباد أنفسهم! ألأن ما وقع صدم هؤلاء، فما كان عليهم إلا البحث عن مشجب يعلقون عليه غضبهم وحقدهم، فكان المشجب هو أهل الدريوش! ومع ذلك كله، فأهل ميضار إخوة لنا.. مهما فرقت بيننا الأيديولوجيات والمصالح والصراعات. وإن كان ثمة من يزعم بأننا لسنا أمازيغ، وينكر أرومتنا الأمازيغية، فلا نملك إلا أن نقول له: نحن مغاربة، وإن عاندنا، فشكك في حقيقة مغربيتنا، فنقول له: نحن مسلمون! وإن تمادى في عناده، فقال: أن إسلامنا ناقص أو متذبذب، فلا يسع لنا إلا أن نذكره بقوله سبحانه وتعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم﴾ الحجرات/12. وبحديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: "إذا بلغك عن أخيك الشيءَ تنكره؛ فالتمس له عذرا واحداً إلى سبعين عذرا، فإن أصبته وإلا قل لعل له عذرا لا أعرفه". فمتى يعيد هؤلاء الشباب النظر فيما يقترفونه من إساءات، ويجتنبون الظن، ويلتمسون العذر! كفانا من ازدواجية المعايير! كتب أحدهم يقول أنني ملكي أكثر من الملك، وكتب ثان يقول أنني تشتم مني رائحة المخزن، وزاد ثالث يقول أنني حفيد الوداديات، وأضاف رابع يقول أنني أدعي أني فاعل جمعوي، وردد خامس يقول أنني عروبي... وكتب آخرون يشتمونني ويعيرونني! وإن يبدو للعيان أن هؤلاء كلهم أذنبوا في حقي، ومع ذلك فإنني أعذرهم جميعهم، لأن منهم من عبر بانفعال وغضب، ومنهم من لم يفهم كلامي، ومنهم من لم يستوعب بعد حقيقة الواقع السياسي والثقافي المغربي، غير أني أود أن أبين لهم الأمور الآتية: • لماذا يتهم أهل الدريوش بأنهم مخزنيون، وأنهم متواطئون مع السلطة، لا لشيء إلا لأنهم حظوا بمشروع العمالة، في حين نرى بعض شباب وجمعيات أهل ميضار يهرولون لاسترجاع العمالة إليهم، بل ويستميتون عن طريق التظاهر والاحتجاج والبيانات، علهم يتمكنون من صرف المخزن عن منح الدريوش العمالة؛ فهم تارة يقدحون في المخزن ويتهمونه بالفساد واللا ديمقراطية، وتارة أخرى يستجدونه ويهرعون إليه ملتمسين منه إعطاء ميضار العمالة عوض الدريوش، فلماذا هذا التناقض في المعاملة، ولماذا هذه الازدواجية في النظرة؟! • إن الدريوش، سواء على مستوى المركز، أم الجماعات والقيادات التابعة له، تعتبر أهم ملتقى للخصوصيات الثقافية واللغوية، الأمازيغية والعربية والصحراوية والداخلية، حيث يمارس التعايش في أرقى مستوياته، مما يؤهل ساكنة المنطقة للتعامل مع مختلف مكونات المجتمع المغربي، وهذه في الحقيقة ميزة معتبرة، تحضر بشكل كبير في نظريات علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا، بل وثمة من المجتمعات المعاصرة من يخصص جهودا وميزانيات خيالية، لمشاريع التعدد والتعايش الثقافي، في حين نرى الكثير من الشباب الميضاري من ينظر إلى هذه الخصوصية الراقية، بنظارة سوداء، تتأسس على التأويلات الجوفاء، التي ترى في أهل الدريوش عروبيين ومخزنيين، ما دام أنهم يتحدثون العربية أو العامية، ويتعايشون مع بعض القبائل العربية، أو الأمازيغية المستعربة! • ثم تجدر الإشارة إلى أن النضال السياسي الذي يدعيه البعض، ما هو إلا حيلة للوصول إلى بعض الأهداف الذاتية، والمصالح المادية، وقد عايشنا في الجامعة المغربية الكثير ممن يعتبرون أنفسهم مناضلين، ساخطين على الواقع والدولة والقصر، لكن بعد ردح من الزمن اكتشفنا أنهم، إما كانوا ينتظمون في صفوف المخابرات الجامعية السرية، وإما أنهم كانوا يناضلون حتى تلمع أسماؤهم وتشتهر، وعندما تأتي الفرصة المواتية، ينقضون على المصالح التي كانوا يخططون في الخفاء لتحقيقها، لذلك فإن هاجس الكثير من الشباب المحتج على استحداث العمالة بالدريوش، هو تفويت فرصة الاستفادة من كعكة هذه العمالة، والحرمان من عسيلتها! • ثم ألا تقف خلف هذا الاحتجاج المعلن، والتظاهر المتواصل، أياد خفية، تسعى إلى توظيف هذه القضية الساخنة، كورقة سياسية رابحة في سياق الانتخابات الجماعية الجديدة، والطريق الوحيد إلى ذلك هو اختلاق وهم الصراع القبلي بين دائرتي امطالسة والريف، وهو في الحقيقة صراع مفتعل و(مفبرك!)، ولو سلمنا جدلا بأنه كان يحدث في بعض الفترات التاريخية الغابرة، غير أنه كان يتم بشكل نسبي، ليس كما تروج له بعض الكتابات الصفراء، فهو كأي صراع حول الكلأ والماء والأرض في أي بقعة من الكرة الأرضية! لذلك فليعي هذا الشباب المحتج والحاقد أن أسياده سماسرة السياسية وتجاره، يفرحون بشدة لهذه المهازل التي يقدمون عليها، التي لا محالة سوف تخدم أولئك الأسياد، الذين يقومون بكل شيء مقابل فوزهم السياسي والانتخابي. • كما أن ثمة من ينصب نفسه مناضلا، ومتحدثا بلسان جهة لا وجود لها أصلا، شغله الشاغل هو تتبع عورات الناس، والإساءة لكل من يتحدث بلسان الإنصاف والموضوعية، لذلك فقد غاض البعض أنني دافعت عن القرار الملكي، فسرعان ما ألصق بذمتي صك اتهام، بأنني مع المخزن، وأنني أمازيغي مزيف، وأنني كشفت عن حقيقتي العروبية، وهلم جرا. لذلك أقول لهؤلاء كيف تمنعون الآخرين من شكر الملك، وأنتم تسعون حثيثين إليه! كيف تتهمون أهل الدريوش بالتواطؤ مع المخزن، وأنتم تحلمون باللحظة التي يرضى فيها عليكم المخزن! إن من عادتي أن أكتب بقلم الصدق، وألهج بلسان الإنصاف، وما إشارتي الإيجابية إلى القرار الملكي، وشكري الأكيد لالتفاتة الملك، إلا من باب قول الحق والحقيقة، أتمنعونني من أن أقول ذلك في ملك أعاد الاعتبار إلينا، بعد قرون من النسيان، وأنتم تعلمون أن جدنا طارق بن زياد، رضي أن يكون تحت إمرة الحاكم الأموي، وأن مولانا إدريس الأول احتفى به أجدادنا الأمازيغ، ونصبوه عليهم أميرا. فلماذا هذا التناقض العارم في تفكيركم وتقديركم. بعد هذه القراءة الواقعية التي تبدأ من نقد الذات، حتى تتمكن من تصحيح أخطائها وهفواتها، ومن الاستيعاب الواقعي لما يجري، أشير إلى أننا كلنا أصبحنا أمام واقع أمر جديد، وهو تخصيص منطقتنا، بما في ذلك دائرة الدريوش ودائرة الريف، باستحداث عمالة سوف يكون مقرها، وفق ما تضمنه القرار الملكي في جماعة الدريوش، مما يعني أن السياق القديم تغير وتطور، وأن ثقافة التظاهر والاحتجاج والصراع القبلي والأيديولوجي لا تجدي في شيء، وإنما الذي يجدي هو ثقافة التكافل والتعاون والتعايش، بين مختلف المكونات البشرية والترابية، التي سوف تنضوي تحت هذه العمالة المستقبلية، لأنه بذلك سوف نضع عجلة التنمية الحقيقية لمناطقنا على السكة الصحيحة، كما وضعتها المناطق والأقاليم المجاورة لنا، وتحقيقا لهذه الغاية المثلى، التي يحلم بها كل أمازيغي وريفي وامطالسي، منذ أكثر من نصف قرن، ليس أمامنا إلا نهج أسلوب واحد، وهو أسلوب التعاون من أجل إنجاح هذا المشروع، الذي هو مشاع بيننا، وملك للجميع، سواء أكان في دائرة الريف، أم في دائرة الدريوش، ولن يتأتى هذا التعاون إلا عندما يتنازل كل منا عن نرجسيته وعصبيته وأنانيته واستئثاره! ويستجيب لنداء المصلحة العامة، لا لنداء الذات والأغراض الشخصية الزائلة. www.tijaniboulaouali.nl